<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 08:51:12 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
مقابلة

آلان مابانكو: وجوه أفريقيا المتنقلة

يتجول آلان مابانكو في «مخزن القارات الثلاث» ليتصفّح الماضي علّه يجد فيه ما ينير الحاضر. ما هي طريقة قراءة التاريخ الاستعماري؟ وأي معنى نعير لاستعادة التراث الثقافي الأفريقي؟ وما هو موقع الروائي من كل هذا؟ يتناول الكاتب الفرنسي ـ الكونغولي هذه المسائل بكل بساطة.

أجرت الحوار آريان بواسونيي، صحفية فرنسية

 

تقسّم وقتك بين ثلاثة بلدان: الكونغو وفرنسا والولايات المتحدة. كيف تعيش هذا الوضع؟

لهذا الوضع مزاياه! لقد مكنتني هذه الثقافة ذات الأبعاد الثلاثة من مواجهة تنوع العالم واكتشاف ما أُسميه «وجوه أفريقيا المتنقلة». أولا، أفريقيا المتنقلة داخل القارة: لما كنت أعيش في الكونغو، التقيت أناساً من غرب أفريقيا، وأصبحت على وعي بما تحمله أفريقيا من تنوع. وعندما انتقلت إلى فرنسا، اكتشفت العالم الغربي، ولكن أيضا عدة أوجه للقارة الأفريقية التي استقرت هناك جراء الاستعمار والهجرة: تلك هي أفريقيا المتنقلة في أوروبا. وفي الولايات المتحدة، أنظر إلى القارة من خلال عدسة تتيح لي تمييز ظلال أفريقيا متنقلة أخرى، تلك التي تم نفيها عن طريق ممارسة الرق والاتجار بالعبيد. لقد تعرفت على هذا العالم الأفريقي ـ الأمريكي في نيويورك، من خلال مؤلفات ريتشارد رايت أو شيستر هايمز أو جيمس بالدوين الذين أطلقوا حركة «نهضة هارلم» في النصف الأول من القرن العشرين، وقد أحدثت الحركة  ثورة في ما يسمى الفكر الأسود.

فهناك إذن عبارة عن مخزن للقارات الثلاث، أتسلّل في ثناياه لأستَنبط العناصر التي من شأنها أن تيسر فهم عالم الغد... إن عالم الغد هو مجموع ثقافات مختلفة.

يعتبر البعض أن النظام الليبرالي الجديد قد بلغ درجة من الهيمنة لحد أننا أصبحنا نفتقد للألفاظ المعبرة لانتقاده...

بصراحة، لا أؤيد هذا الرأي! لأنه قد يعني أن النظام الليبرالي الجديد قد أفسد كل أدوات النقد... أنا لست على هذه الدرجة من التشاؤم. فهناك دوماً وسائل للتصدي لنظام ما، وأحيانا نتمكن من إبراز طريقة تفكير جديدة من خلال الولوج إلى لغة هذا النظام، وتفكيكه وإثبات خوائه. إن قشرة الفستقة لن تمنعني من كسرها لأرى بل وألتهم ما بداخلها! 

لنأخذ مثال الحضارات الأفريقية: لقد استعانت بالفكر الغربي لإرساء الفكر الأفريقي. لقد وُلدت حركة الزنوجية في أوروبا، في أذهان الطلبة السود والأنتيليين الذين أتوا للدراسة في المؤسسات التعليمية الفرنسية. وقد أصبح أحدهم، وهو السنغالي ليوبولد سيدار سانغور، عضوا في الأكاديمية الفرنسية. هل يجوز لأي كان أن يشكك في الطابع الكوني لـ دفتر العودة إلى الوطن الذي ألّفه الأنتيلي إيمي سيزير؟ ومن في مقدوره التشكيك في قوة التحليلات التي أجراها مارتينيكي آخر، فرانز فانون، في مؤلفه بشرة سوداء وأقنعة بيضاء؟ لقد هاجموا من الداخل النظام الاستعماري وتداعياته، باستخدام الأدوات التي وفرها لهم هذا النظام.

بعد زيارة متحف أفريقيا في بلجيكا، كتبت في تدوينة على إنستغرام: «يحاول البلجيكيون سرد تاريخهم الاستعماري» . لماذا؟

إن المتحف، شأنه شأن أيّ فرد: من خلال اختيار ملابسه، يبعث برسالة قد تكون صادقة أو خاطئة. ولما يضع البعض شعراً مستعاراً، قد يثير فينا ذلك الشعر الجميل الإعجاب ثم خيبة أمل عميقة عندما نكتشف أنه مزيف! وبذات الطريقة، عند دخول ذلك المتحف، تراه جميلا للغاية، وفي النهاية... لم تجد فيه شيئا.  ولقد بحثت عن الأذرع المبتورة في عهد ليوبولد الثاني ولكن دون جدوى.

