ا
<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 17:52:55 Aug 09, 2016, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
الأمم المتحدةمرحباً بكم في الأمم المتحدة. إنها عالمكم

سلسلة ورقات المناقشة

الورقة السادسة

 

الكراهية والإنسانية

بقلم ايلي ويزل
الحائز على جائزة نوبل
رئيس مؤسسة ايلي ويزل للإنسانية
رسول الأمم المتحدة للسلام


لماذا الكراهية؟ ولماذا الاستسلام لقوتها الكئيبة اللدودة، والتي تظهر وهي متقفية إرادتها للتدمير لأسباب تجلب الإرباك واليأس لحالة الإنسان؟ وما هو الخير الذي تتمخض عنه الكراهية؟ وهل تنطوي الكراهية على أي شيء من السمو في مجالها؟ وهل خرج أي عمل فني نتيجة الكراهية؟ فالأدب والكراهية، والروحانية والكراهية، والجمال - هل يمكن أن يتوافق الاثنان؟ لقد كان كنوت هامزن ولويز فرديناند سيلين روائيين عظيمين، بيد أن كتاباتهما المعادية للسامية تعتبر أدباً رديئاً. فالكراهية تبخس القيمة وتنقص قيمة الأشياء. والمثل الشعبي الذي يقول "الحب أعمى" إنما هو خطأ. فالكراهية عمياء وتعمي الأبصار. ولا يوجد نور في الكراهية وليس هناك مخرج منها فإلياذة هوميروس تبدأ بالغضب: "ترنّم يا أخيل بغضب الأرباب". الغضب نعم، أما الكراهية فلا. فجميع الحروب تبدأ في قلوب الرجال وليس في جبهات القتال.
فلماذا إذاً لا تزال هناك كراهية حولنا، في كثير جداً من الأماكن وما هو دورها في التاريخ؟


في الذاكرة الجماعية للإنسانية، حُكمت معظم المجتمعات بشيء آخر غير الكراهية. فالإغريق القدماء احتفوا بالحكمة، وروما مجّدت السلطة والمسيحية أكدت على المحبة حتى في لحظات تطرفها، والإسلام دعا إلى التعصّب حتى في مفاتحاته المرموقة على المعتقدات الأجنبية واليهودية دعت إلى العدالة والحق حتى في المنفى. ويذكر الكتاب المقدّس "كتابا لحروب الربّ"، بيد أنه تناساه الناس. هل لأنه كان بالإمكان أن يوحي بالكراهية؟ إن الكراهية ترافق التعصّب ويمتدح الكتاب المقدس شخصين متعصبين فحسب بسبب تعصبهما: بينهاس القسيس واليجا النبي.


وأصبحت الكراهية كرمز لسلطتها قوة ويمكن العثور عليها، فحسب في الدكتاتوريات الدينية أو السياسية. وإذا ساور الإنسان شك في ذلك، فإن معناه أن يلقى الازدراء والإدانة والعقاب. فحيثما تٌقمَع الديمقراطية، صارت النية مكافئة للعمل. وعن إراسموس كتب ستيفان زفايغ: "كان يحب أشاء كثيرة نحن نحبها، الشعر والفلسفة، والكتب والفن واللغات والشعوب، ودون تمييز شخص عن الآخرين، كان يحب العالم بأسره. لكن ما هو الشيء الوحيد الذي كرهه حقاً؟ إنه التعصّب". وما كان إراسموس ومونتيني يستطيعان أداء مهامهما إلا حيثما لم تحقق المسيحية سيطرة كاملة. فكلاهما تعرضا للمعاناة، لكن أيّاً منهما لم يتعرض للكراهية. وكان شعار "إكره عدوك" أمراً حتمياً فحسب عندما خنقت حرية الإنسان تماماً وتم القضاء عليها، في أوقات عندما كان التفكير بشكل مختلف يعني أن تكون مختلفاً، وفي حالة من المجافاة وبالتالي تكون أقل جدارة بالاحترام والمؤاساة والعون. والتعصّب يلهم الخوف. وقد سحب ديكارت العظيم كتابه عن العلم لأنه كان يخشى أن يلقى نفس المصير الذي لاقاه غاليليو.


لكن عند ذاك، كان باستطاعة الإنسان أن يقول: لقد حدث كل ذلك ذات مرة في الزمان وليس الآن. هذا خطأ. فالتعصّب اليوم أصبح أو عاد ليصبح مصدراً للخطر، وهو أخطر الأمور. ذلك لأن الخطر ليس بجديد. فالقرن العشرين ابتلي بشكلين وبطريقتين من التعصّب: طريقة كانت سياسية استقرت في موسكو وطريقة أخرى عنصرية ومقرها المركزي في برلين. وكان هدفهما التغلب على العالم، والتوصل إلى تحقيق النصر على العالم. وكلاهما ضحى بعشرات الملايين من أرواح البشر. ومعسكر اوشفيتز وغولاغ لا يجب مقارنتهما - فأنا لا أصدّق أية تشبيهات ذات صلة بالمحرقة، بيد أنهما كانت هناك أشياء مشتركة بينهما. وكلاهما بكل تعصّب لم يثقا بغيرية الفرد وألغيا الحرية الشخصية وتمخضت الكراهية عن كليهما.


وقد أخطأ أولئك الذين من بيننا ظنوا بشكل ساذج أن اندحار الفاشية وسقوط الشيوعية قد أسفرا عن اختفاء معاداة السامية والعنصرية والتعصّب. فمعاداة السامية أخذت تتعالى من جديد، والعنصريون ما زالوا يجهرون بالقول وهم ناشطون وظهر من جديد عدم التسامح. وهذه النزعة الجديدة ليست جديدة. فالنزعة الدينية في طبيعتها، وهي تتسلّل في الأخبار اليومية مثلما سيطرت تماماً في العصور الوسطى أثناء الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش.


فما هو الإغواء الذي يكمن في التعصّب المفرط الذي يطفو على السطح في التزمت؟ إنه يعطي المتعصّب شعوراً بالأفضلية. فهو يظن أنه يعرف أفضل من أي شخص آخر. وهو لا يتقبل أي شكوك. وهو دائماً متأكد من أنه على حق.
ومن ثم فإنه يتجنّب الدخول في حوار. فما جدوى الإنصات إلى آراء لا بد أنها خاطئة؟ وفي نهاية المطاف، يريد المتعصب أن يصبح العالم بأسره سجناً. ويود لو كان جميع الناس من سجنائه. وتبقى المفاتيح في يديه هو وحده. وفي آخر المطاف، هو يضع الإله نفسه في السجن. ويعني الاعتراض عليه إطلاق سراح الإنسان، ليس هذا فحسب، بل أيضاً إطلاق سراح الإله نفسه.



أسئلة للمناقشة

 


العودة إلى قائمة المحتويات >>