<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 18:47:42 Dec 20, 2015, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

تعزيز التسامح

بمناسبة العيد الخمسين لليونسكو في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، إعتمدت الدول الأعضاء إعلان مبادئ بشأن التسامح يؤكد، من جملة المبادئ التي يؤكد عليها، على أن التسامح لا يعني التساهل أو عدم اكتراث بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني في ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان. فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية وبالحريات الأساسية للآخرين. وبما أن الناس متنوعون بطبيعتهم، وحده التسامح قادر على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم.

يعتبر التمييز والتهميش، إلى جانب الظلم والعنف الصارخَين، أحد الأشكال الشائعة للتعصب. ولذلك، يجب أن تهدف التربية من أجل التسامح إلى درء التأثيرات التي تولد الشعور بالخوف من الآخرين واستبعادهم. كما ينبغي أن تساعد الشباب على تطوير قدراتهم لإصدار الأحكام المستقلة وتحفيز التأمّل الناقد والتفكير الأخلاقي. ولا يجدر بتنوع الديانات واللغات والثقافات والإثنيات في عالمنا أن يشكّل حجة لنشوب الصراعات بل هو بالأحرى كنز تغتني منه البشرية جمعاء.

سعي عالمي وراء التسامح

1995، سنة الأمم المتحدة للتسامح

ماذا بعد ؟

قررت الأمم المتحدة، بمبادرة من اليونسكو، إعلان سنة 1995 التي تحتفل خلاله المنظمتان بعيدهما الخمسين، السنة الدولية للتسامح.

تشكل السنوات الدولية فرصاً إستثنائية لتوليد التفكير والنقاش والوعي. وغالباً ما تركز على فئة مستهدفة معينة أو على مجال للعمل أو على مسألة محددة. وللمرة الأولى، سلطت السنة الدولية للتسامح الضوء على فضيلة شخصية تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى ضرورة سياسية وقانونية لتحقيق العيش المشترك السلمي.

لطالما اعتبر التسامح فضيلة معنوية لأنّه يجسّد القدرة على تقدير التنوع وعلى العيش والسماح للآخرين بالعيش والقدرة على التمسك بالقناعات الشخصية مع قبول تمسك الآخرين بقناعاتهم والقدرة على التمتع بالحقوق والحريات الشخصية من دون التعدي على حقوق الآخرين وحرياتهم. كما أنّ التسامح يشكل الدعامة الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان. وبالتالي، فإن التعصّب في المجتمعات المتعددة الإثنيات أو الديانات أو الثقافات يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان ونشوب العنف أو الصراع المسلح.

وفي هذا السياق، نتساءل: كيف لنا أن نحقق التسامح بعد خمسين عاماً على التزام الدول الموقّعة على ميثاق الأمم المتحدة بـ "ممارسة التسامح والعيش بسلام مع بعضها البعض في جوٍ من حسن الجوار"، وبعد مرور أكثر من قرنين على المعركة الفلسفية المحتدمة التي قادها فولتير ضد التعصب الديني وضد التزمت والظلم اللذين يشرعهما التعصب؟

ولقد أتاحت السنة الدولية للتسامح إطلاق أفكار جديدة وقديمة واختبارها وسمحت بزيادة الوعي العام. وتراوحت المشاريع الفردية بين استخدام منهجيات التعليم التقليدية والمحلية، على غرار عروض الدمى المتحركة المخصصة للأطفال، وتنظيم المعارض والحفلات الموسيقية وعروض الأفلام للإطلاع على سائر الثقافات والديانات وأساليب الحياة.

وبذلت منظمة اليونسكو جهوداً حثيثة لبناء التسامح في مناطق الصراع- فقد أنشأت محطة تلفزيونية متعددة الإثنيات، محطة أن.تي.في 99NTV في مدينة سراييفو بفضل تبرعات جمعتها من عدة بلدان أوروبية-، وفي المجتمعات الخارجة من الصراع- حيث أسهمت مشاريع المصالحة وإعادة الإعمار في بناء الجسور بين الأعداء القدامى في بوروندي والموزمبيك والسلفادور ليركزوا اهتمامهم على حاجاتهم الجماعية ومستقبلهم المشترك.

