<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 08:51:58 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
أفكار

الوجه الآخر للتعامل مع الهجرة

cou_02_19_mayors_web.jpg

غداء في الهواء الطلق سنة 2017 على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. صورة للفنان الفرنسي ج.ر.

كشف تحقيق حديث العهد، شمل أكثر من مائة رئيس بلدية في الولايات المتحدة، أن الوضع على المستوى المحلي مرتبط إلى حد كبير بمدى إرادة هؤلاء المسؤولين بالمطالبة بنفس الحقوق للوافدين الجدد والصمود أمام تشدد السياسات الفدرالية المتعلقة بالهجرة.  

بقلم كاثرين ليفين آينشتاين

 

في يونيو 2018 ، سافر وفد متكون من رؤساء بلديات ينتمون إلى الحزبين الأساسيين في الولايات المتحدة (الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري) ـ ومن بينهم ستيف بنجامين، رئيس مؤتمر رؤساء البلديات في الولايات المتحدة ـ إلى تورنيلو بولاية تكساس، للاحتجاج على سياسة  إدارة الرئيس ترامب بخصوص تفريق أعضاء عائلات المهاجرين. منذ شهر أبريل 2017، تجاوز رؤساء البلديات منَافساتهم السياسية، ليتفقوا على المطالبة بإصلاح نظام الهجرة. كما احتجوا، في أكتوبر 2018، على قواعد الرسوم العمومية التي تعاقب «المهاجرين ذوي الدخل الضعيف، من خلال رفض تسليمهم الفيزا والبطاقات الخضر لأنهم يحصلون على خدمات أساسية عينية يستحقونها بصفة شرعية». هذا التحرك مختلف تماما عن الاستقطاب الشديد الذي يعقد النقاش السياسي حول الهجرة في الولايات المتحدة.

لكن العديد من العقبات تقف دون القيام بإصلاح نظام الهجرة الذي تنادي به التجمعات المحلية، بالرغم من تجند رؤساء البلديات. ذلك أن احتجاجاتهم المعلنة لا تنفي الاختلافات الجوهرية بين رؤساء البلديات الأمريكيين حول المسائل المتعلقة بالهجرة، والعرق والعنصرية.

وبالفعل، في تحقيق على المستوى الوطني (تحقيق مينينو) أجراه فريقنا في مركز البحوث «إنيشياتيف أون سيتيز» (مبادرات حول المدن) بجامعة بوسطن خلال عامي 2017 و2018 شمل مائة رئيس بلدية يفوق عدد سكانها 75.000 نسمة، تبين أن  86٪ من رؤساء البلديات الذين ينتمون للحزب الديمقراطي يعتبرون أن المهاجرين، بغض النظر عن وضعهم القانوني، يجب أن يتمتعوا بالخدمات العمومية المحلية، مقابل 29٪ من الذين ينتمون للحزب الجمهوري.

وعلاوة على ذلك، فإن رؤساء البلديات الموافقين على رفض سياسة إدارة ترامب المتعلقة بالهجرة ليسوا متيقنين من قدرتهم على المرور من القول إلى الفعل. وإن كان 74٪ منهم يعتبرون أنهم يستطيعون القيام بالكثير لإلغاء مبادرات الشرطة الفيدرالية، تتقلص نسبة الذين يعتبرون أنهم قادرون على فعل الكثير للتصدي لسياسة الهجرة الفيديرالية إلى 31٪. ولا غرابة في الفرق بين النسبتين. ذلك أن جزءا كبيرا من السياسات العمومية في الولايات المتحدة انتقلت من الولايات إلى السلطات المحلية، إلا أن السلطة الفدرالية احتفظت بالنفوذ التام على المسائل المتعلقة بالهجرة.

في هذا المجال، تحد قوانين الولايات كذلك من استقلالية السياسة المحلية للمدن. ورغم المساندة السياسية الواضحة التي أعلنتها بعض الولايات لهذه الاستقلالية، فهناك العديد من الولايات التي تعتزم حظر مدن الملاذ.*

وعلى سبيل المثال، أصدر حاكم ولاية تكساس - وهي ولاية سجلت تغييرا ديمغرافيًا هاما في العقود الأخيرة بفعل الهجرة - قانونا يمنع إنشاء مدن الملاذ. وينص هذا القانون على معاقبة أعوان الشرطة والمسؤولين المحليين في حالة عدم امتثالهم لأوامر أعوان الهجرة الفدراليين المتعلقة بتسليم المحتزجين الأجانب المعرضين للترحيل.

ومن ناحية أخرى، حتى في حالة وجود سياسات أكثر سلاسة على مستوى الولايات، تواجه البلديات كما هائلا من الصعوبات. في حين أن مواردها المالية محدودة في أغلب الأحيان، فهي ليست قادرة على توفير موارد إضافية بسبب القيود الضريبية والمالية المفروضة من قبل الولايات.

ومع ذلك، يبقى في متناول رؤساء البلديات وسائل أخرى لتحسين ظروف المهاجرين على المستوى المحلي، بصفة ملحوظة، لا سيما في مجال حفظ النظام. في العديد من الولايات، بإمكان السلطات المحلية تقرير عدم تطبيق بعض جوانب القانون الوطني المتعلق بالهجرة لتصبح مدن ملاذ. وكما جاء في بيان المؤتمر الأمريكي لرؤساء البلديات الصادر في 25 يناير 2017 ، «تعمل مصالح الشرطة المحلية جاهدة لبناء الثقة ودعمها مع كافة التجمعات التي تخدمها، بما فيها تجمعات المهاجرين. لا بد أن يتمكن المقيمون في مدننا من الشعور بالثقة إزاء قوات الشرطة وإزاء كافة السلطات البلدية.»

