<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 20:58:12 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
Featured articles

حديث مع الفائز بجائزة نوبل للسلام 2018: دينيس مكويغي سخر حياته للنساء ضحايا العنف الجنسي

mukwege_c_severine_desmarest.jpg

دينيس مكويغي، صورة من معرض «أيادي السلام»
© Séverine Desmarest

خلال خمس عشرة سنة، تولى مستشفى «بانزي»، الذي أسسه الدكتور دينيس مكويغي عام 1999، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، رعاية أكثر من 40.000 امرأة ضحايا ممارسات عنف مفرط. وتمثلت هذه الرعاية في توفير التعليم، والإدماج الاجتماعي، والدعم القضائي، وحملات التوعية... ولا تقتصر أنشطة هذه الشخصية المثالية التي كرست جهودها في الدفاع عن حقوق النساء على توفير العناية الطبية. بل انخرط د. مكويغي الآن في معركة من نوع آخر، ألا وهي وضع حد من الإفلات من العقاب لمرتكبي اعتداء جنسية. ولم تفلح ست محاولات اغتيال في زعزعة قناعات هذا الطبيب الكونغولي ولا إرادته.

أجرت المقابلة سيلين هيرشلاند

 

كرست حياتك لمساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية. لماذا وكيف؟

في عام 1989، كنت مديرا للمستشفى العام في مدينة ليميرا، شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية. وكان شغلي الشاغل آنذاك مسألة وفيات الأمهات. وعندما اندلعت الحرب الأولى في الكونغو عام 1996، دُمّر المستشفى، واغتيلت المريضات في أسرّتهن، وقتل العاملون... فغادرت ليميرامتوجهاً إلى بوكافو، عاصمة اقليم كيفو الجنوبي، حيث أنشأت عام 1999 مستشفى بانزي، عازماً على تكريس جهودي لمكافحة ظاهرة وفيات الأمهات. 

غير أن أول مريضة عالجتها لم تأت إلى المستشفى للولادة. كانت ضحية اغتصاب، وقد أطلق المعتدى النار مباشرة على أعضائها التناسلية. وتم أجراء ست عمليات جراحية على هذه المرأة حتى تعود تقريبا لحياتها الطبيعية.

ظننت هذه الحالة الأولى حادثة عرضية أو حالة استثنائية، أو عمل وحشي ارتكبه فرد عن غير وعي. ولكن بعد مرور ثلاثة شهور، بلغ عدد النساء اللاتي عالجتهن 45 امرأة تعرضن كلهن لاعتداءات جنسية.

ومنذ نحو خمس عشرة سنة، استقبلنا في مستشفى بانزي ما يقارب 40.000 امرأة تعرضن لعمليات اغتصاب شديدة العنف.

وما ألاحظه أيضا هو تزايد عدد الأطفال ضحايا الاغتصاب. ففي عام 2013، ورد في تقرير أصدرته الأمم المتحدة أن حوالي 250 طفل في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اُغتصبوا خلال عام واحد. وكان من بينهم نحو 60 طفلاً لم تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات. وفي يوم من الأيام، استقبلت طفلة عمرها ستة شهور. فكيف نقف مكتوفي الأيدي!!

 

تعتبر أن الاغتصاب أسلوب حربي. هل لك أن تشرح لنا هذه الظاهرة؟

أعتقد أن الاغتصاب والاستغلال الجنسي هما من الأسلحة الحربية الرهيبة. وهاتان الظاهرتان تتسببان في نزوح السكان والتدهور الديمغرافي وهدم الاقتصاد وتمزق النسيج الاجتماعي والأسري. هي أساليب تكتيكية يستخدمها المعتدون في جميع الحروب، مهما كانت أشكالها.