وركزت السنة الدولية للتسامح أنشطتها على المدراس، إذ أعدت اليونسكو دليلاً تعليمياً بعنوان "التسامح: عتبة السلام على الآلاف ووزعته على آلاف المدارس المنتشرة عبر العالم وطلبت من الأساتذة تقديم تقييماتهم ومقترحاتهم في هذا الشأن. وعمدت المدارس عبر العالم إلى تنظيم نقاشات في الصفوف ومباريات في الإنشاء والرسم وأسابيع إعلامية ومهرجانات وبرامج تبادل الطلاب، وذلك كله ضمن موضوع التسامح.

كما ابتكرت اليونسكو جائزة لتعزيز التسامح واللاعنف وأخرى لأدب الأطفال الداعي إلى التسامح. وسلطت السنة الدولية للتسامح الضوء على بعض المبادرات المميزة التي أطلقها بعض الأفراد الراغبين في التعبير عن التزامهم الشخصي بالتسامح والإسهام في حملة التوعية العامة. فصمم ستة من أكبر فناني العالم ست رايات لتكون رموزاً للتسامح. وأنتج سفير اليونسكو للنوايا الحسنة، بيار كاردان، مجموعة من هذه الرايات الست وقدمها إلى كل بلد لتصبح الرايات كتذكار أبدي بالتسامح للملايين من الناس.

وفي 14 تموز/يوليو، حشد جان ميشال جار، وهو سفير للنوايا الحسنة أيضاً، مليون ونصف مليون شخص في حفل موسيقي مجاني أحيياه من أجل التسامح في العاصمة الفرنسية، باريس، وتابعه الملايين من المشاهدين عبر شاشات التلفزيون.

برز موضوع التسامح والتعدد الثقافي والتنوّع العالمي والحوار الديني والثقافي على جداول الأعمال في أكثر من خمسين إجتماعاً وطنياً وإقليمياً ودولياً نظمت على مدار السنة. وبينما تشكّل هذه الاجتماعات مناسبات لتبادل الآراء والمعرفة بشكل رئيس، فهي عملت أيضاً على تحديد التسامح ومتطلباته وناقشت خطوط العمل لتعزيز التسامح ومواجهة نمو التعصب في السنوات المقبلة. وتوجت هذه الجهود الحثيثة بإعلان المبادئ بشأن التسامح الذي إعتمدته الدول الأعضاء الـ 185 في منظمة اليونسكو ووقعت عليه في باريس، بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995. ولا يصنّف هذا الإعلان التسامح كمجرد واجب معنوي بل أيضاً كمقتضى سياسي وقانوني للأفراد والمجموعات والدول. كما أنه يربط التسامح بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الصادرة خلال نصف القرن الفائت ويشدد على واجب الدول في صياغة تشريعات جديدة، عند الإقتضاء، لضمان المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص لكافة المجموعات والأفراد في المجتمع.

وبالإضافة إلى التعهد بتعزيز التسامح واللاعنف من خلال السياسات والبرامج التربوية، أعلنت الدول الأعضاء أن السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر هو اليوم الدولي السنوي للتسامح.

ولقد عرض الإعلان على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والخمسين في العام 1996 ليتم اعتماده.

التسامح: الفضيلة المهددة بالخطر

كان الهدف الآني الأهم وراء إعلان سنة 1995 السنة الدولية للتسامح زيادة الوعي في أوساط صانعي السياسات ولدى الجمهور على المخاطر المرتبطة بأشكال التعصب المعاصرة. فمنذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، شهدت الصراعات الإجتماعية والدينية والثقافية نمواً ثابتاً. وسرعان ما تحول العديد منها إلى صراعات مسلحة واسعة النطاق؛ وتعرّض العديد من حقوق الإنسان الأساسية إلى اعتداءات مباشرة وأزهقت أرواح كثيرة.