كما يمكن للبلديات تحسين ظروف استقبال المهاجرين من خلال إنشاء خدمات لدعم اندماجهم، وتوفير خدماتها في عدة لغات، والتدخل في الأحياء المعزولة بالإضافة إلى الاستعانة بموظفين من أصول متنوعة.

تمييز عنصري وعرقي

بإمكان البلديات ورؤسائها اعتماد سياسات تضمن المساواة في التمتع بالخدمات العمومية المحلية الجيدة لكافة التجمعات، المهاجرة وغير المهاجرة. لقد عمت التفرقة العنصرية العديد من المدن الأمريكية التي أضحت منقسمة بين الأحياء المخصصة للبيض والأحياء المخصصة لغيرهم، سواء كانوا من أصل أفريقي أو آسيوي أو إسباني. في بوسطن مثلا، لا بد من نقل 60% من السكان ذوي الأصول الإسبانية لتوزيعهم بصفة متناصفة على كامل المدينة وأحوازها.

هذا التمييز العنصري والعرقي يخلق فقرا مركزا يؤدي إلى تجمع الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي في موقع واحد. وتنتج عن هذا الفقر المركز سلسلة من الأضرار على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي منها، على سبيل المثال، انخفاض فرص الشغل وارتفاع معدل الجرائم. وعموما، تكون الخدمات العمومية المتوفرة في تلك الأحياء أقل جودة.

وهناك أسباب عديدة لعدم الاكتراث بالمجتمعات المحرومة. بصفة عامة، سكان تلك الأحياء هم الأقل عددا من بين الذين يتوجهون إلى السلطات المحلية للحصول على الخدمات. كما أنهم، عموما، يفتقدون للوقت الكافي للاتصال بتلك المصالح، فضلا عن فقدان الثقة في حظهم لتلبية طلباتهم. علاوة على ذلك، فإن المسؤولين السياسيين، في المتوسط، مهتمين أكثر بالناخبين الأغنياء. ولذلك، فهم أقل اهتماما بتلبية طلبات المحرومين. لقد تراكمت تداعيات هذا الانسحاب الاستثماري التاريخي من تلك التجمعات وأصبح من الصعب التغلب عليها.

كما أن العديد من رؤساء البلديات يغضون النظر على التمييز الممارس محليا وعلى عدم المساواة في الخدمات العامة. ويبين التحقيق أن 19٪ فقط من رؤساء البلديات يعترفون بوزن التمييز الذي يعاني منه المهاجرون في مدنهم. في حين يرى ما يزيد على 80٪ من رؤساء البلديات، من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أن جودة وسائل النقل العمومية، وصيانة الشوارع وتوفر المنتزهات مضمونة بالتساوي لجميع السكان، البيض وذوي البشرة الملونة. والحال أن الاعتراف بعدم المساواة والتمييز يمثل شرطا مسبقا لاﻋﺘﻤﺎد اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ الملموسة التي من شأنها معالجة هذه القضايا.

بالطبع، لا يرفض جميع رؤساء البلديات الاعتراف بواقع التمييز العنصري وضرورة معالجته. ومثل ما هو الشأن بالنسبة لمسألة حصول المهاجرين على الخدمات العمومية، هناك فرق شاسع بين وجهات نظر الديمقراطيين والجمهوريين حول الاعتراف بعدم المساواة. إذ يفوق عدد الديمقراطيين الواعين بوجود تمييز ضد المهاجرين في مدنهم بنسبة 20٪ مقارنة بالجمهوريين. أما الذين يعتبرون أن البيض يتمتعون أكثر من غيرهم بمؤسسات القطاع العام والخدمات الاجتماعية مثل التشغيل والرعاية الصحية والقضاء العادل، فيفوق عدد الديمقراطيين بنسبة تتراوح بين 20 و50٪، حسب المجال موضع الدرس،  مقارنة بالجمهوريين. وإن اتخذ رؤساء البلديات المنتمون لكلا الحزبين إجراءات رمزية ضد سياسة ترامب للهجرة، إلا أن عدد الديموقراطيين أكثر بكثير من الجمهوريين عندما يتعلق الأمر بالتعبير علنا عن مساندتهم للمهاجرين غير القانونيين، والاعتراف بأن المهاجرين يذهبون ضحية التمييز المحلي، والقبول بوجود فوارق في الحصول على الخدمات العامة والاجتماعية والاقتصادية على أساس الأصل العرقي.

بالتالي، يجد المهاجرون الوافدون أنفسهم أمام مصالح عمومية عديدة ومتشعبة.  وتسعى بعض السلطات المحلية (أغلبها من الحزب الديمقراطي) جاهدة لاستقبال المهاجرين والتقليص من الفوارق، بينما يبقى آخرون - بهدف الكبح أو التمييز - مكتوفي الأيدي.

 

* مدن الملاذ هي تلك المدن التي تلتزم بحماية حقوق جميع سكانها، بما فيهم المهاجرين غير الشرعيين، وتوفير الخدمات الأساسية لهم. وفي الولايات المتحدة، تضمن هذه المدن أيضًا للمهاجرين غير الحاملين للوثائق القانونية الذين لم يقترفوا أي جريمة، عدم سجنهم أو ترحيلهم من قِبل السلطات الفيدرالية.

 

الصورة: ج. ر.

كاثرين ليفين آينشتاين

أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بجامعة بوسطن، كاثرين ليفين آينشتاين حاصلة على الدكتوراه من جامعة هارفارد، قسم الحوكمة والسياسات الاجتماعية. كما نشرت دراساتها حول السياسات المحلية، والسياسات العنصرية والعرقية، والسياسات العمومية الأمريكية في العديد من المجلات الأكاديمية.