في جمهورية الكونغو الديمقراطية، غالباً ما ترتكب جرائم الاغتصاب على الملأ، وفي بعض الأحيان بشكل جماعي: من الممكن أن يتم اغتصاب ما لا يقل عن 300 امرأة في قرية واحدة وفي وقت واحد. ويُجبِر المعتدون أُسر الضحايا على حضور هذه المشاهد الفظيعة. فيلحق العار بالزوجة المغتصَبة، ويشعر الزوج بالذل والإهانة. وبالتالي يضطر الزوج إلى ترك منزله واللجوء إلى حيث لا يعرفه أحد. ومتى تكررت حوادث الاغتصاب واستمرتحالة انعدام الأمن، لا يبقى للنساء والأطفال من خيار سوى اللجوء إلى أماكن أخري. وعلاوة على ذلك، تؤدي الاعتداءات الجنسية، في كثير من الأحيان، إلى عدم قدرة النساء على الانجاب، إن نجون من الموت.أما الأمراض المنقولة جنسياً فقد تتسبب ليس فقط في وفاةالمرضى، بل وأيضاً في وفاة ذريتهم. ويمثل التدهور الديموغرافي الناتج عن مثل هذه الأمراض أحد أهداف المعتدين الرئيسية، بالإضافة إلى شتى أنواع الجرائم الوحشية التي يقترفونها: التعذيب، ونهب الموارد، وحرق القرى وتجويع السكان. ومن الواضح أن وقائع الاغتصاب هذه لا تنجم عن دوافع جنسية، بل هي ترمي إلى إضعاف السكان، وحتى إلى القضاء عليهم.

كما أن عمليات الاغتصاب الجماعية تتسبب في فقدان هوية الضحايا. وكثيراً ما سمعت احدى الضحايا تقول: «أنا لم أعد امرأة». أما الرجال، سواء كانوا أزواجاً لنساء ضحايا أو تعرضوا هم أنفسهم للاغتصاب (1% من الحالات)، فغالباً ما يعتبرون أنهم لم يعودوا يستحقون صفة الأب. والحالة مأساوية بنفس الدرجة، بل وأكثر، بالنسبة للأطفال الذين يولدون نتيجة عمليات اغتصاب. فهم منبوذون من قِبل مجتمعاتهم، ويلقبون بـ «أطفال الثعابين»، وبـ«المشاركين في الإبادة الجماعية»، وهي مصطلحات ترمي إلى إنكار آدميتهم. إن فقدان الهوية الفردية يفضي إلى انعدام الشعور لدى الأشخاص بالإنتماء إلى مجتمعاتهم الأصلية. ومن ثم تتشوش المعايير، وتختلط الأدوار وينهار التماسك الاجتماعي. فيفتح المجال لكل أنواع الانتهاكات، أي السيطرة المطلقة للمعتدين.

 

وغالبا ما تكون هذه المناطق ثرية بالمعادن الالنادرة مثل الكولتان أو الذهب. ولها السبب، أدعو إلى تنظيم دولييمكن من تعقب سلسلة إمدادات المعادن. لا بد من قانون ملزم إذا أردنا تجنب تمويل الجماعات المسلحة من خلال تجارة المعادن في مناطق النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

 

أنت تطالب أيضاً بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بجمهورية الكونغو الديمقراطية.

إن إنشاء محكمة دولية أمر ضروري للقضاء الإفلات من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم ذات الصبغة الدولية. وطالما لم يعاقب المجرمون، فسوف يتواصل العنف، والترهيب والاغتصاب. يجب ألا ننسى المجزرة البشعة التي اُرتكبت في بيني (جمهورية الكونغو الديمقراطية) في مايو 2015: فقد تم طعن الحوامل ، وتشويه الأطفال، وذبح الرجال. وقد أسفرت المجزرة إلى سقوط نحو 50 ضحية بريئة، انضافت للحصيلة المأساوية لهذا النزاع الذي يدوم منذ أكثر من 20 عاماً في بلدي.

ومباشرة بعد حدوث هذه الوقائع المريعة، دعوت المجتمع الدولي إلى حماية السكان المدنيين في منطقة البحيرات الكبرى، كما أرسلت إلى الأمم المتحدة في مارس 2016 عريضة تحت عنوان «لا للإفلات من العقاب»، تحمل توقيع 200 منظمة. تطالب العريضة على وجه الخصوص، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، نشر القائمة بأسماء 617 شخصا يُشتبه في ارتكابهم جرائم اغتصاب وانتهاكات لحقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك خلال الفترة من 1993 إلى 2003.

أعتبر أنه يجب أخذ عينات من الحامض النووي بشكل منتظم في كل قضاياالاغتصاب، حتى تتمكن العدالة من معرفة المسؤولين عن تلك الجرائم. إن تم ذلك، فسوف تخطو العدالة خطوة هائلة نحو إنهاء الإفلات من العقاب.

