<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 01:06:40 Jul 04, 2018, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
الأحداث

الذكرى 70 لتأسيس رسالة اليونسكو: مدرسة الفكر الحر

cou_02_18_markarian_01.jpg

رسالة اليونسكو، أكتوبر 1961: الفرصة الأخيرة لإنقاذ أبي سمبل

في الستينات من القرن الماضي، كان يعيش في الأحياء الفقيرة لمدينة مونتيفيديو مراهق لم يعد يطيق وضعه في وسط عائلي جاهل. كان يطوق إلى الرحيل. وبالفعل، نجح في الدراسة وتألق في اختصاص الرياضيات البحتة والتطبيقية في البرازيل، وفي نهاية المطاف، انتُخب عميدا لجامعة الجمهورية في الأوروغواي سنة 2014. ولكن قبل ذلك، كان روبرتو ماركاريان قد تابع دراسة من نوع آخر - مدرسة الفكر الحر – التي اكتشفها على صفحات مجلة رسالة اليونسكو.

بقلم روبرتو ماركاريان

نشأت في وسط متواضع جدا: أجدادي أميون ووالداي لا يقدران على القراءة والكتابة إلا القليل. تثقفت من دراستي في نظام التعليم العام في بلادي الأوروغواي، ومن خلال المطالعة. لما كنت في سن المراهقة بين 12 و17 عاما، كنت أقرأ بانتظام مجلة رسالة اليونسكو حيث أجد ما يخمد تعطشي للثقافة. لا زالت الصور على أغلفة المجلة تراود ذاكرتي، وأستَحضر الكثير من تلك المسائل التي كانت تثير الأوساط العلمية والثقافية والتربوية خلال القرن الماضي. ويبقى العديد من هذه القضايا مطروحا حاليا ولم تفقد أهميتها، مثل تحديات محو الأمّية، والحصول على المياه العذبة، والحفاظ على التراث التاريخي للانسانية، وما إلى ذلك.

ومنذ انطلاقها سنة 1948، سرعان ما اكتسبت المجلة مكانة مرموقة بفضل انفتاحها الفكري الذي جعل منها مصدرا مرجعيا حول المسائل الساخنة والقضايا المثيرة للجدل. كنت أعلم أنني سوف أجد على صفحاتها آراء متنوعة، ووجهات نظر - ليست بالضرورة بعيدة عن السياسة لأن الأمر لا يتعلق بذلك - ولكنها موضوعية، وتحاليل مبسّطة وعميقة في نفس الوقت.

لقد احتفظت بذكريات حية تتعلق، بشكل خاص، بحملة النوبة. كنت في ذلك الحين تلميذا في المدرسة الثانوية، وكنت لا أعرف شيئا عن معبد أبي سمبل. واكتشفت في رسالة اليونسكو، العدد المؤرخ في  فبراير 1960 بعنوان انقاذ كنوز النوبة، أن بناء سد أسوان على نهر النيل في مصر سوف يغمر معالم أثرية تعود إلى 3000 سنة. كان ذلك في نهاية الخمسينات، وقد جندت اليونسكو العالم كله لإنقاذها. ونجَحت المنظمة في الحصول على دعم دولي هائل لإنجاز هذا العمل الجبار المتمثل في تفكيك معبد أبي سمبل العظيم وإعادة بناءه في موقع آخر يعلو الموقع الأصلي بعشرات الأمتار، مع السهر على احترام نفس الوجهة بحيث تخترق أشعة الشمس الحرم الداخلي للمعبد مرتين في السنة، كما كان يحدث في الموقع الأصلي.


الصفحة الخلفية من غلاف الرسالة، فبراير 1967: نقل رمسيس إلى مقر جديد

 

مجلة للاستنارة

لقد أثار إعجابي العمالقة الأربعة لرمسيس الثاني، فوجدت في رسالة اليونسكو الصادرة في أكتوبر 1961 والتي تحمل عنوان الفرصة الأخيرة لإنقاذ أبي سمبل، هذا التفسير المفصل بقلم الكاتب العلمي البريطاني الشهير بيتر ريتشي-كالدر: «ممر ضيق يؤدي إلى الحرم الداخلي الذي يأوي تماثيل الآلهة الثلاثة التي ينسب إليها المعبد، بالإضافة الى تمثال رمسيس نفسه. وفي هذا المكان، تتجلى أمام أنظارنا البراعة الألمعية للمصممين المعماريين والمهندسين. فكما لو كانوا أخصائيين في الأضاءة في الزمن الحديث، تصوّروا وصول أشعة الشمس إلى قلب الجبل لتضيء المعبد على ارتفاع 63 مترا. ولم تتوقف عبقريتهم على هذا الإنجاز، بل أفلحوا في ترك التمثال الرابع، وهو «بتاح» إله الجحيم (على الطرف الأيسر) في ظلام دائم، في حين تطلع الشمس لتنير تدريجيا التماثيل الثلاثة الخالدة. وقد شكلت هذه السمة الخاصة بأبي سمبل، والفريدة من نوعها في العالم، أحد العناصر الحاسمة في اختيار المشروع النهائي لإنقاذ المعلم».