صحيح أن المتحف أتاح لبعض المنحدرين من أصول أفريقية فرصة سرد تاريخهم، وهي لفتة إيجابية. هذا الأمر لا ينطبق بالضرورة على الوضع في فرنسا، حيث ما أن تكلمنا عن التاريخ الاستعماري، إلا وتشبث الجميع بالاحتماء وراء جول فيري الذي أتى لنا بالأبجدية! 

لو عُهدت إقامة نفس المتحف للأفارقة، لعرضوا، ابتداء من باب الدخول وصولا إلى باب الخروج، شخصا أبيض وهو يجلد شخصا أسود، ويلقي به في قاع السفينة، وينهب القارة، فضلاً عن مواقع إنشاء سكك حديدية يموت فيها الناس جرّاء العمل المرهق. وأريد أن أوضح في هذا الخصوص، أنني في هذه الحالة، لما ترددت في الكتابة على إنستغرام أن الأفارقة «يحاولون سرد تاريخهم الاستعماري».

يعرض المستعمَر صورة مفجعة للاستعمار، في حين يبرز المستعمِر الجانب الحضاري المزعوم. لا بد من التأليف بين كل هذه العناصر. في الوقت الحاضر، لدينا قراءات تفتقد للموضوعية.

هل مساعي فرنسا الرامية إلى إعادة التراث الثقافي إلى البلدان الأفريقية مسألة هامة في نظرك؟

لقد أعحبني تقرير فيلوين سار وبينيديكت سافوا المتعلق بإعادة التراث الثقافي الأفريقي [الذي تم رفعه إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية في 23 نوفمبر 2018]، غير أنه يتعين انتظار ماذا سيحدث من الناحية العملية.

وتثير مسألة إعادة التراث نفس السؤال: كيف نعيد قراءة تاريخنا الاستعماري؟ ولماذا لم يتم يوماً الحديث عن هذه القطع الفنية المنهوبة في كتب التاريخ المتداولة في فرنسا وفي أوروبا؟ لقد أرتكب المستعمِر خطأً فادحاً عندما ظن أن منتجاتنا الفنية عديمة القيمة. واليوم، تشكل هذه القطع العناصر الناقصة لشرح الخيال العالمي.

يطالب الأفارقة بكل بساطة بالاعتراف بأن الخيال العالمي يشمل أيضاً تلك العناصر الثقافية الأفريقية المنهوبة، وأنه، على سبيل المثال، لم يكن للحركة السُريالية أن تبرز لولا التصاق أولئك الرسامين بالفن الأفريقي. وإذا ذهبنا إلى ما أبعد من إعادة التراث الثقافي، المسألة المطروحة هي الاعتراف بأفريقيا كقوة فنية.

هل يجد الأدب الأفريقي موقعه الحقيقي ضمن الأدب العالمي؟

إن الأدب الأفريقي المدون باللغة الفرنسية هو أدب حديث العهد إذ لم يبلغ بعد مائة سنة، وهو يحتاج إلى مزيد من الوقت لتثبيت دعائمه. المهم هو أنه استطاع أن يسلك طريق العولمة: فهو يأخذ في الاعتبار تشتت العالم، وينخرط في الحوار الموسع الذي يجري هنا وهناك حول التحديات الاجتماعية الراهنة.

هل تشعر أحياناً بأنك الناطق بلسان أفريقيا؟

لا، سيكون ذلك من قبيل الغرور. في الواقع، أعتز دوماً بتزايد عدد الأفارقة، بما فيهم الناطقين باللغة الإنجليزية، الذين يقرأون كتاباتي، ويجدون فيها ما يتلاءم مع أنفسهم ويتحمّسون لها. وما أفعله هو فقط المعاملة بالمثل من خلال روايات تتطرق للعالم الذي يعيشون فيه. وأود ألا يعتبرني أحد بمثابة متحدث رسمي ـ فقد يجرني ذلك إلى دور الداعية ـ، بل أود أن نشعر بأننا نكتب معاً الكتب التي أقوم بتأليفها.

كان بإمكانك أن تصبح رجل قانون. في عام 1989، حصلت على منحة وتركت أسرتك المتواضعة في بوانت ـ نوار، من أجل دراسة الحقوق في فرنسا.

أراد والداي أن أكون قاضياً أو محامياً. بعد أن قبلت جامعة تسجيلي، درست القانون الخاص لمدة سنة، ثم انتقلت إلى باريس لإعداد أطروحة دكتوراه المرحلة الثالثة في القانون الاقتصادي والاجتماعي في جامعة دوفين.

لكن الولع بالكتابة تغلب على دراسة القانون. فالكتابة هي نشاط غيور لا يتحمل المنافسة. ولما توفي والداي، بدا لي أنه لم يعد هناك من يهمني أن أجعله فخورا بي...

