<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 10:25:15 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

مقاربة كونفوشيوسية لحقوق الإنسان

cou_04_18_lo_web_01.jpg

الأمم المتحدة: بابل الألفية (1999)، نصب للفنان الصيني غو واندا، وهي جزء من مشروع الكوميديا الإلهية في زمننا.

«على الإنسان أن يقوم بواجباته إزاء الآخرين بدل أن يُطالب بحقوقه. تلك هي القاعدة الأخلاقية للعلاقات الاجتماعية والسياسية في الصين. يمثل مفهوم الالتزامات المشتركة المبدأ الأساسي للكونفوشيوسية».  هذا ما أكده الفيلسوف الصيني لو شونغ-شو (1903 - 1985) في النص الذي أرسله في أول يونيو 1947، ردا على تحقيق اليونسكو حول الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان، تحت عنوان «حقوق الإنسان في التقاليد الصينية». مقتطفات.

 

بقلم لو شونغ-شو

قبل التمعّن في المبادئ العامة لحقوق الإنسان، أريد التذكير بأن المفكرين الصينيين القدامى لم يُعيروا اهتماما للموضوع، أو على الأقل بنفس الطريقة مُقارنة بالغرب. وقد نبحث طويلا، دون جدوى، عن إعلان لحقوق الإنسان في أعمال الفلاسفة وفي الدساتير السياسية لهذه البلاد قبل وصول المفهوم الغربي للحق إلى الصين. في الواقع، وجد المترجمون الأوائل لأعمال الفلسفة السياسية الغربية بعض الصعوبات لإيجاد ما يُعادل كلمة «حق» في اللغة الصينية. تتلخّص العبارة المستعملة حاليّا في كلمة واحدة «كوانلي» التي تعني حرفيا «السلطة والمصلحة»، وحسب علمي، تعود إلى كاتب ياباني استعملها لأول مرة سنة 1868 في كتاب حول القانون العام الغربي. ومن ثمّ، اعتمدها الكُتّاب الصينيون.

لا يجب، طبعا، أن نستنتج من ذلك أن الصينيين لم يُطالبوا أبدا بالحقوق الأساسية للإنسان ولم يتمتّعوا بها. في واقع الأمر، يعود ظهور مفهوم حق الإنسان  في الصين إلى زمن بعيد، كما تمّ الاعتراف، منذ أمد طويل بحق الشعب في أن يثور على سلطان غاشم.

إن كلمة «ثورة»، وهي أبعد ما يكون على أن تُفهم بأنها خطيرة، مرتبطة ارتباطا وثيقا بمعنى «مثال أعلى»، وقد استعملت بصفة مستمرة  للتدليل على حق الشعب في إسقاط الحكّام الفاسدين، حتى أن إرادة الشعب تُعتبر مطابقة للإرادة السماوية. إن كتاب التاريخ، وهو كتاب قديم كلاسيكي صيني، يُؤكّد أن «السماء ترى ما يراه الشعب، والسماء تسمع ما يسمعه الشعب. فالسماء مليئة بالتعاطف مع الشعب. وما يُريده الشعب سوف تمنحه له السماء».

على الحاكم أن يهتمّ بمصالح شعبه: ذلك واجبه أمام السماء. ولما يكون محبا لشعبه، فهو يستجيب لإرادة السماء. كما يُعلن هذا الكتاب «إن السماء تُحب الشعب، وعلى الحاكم أن يُطيع السماء».

إذا لم يعدالحاكم يكرس سلطته في سبيل سعادة رعاياه، يُصبح لهؤلاء الحق في أن يثوروا لِخلعه عن العرش. ولما تجبر الإمبراطور جياه (1818-1766 قبل المسيح) وأصبح طاغيا، وهو آخر امبراطور من سلالة هسيا (2205-1766 قبل المسيح)، قاد تانغ ثورة وأطاح بسلالة هسيا، مُعتبرا أن واجبه يُحتّم عليه الاستجابة لنداء السماء، أي الامتثال تماما لرغبة الشعب بالتخلي عن الحاكم السيء وتأسيس سلالة جديدة، وهي سلالة شانغ (1766-1122 قبل المسيح).

