<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 20:06:49 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

لنتعلّم العيش في عصر الذكاء الاصطناعي

cou_03-18_schools_01.jpg

صورة للفنان الفرنسي فانسان فورنياي من مجموعة الإنسان الآلة، التقطها في برشلونة (إسبانيا) سنة 2010، تعرض «تخيّلات تخمينية» تتفاعل فيها الكائنات الاصطناعية مع البشر.

مع الركائز الأساسيّة الثلاث للنظام التربوي – القراءة والكتابة والحساب – يجب مُستقبلا إضافة ثلاث ركائز أخرى: التعاطف والإبداع والفكر النقدي. هذه الكفاءات التي تُكتسب عادة خارج الإطار المدرسي، لا بد من إدراجها في البرامج التعليمية بالتزامن مع اكتساح الذكاء الاصطناعي للمجتمعات.

 

بقلم ليسلي لوبل

 

في سنة 2018، سيدخل 300.000 طفل للمدارس الأسترالية. وإذا تخرّجوا منها حاملين لشَهاداتهم سنة 2030، فسوف يُقضّون أهمّ فترات حياتهم المهنية في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، وقد يبقى البعض منهم على قيد الحياة في فجر القرن الثاني والعشرين. والأرجح أنهم سوف يعيشون ويشتغلون في عالم مغاير تماما لعالمنا، نظرا لنسق التغيّرات التي تحدثها التكنولوجيا المُتقدّمة. وعليه، لا بد أن تستبق الأنظمة التربوية من الآن هذه التغيّرات وتبادر بتأهيل الأجيال القادمة، لتضمن لهم رفاهية العيش.   

وتُمثّل ولاية ويلز الجنوبية الجديدة التي تعد أكثر من مليون طفل وشاب يدرسون في 3000 مؤسسة تربوية، أكبر مركز للتعليم في أستراليا. في كل يوم وفي كل صف، يُوجد مُدرس يُعلّم التلاميذ ويقودهم نحو مستقبلهم. إلا أن التغيير على مستوى النظام التربوي، خاصّة بمثل هذا المقياس، يُمكن أن يكون بطيئا، رغم الحاجة الملحة والمتزايدة الناتجة عن التكنولوجيا الحديثة.

لذلك، قامت وزارة التربية في ولاية ويلز الجنوبية الجديدة سنة 2016 ببعث مشروع التعليم في سبيل عالم مُتغيّر. ومراعاةً للتبعات الاستراتيجية للتقدم التكنولوجي، تهدف هذه المبادرة الهامّة إلى التشجيع على إصلاح برامج التعليم والتقييم، وإلى توجيه النظام برمته نحو منهج يكون أكثر تجديدا.

ومنذ انطلاق هذا المشروع، فتحت الوزارة حوارا مع كبار الفاعلين العالميين في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والأكاديمية، أدّى في نوفمبر 2017 إلى نشر كتاب مشاغل الغد: التعليم من أجل عالم الذكاء الاصطناعي، وهو كتاب يستشرف التربية في عالم يطغى عليه الذكاء الاصطناعي. وفي أواخر سنة 2017، انتظم ملتقى دوليّ حضره المساهمون في هذا الكتاب وعدد من الأخصّائيين في علوم التربية، وكذلك ممثلون عن منظّمات غير حكومية ومسؤولون سياسيّون، قصد دراسة الوسائل الكفيلة بتحسين الدعم للمُدرّسين وتحسين نتائج التلاميذ بفضل الأدوات الجديدة، وخاصّة منها التكنولوجية. وقد أثارت هذه الأفكار الجديدة تعهّدا موحدا بتحقيق الإصلاحات.

 

الركائز الجديدة

القراءة والكتابة والحساب هي الركائز الثلاث التي يعتمد عليها التعلّم، إلا أن التلاميذ أصبحوا اليوم في حاجة إلى كفاءات أساسية أخرى وكفاءات هامّة غير معرفية، مثل الإحساس بالمقدرة الذاتية، وإدراك أفضل للمفاهيم، وقدرات جيدة على مقاومة الضغط وعلى التأقلم والمرونة.

وسوف تصبح الكفاءات الخصوصية للإنسان أكثر أهمية من أي وقت مضى، في هذا العالم الجديد الذي يتشكل أمام أعيننا: سيكون التفكير النقدي إحدى أولى الكفاءات التي يجب على النظم التربوية ترسيخها.

في الوقت الحاضر، يمكن اكتساب هذه الكفاءات الأساسية من خلال الأنشطة التي يقوم بها التلميذ خارج الإطار المدرسي حيث يتعلّم، على سبيل المثال، التعاون، ورسم الأهداف، والتخطيط. بالإمكان تطوير الانضباط وروح الفريق الواحد عند تعاطي الرياضة، والإبداع عند ممارسة المسرح، والفكر النقدي عند تنظيم الحوارات، والتعاطف عند القيام بالعمل التطوّعي ضمن جمعيّة.

