<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 16:09:17 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

حين يصبح الذهاب إلى المدرسة جهدا بطوليا

cou_01_18_war_time_01.jpg

تمّ احتلال المدرسة الإبتدائية سانتا باربرا من قبل مجموعة مُسلّحة خلال حصار زامبوانغا (الفلبين)، في سبتمبر 2013.
في مناطق النزاع، غالبا ما تستهدف المدارس والجامعات. وضمانا لاستمرار التعليم والحفاظ على حق التلاميذ، بإمكان الدول اتخاذ تدابير وقائية ووضع حدّ لإفلَات المسؤولين ومقتَرفي هذه الانتهاكات من العقاب. وهذا هو معنى الإعلان حول ضمان أمن المدارس. 

 

بريندان أومالي

زرت أوّل مدرسة في منطقة نزاع محتدم عام 1999 في كوسوفو*. تقع المدرسة على جانب تلة مطّلة على سهل. للوصول إليها، سرنا في المسالك الريفية ومررنا بقرية تحولت فيها المنازل المصطفة على جانبي الطريق إلى هياكل مخرّبة، لا سقف لها غير قطع من القماش المشمع، تحمل حيطانها السوداء آثار النيران التي التهمتها.
لقد أضرمت القوات الصربية النار في القرية انتقاما من جيش تحرير كوسوفو، الجماعة المسلّحة المتمرّدة التي تكافح من أجل استقلال كوسوفو. وفي جل هذه المنازل، تكتظ عائلة بأسرها في كل غرفة من تلك الغرف الملوثة بالدخان، لتلتف حول موقد تبرّعت به منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

في المدرسة، شاهدت أطفالا يرتدون ملابس رقيقة ويرتجِفون بردا في غرفة الدراسة، وقد تسلل إليها الصقيع عبر جدران مشقوقة بفعل القذائف. العديد منهم بدا فاقدا للإحساس بتأثير شيء ما، أقسى من برد الشتاء القارس.

لقد احتمى الأطفال مع أسرهم في الغابة لمدّة ستّة أشهر هروبا من ردات الفعل الانتقامية، ولم يسمح لهم بالعودة إلى قريتهم إلا حديثا، بعد اجراء مفاوضات. وحتى يستمر التعليم، واصل المعلمون التدريس دون أي ترقب للحصول على أجورهم. كنت أتحدث مع مدير المدرسة، لما سمعنا صوتا انفجاريا اهتز له المبنى بأكمله. لقد سقطت قذيفة على الجانب الآخر من التلة.
«هذا ما يفعلونه يوميا، فقط لتذكيرنا أنهم موجودون». وأضاف مدير المدرسة: «لكننا سنواصل الدروس. المدرسة هي التي تغذي فينا الأمل».

الملاذ الآمن في المدرسة

في زمن الحرب أو الأزمات، تمثل إمكانية إرسال الأطفال إلى المدرسة، بالنسبة للأولياء والمجتمعات المحلّية، مظهرا من مظاهر الحياة العادية: المدرسة مكان آمن يودعون فيه أطفالهم عند ذهابهم للعمل، ومكان يحصل فيه الأطفال على جملة من الخدمات الأساسية مثل اللقاحات، ويكتسِبون فيه معلومات حيوّية حول السلامة الشخصية، مثل الاحتياطات الواجب اتخاذها لتجنب الألغام. لكن وقبل كل شيء، المدرسة وسيلة لتزويد أطفالهم بالتعليم الضروري لبناء مستقبل لأنفسهم ولمجتَمعهم ولبلدِهم.

ولكن  العكس وارد. لمّا تُدمّر المدارس في مناطق عدم الاستقرار، يغيب الأمل ويغمر الخوف الأهالي، وقد يعكِفوا عن الذهاب إلى المدرسة، بل وحتى عن البقاء على مقربة منها، ليختاروا الفرار من أجل سلامتهم، فيكون كل أمل في التعليم قد ولّى.

هناك بعض الأمثلة المروعة لاستهداف التعليم في السنوات الأخيرة. من بينها ما وقع في أبريل 2014 في نيجيريا، لما اختطف مسلحون من جماعة بوكو حرام 276 تلميذة من مدرسة شيبوك الثانوية الحكومية للبنات. وحسب وكالتي الأنباء فرانس براس ورويترز، لازالت آكثر من 100 فتاة معتقلة لحد ديسمبر 2017.

