<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 08:47:04 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

الترحيب بدلا عن المعاداة

cou_02_19_migrants_web.jpg

عمل فني من إنجاز تلاميذ روضة الأطفال ستيرانبوس بمدينة هام (بلجيكا)، أحرز على إشادة خاصة خلال المسابقة العالمية لشبكة المدارس المنتسبة لليونسكو «فتح القلوب والأذهان أمام اللاجئين»، 2017.

أمام السياسة المناهضة للمهاجرين، أطلق سكان حيّ هارينجي بلندن حملة ترحيب خلخلت التشريعات البريطانية في مجال الهجرة. وبما أن باب التوافق يبقى دائما مفتوحا، أقام سكان الحي علاقات تعاون مع السلطات المحلية، بينما وفرت الحكومة المركزية دعما ماليا للبعض من مشاريعهم. وهكذا، بدأت تتبلور فكرة العمل المشترك من أجل تحسين ظروف استقبال المهاجرين الوافدين.

بقلم غابريالا نيفيس دي ليما

منذ ظهور ما يُسمّى بـ«أزمة المهاجرين» في بداية السنوات 2010، تقف السلطات المحلية في الصدارة لضمان اندماج المهاجرين واللاجئين في أوروبا. وتعمل بعضها في إطار البرامج السياسية المُحددة من قبل الحكومة، والبعض الآخر بشكل طوعي. أما هارينجي ويلكوم، فقد اعتمدت منهجا تشاركيا، مع الاحتفاظ بوضعها كمنظّمة مُناضلة ومستقلّة يخول لها اتخاذ موقف مضاد، إذا ما اقتضى الأمر.

إلتزام معنوي ضد الظلم الاجتماعي

تعتمد هارينجي ويلكوم على مفهوم التضامن السياسي باعتباره، حسب تعريف الفيلسوفة الأمريكية  سالي سكولز، واجبا معنويا إيجابيا يحفز على التدخّل بشكل جماعي أمام حالات الظلم أو الهشاشة الاجتماعية. وتبين لوسي نابيجو، منسّقة مجموعة السكان الذين أطلقوا الحملة، أن هذه الأيديولوجيا تقع على طرفي نقيض مع ما يُسمّى بسياسة المحيط المعادي، إذ أن الأمر يتعلق «بخدمة التضامن والعدالة، والدفاع عن القيم، والدفع في اتجاه إعادة النظر في قانون سيّئ والبحث عن تعاون حقيقي مع السلطات المحلية بهدف تحسين الخدمات».

يُعتبر حي هارينجي من بين الأحياء الأكثر تنوعا  في العالم من حيث تعدد أصول المقيمين، إذ تبلغ نسبة سكانه المولودين بالخارج 45%، ونسبة الذين استقروا فيه خلال السنتين الأخيرتين 5%. وجاء في تقرير المجلس المحلّي، المؤرّخ في 15 نوفمبر 2016، أن «هارينجي فخورة بتقاليدها الثابتة في مجال استقبال طالبي اللجوء، واللاجئين أو الذين اختاروا الاستقرار في لندن. لقد استقرت فيه أجيال من جميع الأصول مما جعل من هارينجي أحد أكثر الأحياء انفتاحا وتنوّعا في المملكة المتحدة». وفي تلك الفترة، قام مؤسسو هارينجي ويلكوم بخطواتهم الأولى، مطالبين بتطبيق البرنامج الحكومي للاستقبال الطوعي للاجئين السوريين في حيهم. وقد التزمت كلار كوبر، رئيسة المجلس المحلي آنذاك، بإعادة إيواء عشر عائلات سورية، لمنحها «مسكنا آمنا والدعم اللازم لإعادة بناء حياتها».