وهنا تطرح أسئلة عديدة: ما القاسم المشترك بين إيقاظ الأحقاد التاريخية والصراعات المسلّحة في البلقان والزيادة المقلقة في عدد الهجمات العنصرية في أوروبا الغربية؟ وما هي العلاقة الرسمية، إن وجدت، بين المجموعات المتطرفة أو المتسلطة عبر العالم؟ وما علاقة الإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا بالحروب التي تشنها مجموعات متطرفة دينياً في مناطق أخرى من العالم؟ وهل من رابط بين العنف الذي يستهدف الكتاب والصحافيين والفنانين في بلد ما والتمييز الذي تتعرّض له الشعوب الأصلية في بلد آخر ؟

الجواب الوحيد المتوفّر حالياً هو أن التعصب يتصاعد في كل مكان ويحدث المآسي الجسام على نطاق جماعي. فلطالما أثار مسائل معنوية إلى جانب المسائل السياسية التي أثارها في التسعينيات. وأصبح ينظر إلى التعصب أكثر فأكثر كتهديد خطير للديمقراطية والسلام والأمن. ومن الطبيعي أن تقض هذه المسألة مضاجع الحكومات والشعوب إلا أن أي نقاش لموضوع التعصب يطرح أسئلة أكثر بكثير مما يقدم أجوبة.

وغني عن القول إن التعصب محفور في تاريخ البشرية، فهو أشعل فتيل معظم الحروب وغذى الإضهادات الدينية والمواجهات الإيديولوجية العنيفة. فهل هو كامن في طبيعة الإنسان ؟ هل يمكن تخطيه؟ هل يمكن تعلم التسامح؟ وكيف تستطيع الديمقراطيات معالجة التعصب من دون التعدي على الحريات الفردية؟ كيف لها أن تدعم مدونات السلوك الفردية، من دون سن القوانين ولا تقييد سلوك مواطنيها ؟ كيف يمكن تحقيق التعدد الثقافي السلمي ؟

بغية الإجابة على هذه الأسئلة، جمعت النقاشات التي دارت في العام 1995 بين الحكومات وعلماء الإجتماع والمحاميين والخبراء في مجال حقوق الإنسان والفنانين وسائر الجهات الفاعلة. وتم اقتراح بعض الحلول والتوصل إلى توافق مهم في الآراء، إلاّ أن الطريق لا يزال طويلاً. لكنّ الأهم حالياً هو وجود اقتراح رسمي بعقد قمة عالمية لتخفيف الكراهية. لكن هل تملك الأسرة الدولية الوقت الكافي لتحقيق ذلك قبل نشوب الأزمة المقبلة؟ ومع توالي الساعات والأيام، يحضرنا كلام زلاتكو ديزداريفيك Zlatko Dizdarevic، رئيس تحرير مجلة سراييفو المتعددة الإثنيات، Oslobodenje : " في سراييفو، أصبح مفهوم المجتمع المتعدد الإثنيات ممتحناً؛ وربما يصبح مصيرنا واحداً."

كيف يمكن مواجهة التعصّب ؟

1)  مكافحة التعصّب تستدعي قانوناً :

إن كل حكومة مسؤولة عن إنفاذ قوانين حقوق الإنسان وعن حظر جرائم الحقد والتمييز بحق الأقليات ومعاقبتها، سواء ارتكبت على يد مسؤولين في الدولة أو منظمات خاصة أو أفراد. كما يجب على الدولة أن تضمن تساوي الجميع في الاحتكام إلى القضاء ومفوضي حقوق الإنسان أو أمناء المظالم، لتفادي قيام الأفراد بإحقاق العدالة بأنفسهم واللجوء إلى العنف لتسوية خلافاتهم.

