<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 12:07:03 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
الأحداث

الشبان الأفارقة: ابتكار سياسة جديدة

cou_02_18_hamidou_01.jpg

حشود تهتف لقافلة «بالي سيتوايان»، أثناء المظاهرة ضد مشروع تعديل الدستور في واغادوغو، بوركينا فاسو، في أكتوبر 2014

العديد من الشبان لا يثقون بالسياسات المعتمدة حاليا في أفريقيا. مناضلون في المجتمع المدني ونشطاء في الشبكات الاجتماعية يُعارضون السلطة القائمة، من خلال فن الراب والرسم على الجدران، أو بإعادة تحيين مصطلحات ثقافية تقليدية. وبما أنهم أنصار صنف من الديمقراطية المباشرة، يُمهدون لحلول مجتمع يتقلص فيه الترتيب الهرمي ويتحرّر نهائيا من الاستعمار.

بقلم حميدو آن

رغم التقدّم الذي تم تحقيقه في بعض المجالات والذي يستحق التأكيد عليه وتثمينه، لا بد من الاعتراف بأن الطبقة السياسية الأفريقية فشلت في مهمتها في التأسيس لأمم تسودها العدالة والتقدم. وإذا أضفنا لذلك عجز القوى المعارضة على اقتراح حلول بديلة جديرة بكسب شيء من المصداقية، فعلينا أن نسلّم بأن السياسة  في انحطاط شامل. وأمام هذا المأزق، ينجرّ الشباب بشكل مكثف إلى خطاب يسوده الحذر، يمكن تلخيصه في هذه العبارة: «كلهم سواسية». لقد أصبحوا يُخيّرون وسائل  جديدة للتحفيز على الانخراط، مثل بعث شركات ناشئة، أو التحرك في المجال الرقمي، أو النضال صلب المجتمع المدني الجمعياتي. إلّا أن مثل هذه الأنشطة لا يُمكن لها أن تعوّض السياسة. لأن السياسة هي الوحيدة الكفيلة بتغيير مجرى تاريخ بلاد ما، وكسر دائرة إنتاج اللامساواة، وبالتالي إعادة الكرامة للملايين من الناس. توجد في أفريقيا العديد من القضايا العاجلة، لكنه من الضروري، قبل كل شيء، مرافقة بروز خطاب من نمط جديد لدى الشباب، بأساليب أخرى وفاعلين آخرين، يهدف إلى الوصول إلى السلطة بطريقة ديمقراطية.

وها أن بدأ في البروز بكل احتشام، بديل يستحق أن نُعيره أذنا صاغية. لقد ظهرت حركات سياسية جديدة  بعثها شبّان منبثقون بالخصوص من ثقافة المدن وضواحيها. يحملون أسماء من قبيل «يانا مار» (نحن سئمنا) في السنغال، و«بالي سيتوايان» (المكنسة المواطنية) في بوركينا فاسو، و«فيليمبي» (الصافرة) و«لوشا» (الكفاح) في جمهورية الكونغو الديمقراطية. تأتي هذه الحركات بنفس جديد إذا ما قارنّاها بطبقة سياسية مملّة يمكن استبدال أعضائها بعضا ببعض. إن الرسالة التي تبعث بها هذه النخب الجديدة تقطع مع الصيغ السياسية القديمة: فهي صريحة ومباشرة، لغتها واضحة للمُتلقّين، وفي ذلك سبب نجاحها. وهكذا أدّت الحملات التي نظمتها حركة «يانا مار» للحثّ على التسجيل في القائمات الانتخابية، سنة 2011، إلى تعبئة غير مسبوقة. وكان الشأن كذلك بالنسبة إلى العملية الرمزية  لتنظيف الشوارع التي انتظمت في واغادوغو غداة الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 2014 ضد محاولة تعديل الدستور التي كانت ستفضي إلى تمكين بليز كامباوري من الترشح من جديد إلى رئاسة الدولة، وهو الذي حكم البلاد منذ 1987.

مشروع سياسي يقطع مع الاستعمار

إن هذه الرموز الأفريقية الجديدة تُربك، لا فحسب بخطابها وطرق عملها، وإنما أيضا بهيئتها التي تقطع مع الزي المعهود لدى الطبقة السياسية الذي يختصر في البدلة-ربطة العنق.  ويُمثّل مشروع الجيل الجديد في ببُعده المناهض للثقافة الاستعمارية، تحدّيا مُوجّها إلى الطبقة السياسية، وحتّى إلى المجتمع المدني، بحكم موضعه العرضي، بما أنه يجمع بين عمل سياسي حقيقي وتموقع مواطني. وتكتسي هذه الحركات الشبابية صبغة سياسية في الصميم، رغم أنها تلجأ، تكتيكيا أو عن غير وعي، إلى الظهور في صورة المواطنية، ولا ترغب في المشاركة في المسابقات الانتخابية بشكل مباشر.