هل قلت لنفسك يوما: «أريد أن أكتب»؟

بدأت بكتابة قصائد شعرية عندما كنت في الثانوية. بالأساس، لم أكن أريد سوى قرض الشعر. كما لم يكن لدي وعي بأن الكتابة يمكن أن تمثل نشاطا رئيسيا. كنت أعتبرها وسيلة للتخفيف من القلق الذي ينتابني، والتحكم في شعوري بالوحدة. وأصبحت الكتابة بالنسبة لى بصفتي طفلا وحيدا، بمثابة الاعتراف، أي طريقة لرفض العالم في حالته الراهنة، وسبيلا لابتكار روايتي الخاصة عن العالم...

وربما كانت تلك نقطة بدايتي في الكتابة، ولو أنني لست قادرا على تحديد اللحظة التي أدركت فيها أنها تشكل ما يجب عليّ أن أقوم به. وواصلت الكتابة، ظانا أنني سوف أمارس عملا، ومن وقت إلى آخر، سوف أكتب...  ومن فرط المثابرة على نحو منتظم، تعززت قدراتي وأصبحت مؤهلا لممارسة نشاط استحوذ علي بالكامل وأصبح نشاطي الرئيسي.

قبل أن تصدر روايتك الأولى، أزرق أبيض أحمر، في عام 1998، نشرت أربعة دواوين شعرية… كيف تترابط الرواية  بالشعر؟

يتناسب الشعر مع الروح الرومانسية لدى المراهقين، وهو موقع الحب الأول، ولحظة التعبير عن خيبة الأمل والولع بلامارتين، وهيغو، وفينيي أو أي شاعر رومانسي آخر. ثم إن الشعر حظي بتقدير كبير في بلادي، بفضل كبار المؤلفين الوطنيين مثل تشيكايا أو تامسي. ولم نكتشف النوع الروائي بالمعنى الكامل إلا عند صدور حياة ونصف للكاتب سوني لابو تانسي، الذي أعتبره شخصيا أعظم كاتب في الكونغو. عندها، أدركنا أنه من الممكن تأليف قصة لا تروي بالضرورة آلاما شخصية. فالرواية لا تعرض مشاعر المؤلف، بل مزاج الشخصية الروائية.

يعتبر صديقك الكاتب الهاييتي داني لافيريير أن «الموهبة ذات أهمية في عملية الإبداع، ولكن الأهم هو الشجاعة». هل الجُرأة ضرورية للإبداع؟

ما لا يظهر في العمل الأدبي هو بالذات شجاعة المؤلف… فالرواية أو ديوان الشعر يمثلان الإنتاج النهائي الذي لا يعكس كل ما عاناه المؤلف من مشقات، وقلق، وظروف معيشية وتصدعات شخصية... إن غابت الشجاعة، والقدرة على المثابرة والشعور الهاجسي، لا فائدة في الموهبة! 

تتطلب كتابة الأثر الأدبي صقل كل عبارة والرجوع إليها مرارا لحين أن تصبح معبرة تماما عن الأحاسيس. والشجاعة التي يتحدث عنها داني لافيريير تعني الشعور الهاجسي والقوة. فالمشروع الجمالي يستحوذ على المؤلف بالكامل، و يجره إلى تسخير  كل طاقته للدفاع عنه حيز عالمه الخيالي.

هل تعني الكتابة الكشف عما في الأعماق؟

أجل! هناك أيضاً الشجاعة السياسية، والاندفاع في الإفصاح عن الذات. والكتابة ليست بالأمر السهل، بل هي طريق وعرة مليئة بالمطبات والوحل ومياه الأمطار والأحجار. ومن يفتقر إلى الشجاعة يلجأ إلى انتعال حذاء يحميه. أما الكاتب، فهو يمشي حافي القدمين ويصل إلى نهاية الطريق، حتى ولو أدمت جراحه. لقد أنجز مشروعه المكنون، وولد قوة العالم التي كان يحملها، وها أنه نجح في ذلك!

 

تنشر رسالة اليونسكو هذه المقابلة مساهمة منها في الاحتفال باليوم العالمي لأفريقيا (25 مايو).

 

اكتشفوا الشعر في رسالة اليونسكو

تاريخ أفريقيا العام

طريق الرقيق

آلان مابانكو

ولد آلان مابانكو عام 1966 في بوانت ـ نوار، عاصمة كونغو الاقتصادية. أصبح شخصية بارزة في العالم الأدبي باللغة الفرنسية وشغل منصب أستاذ الأدب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وكرسي الإبداع الفني في كوليج دي فرانس (معهد فرنسا) في عامي 2015 و2016. وقد نال العديد من الجوائز عبر العالم، وتُرجمت أعماله إلى نحو ثلاثين لغة. وفي عام 2018، صدرت في فرنسا روايته الثانية عشرة طيور اللقلق خالدة.