<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 06:57:32 Jul 04, 2018, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

دياه خان : «هم اختاروا السلاح، وأنا الكاميرا»

cou_03_17_deeyah_01.jpg

دياه خان أثناء العمل
ولدت دياه خان في النرويج من والدين من أصول بشتونية (أفغانية) وباكستانية، وهي تجمع في كيانها ثقافات مختلفة غذت بها وعيها الفني. تستخدم دياه الثقافة والفن كسلاح لمكافحة التطرف، وتعمل جاهدة لإبلاغ صوت الضعفاء.

أجرت المقابلة ياسمينا شوبوفا

ما الذي دفعك لإخراج شريط «جهاد: قصة الطرف الآخر»؟

أنتمي إلى عائلة مسلمة، وأواجه عواقب تنامي الأصوليّة الدينيّة داخل مجتمعاتنا. أحاول منذ فترة طويلة أن أفهم الأسباب التي دفعت هذه الحركة الى اللجوء إلى العنف شيئا فشيئا، ولماذا تبتلع هذه الأعداد المتزايدة من الشباب. لا أحبذ الطريقة التي نتكلم بها عن الجهاديين. من السهل أن نَكره الأشخاص الذين يشاركون في أعمال العنف، ولكن هذه الطريقة غير مجدية. هذا ما دفعني الى انتاج شريط سينمائى يتناول احساس أولئك الذين أغراهم الجهاد. وتبّين لي أن لدي الكثير من القواسم المشتركة معهم.
اكتشفت أنني أقاسمهم العديد من التساؤلات،وهذا ما أثار فزعي، أكثر من أي شيء آخر. لكننا نختلف في كيفية التغلب على هذه المشاكل: فهم اختاروا حمل البندقية، وأنا، حمل الكاميرا.

كل الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات هم من الجهاديين السابقين. كيف تمكّنت من الوصول إليهم؟

استغرق الأمر وقتا طويلا لبناء جسور الثقة، ونحو عامين لإنجاز الشريط الذي انتهيت منه سنة 2015. وإن قبلوا في النهاية أن يبوحوا لي بأسرارهم، فلأنني كنت صبورة وشرحت لهم بكل صدق نوايا عملي. كنت أقول لهم تكرارا إنني لا أتفق معهم، وإنهم يرعبونني (تغيّر شعوري نحوهم الآن) وإن غايتي هي فقط أن أستمع إليهم، أن أفهمهم، أن أعرف قصتهم. كثيرا ما ألغيت المواعيد. البعض منهم رفض التحدث أو طلب عدم الظهور أمام الكاميرا. والبعض الآخر حاول ثنيي عن مواصلة عملي، لكنني كنت مصرة على اكتشاف حقيقة ما يجري.

 


مشهد من شريط «جهاد : قصّة الطرف الآخر» لدياه خان، مع سبيل ووسيم، في برمنغهام، بالمملكة المتحدة

ما الذي حملهم على ترك الجهاد؟

أدرك أحدهم، وهو من الشخصيات الرئيسية، أنه كان يصدّق مجرد أوهام: اعتقد أنّه يقاتل من أجل المسلمين ومن أجل عالم أفضل، لحين أدرك أنه أصبح مجرد طاغ آخر من بين الطغاة. وقد أدرك الكثيرون منهم أن نظرتهم للعالم التي صاغوها بأنفسهم إنما ترتكز الى حد كبير على النفاق والمعايير المزدوجة. هناك عامل آخر أثّر كثيرا في قرارهم ترك الجهاد، وهو أن الأشخاص الذين اعتبروهم أعداء، أخذوا يعاملونهم بطريقة إنسانية. وعندما يتم التواصل من جديد بين المرء وجانبه الإنساني، تأخذ الأمور منحىً آخر.

في البداية، لم يحظ هؤلاء الرجال بإعجابك. ما الذي جعلك تغيرين رأيك؟

العديد من الشباب الذين استقطبهم الجهاد هم في الواقع يتمتعون بطاقات ابداعية لكن لم يفتح لهم أي مجال لتنميتها فانفجرت هذه الطاقات عنفا. لم أكن أتوقع أن أسمع من أغلبية الذين حاورتهم، سواء بالكاميرا أو بدونها، أنهم كانوا يرغبون في أن يصبحوا مغني الراب أو شعراء أو رسامين. لكن طموحاتهم توقفت عند رفض عائلاتهم أو مجتمعهم. وهذا أمر صادم، لأنه كان من الممكن إيجاد الحلول المناسبة. المسؤولية في ما حدث لهؤلاء الشباب هي مسؤوليتنا جميعا.