«يانا مار»، «بالي سيتوايان»، «فيليمبي»، «لوشا»... كل هذه الحركات تحاول تحقيق عملية تحرير السياسة من الثقافة الاستعمارية. وهو مطمح تضعه على الساحة العامة، بين أيدي المواطنين الذين كانوا، إلى حد الآن، مُستبعدين من اللعبة الديمقراطية ومدعوّين فقط لتقديم الدعم عند التصويت. وتتبنّى بالخصوص في طريقة تنظيمها، شكلا من الديمقراطية المباشرة. وبفضل علاقاتها المحلّية، تُشرّك حركة «بالي سيتوايان» المواطنين المشتتين في كامل التراب الوطني في اتخاذ قراراتها. أما حركة «يانا مار»، ورغم أن علاقاتها الأفقية محدودة أكثر من سابقتها بسبب شهرة زعمائها وشعبيتهم الواسعة، فإن طريقة تنظيمها  تُمكّن أيضا الجميع من المشاركة في عملية التشاور. هذا الشكل من العلاقات الأفقية مفقود في الأجهزة السياسية التقليدية. وما نلاحظه فيها من مزيج بين طرق العمل المُتّبعة في الجمعيات المعاصرة واستراتيجيات التشاور المُنحدرة من التقاليد الأفريقية، يُعطينا فكرة عمّا يُمكن أن يكون عليه سير هيكل تنظيمي سياسي في أفريقيا.

إن نجاعة هذه الحركات مؤكدة: ففي السنغال، بمناسبة التعبئة التي انتظمت في 23 يونيو 2011، تمكنت «يانا مار» من خلق حراك مكثف رغم القمع البوليسي ويقظة مصالح الاستخبارات. وقد ساهم هذا الحراك في إفشال عملية تعديل الدستور من قبل البرلمان، وهو تعديل كان يرمي إلى إعادة انتخاب عبد اللاي واد وضمان تمرير السلطة إلى ابنه بعد مغادرته الرئاسة.

الفن في خدمة السياسة

بواسطة الموسيقى والرقص والرسم على الجدران وكل الإحالات التي تستند إلى الطابع الشاعري للجماهير، نجحت هذه الحركات في تجميع الشبان الملمّين باللغة والرموز النابعة من أحيائهم، والذين يدعون، في الشارع كما الإنترنت، إلى خطاب وإلى مشروع بديلين، كفيلين بتمكينهم من الحلم. إن فن الراب، تلك الوسيلة الجذّابة والحاملة لرسالة الاحتجاج، واللجوء إلى اللغات الوطنية (الولوف بالنسبة إلى «يانا مار»، والموري بالنسبة إلى «بالي سيتوايان»)، أو لباس قُبّعة أميلكار كابرال (نسبة إلى رمز النضال ضد الاستعمار البرتغالي في غينيا بيساو)، كلها تُمثّل مرجعيات ثقافية تعتمد عليها الوجوه الرمزية الجديدة البارزة على الساحة السياسية الأفريقية، للقيام بأنشطتها.

إن مسؤوليتها جسيمة، لأنها حاملة للأمل. فهي تُمثّل قوى سياسية بدون عُقد، حرّة،  نزعت عنها آثار الاستعمار الثقيلة، قوى سمحت للقارّة  من التخلص من مخيال الشفقة الناتج عن البؤس والمجاعة والإيدز والحروب. نحن نعيش اليوم  فجر مشروع تحرّري جذري. وعلى غرار حركة الغاضبين التي انبثق عنها الحزب السياسي بوديموس في إسبانيا سنة 2014، فإن هذه القوى سوف تضطرّ عاجلا أم آجلا إلى الخضوع للاقتراع المباشر. وحينها سوف يُصبح المنعطف نحو التخلص من الفكر الاستعماري إزاء الدول الغربية ممكنا، ويُصبح إحداث مجتمع يرتكز على واقعنا الاجتماعي والثقافي قابلا للتحقيق.

 

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في الاحتفال بالأسبوع الأفريقي في اليونسكو خلال شهر مايو.

الصورة أعلاه

صوفي غارسيا Sophie Garcia

حميدو آن

طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة غاستون برجي في سان لوي بالسنغال، كما درس حميدو آن (السنغال) في المدرسة الوطنية للإدارة (فرنسا).