<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 10:16:07 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

الانتصار على أعداء الحرية

cou_04_18_huxley_web_01.jpg

الجنرال (1969)، عمل للفنان الإيطالي أنريكو باج (1924-2003)، أحد مُؤسسي حركة موفيمنتو أرتي نوكلياري (الحركة الفنية النووية).

في تحليله للمخاطر التي تُهدد الإنسانية، يقترح الروائي البريطاني ألدوس هكسلي (1894-1963) التنصيص في ميثاق عالمي لحقوق الإنسان على مبادئ تهدف إلى الزيادة في الموارد المتوفّرة بالمقارنة مع حاجيات سكان العالم والحد من سلطة المُسيطرين على عامّة الناس والتحكم أكثر في العلوم التطبيقية. تلك هي الأفكار التي عرضها في رده على تحقيق اليونسكو حول الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان الذي أرسله لليونسكو  في يونيو 1947 تحت عنوان «حقوق الإنسان ومعطيات الوضع الإنساني».

 

بقلم ألدوس هكسلي

 

إن الضغط المُتصاعد على الموارد بسبب احتياجات الشعوب، والحرب الشاملة سواء كانت مُحتملة أو قيد الإعداد، يُمثّلان حاليا أكبر أعداء للحرية.

ثلاثة أرباع سكان كوكبنا، من عدد إجمالي يبلغ 2.200.000.000 ساكن، لا يحصلون على القدر الكافي من المواد الغذائية. وفي نهاية هذا القرن، سيبلغ عدد سكان العالم (إذا تمكّنا من تجنّب كارثة خلال هذه الفترة) 3.300.000.000 ساكن. في الأثناء، يتسبّب تآكل التربة، على امتداد مساحات شاسعة، في التخفيض السريع من نسبة خصوبة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، التي تبلغ مساحتها الإجمالية مليارا ونصف من الهكتارات. علاوة على ذلك، في البلدان الصناعية، تتقلص الموارد المعدنية، إن لم تنفذ تماما، في الوقت الذي ينمو فيه عدد السكان وتزداد حاجتهم للمواد الاستهلاكية بصفة مستمرة، وفي حين توجد تقنية مُتطوّرة قادرة على الاستجابة لهذه المطالب.

إن هذا الضغط البالغ على الموارد من شأنه أن يهدّد الحرية، بطرق متعددة. لقد أصبح الأفراد مضطرين على العمل أكثر ولفترة أطول، مقابل ظروف عيش أسوأ. وفي ذات الوقت، أصبح الوضع الاقتصادي للمجموعة، إجمالا، هشا لدرجة أن أي حدث طارئ مثل سوء الظروف المناخية، يحمل في ثناياه عواقب خطيرة. ولما تعم الفوضى الاجتماعية، لم يعد هناك مجال للحرية الفردية، بل تغيب الحرية تماما، ولما يعود الهدوء بتدخّل من هيكل تنفيذي مركزي قوي، فخطر الحكم المطلق وارد.

وبفعل الضغط المتزايد على الموارد لتلبية احتياجات السكان، أصبح القرن العشرين العصر الذهبي للحكومة المركزية والدكتاتورية. لقد شهد هذا القرن عودة شاملة للعبودية فُرضت على المنشقين السياسيين، وعلى الشعوب المهزومة وأسرى الحرب.

طيلة القرن التاسع عشر، وفر العالم الجديد موادّا غذائية غير مُكلفة للجماهير العارمة المتواجدة في العالم القديم، وأراضٍ مجانية لضحايا الاضطهاد. أما اليوم، وأمام التنامي المتزايد لعدد السكان في العالم الجديد، لم تعد هناك أراضٍ للتوزيع، كما أن مساحات شاسعة من الأراضي قد فقدت خصوبتها جرّاء كثافة الاستغلال. لا زال العالم الجديد ينتج الكثير من الفوائض القابلة للتصدير، لكنه في غضون الخمسين سنة المقبلة، قد يفقد قدرته على توفير فوائض تسمح بالمساعدة على تغذية سكان العالم القديم الذين سيبلغ عددهم ثلاثة مليارات.

والجدير بالذكر، إضافة لما سبق، أنه إذا كان العدد الإجمالي لسكان الأرض في ازدياد مُطّرد، فإن بعض المناطق المُكتظّة في أوروبا الغربية تشهد استقرارا في عدد سكانها، وسيبدأ هذا العدد قريبا في التقلص. في سنة 1970، سوف ينخفض عدد سكان كل من فرنسا وبريطانيا بحوالي أربعة ملايين ساكن، في حين ستشهد روسيا زيادة في عدد سكانها بخمسة وسبعين مليون ساكن. وبطبيعة الحال، سوف يُحدث هذا الوضع مشاكل سياسية لن تُحلّ إلا بدبلوماسية ماهرة. لكن المشاكل لن تقتصر على البعد السياسي وحده. [...]

من المؤكد أن إعلانا دستوريا للحقوق، تُطبَّق مبادئه في تشريع مُلائم، سيكون قادرا على المساهمة في حماية المجموعات الهائلة من البشر العاديين والمحرومين من الامتيازات، أمام العدد الضئيل لأولئك الذين يتحكّمون فعليا في الأغلبية، بفضل ثرواتهم أو مواقعهم. ولكن تبقى الوقاية  دائما خَيرا من العلاج. إن وضع بعض القيود النظرية للحدّ من التعسف في ممارسة السلطة، وهي سلطة مركزة بين أيادي البعض، ليست إلا تخفيفا من الضرر القائم. إن الحرية الفردية لا يمكن ضمانها إلا باقتلاع الشر من جذوره.

وما تحاول اليونسكو القيام به حاليّا هو المساعدة على التخفيف من الشر. ولكن، من حسن حظ المنظمة أنها تتمتع بإمكانية تقلد مهمّة أهمّ بكثير، إن توفرت لديها الإرادة، تتمثل في الوقاية من هذا الشر والإزالة التامة للعقبات الحالية القائمة ضد الحرية. هذه المهمّة هي بالخصوص من مشمولات القسم العلمي للمنظمة. إن مسألة التخفيض من ضغط احتياجات السكان على الموارد هي، قبل كل شيء، مسألة تخص العلوم الدقيقة والعلوم التطبيقية، في حين أن مشكلة الحرب الشاملة (من بين المشاكل الأخرى طبعا) هي مسألة أخلاقية بالنسبة للفنيين بصفتهم أفرادا وأعضاء في المنظمات المهنية. [...]

 

نشرت رسالة اليونسكو مقالات أخرى لألدوكس هكسلي:

دفاعا عن الفكر، ديسمبر 1993

الأزمة المزدوجة، أبريل 1949 

 

ألدوس هكسلي

الروائي والناقد الأدبي البريطاني ألدوس هكسلي (1894-1963)، هو الأخ الأصغر لجوليان هكسلي، أول مدير عام لليونسكو. له العديد من المؤلفات في الخيال العلمي، منها الرواية المشهورة برايف نيو وورلد (عالم جديد شجاع)، التي نشرت سنة 1932.