ا
<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 17:52:38 Aug 09, 2016, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
الأمم المتحدةمرحباً بكم في الأمم المتحدة. إنها عالمكم

سلسلة ورقات المناقشة

الورقة الأولى

 

بشأن محرقة اليهود والآثار المترتبة عليها


27 كانون الثاني/يناير 2006،
بقلم الأستاذ يهودا باور،
المستشار الأكاديمي لهيئة إحياء ذكرى شهداء وأبطال المحرقة

 

كان ذلك إبان الحرب العالمية الثانية، وهي أفظع نزاع في التاريخ الإنساني حتى الآن، حيث أتاحت الإطار الذي أمكن فيه حدوث أوشفيتز، رمز الإبادة الجماعية، وأن تلك الحرب بدأتها ألمانيا النازية، لأسباب أيديولوجية إلى حدٍ كبير، أحدها، الرغبة في السيطرة على أوروبا، ومن خلالها السيطرة على العالم، وبالتالي تحقيق إدارة بسلسلة مراتب عنصرية على المستوى العالمي حيث تجيء شعوب الشمال ذات الجنس الآري في القمة، وكل شخص آخر يجيء دونها في المرتبة. وكان العنصر الرئيسي الثاني في الأيديولوجية النازية هو معاداة السامية. فالنازيون كانوا يرون اليهود مثل الشيطان الذي كان يتحكم في جميع أعداء ألمانيا، ففي ناحية من وجهة نظرهم، كان يقف هتلر، يسوع المسيح الجديد، الذي سيقود الإنسانية، تحت السيطرة الألمانية نحو مستقبل مجيد. وكان في الطرف الآخر، يقف اليهودي الشيطان الذي كان يمنع هذه المدينة الفاضلة من تحقيق هدفها في السيطرة العالمية. وكان بإسم التمنيات بوجود عالم عنصري جديد رائع أن اقتنعت الغالبية الساحقة من الشعب الألماني بارتكاب عمليات القتل الجماعي، بما في ذلك ثلاث إبادات جماعية على الأقل: إحداها ضد البولنديين، وأخرى ضد طائفة الروما (الغجر) وثالثة ضد اليهود. وإننا لن ننسى مطلقاً أن التمنيات تقتل، والتمنيات الشمولية المتطرفة، مثل الاشتراكية الوطنية والشيوعية، واليوم يقوم المتطرفون الداعون إلى إجراء التغيير والذين يؤيدون الإرهاب العالمي، بعملية القتل بشكل متطرف وشامل.


وليس من قبيل المبالغة القول أن الحرب العالمية الثانية، ووفاة عشرات الملايين ودمار البلدان والثقافات، والتعذيب ووفيات الأطفال والبالغين كان مردّه إلى حدٍ ما إلى كراهية اليهود. وثمة جانبان لمحرقة اليهود، أحدهما هو خصوصية المصير اليهودي والجانب الآخر هو الآثار الجامعة المترتبة على ذلك، وهما وجهان للعملة ذاتها. وكان اليهود هم الضحايا المخصوصين للإبادة الجماعية، بيد أن الآثار المترتبة على ذلك تعتبر شاملة لسبب هو من يدري من الذي سيكون اليهود في المرة التالية.


وتتمثل المشابهة الأساسية بين المحرقة والعمليات الأخرى للإبادة الجماعية في أن معاناة الضحايا متشابهة. فعملية القتل هي عملية قتل والتعذيب هو عملية تعذيب والاغتصاب هو اغتصاب؛ والتجويع والمرض والإذلال جوانب متشابهة في جميع عمليات القتل الجماعية. فليس هناك تدريجات، وليس هناك عملية قتل أحسن أو أسوأ من عملية أخرى، وليس هناك شخص ضحية أكثر من أي شخص آخر.


والمشابهة الأخرى تتمثل في أن كل عملية قتل تُرتكَب بنفس الوسائل الفنية والبيروقراطية المتاحة تحت تصرّف مرتكبي الجرائم. ومن ثم فإن عملية القتل اليوم في دارفور تُرتكب بمساعدة من عمليات القصف الجوي، واستخدام الهواتف الخلوية، وبيروقراطية الحكومة التي تدعم عمليات القتل وتمنع التدخل الخارجي الفعّال. وكانت المحرقة تُرتَكَب بأحسن الوسائل الفنية والبيروقراطية المتاحة تحت تصرّف ألمانيا. بيد أن الاختلاف كان في حدوثها في صميم قلب الحضارة الأوروبية والعالمية، وكان هذا شيئاً لم يسبق له مثيل.