إلا أنه، في نظر ل. نابيجو، من الواضح أن المجلس المحلّي يشكو من قلة الموارد المالية، والكفاءات، والتحاور مع السكان والتجمعات، ممّا يقلل من نجاعته. وهو ما حدا بهارينجي ويلكوم إلى اعتماد منهج تشاركي أثناء المفاوضات مع التجمعات المحلية، مع التأكيد على ضرورة إيجاد سبل جديدة للتواصل وإقامة علاقة مبنيّة على الثقة.

وتُؤكّد ل. نابيجو على أن الهدف ليس حث المستشارين المُنتخبين أو موظّفي المجلس المحلّي على مخالفة القانون الوطني، وإنما إقناعهم  بضرورة العمل بأكثر شفافية ومسؤولية واستعمال أنجع للآليّات المُتاحة لتوفير الخدمات الملائمة للمهاجرين واللاجئين.

وعلى ما يبدو، فإن المجلس المحلي لهارينجي ماض في هذا الاتجاه. ففي سبتمبر 2018، أنشأ المجلس برنامج كنكتد كومونيتيز (التجمعات المُتّصلة) الذي يهدف إلى تحسين الدعم المحلي للمهاجرين في مجال التشغيل، والسكن، وتعلّم اللغة الانجليزية، واستقبال الأطفال والتمكين المجتمعي. وإن كانت  ل. نابيجو تحيي هذه المبادرة، إلا أن لديها تحفّظات إزاء اختيار نشاط ذي بعد محلّي بَحت، وإزاء قابلية استمرار المشروع في حال الإبقاء على طريقة التمويل الحالية، بالإضافة إلى قدرته على بلوغ مجموعات من المهاجرين أكثر هشاشة.

كما ساند أعضاء المجلس عريضة قدّمتها هارينجي ويلكوم في نوفمبر 2018، وهو حدث مهم إذ أتاح الفرصة «لوضع كل الإشكالات على طاولة الحوار وإعادة التفكير في التسيير المحلّي»، حسب ل. نابيجو.

علاقات اجتماعية مُهدّدة

إن إعادة هيكلة التسيير المحلّي أمر ضروري باعتبار التقلبات العميقة التي تشهدها العلاقات الاجتماعية. ذلك أن السياسة المُسمّاة بسياسة المحيط المعادي، وهي سياسة تستهدف بالأساس المهاجرين غير الشرعيين وترمي إلى ردع تجاوز الحدود الاقليمية، لها في الواقع تداعيات على مجمل السكان. إن السياسات المُعتمددة في مجال الهجرة تُشرّك في عمليات مراقبة الحدود وإدارة الهجرة، ليس فقط وزارات مختلفة ومؤسسات محلّية، وإنما أيضا القطاع الخاص والمواطن البسيط. تقام الحدود أيضا داخل البلاد. كل جوانب الحياة الاجتماعية هي محل مراقبة وقابلة للإبلاغ، مما يزيد في مخاطر الطرد. وبالتالي، يتمّ إثناء المهاجرين وطالبي اللجوء عن الحصول على الخدمات الأساسية.

أصحاب المحلات السكنية مُجبرون على التثبّت من أن المُستأجرين يحملون رخصة للإقامة في البلاد، وعلى الاحتفاظ بوثائق الاثباتات، وإن لم يفعلوا يتعرضون لخطيّة مالية أو السجن لمدّة أقصاها خمس سنوات. وبعد إعادة تصنيف صفة «مقيم عادي»، تم تشديد شروط الحصول على الرعاية الصحية المجانية، وأصبح المهاجرون المُؤقّتون من غير الأوروبيين مُجبرين على دفع ضريبة إضافية سنوية  طيلة إقامتهم. كما فرض على المدارس، بين سنتي 2016 و2018، مدّ الدولة بمعلومات حول الأطفال من عائلات المهاجرين. وتمّ توقيف جمع المعطيات بعد إطلاق حملة احتجاجية تتواصل حاليا للمطالبة بإتلاف تلك المعطيات.

