<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 20:08:57 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
مقابلة

«تصوير الواقع قد يزعج، ولكنه يساعد على النضج»

cou_03_18_bensmail_01.jpg

مالك بن اسماعيل، 2016

بعد مرور ثلاث سنوات على توقيع استقلال الجزائر في 1962 الذي ختم ثمانية سنوات من الحرب، أخرج السينمائي الإيطالي جيلو بونتيكورفو شريط «معركة الجزائر». يتناول الفيلم فترة من أشد الفترات دموية في تلك الحرب، ألا وهي معركة 1957 بين المقاومين الجزائريين من أجل الاستقلال المنتمين لجبهة التحرير الوطني، وبين السلطات الاستعمارية الفرنسية.

وفي 19 يونيو 1965، أثناء تصوير هذا الفيلم، اقتحم جيش العقيد هواري بومدين العاصمة الجزائر. فاختلطت الدبابات المستخدمة في التصوير بالدبابات الحقيقية. ولم يدرك محيط الرئيس أحمد بن بلة حقيقة الأمر. وتمت الإطاحة به!

وبعد مضي نصف قرن على هذه الأحداث، يتناول مالك بن إسماعيل الدور التاريخي الذي لعبه هذا الفيلم، وذلك في شريط وثائقي بعنوان «معركة الجزائر، فيلم في التاريخ» (2017). ويبين المخرج أن شريطه ليس «فيلما حول الفيلم»، بل بالأحرى قراءة في تاريخ بلاده وما مَر بها من أحداث: الثورة، والانقلاب العسكري، والأنظمة السياسية، وإنهاء الاستعمار... ومنذ نحو ثلاثين عاماً، يقوم هذا المخرج الجزائري بصياغة ما يسميه «الذاكرة المعاصرة» لبلاده.

 

مالك بن إسماعيل يجيب عن أسئلة ياسمينا شوبوفا

 

ما الذي دعاك إلى اختيار الفيلم الوثائقي كوسيلة للتعبير؟

إن الفيلم الوثائقي أكثر قدرة من الفيلم الروائي على التصدي للأساطير الوطنية، والمقصود ليس محق هذه الأساطير وإنما وضعها في مكانها الصحيح حتى لا تحطم المجتمع. وإن لم نقم بتصوير واقعنا، فكيف يمكن لنا أن ننظر إلى أنفسنا؟ وما عسى أن يكون مصدر إلهامنا؟ ومن أين ستأتي أحلامنا؟ وعلى أية حال، لا بد من التذكير بأن السينما انطلقت من الأفلام الوثائقية: لنتذكر الأخوين لوميير... إن الفيلم الوثائقي يحدد المخيال الجماعي. وهذا الواقع هو الذي يغذي الخيال ويوفر للمجتمع مرآة تعكس حقيقته. أنا على وعي بأن تصوير الواقع قد يكون مزعجا، ولكني أعرف أيضاً أنه يساعد على النضج.

في التسعينات، بينما كنا في قلب «العقد الأسود» في الجزائر، قررت التمسك بالواقع. وثابرت على هذا النهج. والهدف الذي أسعى إليه هو إنجاز شريط كل سنة أو سنتين، يتناول واقع الناس والمؤسسات والمواضيع الاجتماعية الهامة. وأرغب في أن تتيح هذه الأفلام في ما بعد فهماً أفضل لطريقة بناء بلد ما على مر الزمن.

وأنوي إنشاء ذاكرة معاصرة، من خلال إظهار هذا المِخبر الذي تمثله الجزائر، هذا البلد الذي يبحث عن ذاته، وما أحرزه من تقدم، وما عاناه من انتكاسات، وما يطرحه من تساؤلات... وليس ثمة عصا سحرية تُحقق الديمقراطية بين ليلة وضحاها. كما لا يمكن تحقيقها بقوة السلاح!

 

حرية التعبير، إحدى ميزات الديمقراطية، هي موضوع الفيلم الذي خصصته للصحيفة الجزائرية المستقلة الوطن، وقد تم عرضه في القاعات سنة 2015. لماذا يحمل الشريط عنوان «السلطة المضادة»؟

تُعتبر الصحافة الحرة مكسباً من المكاسب الديمقراطية وقد دفع العديد من الصحفيين حياتهم ثمناً لها خلال الحرب الأهلية في الجزائر التي نشبت في عام 1991، وذهب ضحيتها 200.000 قتيل بالإضافة إلى 100.000 مفقود. وفي ما بين عامي 1993 و1998، اغتال الإسلاميون المتطرفون قرابة 120 صحفياً. ولكن هذا لا يعني أن الصحافة المستقلة تمثل اليوم سلطة مضادة حقيقية في بلادي.

بالنسبة لهذا الفيلم، قررت تناول الموضوع من منظور «غير مباشر»، من خلال متابعة فريق من الصحفيين أثناء قيامهم بعملهم. ذلك أن اهتمامي لم يكن متعلقاً بالصحافة باعتبارها سلطة مضادة، بقدر ما كان يخص السلطات المضادة التي يجسدها الأفراد.