وخلال القرن العشرين قامت حكومات ومنظمات سياسية بقتل أعداد ضخمة من المدنيين والسجناء غير المسلحين، وقُتل عدد من المدنيين أكثر ممن قتل من الجنود. ومن بين هؤلاء ما يقارب ستة ملايين يهودي ماتوا في أعنف حالة متطرفة من حالات الإبادة الجماعية حتى الآن. فلماذا كانت المحرقة هي أكثر الحالات تطرفاً؟ ولماذا يظهر مزيد ومزيد من الناس اهتماماً بهذه المأساة الخاصة ولماذا هناك فيض من أدب القصص الخيالي والمسرح والأفلام والسلاسل التليفزيونية والفن والموسيقى وبالطبع البحوث التاريخية والخاصة بأحوال المجتمع البشري والبحوث الفلسفية والنفسية وغيرها من البحوث الأكاديمية، فيض لم يعادله على الإطلاق أي شيء في التعامل مع أي حدث تاريخي آخر؟
يرجع السبب - في ظنّي - إلى أن جميع العناصر في كل عملية إبادة جماعية تتكرر في بعض عمليات الإبادة الجماعية الأخرى، لكن توجد عناصر في محرقة اليهود لا يمكن العثور عليها في عمليات إبادة جماعية سبقتها. فقد حاول الجناة العثور على كل شخص ممن له ثلاثة أو أربعة أجداد كل جريمته أنه وُلد يهودياً، ثم يتم تسجيله ووسمه بعلامة وإذلاله وانتزاع ما بحوزته وإيداعه بمعسكر الاعتقال ثم قتله. وكان هذا يتم في نهاية المطاف، في كل مكان في العالم، ولهذا كانت هناك لأول مرة محاولة إضفاء طابع عالمي على عملية إبادة جماعية. كما كانت الأيديولوجية غير مراعية للظروف كلية، وليست كما هي في جميع عمليات الإبادة الجماعية الأخرى. وفي رواندا، على سبيل المثال، تطوّرت أيديولوجية تؤمن بسمو جنس شعب الهوتو من خلفية عملية خاصة بصراع حقيقي على السلطة داخل مؤسسة الهوتو وصراع عسكري حقيقي ضد قوة غازية من أقلية التوتسي المضطهدة. بيد أن الأمر مع النازيين أنه كانت العناصر العملية المراعية للظروف أقل شأناً.
لم يقتل النازيون اليهود لأنهم كانوا يريدون ممتلكاتهم. لقد سلبوا ممتلكاتهم أثناء عملية التخلّص منهم، أولاً من خلال الهجرة، ثم من خلال الطرد وفي النهاية بالقتل. ولقد قتلوا العاملين اليهود بالقوات المسلحة عندما كانوا في حاجة إلى كل ساعد يعمل بعد الهزيمة في ستالنغراد في أوائل سنة 1943، وقتلوا العمال الأرقاء اليهود عندما كانوا يبنون الطرق للقوات العسكرية الألمانية. ولو كانوا اتبعوا الممارسة الرأسمالية الحديثة، لكانوا سلبوا الممتلكات اليهودية ثم استغلوا العمال الأرقاء اليهود لمآربهم الخاصة كما فعلوا مع البولنديين، على سبيل المثال. لكنهم قتلوا اليهود لأن هذا ما قادته إليه أيديولوجيتهم، وهي أيديولوجية اتصفت بطابع الأهوال المريعة.


وكان النازيون يؤمنون بوجود مؤامرة عالمية يهودية وتسمى في عملية التزوير الشنيعة "بروتوكولات حكماء صهيون" التي أخرجها في الفترة المبكرة من القرن العشرين الشرطة في روسيا القيصرية، والتي كان يستغلها ويحورها النازيون. وكانوا يعتقدون في اتهام اليهود بقتل الأطفال غير اليهود وفقاً لشعائرهم. وكانت الإبادة الجماعية لليهود عندئذ تستند إلى أهوال مريعة تحولت إلى أيديولوجية. وبعدئذ كانت هناك المدينة الفاضلة بوجود ترتيب طبقي عنصري عالمي له عدو شيطاني حقيقي واحد، هو اليهود الذين كان يتعيَّن إبادتهم، رغم أنه ليست هناك عناصر عرقية لأننا جميعاً في الأصل من أفريقيا. وعارض النازيون عن وعي كبير جميع قيم الحضارة الأوروبية مثل الليبرالية والديمقراطية والاشتراكية والنزعة الإنسانية، وأرادوا تدمير تلك القيم. ورأى هؤلاء في اليهود تجسيمات للقيم التي أرادوا طمسها، وتلى ذلك تدمير اليهود. وكان كل ذلك في سابقة لا مثيل لها.