لا يمكن أن يبقى المجتمع الدولي صامتا أمام مثل هذه الجرائم التي كثيرا ما ترتكبها عناصر من قوات مسلحة أجنبية، لا تتم ملاحقتها على الإطلاق. ولا ينبغي أن تبقى الجريمة دون معاقبة. لا بد من كسر حاجز الصمت على المستوى الفردي والوطني والدولي على السواء. 

 
 

أصدرت جمهورية الكونغو الديمقراطية سنة 2015 قانوناً متعلقا بحقوق المرأة والتكافؤ، كما أعدت مشروع قانون لإنشاء «صندوق لتعويض ضحايا العنف الجنسي».

نحن لا نفتقر للقوانين، بل المسألة مطروحةعلى صعيد آخر. كثيرا ما تجهل النساء القوانين التي تتكفل بحمايتهن. ولما يكنّ على علم بها، يواجهن معايير اجتماعية تمنعهن من المطالبة بحقوقهن. لا بد من بذل جهود جبارة لنشر التوعية.

وعندما لا تجرؤ المرأة على الحديث عن واقعة الاغتصابالتي ذهبت ضحيتها، لأنها تعتبر إثارة هذا الموضوع من المحرّمات، فهي تحمي بذلك من اعتدى عليها. إن صمتها يضاعف مخاطر وقوع عمليات اغتصاب جديدة. ولو تمكنت من كسر حاجز الصمت، فإن العار سينتقل إلىمن اعتدى عليها، وسيدرك هذا المعتدي أن جريمته قد انكشفت، وأنه ستتم محاكمته وإدانته. وبذلك تتغير الأمور تماما.

على صانعي السياسات أن يكونوا أكثر صرامة في مكافحة الإفلات من العقاب في مثل هذه الجرائم. ولن نقطع شوطاً طويلاً إذا لم تتوفر الإرادة السياسية في هذا الشأن! لقد كافحت النساء كثيراً خلال السنوات الماضية للحصول على حقوقهن، غير أن القوانين والقرارات الدولية تظل عاجزة إذا لم تتغير العقليات. ولا يمكن تحقيق المساواة بين النساء والرجال إلاّ عندما تكون هذه المساواة واضحة تمام الوضوح في عقولنا.

ومن المؤسف أيضاً أنه لم يتم حتى الآن تقديم تعويض بشكل جدّي للنساء الضحايا اللاتي يكسبن قضاياهن. إن التعويض بإقرار قضائي من شأنه أن يساعدهن على الشفاء وأن يقنع الناس بأنهن حقيقة ضحايا. كيف يمكن إعادة بناء مجتمع مصدومبدون توفير تعويض عن الجرائم التي ذهب ضحيتها؟

 
 

ما هي مساهمتك في إعادة بناء هذا المجتمع؟

تستند أنشطة مستشفى بانزي إلى أربع ركائز. الأولى هي الرعاية الطبية ـ أي العمليات الجراحية، الاستشفاء، العناية ـ المرتبطة مباشرة بالركيزة الثانية، وهي المتابعة النفسانية، التي تكتسي هي أيضاً أهمية حاسمة. أما الركيزة الثالثة فهي التدريب وإعادة الإدماج من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. فعندما تشعر امرأة ما بأنها استعادت قواها الجسدية والذهنية، لا يجب إرجاعها إلى قريتها الأصلية، وحدها وبدون موارد. ونحن نساعد هؤلاء الضحايا على متابعة دراساتهن إن لم يكن قد انقطعن عنها،  أو على التدريب المهني. كما نوفر دورات لمحو الأمية، لأن الأمية غالباً ما تكون السبب في المآسي التي تعرضن لها. أما الركيزة الرابعة فهي الدعم القضائي: لدينا ستة محامين يوفرون لهن استشارة قانونية مجانا، كما أننا كما أننا نتحمل المصاريف القضائية. ورغم ذلك، من بين 3000 امرأة اللاتي نستقبلهن كل سنة، لا تلجأ في النهاية إلا 300 امرأة إلى القضاء.

ومن ناحية أخرى، نقوم بتنظم العديد من حملات التوعية ضد وصمة العار التي تلحق بالناجيات من التعنيف الجنسي، ما دام المجتمع يميل إلى نبذهن بدلاً من مساعدتهن. ويسعدني أن ألاحظ، في هذا الصدد، أن العقليات بدأت تتحرك في الاتجاه السليم.  

 

أجريت المقابلة في 2016 بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في زمن النزاعات، 19 يونيو.

___

المزيد من المعلومات

مؤسسة بانزي