حين تقولين إن المسؤولية تعود إلينا جميعا، هل تقصدين الأسرة أم المدرسة أم الحكومات أم المجتمع الدولي؟

أفكر في كل فرد منا، والكيفية التي نتعامل بها مع غيرنا في حياتنا اليوميّة. الأنظار التي نوجهها لصبي مسلم أتى ليجلس بجوارنا في الحافلة، وكيفية التشبث بمحفظتنا ليست بريئة. وبالمثل، عندما يتحدث السياسيون أو أعضاء الحكومات عن هذه المواضيع بخطاب يحث على الكراهية، واصفين مواطنيهم بـ«الوحوش»، فإنه يصبح من الصعب جدا التعامل مع هؤلاء الوحوش، وإعطائهم ولو فرصة ليتصرفوا تصرف البشر.

أما بالنسبة للعائلات، فيجب عليها أن تدرك أنها تخون أطفالها حين تطالبهم بما ليس لهم طاقة فيه. الأطفال بشر، ليس إلا!
في اعتقادي، تحمل كل من المدرسة والشرطة ووسائل الإعلام مسؤوليّة عندما يتوجه إليهم الشباب لطلب يد المساعدة، نساء كانوا أم رجالا، ومهما كانت خلفيتهم الثقافية أو الاجتماعية أو العرقية. الفارق في كيفية التفاعل البشري.
وسواء كنا فنانين أو نشطاء أو مدافعين عن حقوق المرأة أو أي شيء آخر، واجبنا جميعا أن نتدخل.
 
 

تصوير مشهد من شريط «ملحدون في الإسلام» .
هل هذا هو السبب الذي دعاك لتأسيس المجلة الالكترونية «سيستر هود» (الأخوة) التي تبث أيضا أحداثا حيّة؟ ما الذي جعلك تخوضين ميدان الإعلام على الإنترنت؟
 
نعم، تأسست «سيستر هود» سنة 2016، كمؤسسة إعلامية من المجتمع المدني. وهي منصّة دولية تركز الاهتمام على المرأة التي تنتمي الى الثقافة الإسلامية. فالجميع يتحدث عن النساء المسلمات، لكن نادرا ما يتم التحاور معهن مباشرة. أردت جلب الاهتمام إلى الفتاة التي تتألم، وإلى الشاب الذي يريد الذهاب للقتال في سوريا.
استجابت النساء بصفة استثنائية وتكونت المجموعة بسرعة فائقة: لدينا الآن أكثر من 200 محررة من 40 بلدا. وأصبحت أدرك أهمية أن تقص النساء، أيا كانت، واقعهن بأنفسهن. لما يتم الكلام عن ظاهرة قمع النساء، لا يتم الكشف إلا عن جزء من الحقيقة. ومح احترامي الكبير للصحافة كمهنة، إلا أنني مللت قراءة الحقائق المبتورة التي تنشرها وسائل الإعلام. فهي تنشر أخبارا حول «جرائم الشرف» وعن العنف ضد المرأة، لكنها تنسى النساء المعنيّة نفسها. في كل أعمالي، أحاول أن أبلغ أصوات كل الأشخاص الذين ليست لهم القدرة على  التعبير عن رأيهم.
 
في عام 2012، قمت بإخراج فيلم وثائقي حول قضية باناز، تلك المرأة الكردية البريطانية التي قتلت على يد عائلتها بسبب اختيارها لأسلوب حياتها بنفسها. لماذا ركزّت على هذه القصة تحديدا؟
 
أردت إخراج فيلم عن «جرائم الشرف»، وكنت أنوي رواية قصتين أو ثلاث، بما فيها قصة باناز التي مثلت فشلا ذريعا للشرطة في المملكة المتحدة، حيث أن الضحية لجأت خمس مرات الى الشرطة طلبا للمساعدة، لكن الشرطة تجاهلتها.
غيّرت رأيي لما التقيت الشرطية التي حقّقت في الجريمة. سألتها عن السبب الذي دفعها لبذل كل هذه الجهود في القضية (أدت تحقيقاتها إلى إدانة عم  الفتاة ووالدها في المملكة المتحدة، وفي العراق كافحت من أجل تسليم أبني عم الفتاة المتورطين في الجريمة إلى المملكة المتحدة)، فأجابت: «فعلت ذلك لأنني أحبها.»
تساءلت كيف يمكن أن تحب الشرطية فتاة لم تقابلها أبدا وباتت ميتة، فأجابت: «الحب من حق الجميع. كان من حق باناز أن تكون محبوبة. لكن أقرب الناس إليها لم يحبوها. لذلك، أنا أحببتها ولا زلت أحبها.»
قلت حينئذ في نفسي: «هذا هو الفيلم الذي أريد إنجازه!» قصة باناز تجسّد جميع المشاكل وجميع الحلول. والحل هنا أن نهتم بالناس ونرعاهم.
 