لقد كانت محرقة اليهود حدثاً لم يسبق له مثيل، وكنا نأمل أن تصبح تحذيراً، وليس سابقة. ولكن ثبت أننا كنا على خطأ. لقد صارت سابقة، وتلت ذلك عمليات إبادة جماعية. فماذا يعني هذا للإنسانية، وماذا يعني هذا للأمم المتحدة؟ وماذا علينا أن نفعل بشأن الأمم المتحدة؟
عندما كنت طفلاً في الخامسة من عمري، قلت لأمي: أُمَّاه، من ناحية الجمال، أنت لست جميلة، لكنك أمي. والأمم المتحدة هي هيئة أممنا، وهي أفضل أمم متحدة توجد لدينا - وليس لدينا أخرى. ولهذا بدلاً من هدمها وبدلاً من انتقادها لوجودها هيا بنا ندعمها، ولنحاول تحسينها، وجعلها أكثر فعالية في حماية الإنسانية.


فهل هناك أي إمكانية للنجاح عندما نحاول منع الإبادة الجماعية، باستخدام تفهمنا لعملية الاقتداء بمثال الإبادة الجماعية لليهود، والمقارنة مع عمليات أخرى للإبادة الجماعية التي يجب أن تتبع ذلك؟ أظن أن في البشر غريزة للقتل، وإننا الحيوانات الثديية الوحيدة التي تقبل قتل نوعنا ذاته بأعداد ضخمة. وربما يكون ذلك هو نتيجة تطوّر نوع جنسنا، عندما ندافع عن أنفسنا وعن أسرنا وعن أممنا وأراضينا من الأعداء الحقيقيين أو الوهميين بالقضاء عليهم. وكلنا يمكن أن نصبح جناة مرتكبين للقتل الجماعي. ولكن إذا كان الأمر كذلك، هل هناك من طريقة عملية لمنع نشوب أفعال قتل بالإبادة الجماعية؟ وتستطيع محرقة اليهود أن تقدِّم إجابة على هذا السؤال: لدينا في هيئة ياد فاشم حالياً ما يزيد على 000 21 اسم لأفراد وجماعات قامت بإنقاذ يهود، وهؤلاء يظهرون أن هناك طريقة أخرى، وأن هناك بداخلنا أيضاً إمكانية أن نهب لإنقاذ بشر آخرين على حساب أرواحنا نحن.


إنها هذه القصص التي تظهر لنا أن هناك شيئاً بديلاً آخر، إن المحاولات المبذولة من أجل منع الإبادة الجماعية، مثلما يحدث، على سبيل المثال، في محاولات مكتب المستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية وفي محاولات مختلف المنظمات غير الحكومية والحكومات، ليست مهمة لا يرجى فيها نجاح. بيد أن الإخفاق في التصدي للإبادة الجماعية الجارية في دارفور يبيِّن مدى الصعوبة في ذلك. فإذا لم توقَف الإبادة الجماعية في دارفور، فإنها سوف تنتشر وسيحدث مزيد من أنواع الإبادة الجماعية، وسوف يكون الثمن بالنسبة للعالم غالياً بالفعل.


والمبادئ السياسية التي لا تقوم على أساس أخلاقي ليست هي في آخر الأمر مبادئ سياسية عملية على الإطلاق. ومن منطلق هذه الاعتبارات، إنني أرجوك أن تسمح لي بأن أعيد هنا تكرار ما قلته، بالضبط منذ ثمان سنوات، في خطاب ألقيته أمام البرلمان الألماني (البوندستاغ): إنني أنتمي لشعب قدّم الوصايا العشر للعالم. ودعنا نتفق على أننا نريد ثلاث وصايا أخرى، وهذه الوصايا هي: لا تكن مرتكباً لجريمة، ولا تكن ضحية، ولا ينبغي بتاتاً بتاتاً أن تكون من المتفرجين.


 

أسئلة للمناقشة


العودة إلى قائمة المحتويات >>