<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 10:14:46 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

cou_04_18_dobb_web_01.jpg

العمل هو الكرامة (بالنسبة للمُشغّل)، معلقة برونو راوول ريفيرا كاتاكورا (بوليفيا)، عرض في المسابقة الحق في العمل! التي نظّمتها جمعية فور تومورو، التي تُناضل في سبيل حقوق الإنسان.

الحق في الشغل، وفي الضمان الاجتماعي، وفي مرتب أدنى، حرية الاجتماع والتنظّم، حرية الحصول على شغل... تلك هي، حسب عالم الاقتصاد البريطاني موريس دوب (1900-1976)، العناصر الضرورية التي يجب إدراجها في ميثاق لحقوق الإنسان، إن أردنا تصوّر مجتمع جديد. وقد عرض هذه الفكرة في النص الذي أرسله سنة 1947، ردّا على تحقيق اليونسكو حول الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان.

بقلم موريس دوب

إن فكرة إعلان للحقوق صالح لكل زمان وفي كل الظروف فكرة مجرّدة يتعذر الدفاع عنها في عصرنا الحالي. لقد تأكد خلال هذا العصر، أكثر من العصور السابقة، أن جذور القضايا الاقتصادية والاجتماعية راسخة في التاريخ. إن المشاكل، والاحتياجات، والحقوق والواجبات، لا يكون لها معنى إلا إذا نظرنا إليها في إطار جملة مُعيّنة من المؤسسات الاجتماعية والعلاقات صلب المجتمع. هذه المؤسسات والعلاقات تخضع للتقلبات التاريخية وتتغيّر باستمرار في عالمنا المعاصر، تحت أنظارنا. ومع ذلك، فإن إعلانات للحقوق يمكن أن تكون مفيدة  إذا كانت تعكس طموحات أصحاب الفكر التقدّمي في عصر ما، لمواجهة وضعية مُعيّنة ومجموعة مُحددة من المشاكل: في هذه الحالة، تُبين مثل هذه الإعلانات التوجّه الذي يجب اتّباعه في السعي إلى التقدم الاجتماعي.

إن أول واجب على الإطلاق في أي مجتمع جديد، هو الوصول إلى التشغيل الكامل. اليوم، يبدو لنا هذا الأمر بديهيّا، إلا أنه لم يكن كذلك في السابق، ولا زال هناك من يعارضه إلى يومنا هذا، أو من يقبل بأهدافه دون القبول بوسائله. حتى وقت قريب، كانت البطالة تُعتبر نتيجة حتمية لما يُسمّى بـ«المجتمع الليبرالي»، بل كانت تُمثّل احتياطيا لليد العاملة مرغوبا فيه، حتى لا يفتقد الاقتصاد الرأسمالي  وسيلة حيويّة للمرونة والانضباط. ويجدر التذكير في هذا المجال بأن دستور الاتحاد السوفياتي لسنة 1936 وضع «الحق في الشغل» في صدارة «الحقوق الأساسية للمواطن» (البند 118).

التخلص من الفقر والبؤس

ثانيا، من الضروري ضمان الحد الأدنى من سبل العيش للجميع، بما فيه الكفاية للقضاء على الفقر والبؤس. وتتّسم هذه النقطة بخاصّيتين. أولاهما التأمين، بواسطة نظام شامل للضمان الاجتماعي، ضد فقدان القدرة على الارتزاق بسبب المخاطر التي يتعرّض لها الأجير: وهي مخاطر تتسبب فيها الحوادث، والمرض والشيخوخة. ثمّ يأتي التأمين المُتعلّق بالظروف الدنيا للشغل: منع العقود التي لا تمنح الحد الأدنى للأجر القانوني. وكل هذا ليس مسألة تطلعات فحسب، وإنما يستوجب أيضا  التطبيق، لأن المعيار الذي يُعتبر معيارا أدنى – مثل «الأجر الذي يسمح بسد الحاجيات» – قابل للتغيير من جيل لآخر، ويتغيّر مع تغيّر مستوى التنمية الاجتماعية والتاريخية لمختلف مناطق العالم.

في الوقت الحالي، هناك مناطق شاسعة غير قابلة لتطبيق أي شكل من أشكال المعايير المرجوّة (حتى إن غيّرنا جذريّا توزيع المداخيل)، بسبب ضعف مستوى إنتاجية ساعة العمل. وفي هذه الحالة، يتطلّب التطبيق الفعلي لهذا «الحق» أن تتم أولا تنمية  تلك المناطق حسب مخطط مضبوط (تنمية متكاملة لمنطقة واسعة برعاية السلطات العمومية دون ترك أي المجال للتصرف العشوائي، ويُستحسن أن يكون ذلك مصحوبا بإعانة مالية خارجية على ألا تكون تلك الإعانة مرتبطة بشروط سياسية غير مرغوب فيها).

ضمانات للجميع

ثالثا، من الضروري ضمان حرية الاجتماع والتنظّم لجميع الشغالين. وعلاوة على ذلك، لا بد أن تكون حرية الانخراط في الجمعيات فعلية من خلال حصول كل جمعيات العمال على الحق في التفاوض حول ظروف الشغل، وأن تكون مُمثَّلة في الهياكل المُكلّفة بمراقبتها. ومن الواضح أن اعتبار اليد العاملة (إلى حد اليوم) كمُجرّد عامل من عوامل الإنتاج المُكْلفة وعدم الاكتراث برأيها في توجيه السياسة الصناعية، موقف مناف لكرامة الإنسان.

رابعا، من الضروري ألّا يتم تقييد الشغل والحصول على موارد الرزق بأية تعلّة تتعلق بالعرق أو الديانة أو الرأي أو الانتماء إلى أية جمعية مشروعة.

منع احتكار القطاع الخاص

ويجوز القول، بصفة معقولة، إن احتجاز وسائل الإنتاج على نطاق واسع كملكية خاصة (بما فيها الأرض)  من طرف بعض الأفراد، بحيث يمنع استعمالها بصفة مستقلة على جزء كبير من المجتمع، إنما يُمثّل انتهاكا للحقوق الاقتصادية للإنسان، بكل معنى الكلمة. عندما تكون ملكية الأرض وتجهيزات الإنتاج مركزة بين أيدي طبقة ما، لم يعد لبقية أعضاء المجتمع من خيار غير عرض خدماتهم لكسب لقمة العيش. ومثل هذا الوضع يخلق، فعليّا، انعداما واضحا للمساواة في الحقوق ويحرم الطبقة المُتكوّنة من غير المالكين من جزء من حريّتها.

وبالطبع، يستحيل التوفيق بين هذا الفهم لحقوق الإنسان وبين الرأسمالية كنظام اقتصادي. ومع ذلك، إذا تمت صياغته في شكل مناسب، قد يسمح بتأييد منع الاحتكار الخاص الذي يهيمن على قطاعات اقتصادية بأكملها ويسيطر على إنتاج وتسويق مواد ضرورية لعيش الإنسان، أو مواد أوّلية ولوازم أساسية للإنتاج، وبالتالي يملي شروطه على المستهلكين الخواصّ أو على المُنتجين الآخرين.

 

موريس دوب

عالم اقتصاد ماركسي مشهور وأستاذ جامعي بريطاني. درّس موريس دوب (1900-1976)  في جامعة كامبريدج (المملكة المتحدة). التحق بالحزب الشيوعي البريطاني سنة 1920، وكان من مُؤسّسي مجموعة المُؤرخين في نفس الحزب.