وماذا عن فيلمك لعام 2016، «ملحدون في الإسلام»...
 
تدور قصة الفيلم حول حركة مقاومة سرية تجمع الشباب الذين قرّروا التخلي عن الدين الاسلامي. سبب دحض إيمانهم، في كثير من الأحيان، متأت من أفعال داعش والحركات الإرهابية عموما. عندما قمت بإخراج فيلم «جهاد»، اتصل بي الكثير من الشباب من العراق وسوريا ودول أخرى وقالوا لي: «الجهاد ليس إلا جزءا من الواقع. نحن شباب تركنا الإسلام وعددنا غفير. لماذا لا تتكلمين عنا؟ هل لأننا لا نستخدم العنف؟»
شرعت في جمع المعلومات حول هذا الأمر، فكانت الصدمة. اكتشفت أن هناك ما بين 4 ملايين و15 مليون ملحد في الباكستان؛ وما بين 1،4 مليون و6 ملايين منهم في السعودية. وقد أنشأت بعض الحكومات وزارات مخصصة لمواجهة ظاهرة الإلحاد. وفي كثير من البلدان الإسلامية يعد الإلحاد والإجهار به جريمة جزاؤها السجن وحتى الإعدام وتمت إدانة العديد بهذه التهمة. قررت إنجاز فيلم يستكشف هذه الظاهرة التي بقيت مجهولة.
 
لماذا اخترت السينما لتناول هذه القضايا؟
 
إن كنت تسعى لتحسيس الناس لقضية ما، الوسيلة الأفضل هي إثارة مشاعرهم. وهذه خصوصية السينما والفنون بصفة عامة. لأنها لا تتوجه إلى القدرات الفكرية فحسب، بل هي تحاكي سجلنا العاطفي. وهو أمر ثمين للغاية تنفرد به الفنون بجميع أشكالها.
الفن يتجاوز الخلافات والتفاوت بيننا ويزيل كل الحواجز التي تفرقنا. وبالنسبة لي، الفن هو عامل مساواة. وحتى نفهم القوة التي يكنها، يكفي أن نتمعن في كيفية تعامل الطغاة والدكتاتوريين والمعتدين مع الفن والفنانين. هم أوّل من يستهدفهم المضطهدون، بعد النساء.
 
ما هي أنشطتك القادمة بصفتك سفيرة النوايا الحسنة لدى اليونسكو؟
 
آمل ليس فقط في تعزيز عمل الفنانين، بل وأيضا الكشف عن الثمن الذي يدفعونه في أنحاء كثيرة من العالم. يتعرض الفنانون، ومن بينهم أصدقاء لي، للإضطهاد وسوء المعاملة والسجن. يجب علينا حمايتهم. سوف أكرس كل ما في وسعي لدعم الأصوات المهمشة، وابلاغها للعموم.

دياه خان

دياه خان (النرويج) هي أول سفيرة للنوايا الحسنة من أجل الحرية الفنية والإبداع، تم تعيينها من قبل اليونسكو سنة 2016. وهي مخرجة أفلام وثائقية حازت على جائزتي إيمي و بيبودي أوارد. أسست شركة «فوز» المستقلة للإعلام والفنون التي تروي قصص النساء، والأقليات وأطفال المهاجرين. كما أسست المجلة الالكترونية سيستر هود لتسليط الضوء على أصوات متنوعة للنساء المسلمات.
تخلت دياه خان عن مهنتها كمغنية رغم نجاحها، لتتفرغ لمكافحة التطرف والتحيز عبر وسائل الإعلام المختلفة، بالموازاة مع كتابة الأغاني وإنتاجها. حازت على العديد من الجوائز منها جائزة أوسيتسكي وجائزة أوسلو لحقوق الإنسان وجائزة بير جينت الممنوحة من برلمان النرويج.