وعندما أصبح آخر امبراطور من سلالة تسو (1154-1122 قبل المسيح) مُستبدّا، وفاق الامبراطور السابق جياه ظلما، تم إعدامه أثناء ثورة قادها الملك وو (1122 قبل المسيح)، مؤسس سلالة زهو التي بقيت في السلطة على مدى 800 سنة (1122-296 قبل المسيح).

سجل تاريخ الصين قدوم وسقوط سلالات مُتعاقبة، مما يدل على أن ممارسة هذا الحق في التمرّد تكررت مرارا.  وقد أكد منسيوس (372-289 قبل المسيح)، أحد أكبر مُريدي كونفوشيوس، أنه يجب على الحكومة أن تمتثل لإرادة الشعب. وكان يقول: «يحتل الشعب  المرتبة الأولى من حيث الأهمية، والدولة أقل أهميّة منه، أما الملك فله أهميّة ضئيلة».

إلتزامات مشتركة

على الإنسان أن يقوم بواجباته إزاء الآخرين بدل أن يُطالب بحقوقه. تلك هي القاعدة الأخلاقية للعلاقات الاجتماعية والسياسية في الصين. يمثل مفهوم الالتزامات المشتركة المبدأ الأساسي للكونفوشيوسية. بالنسبة لكلونفوشيوس ومريديه، العلاقات الاجتماعية الأساسية  هي التالية: أولا من الملك إلى رعاياه، ثانيا من الأولياء إلى الأطفال، ثالثا من الزوج إلى الزوجة، رابعا من الأخ الأكبر إلى الأخ الأصغر، وخامسا من الصديق إلى الصديق.

وعوضا عن المطالبة بالحقوق، تدعو الأخلاق الصينية إلى سلوك يتّسم بالتفهّم إزاء الغير. على كل فرد أن يعترف لغيره بنفس الرغبات، وبالتالي بنفس الحقوق التي يريدها لنفسه. إن الوفاء بالالتزامات المشتركة يعني أيضا الامتناع عن الإضرار بالحقوق الفردية للغير. وبخصوص العلاقة بين الفرد والدولة، فإن النظام الأخلاقي ينصّ على أن «الشعب هو ركيزة الأمّة، وعندما تكون الركيزة  متينة تعيش الأمة في سلام».

في زمن بعيد، كانت الطبقة الحاكمة والأفراد الذين تتم دعوتهم للانضمام إليها، هم الوحيدون الذي يتلقّون تعليما كلاسيكيا. لم يكن عامّة الشعب يتعلّمون المطالبة بحقوقهم، لكن أعضاء الطبقة الحاكمة، الحاضرين منهم أو الذين يُفترض أن يلتحقوا بهم، كانوا يتعلّمون باستمرار أن أول واجب للحكومة هو السهر على مصالح الشعب. وكان يُلقّن إلى الملك وإلى الموظفين أن يعتبروا أنفسهم أولياء على الشعب أو حرّاسه وأن يقوموا بحمايته كما لو كانوا يحمون أطفالهم. ولئن لم يتم دائما تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع، إلا أنه بقى ركيزة السياسة الصينية. أما نقطة الضعف فتتمثّل في أن سعادة الشعب تقع بين أيدي الطبقة الحاكمة الميالة إلى التنكّر لواجباتها وإلى استغلال الشعب. وهو ما يُفسّر الثورات المتواترة في تاريخ الصين. [...]

 

الفنان: غو واندا

 

لو شونغ-شو

أستاذ درّس بجامعة الصين الغربية، في شنغدو (مقاطعة سيشوان)، كان لو شونغ-شو (1903 - 1985)  خبيرا لدى اليونسكو.