وتابعت المجلة، عاما بعد عام، كل مراحل هذه الحملة الدولية غير المسبوقة: إطلاق حملة النوبة (مايو 1960)، حفريات في خدمة التاريخ (نوفمبر 1962)، نصر كبير في بلاد النوبة (ديسمبر 1964)، تفكيك معبد أبي سمبل (نوفمبر 1965)، نقل رمسيس إلى مقر جديد (فبراير 1967)، أعظم عملية إنقاذ أثرية في كل العصور (فبراير – مارس 1980). وقد أعطت المجلة صدى واسعا لهذا الانتصار العظيم للتضامن الدولي، وخصصت له مقالا في عددها الصادر في أغسطس - سبتمبر 1971.

في فترة شبابي، شملت قائمة الكتاب المساهمين في رسالة اليونسكو ألبرت أينشتاين، وكلود ليفي شتروس، وجورج أمادو، وبرتراند راسل، وروبرت كابا... ومن خلال مطالعة رسالة اليونسكو، اكتشفت من كانوا، وما أنجزوه وما كانوا يعتقدونه. لقد أتاحوا لي أن أنظر من خلال «نافذة مفتوحة على العالم»، وكانت هذه العبارة شعار المجلة.

حين بدأت الحياة الجامعية لدراسة الهندسة والرياضيات، في منتصف الستينات، كرست الكثير من وقتي للأنشطة النقابية وإدارة الجامعة، وتوقفت عن قراءة رسالة اليونسكو بانتظام. ولكن لحسن الحظ، وعلى الرغم من تقلبات تاريخ بلادي، تمكنت من الحفاظ على أغلب الأعداد في ملف محكم بإطار من الأسلاك الحديدية، وقد تبدو اليوم هذه الطريقة قديمة شيئا ما.

أما رسالة اليونسكو، فقد استمرت في الصدور حتى عام 2001، ولم تعد شهرية اعتبارا من تلك السنة. وأدى نقص التمويل والدعم إلى توقف نشرها عام 2011. فخِلناها غابت إلى الأبد.


رسالة اليونسكو، ديسمبر 1964: نصر كبير في بلاد النوبة

 

نداء للإنسانية

ولكن، بعد مرور خمس سنوات، ظهرت المجلة من جديد. وتم نشر العدد الأول في أبريل 2017، تحت شعار: «أصوات متعددة، عالم واحد». والمجموعة الكاملة، من عام 1948 إلى اليوم، متوفرة في الأرشيف الرقمي للمجلة. إن معظم الأعداد متاحة باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، لكن الأعداد التي صدرت خلال السنوات الأخيرة تتوفر بالعديد من اللغات الأخرى. وأدعوكم لزيارة موقع المجلة، فهي جديرة باهتمامكم.

وتتناول المجلة القضايا الراهنة الرئيسية التي تواجه الإنسانية من منظور جدي، وبطُموح هائل – وهو من أهم مزايا  منظمة اليونسكو، في الماضي والحاضر – لتعزيز التواصل بين الأفكار المتنوعة، وبين الطرق المختلفة لتناول المشاكل، وهي بذلك توجه نداء إلى المجتمع البشري (اقرأ «رحلة عبر التنوع الثقافي في العالم، بوصلتها كرامة الإنسان»).

وللتأكيد على ما ذكرته في العديد من المناسبات، فإن المساهمة الرئيسية للمجلة تتمثل في الترويج لثقافة تنوع الآراء والاحترام المتبادل. وقد اكتسبت هذه الثقافة، وأقول هذا بكل صدق  – باعتبار خلفيتي العائلية – من خلال مطالعة رسالة اليونسكو، بكل شغف وحماس: كنت شابا حريصا على التعلّم، ووجدت في صفحاتها ما يرضي تطلعاتي. ولهذا السبب، قبلت بكل رحابة صدر كتابة هذه السطور.

تكتسي منظمة اليونسكو ورسالتها أهمية بالغة في عالم اليوم والغد، حيث أن المبادئ الأساسية للميثاق التأسيسي للمنظمة أصبحت اليوم موضع اختبار من قبل أولئك الذين يروجون «لتبديد الفهم المتبادل بين الشعوب» وينكرون تلك المبادئ عن طريق «استغلال الجهل والأفكار المسبقة». علينا أن لا ننسى هذا.
 

__________________

هوامش

شرعت اليونسكو، في 8 مارس 1960، في حملتها الدولية للمحافظة على معالم النوبة. وقد أشرف أندري مالرو على مراسم إطلاق الحملة في مقر اليونسكو، وكان آنذاك وزير الدولة المكلّف بالشؤون الثقافية في فرنسا. اقرأ مقتطفات من خطابه «أيها النهر العجوز، انظر إلى الرجال الذين يحملون هؤلاء العمالقة بعيدا عن مياهك» الذي تم نشره في رسالة اليونسكو في مايو 1960.

توافق سنة 2018 الذكرى الخمسين لإتمام حملة إنقاذ موقع أبي سمبل.
 

روبرتو ماركاريان

رئيس جامعة الجمهورية وأستاذ فخري في معهد رافائيل لاغوارديا للرياضيات والإحصاء في كلية الهندسة في نفس الجامعة. انخرط روبرتو ماركاريان (الأوروغواي) في العمل النقابي كطالب ثم كأستاذ. وقد سجن لأسباب سياسية من عام 1976 إلى عام 1982، أثناء الدكتاتورية العسكرية في الأوروغواي.

وفي سنة 2015 في مونتيفيديو، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لإنشاء اليونسكو، تناول ماركاريان في خطابه موضوع «اليونسكو وأثرها على أمريكا اللاتينية»، حيث سلط الضوء على دور مجلة رسالة اليونسكو.