ويكمن التحدّي  في هيكلة هذه الكفاءات المتعددة التي يجب على الشاب أن يكتسبها، وكذلك في إقرار شرعيتها ضمن النظام التربوي، وإدراجها في البرامج المدرسية، وتحديد طريقة تقييم نتائج التلاميذ في تلك المجالات التي لم تكن إلى حدّ الآن تُعتبر جزءا من التعليم المدرسي والتي يجب أن تحتلّ في المستقبل المرتبة الأولى.

وممّا لا جدال فيه، هو أن المستقبل سوف يفرض على الأطفال، أكثر من أي وقت مضى، أن ينسجوا علاقات مشتركة وأن يدعموا روح الانتماء إلى المجموعة وروح المواطنة والتعاون على أساس شعور التعاطف الذي يعتبره البعض إحدى الكفاءات الأساسية في القرن الحادي والعشرين.

إن القدرات في مجال العلاقات بين الناس أصبحت تعتبر أكثر فأكثر عنصرا أساسيا في الأنظمة التربوية في العالم. وتقوم كل من اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتهيئة أطر ومعايير وتقييمات في هذا المجال، وخاصّة في ما يتعلق بمفهوم «الكفاءات العالمية» الذي يرمي إلى تعزيز التعاون بين الثقافات. في أستراليا، تمّ  سنة 2009 إدراج مجموعة من المُؤهِّلات العامّة في برنامج التربية الوطنية، مثل التفكير النقدي الخلّاق والتفاهم بين الثقافات. وهو مثال احتذت به عديد الولايات الأخرى في البلاد.

وقد ركّز مشروع  التعليم في سبيل عالم مُتغيّر على ضرورة تشجيع الممارسات البيداغوجية المبتكرة التي من شأنها أن تعود بالفائدة على مجمل النظام التربوي. وقد بدأت تبرز داخل الأوساط التربوية ممارسات خلّاقة، تهدف إلى تحفيز التلاميذ واستغلال إمكانيات التكنولوجيا المتقدمة لتحسين أدائهم. وبما أن بعضها يعتمد على إثباتات علمية موثوقة أكثر من غيرها، يصعب حاليّا معرفة أيّها الأكثر نجاعة.

 

الذكاء الاصطناعي في قاعة الدراسة

وبعد أن تبنت وزارة التربية في ولاية ويلز الجنوبية الجديدة الابتكارات الوطنية والدولية الأكثر فعاليّة في القطاعين الخاص والعمومي، شرعت في دراسة أفضل السبل لتقديم الدعم للمختصين في التربية قصد صياغة هذه الأفكار الخلّاقة والتعجيل بها. والهدف من ذلك هو إيجاد مناهج جديدة ومستدامة وقابلة للتطوير تسمح بتحسين التعلّم والنهوض بقدرات التلاميذ وضمان نجاحهم.

يضطلع الذكاء الاصطناعي بإمكانيات بالغة في مجال التعليم، شريطة أن يُستعمل بدراية ووفق حاجِيات المُدرّسين. وتوجد حاليا أنظمة ترتكز على الذكاء الاصطناعي قادرة على توفير تعلّم مطابق لخصوصيات الشخص، ممّا يُخفّف بعض الأعباء على المُدرّسين ويسمح لهم بالتركيز على الحاجيات الفردية للتلاميذ وعلى الأهداف البيداغوجية. هذه الأنظمة قادرة على متابعة مدى التزام التلاميذ وتقدّمهم، كما قد تكون مُستقبلا قادرة أيضا على اقتراح تعديلات في المضمون.

إنه من الأهمية بمكان أن تبقى عملية تصميم هذه الأنظمة وتطويرها بين أيدي المُربّين. ويعود بالدرجة الأولى إلى المُدرّسين ومديري المؤسسات، الذين سيتلقّون التكوين المناسب، أن يُحدّدوا بوضوح مكانة الذكاء الاصطناعي في قاعة الدراسة. ولا بد أيضا من تشريك التلاميذ  في اتخاذ القرارات في هذا المجال، وبالتالي لا بد من تعليمهم الجوانب الأخلاقية. إن مستقبلهم مُرتبط بالسياسات والمناهج التي سوف نعتمدها اليوم.

 

المزيد من المعلومات

مشروع  التعليم في سبيل عالم مُتغيّر

الصورة: فنسان فورنياي

 

ليسلي لوبل

مساعدة وزير التربية في ولاية ويلز الجنوبية الجديدة. أشرفت ليسلي لوبل (استراليا) طيلة قرابة العشرين سنة على الاستراتيجية والإصلاح والتجديد في النظام التربوي الأكثر اتّساعا وتنوّعا في أستراليا. وقد صُنّفت ضمن المائة امرأة الأكثر تأثيرا من طرف مجلّة أسترالين فينانشل رفيو/وستباك اعترافا بدورها في الشؤون العمومية الأسترالية وفي إصلاح التعليم.