«هذا الوضع هو بمثابة المراقبة اليومية للحدود، حيث يجد كل مواطن عادي نفسه مضطرا على الإختيار بين أن يكون حارسا للحدود أو مهربا». هذا ما استنتجته ثلاث باحثات بريطانيات ـ نيرا يوفال-دايفيس، وجيورجي ويميس وكاترين كاسيدي ـ اهتمَمن بموضوع تغيير وجهة القوانين الإنجليزية المتعلقة بالهجرة. أي فرد، سواء كان قريبا أو صديقا أو جارا يمكن أن يتحوّل إلى مُبلّغ. وترى عالمة الأنثروبولوجيا الليتونية دايس دزينوفسكا أن ذلك يفتح فجوة لإقحام الخلافات الشخصية في مسألة الدفاع عن الحدود. وتتسبب هذه الممارسات في اضطراب العلاقات الاجتماعية والسياسية، بما تولده من خوف، وشبهات وتوتّر صلب المجموعات، مُهدّدة التضامن والوئام بين المتساكنين. ويجدر التذكير أيضا بأن هذه السياسات تؤثر أكثر في بعض الفئات الاجتماعية (بالخصوص تلك القائمة على الانتماء العرقي أو الطبقي أو الجنسي)، وفي ذلك دليل على الهشاشة النسبية لحقوقها.

تضافر الجهود

في هذا الإطار، ترغب هارينجي ويلكوم في المساهمة في تغيير العلاقات الاجتماعية على أرض الواقع، من خلال إنشاء شبكات تضامنية صلب الحيّ. وعلى سبيل المثال، قامت المنظمة بتحسيس المدارس لمدى تداعيات المحيط المعادي. كما حصلت على مساندة تجمعات محلية أخرى ومنظمات الدفاع عن المهاجرين حتى تتضافر جهودها من أجل تحسين ظروف الاستقبال في الحي.

وتسعى هارينجي ويلكوم، من خلال ربط مثل هذه العلاقات، بالإضافة إلى العمل مباشرة مع المستشارين المُنتخبين وموظّفي الدولة، إلى إرساء شكل من التعاون بين فاعلين مُتعدّدين، يجمع كافة الجهات المعنية. ومن بين الوسائل المُتوخّاة للوصول إلى هدفها، طلب التمويلات لعمليات الاندماج من صندوق مراقبة الهجرة لدى وزارة الإسكان، والتجمّعات والحكومة المحلّية، وتكوين فريق عمل يتألّف من المستشارين المحليين، ومن منظمات المهاجرين وخبراء مختصين في القانون لوضع استراتيجية لفائدة المهاجرين، وخاصة منهم المجموعات ذات الوضع الأكثر  هشاشة.

وبقطع النظر عن الساحة السياسية، ترى ل. نابيجو أن آثار حملة هارينجي ويلكوم، وإن كانت جانبية، فهي تبقى آثارا أساسية، وتقول: «بفضل هذه التعبئة، يتعرف السكان على جيرانهم، ويلتقون بأشخاص لم يكونوا يعرفونهم، ويكتسبون أكثر معلومات حول الوضع، فيبعث فيهم كل ذلك شعورا قويّا بالانتماء المشترك يدخل تغييرا على المكان الذي يعيشون فيه».

 

الصورة: شبكة المدارس المنتسبة لليونسكو

 

غبريالا نيفيز دي ليما

أخصّائية برازيلية في العلوم السياسية، غبريالا نيفيز دي ليما باحثة مساعدة في قسم الجغرافيا والبيئة في لندن سكول أوف إيكونوميكس أند بوليتيكل ساينس (معهد لندن للاقتصاد والعلوم السياسية) بالمملكة المتحدة. شاركت في الكتاب الصادر عن اليونسكو عام 2016 تحت عنوان «مدن تستقبل اللاجئين والمهاجرين: تحسين الحوكمة في المناطق الحضرية في عصر الهجرة».