2)  مكافحة التعصّب تستدعي التعليم :

إن القوانين ضرورية لكنها ليست كافية لمواجهة التعصب في المواقف الفردية. فغالباً ما يكون التعصب متجذراً في الجهل والخوف: الخوف من المجهول، من الآخر، من الثقافات والأمم والديانات الأخرى. كما يرتبط التعصب إرتباطاً وثيقاً بشعور مفرط بالثقة بالنفس والغرور، سواء كان شخصياً أو وطنياً أو دينياً. وهي مفاهيم تدرس وتعلم في سن مبكرة. لذلك، لا بد من التشديد أكثر من قبل على توفير المزيد من التعليم والتعليم الأفضل وعلى بذل جهود إضافية لتعليم الأطفال التسامح وحقوق الإنسان وسبل العيش الأخرى. ويجب تشجيع الأطفال، سواء في المنزل أم في المدرسة، على التمتع بالانفتاح والفضول.

لذلك، فإن التعليم لا يبدأ أو ينتهي في المدرسة بل هو تجربة تستمر مدى الحياة. ولن تتكلل مساعي بناء التسامح عبر التعليم بالنجاح ما لم تصل إلى مجمل الشرائح العمرية وتحصل في كل مكان: من المنزل والمدارس وومكان العمل وصولاً إلى مجال تطبيق القانون والتدريب القانوني، وأخيراً وليس آخراً إلى ميدان التسلية وعلى الطرق السريعة للمعلومات.

3)  مكافحة التعصّب تستدعي النفاذ إلى المعلومات :

يصبح التعصب خطيراً فعلاً عندما يتم استغلاله لتحقيق الطموحات السياسية والأطماع بالأرض التي تنتاب أحد الأفراد أو مجموعات الأفراد. وغالباً ما يبدأ المحرضون على الكراهية بتحديد عتبة التسامح لدى العامة. ثم يطورون حججاً واهية ويتلاعبون بالإحصائيات وبالرأي العام من خلال نشر معلومات مغلوطة وأحكام مسبقة. ولعل الوسيلة الأنجع للحدّ من نفوذ هؤلاء المحرضين تكمن في تطوير سياسات تولد حرية الصحافة وتعددها وتعززها من أجل السماح للجمهور بالتمييز بين الوقائع والآراء.

4)  مكافحة التعصّب تستدعي الوعي الفردي :

إن التعصب المتفشي في مجتمع ما هو الا حصيلة التعصب الموجود في أفراده. ويعتبر التزمت والتنميط والوصم والإهانات والدعابات العنصرية خير أمثلة على التعابير الفردية عن التعصب الذي يتعرض له الأشخاص يومياً. فالتعصب يولّد التعصب ويترك ضحاياه متعطشين للثأر. ولا يمكن مكافحة هذه الآفة إلا بوعي الأفراد للرابط القائم بين أنماط سلوكهم والحلقة المفرغة لانعدام الثقة والعنف في المجتمع. ويجب على كل فرد في المجتمع أن يسأل نفسه: هل أنا متسامح ؟ هل أميل الى تنميط الأشخاص ؟ هل أنبذ الأشخاص المختلفين عني ؟ هل ألومهم على المشاكل التي أواجهها ؟

5)  مكافحة التعصّب تستدعي الحلول المحلية :

يدرك معظم الناس أن مشاكل الغد ستأخذ طابعاً عالمياً يوماً بعد يوم لكن قلة تعي أن الحلول للمشاكل العالمية تبدأ بشكل أساسي على الصعيد المحلي، لا بل الفردي. فعندما نواجه تصعيداً في التعصب، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار الحكومات والمؤسسات لتتحرك بمفردها. فجميعنا جزء من الحل ويجب ألا نشعر بالعجز لأننا نملك، في الواقع، قدرة هائلة لممارسة نفوذنا. ويعتبر العمل السلمي إحدى الوسائل المؤاتية لاستخدام هذا النفوذ، أي نفوذ الشعب، إذ أن أدوات العمل السلمي كثيرة تتراوح بين رص صفوف مجموعة ما لمواجهة مشكلة مطروحة وتنظيم شبكة شعبية وإبداء التضامن مع ضحايا التعصب وتكذيب الدعاية المغرضة، وهي في متناول كل من يرغب في وضع حد للتعصب والعنف والحقد.

 

العودة إلى أعلى الصفحة