<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 10:11:51 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

نقاش حول مبادئ الكرامة الإنسانية

cou_04_18_croce_web.jpg

السالب والموجب (1956)، عمل للفنانة الإيطالية كارلا أكاردي (1924-2014)، وهي من مؤسسي الحركة الفنية فورما أونو سنة 1947.

بالنسبة للفيلسوف الإيطالي بينيديتو كروتشي (1866- 1952)، لا بد لليونسكو أن «تفتح نقاشا رسميا وعموميا ودوليا حول المبادئ التي ترتكز عليها، بالضرورة، كرامة الإنسان والقيم الحضارية» حتى «تؤدي قوة المنطق والثقافة والمذاهب الفكرية، بالإضافة إلى إمكانية صياغة اتفاق أساسي، إلى انتصار العقول الحرة على العقول الخاضعة للأفكار الاستبدادية والمبادئ الشمولية المطلقة». هذا ما جاء في رده على تحقيق اليونسكو حول الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان، أرسله من مدينة نابولي في 15 أبريل 1947 تحت عنوان «حقوق الإنسان في الزمن التاريخي الراهن» باللغة الإيطالية.

 

بقلم بينيديتو كروتشي

 

تستند جميع المواثيق المتعلقة بالحقوق (حقوق الإنسان الطبيعية وغير القابلة للتصرف، على حد تعبير الإعلان الفرنسي لسنة 1789) إلى نظريّة نجح نقادها - من أوساط عديدة - في تفنيدها: ألا وهي نظريّة الحقّ الطبيعي التي كانت لها مبرراتها خلال القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، والتي لم يعد من الممكن الدفاع عنها من المنظورين التاريخي والفلسفي. وليس بإمكاننا مناقشة الطابع الأخلاقيّ لهذه الحقوق، لأنّ الأخلاق لا تعترف بأي حقوق لا تشكل، في الوقت ذاته، واجبات، ولا بأي سلطة سواها - وهذه ليست حقيقة طبيعية بل أول مبدأ روحاني.

وهذا ما يشير إليه بالفعل التقرير الذي أرسلتموه إلي والذي ينص على أنّ هذه الحقوق تختلف حسب الفترة التاريخية، متخليا عن الأساس المنطقي لتلك الحقوق المتمثل في بعدها الإنساني العالمي، ويحصرها، في أفضل الأحوال، في سياقها التاريخي بمعنى حقوق الانسان عبر التاريخ، أو بعبارة أخرى الحقوق المعترف بها للانسان في فترة زمنية محدّدة. وبالتالي، فهي ليست سندات أزلية بل مجرد حقائق تاريخية تعكس احتياجات عصر معيّن وتحاول تلبيتها. وتكمن أهمية إعلان 1789، كحدث تاريخي، في كونه يعبر عن اتفاق عام تبلور تحت تأثير الثقافة والحضارة الأوروبية في القرن الثامن عشر (عصر العقل والتنوير) استجابة لضرورة الإصلاح السياسي للمجتمع الأوروبي (بما في ذلك المجتمع الأوروبي في أمريكا).

إلا أنه لم يعد من الممكن اليوم إدراك هدف الإعلان، سواء تعلق الأمر بالحقوق أو بالاحتياجات التاريخية، لأن التوافق حول هذه المسألة لم يتحقق وذلك هو بالذات ما تسعى إليه منظمة اليونسكو. من الواضح أن الاتفاق لم يحصل بين أهم تيارات الرأي العالمي: التيار الليبرالي والتيار الاستبدادي. وفي الواقع، هذا الخلاف واضح في التقرير الموجود أمامي، رغم اعتدال أسلوبه التحريري. هل يمكن تحقيق هذا الاتفاق؟ وبأيّة وسائل؟ هل من خلال إنعاش تيار الليبرالية، الذي سوف ينتصر على التيار الآخر نظرا لما يتمتع به من تفوق أخلاقي، وقدرة على التفكير والإقناع، وحكمة وحصافة سياسية؟ أم من خلال حرب عالمية جديدة ستجلب النصر إلى أحد الطرفين، حسب حظوظ كل منهما، أو مسار الأحداث، أو العناية الإلهية؟ وفي حال انتصار مؤقت للتيار الاستبدادي، هل سينبثق التيار الليبرالي الخالد من جديد انطلاقا من نقيضه؟

هل من توافق ممكن؟

أظن أن منظمة اليونسكو تفكر في الخيار الأول أو الفرضية الأولى. أما بالنسبة لي، فأنا قلبا وروحا مع هذا المسعى الذي لا بد أن يسخر كل واحد منا طاقته في سبيله، والذي كرست له حوالي خمسة وعشرين عامًا من حياتي في إيطاليا وفي مناطق أخرى […]

وإذا سارت الأمور في هذا الاتجاه، فإن منهجية العمل التي أنا مدعو لاتباعها والتي سوف يشارك فيها، بحقوق متساوية، ممثلو كل التيارات خاصة التيارين الأكثر اختلافا، هذه المنهجية لن تكون قادرة على اعتماد خطة عمل سياسي مشترك في قالب إعلان للحقوق، أي اتفاق ليس له وجودا أصلا ويجب أن يرى النور انطلاقا من جهود متعارضة ومتضافرة. هذه هي النقطة التي يجب تدارسها بكل عناية، ففيها تكمن نقطة الضعف.

كما أنني لا أعتقد أنه من الممكن صياغة إعلان توافقي دون أن يكون عديم المعنى أو تعسفيا. قد تكتشفون أنتم وزُملاؤكم حين تشرعون في العمل، عدم جدوى بل واستحالة تحقيق هذا المشروع، وقد تكتشفون أن هناك مخاطرة ـ إن سمحتم لي بمثل هذا التعبير ـ بالتعرض إلى استِهزاء القراء من الأشخاص الذين وضعوا مثل هذا الإعلان وقاموا بصياغته.

في رأيي، لا توجد سوى طريقة واحدة لضمان نجاعة عمل اليونسكو: وهي بالتحديد، فتح نقاش رسمي وعمومي على الصعيد العالمي حول المبادئ التي تعتمد عليها لزوما كرامة الإنسان ومفهوم الحضارة.

في نقاش من هذا القبيل، لا أشك أن قوّة المنطق والثقافة والعقيدة، بالإضافة إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق أساسي، من شأنها أن تؤدي إلى انتصار العقول الحرة على أتباع الحكم المطلق والمبادئ الاستبدادية الذين لا زالوا يرددون نفس الشعارات والمغالطات لكسب تأييد الرأي العام. وعندما يتم إجراء هذا النقاش، لا شك أنه سوف يكون من الممكن صياغة إعلان حول بعض الحقوق والاحتياجات التاريخية والمعاصرة في شكل مختصر على غرار الوصايا العشر، أو في شكل أوسع إذا التزم الدخول في التفاصيل.

اطلع على مقال بينيديتو كروتشي «الفيلسوف غوته وألمانيا» المنشور في رسالة اليونسكو عدد أغسطس 1949.

 

بينيديتو كروتشي

فيلسوف ومؤلف ومؤرخ إيطالي. كان بينيديتو كروتشي (1866-1952) عضوا في الأكاديمية البروسية والأكاديمية البريطانية والأكاديمية الأمريكية للآداب. وكناقد أدبي شهير، أسس مجلة لا كريتيكا للنقد الثقافي في عام 1903، كما ألف نحو سبعين كتابًا.