في الجزائر، لم يتطور بعد مفهوم الفرد. نحن محبوسون داخل فكرة الجماعة. لدينا مسؤولية الدفاع عن أمة واحدة، وبلاد واحدة، وإله واحد، ولغة واحدة... هذا الرقم الأحادي الموجود في كل مكان والقادر على كل شيء من المفروض أن يشملنا جميعاً، في حين أن الواقع غير ذلك، إذ يوجد شخصيات، ومفكرون، وصحفيون، وقضاة وطلبة... يعيشون في فضاء متنوع الثقافات ومتعدد اللغات، ويفكرون بأساليب مختلفة، ويشكلون مجموعة من تلك السلطات المضادة المحدودة اللازمة لتحقيق الديمقراطية.

 

ما الفائدة من صحيفة مستقلة إن لم يكن لها تأثير على المجتمع؟

الصحافة المستقلة قادرة، حتى لو كانت لا تمثل سلطة مضادة حقيقية، على التبليغ عن ممارسات العنف الخفية التي لا يتم ذكرها البتة. وتُعتبر الجزائر في الوقت الراهن بلداً يسوده الهدوء، محمي من الإرهاب، غير أنها، في واقع الأمر، ليست في مأمن من التعرض للإهانات والتلاعب.

إن صحيفة الوطن ليست هي الوحيدة التي تقوم بهذا العمل. هناك بعض الصحف الأخرى، مثل لو كوتيديان دي وهران (صحيفة وهران اليومية)، والخبر، وليبرتي (الحرية)، وإلى حد ما، لو صوار دالجيري (مساء الجزائر)، وهي صحف تمارس المقاومة وتخوض الكفاح. ولا تعد هذه الصحف صحفاً معارِضة. بل هدفها توفير الأخبار الصحيحة اعتمادا على مصادر متوازنة. كما أن أغلبية هذه الصحف لها مواقع على شبكة الإنترنت، متاحة مجانا للجميع بما فيهم المغتربين.

 

ما الذي تقوم به صحيفة الوطن للمحافظة على استقلاليتها؟ وكيف تضمن استمراريتها؟

عن طريق البيع ـ فهي تطبع 140.000 نسخة، ويبلغ ثمن النسخة الواحدة 20 دينارا (أي ما يعادل 20 سنتيماً من اليورو تقريباً) ـ فضلاً عن الإعلانات الإشهارية. وبما أنها محرومة من نشر الإعلانات الحكومية منذ عام 1993، أنشأت الصحيفة بمواردها الخاصة إدارة للإشهار وإدارة للتوزيع، فضلاً عن مطبعة مستقلة بالاشتراك مع صحيفة الخبر. وعلاوة على ذلك، توجهت الصحيفة نحو الإعلانات الخاصة التي توفر لها ما يتيح دفع أجور نحو مائة صحفي ومراسل ينتمون إلى هيئة التحرير.

هذا وقد توقفت الصحيفة عن الصدور ست مرات على الأقل ورُفعت بحقها نحو مائتي قضية عدلية، مما عرضها لمزيد من الهشاشة من الناحية الاقتصادية. وقد اندهشت لِما سمعته من عمر بلحوشات، مدير النشر ومؤسس الصحيفة، لما صرح بأن هذه القضايا تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمسار الديمقراطي. كنت أظن أن هذه القضايا تمثل تجارب مريرة، ولكن بلحوشات كان يعتبرها فرصة للدفاع ليس فقط عن الصحفيين والرسامين الهزليين، بل أيضاً عن مفهوم حرية التعبير ذاته، وهو مفهوم مدرج في الدستور.

وقد أتاحت هذه القضايا لِبلحوشات فرصة ليشرح للمحكمة معنى الرسم الهزلي، ومعنى الفكاهة، والتعليق الصحفي، والتحقيق الاستقصائي، وأين تكمن الروادع التي يخضع لها المجتمع. وكأنه يستخدم تلك القضايا لتدريب القضاة الشبان في مجال حرية الصحافة.

 


مقطع من شريط «الصين لا تزال بعيدة» (2008)، لمالك بن اسماعيل.

التعليم هو الموضوع الرئيسي لشَريطك الوثائقي «الصين لا تزال بعيدة» (2008). ما الذي دعاك للإشارة إلى الصين، في موضوع يتعلق بمدرسة في تفلفال، تلك القرية الصغيرة في جبال الأوراس التي انطلقت منها شرارة حرب الجزائر في نوفمبر 1954؟

يشير عنوان الفيلم إلى حديث للنبي محمد: «اطلبوا العلم ولو في الصين». إذا كانت الصين أرض الرموز والمعرفة، فهي إذا تلك الأرض التي لا بد من الوصول إليها مهما كلف ذلك من جهد. وهي أرض لا تزال بعيدة المنال، من وجهة نظر الجزائر.