وحسب تقرير للأمم المتحدة، أسفرت الغارات الجوية للقوات الموالية للحكومة على المجمع المدرسي كمال قلعجي في محافظة إدلب (سوريا)  في أكتوبر 2016، عن مقتل ثلاثة مدرسين و19 طفلا، وإصابة 61 طفلا، وإلحاق أضرار بالغة بالمدرسة.

وفي يونيو 2017، قام عدد من المكافحين بزرع قنابل حول مدرسة ابتدائية في بيكاوايان في الفلبين، واحتلوها واحتجَزوا رعايا محليين كرهائن في المدرسة.

أجيال مهمّشة

إنّ الأثر المباشر لهذه الهجمات هو حدوث وفيات وإصابات في صفوف الطلاّب وموظفي القطاع التربوي، وتدمير المرافق، وإغلاق المدارس والجامعات، والصدمات النفسية.
وفي حال استمرار هذه الهجمات والأضرار الجانبية المتأتية عنها - باعتبار أن متوسط ​​مدة النزاعات في البلدان الفقيرة  يبلغ 12 سنة - فإنّها قد تؤدي إلى توقف التعليم على المدى الطويل، والمغادرة النهائية للطلاب والمعلمين، وعرقلة إعادة البناء. وحتى بعد انتهاء النزاع، قد يستغرق الأمر سنوات عدة لإعادة بناء المرافق المدمّرة واستعادة نظام التعليم، تبقى خلالها أفواج كاملة من الأطفال محرومة من حقها في  التعليم.

ووفقا لمنظمة اليونسكو، فانّ نصف الأطفال في العالم الذين هم في سن التعليم الابتدائي وبقوا خارج المدرسة، يعيشون في دول متأثرة بالنزاعات، ولن يحصل معظمهم أبدا على فرصة لإكمال تعليمهم، «فتبقى أجيال بأكملها متروكة لمصيرها».

وثقّت آخر دراسة عالمية عن هذه الهجمات - التعليم المستهدف 2014 - الصادرة عن الائتلاف العالمي لحماية التعليم من الهجمات، أنه خلال أربع سنوات، من 2009 إلى 2012، قامت الجماعات المسلحة غير الحكومية، وقوات الدفاع والأمن الحكومية، والجماعات الإجرامية المسلّحة بالتهجم على آلاف التلاميذ والطلبة والمدرسين والمؤسّسات التربوية والجامعية في ما لا يقلّ عن 70 بلدا في جميع أنحاء العالم.

وتراوحت الهجمات من تفجير المدارس والجامعات أو حرقها إلى تعرض التلاميذ والطلبة والمعلمين والأكاديميين للقتل أو الإصابة أو الاختطاف أو الاعتقال غير القانوني أو الاحتجاز أو التعذيب.

وفي البلدان الستّة الأكثر تضررا – أفغانستان، كولومبيا، باكستان، الصومال، السودان وسوريا - يذكر تقرير عام 2014 «ما يفوق 1000 هجوم على المدارس والجامعات وموظفي القطاع التربوي والتلاميذ، أو ما يفوق 1000 طالب أو معلّم أو غيرهم من العاملين في مجال التعليم من ضحايا الهجمات، إضافة إلى المباني التعليمية التي هوجمت أو استخدمت لأغراض عسكرية». كما بين التقرير أن عددا من المدارس والجامعات تم استخدامها لأغراض عسكرّية في 24 بلدا من بين الثلاثين موضع البحث.

وفي نيجيريا، حسب تقديرات الأمم المتحدة، تم تدمير ما يقارب 1500 مدرسة منذ عام 2014، ذهب ضحيتها ما لا يقل عن 1280 من المعلمين والطلبة. ووفقا للائتلاف العالمي لحماية التعليم من الهجمات، «في أسوأ الحالات، أصيب الأطفال وقتلوا وتضررت المدارس أو دمرت عندما كانت المدارس المستهدفة من القوات المتحاربة قد استخدمت من قبل قوات عسكرية».

يتم استهداف المدارس والجامعات لأسباب مختلفة، وغالبا ما تكون متعدّدة، سواء كان ذلك لزعزعة الاستقرار، أو مهاجمة نوعية التعليم، أو الاستيلاء على المرافق لاستخدامها عسكريا، أو في ما يتعلق بالتعليم العالي، لمنع التعبير عن الآراء السياسية البديلة.