وقُبيل هذا الفيلم، كنت قد أخرجت شريطا وثائقياً حول الجنون («إختلال»، 2004) استوجب مني قضاء ثلاثة أشهر في مستشفى الأمراض العقلية حيث شاهدت حالات عديدة من الهذيان السياسي-الديني. وتساءلت عن مصدر مثل هذا المرض، فحصلت على الإجابة من طبيب للأمراض النفسية: «المصدر هو المجتمع». وهذا ما حثني على استكشاف طريقة تكوين الشباب، والأفكار التي تُلقن لهم في المدارس. ومن ثم، ذهبت إلى مدرسة القرية حيث بدأت حرب الجزائر.

كانت هذه الحرب التي استمرت ما يقارب ثمانية أعوام، شديدة العنف. وتحولت الجزائر إلى أسطورة، بفضل انتصارها، وسعت الأنظمة المتتابعة حثيثاً لترسيخ هذه الأسطورة. ولا أقول إنه ليس من المناسب تقوية المشاعر الوطنية لدى المواطنين وتثمين الأعمال البطولية التي أنجزوها. ولكني لا أوافق على أن يتم ذلك في انفصال تام عن الحياة المحلية اليومية. لقد أردت تصوير الواقع اليومي للجزائر الكادحة والمناضلة، من وراء تلك الأسطورة.

ويُبين الفيلم الهوة التي تفصل بين الأسطورة وبين الواقع الاجتماعي. ويتضح، في نهاية المطاف، أن ما يُلقن للأطفال إنما هو كره الغير. كما يُظهر الفيلم أن التعليم القرآني كما يمارس اليوم، بعيد كل البُعد عن أحاديث النبيّ. لقد أضر الإسلام السياسي أيما ضرر في المجتمع حتى يومنا هذا، وبالخصوص في المناطق الريفية.

 

هل هذا ما يفسر أن رشيدة، عاملة النظافة بالمدرسة، هي المرأة الوحيدة التي أدلت بشهادتها في هذا الفيلم؟

رشيدة امرأة مبهرة. لقد أعطتني درساً رائعاً في الحرية! هي أصيلة قرية أخرى تقع في جنوب الجزائر، اضطرت للفرار منها إثر طلاقها، لأن المرأة الطالق تعتبر بمثابة العاهرة.

كان من المستحيل إجراء مقابلات مع نساء أخريات، رغم أن النساء، في هذه المنطقة، اشتَهرن في الماضي بقدرتِهن على إدارة الاقتصاد المحلي: كانت صناعة السجاجيد والزراعة بين أيديهن. أما الآن، فقد أصبحن قابعات خلف جدران منازلهن. وفي الريف، نادرا ما يغادرن منازلهن، حتى وإن تحجّبن. فالرجال هم الذين يذهبون للسوق. وهذا أمر لم يشهد له مثيل في السابق! إن سنوات الإسلام السياسي والفكر المحافِظ قضوا تماماً على دور المرأة الاجتماعي التقليدي، وعلى جميع المكاسب المتعلقة بتحريرها. وأثناء تصوير الفيلم، كانت النساء يرسلن الأطفال لتزويدنا بصواني الطعام والحلوى والقهوة، ولم نر أية واحدة منهن.

المزيد من المعلومات

موقع مالك بن إسماعيل

مقابلة حول شريط «معركة الجزائر»

مقابلة حول شريط «الصين ما زالت بعيدة»

محادثة بين مالك بن إسماعيل وجان ـ فيليب تيسي    

 

مالك بن اسماعيل

سينمائي جزائري كرّس جهوده لإنتاج الأفلام الوثائقية منذ التسعينات لما كانت بلاده تمر بمأساة «العشرية الدامية».  وقد حظيت أفلام مالك بن إسماعيل بترحيب النقاد ونالت جوائز في العديد من المهرجانات الدولية. ويتم عرض هذه الأفلام في قاعات السينما كما تبثها القنوات التلفزية في جميع أنحاء العالم، ولاسيما في أوروبا، ومن هذه القنوات: آرتي (ألمانيا ـ فرنسا)، وكلتورا تي. في. (البرازيل)، والتلفزة البلجيكية الفرنكوفونية ر. ت. ب. ف، وتي. في. 3 (إسبانيا)، وإيلي(فنلندا)، وفرانس تي. في.، وكنال +، و بي. بي. سي. شانل فور (المملكة المتحدة)، وقناتي التلفزة السويسرية الناطقتين بالفرنسية وبالإيطالية، والقناة الدولية تي. في.5 موند. كما فاز مالك بن إسماعيل بجائزة «فيلا كوجوياما» (كيوتو، اليابان) في عام 2010. ومن المقرر عرض أعماله في كبرى الجامعات الأمريكية في خريف عام 2018.