لوحة مزدوجة للفنانة النيجيرية رحيمة غامبو من مشروع الملتيميديا “التربية ممنوعة”، الذي يتمحور حول ما اقترفته بوكو حرام من انتهاكات في الشمال الشرقي من نيجيريا. في الجانب الأيسر للوحة، رقيّة وخديجة في ساحة مدرسة مايدوغوري، سنة 2016، في استعراض للذكريات

وضع حدّ للتحصن من العقاب

إن أولى الإجراءات وأكثرها حسما للتصدي لهذه المشكلة هي وضع نظام للمراقبة الناجعة يسمح بفهم الأحداث وأسبابها.
بالإمكان حماية المدارس من خلال توفير الحراسة الأمنية أو بناء جدار يحيط بالمباني، أو التصدي للدوافع التي تسببت في الهجمات، من ذلك على سبيل المثال، السهر على ضمان المساواة في الوصول إلى المدارس للأقليّات، أو تمكين الأقليّات من التعلّم في لغتها الأصلية أو دراسة ديانتها الخاصة، أو توظيف معلمين أصيلي الجماعات الاثنية المحلية، مثلما هو الحال في جنوب تايلاند.

وبالإمكان كذلك تخفيف الأضرار من خلال استعمال مادة الإسمنت لبناء المدارس بدلا من الخشب والقش لتحصينها من الحريق، أو توفير باب إضافي للخروج في كل قاعة دراسة حتى يتمكّن التلاميذ من الفرار إذا ما حاول المسلحون أو الجنود اقتحام الفصل لتجنيدهم تحت تهديد السلاح.

أما في ما يتعلق باستخدام المدارس لأغراض عسكرية، من بين التدابير الوقائية الرئيسية إقناع القوات المسلحة والجماعات المسلحة غير الحكومية بالتعهد بالتخلي عن هذا الاستخدام. وتشمل تدابير الردع إنهاء الإفلات من العقاب على المستوى القانوني، لمقتَرفي الهجمات وتحميل القوات والجماعات المسلحة مسؤوليتها.

ويحتوي التقرير الذي يرفعه سنويا الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن قائمة مقترفي الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في زمن النزاعات - بما فيها الاعتداءات على المدارس وتجنيد الأطفال. ويتعيّن على الأطراف المدرجة في القائمة إعداد خطة عمل لوضع حد لتلك الانتهاكات، وان لم يفعلوا فسوف يكونوا عرضة للعقوبات.

وقد أطلق الائتلاف العالمي لحماية التعليم من الهجمات، حملة دولية لإقناع الدول بالتوقيع على إعلان ضمان أمن المدارس، وهو إعلان يلزم المتعهدين بالعديد من التدابير. وقد وقعت الجمهورية الدومينيكية في يناير 2018 على الإعلان ليرتفع بذلك عدد الموقعين إلى 72 بلدا. وقد حثت فرجينيا غامبا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، جميع الدول الأعضاء على دعم الإعلان وتعزيزه، اعتبارا لمساهمة هذا الإعلان بصفة حاسمة في دفع اتخاذ التدابير الملموسة لمنع الاعتداءات على التعليم. «لا يمكننا السكوت على الاستهداف العسكري للمدارس في مناطق النزاع. إن ثمن فقدان الطفل لحقه في الحصول على التعليم لسنوات، إن لم يكن لعقود، لا يحصي»، هذا ما صرحت به فرجينيا غامبا بمناسبة عرض تقريرها حول «الأطفال والنزاعات المسلحة» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أكتوبر 2017.

 وفقا للقرار 1244 الصادر في 1999 *.

بريندان أومالي
بريندان أومالي (المملكة المتحدة)، مستشار وصحفي. ألف دراستين تحت عنوان التعليم المستهدف نشرتها اليونسكو على التوالي في 2007 و2010. ساهم كباحث رئيسي في انجاز النسخة 2014 لنفس التقرير الصادر عن الائتلاف العالمي لحماية التعليم من الهجمات. وهو ناشر ومؤلف مشارك في مجموعة «حماية التعليم في البلدان المتضررة من النزاعات» (2012) التابعة لغلوبل أدكيشن كلوستر. وقد عمل مع العديد من المنظمات الدولية للتحقيق حول القضايا المتعلقة بالهجمات على التربية الأساسية والتعليم العالي للاجئين والمجتمعات المتأثرة بالأزمات.