<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 16:20:37 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
أفكار

رسالة اليونسكو: 70 عاما من المطالعة الملهمة!

مُنذ أن تم بعثها في عام 1948، نالت مجلّة اليونسكو شهرة واسعة وحظيت بولع القراء في جميع أنحاء العالم، بفضل تنوّع المواضيع التي تتطرّق اليها بأقلام كتاب لامعين ذوي الاختصاصات المختلفة. ولما كانت مكافحة التمييز العنصري تتصدّر قائمة أولويات  اليونسكو، فقد وفّرت الرسالة منبرا فعّالا للنقاش والحوار حول هذه المسألة الخطيرة التي لا يزال عالمنا يرزخ تحت وطأتها.

آلان تورميد كامبل

نشأت منظمة اليونسكو في منتصف الأربعينات. لذلك، نجد صدى لأهوال الحرب العالمية الثانية في مقدمة دستور المنظمة، متمثلة في هذه الصيغة الملحّة والملهمة في آن واحد: «لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام». وفي هذا الصدد، دوّن ريتشارد هوغارت، وهو عالم بريطاني شغل خطة مدير عام مساعد لليونسكو من 1971 الى 1975، في كتابه الصادر في 1978 تحت عنوان الفكرة ومناصريها: اليونسكو من الداخل: «إنّ الاعلانات الاستثنائية التي يتضمنها دستور اليونسكو - إرادة الدول في تعزيز مساعيها بشكل جماعي للحصول على المعرفة وتأمين حريّة تداولها – إنما تحمل بصمة ذلك العصر. فقد كان العالم خارجا للتوّ من أتون حرب مروعة وطويلة (…) وكان لديه حاجة قصوى في الإيمان بقدرة التعليم وكل أشكال التبادل الثقافي والعلمي، على دفع التفاهم بين الشعوب. كما كانت لديه حاجة قصوى في التركيز على قيم الحقيقة، والعدالة، والسلام وأهميّة الفرد». وقد حدّدت اليونسكو مستوى رفيعا جدا لتحقيق غاياتها.

كانت منظمة اليونسكو تُصدر نشرة إعلامية رسمية منذ نشأتها. وفي عام 1948، برزت فكرة إصدار رسالة اليونسكو، في قالب مجلة شهرية واسعة التداول تهدف لاطلاع الجمهور على المثل العليا للمنظمة وعلى أنشطتها.

ظهرت مجلة رسالة اليونسكو في بداياتها في ثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، ليزداد عدد اللغات باستمرار على مرّ السنين، ليبلغ عام 1988، 35 لغة مختلفة، بالإضافة إلى أربع طبعات لغوية بكتابة برايل.

ومن 40 ألف نسخة في عام 1949، ارتفعت طباعة المجلة إلى 500 ألف بحلول بداية الثمانينات. وبما أنه، حسب التقديرات، يطّلع على كل نسخة من المجلة ما لا يقلّ عن أربعة قرّاء، فهذا يعني أن عدد القراء يفوق مليوني شخص. وكانت متوفرة لدى باعة الصحف أو بواسطة الاشتراك، أو في المكتبات.

ولم يذع صيت رسالة اليونسكو أبدا في البلدان الأنغلوسكسونية. ولكن، في أي مكان آخر في العالم، إذا ما سألت الناس إن كانوا يعرفون المجلة - وخاصة منهم الذين يناهز عمرهم الخمسين سنة - فسوف تندهش لارتفاع عدد الذين يجيبون: «نعم، أتذكر رسالة اليونسكو. كنا مشتركين فيها ونتلقّاها بانتظام»، أو: «اكتشفت فيها لأول مرة في حياتي علم الأنثروبولوجيا». وقد سمعت بنفسي أقوالا من هذا القبيل في إندونيسيا والهند والباكستان وغانا والبرازيل وجامايكا.

آفاق عالمية واسعة

ساندي كوفلر، مؤسس رسالة اليونسكو، شخصية رائعة. وكان عازما على أن تكون المجلة «نافذة مفتوحة على العالم»، توفر للقراء «آفاقا عالمية واسعة».

كوفلر أمريكي متخرّج من كلية سيتي كولدج في نيويورك. وكان طالبا في جامعة الصربون لما انقطع فجأة عن الدراسة بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. انضمّ إلى فرقة الحرب السيكولوجية صلب الجيش الأمريكي وشارك في عملية «طورش» (الشعلة) في نوفمبر 1942 عند انزال قوات الحلفاء في شمال أفريقيا الذي كان آنذاك تحت الاحتلال الفرنسي (حكم فيشي). وهناك، بدأ نشاطه كمذيع في الرباط (المغرب) ومدينة الجزائر، قبل أن يصبح مراسلا لإذاعة صوت أمريكا طوال الحملة الإيطالية، من 1944 إلى 1945.

وفي كلّ مدينة إيطالية تمّ تحريرها، قام كوفلر بإنشاء صحيفة تحمل إسم الرسالة. وما من مفاجأة في أنّه، حين انضمّ إلى منظمة اليونسكو بعد الحرب، قام بإنشاء مجلة تحمل إسم رسالة اليونسكو. كان ساندي كوفلر يتمتع بموهبة إبداعية مذهلة، وكان شغوفا بالنشر، علاوة على رؤية أخلاقية واضحة.

كانت المجلّة موجهة للجمهور «المستنير» المكوّن أساسا من المعلّمين والطلاب، وقد وجدت بالفعل أكبر عدد من قرّائها في المدارس والكليات والجامعات.

وقام كوفلر بتحديد مواضيعها الرئيسيّة على النحو التالي: تأثير العلم في الحياة البشرية، المشاكل العرقيّة، الفن والثقافة، حقوق الإنسان، التاريخ وعلم الآثار، الاختلافات الثقافية والصراعات بين الشعوب.

تناولت رسالة اليونسكو مواضيع أبهرت الأنفاس بتنوعها. ففي نفس العدد، يمكنك اكتشاف المخاطر التي تهدّد معبد بوروبودور في إندونيسيا، ومعبد سري رانغاناثاسوامي في سريرانغام بالهند، أو معبد بارثينون في اليونان. ولما تتصفح الرسالة، سوف تبهرك أيضا آثار الرسام الفيرنتيني ماساتشو التي تعود للقرن الخامس عشر، ثم آثار السكان الأصليين في أستراليا. وهناك عدد مخصص للاحتفال بمرور 70 سنة على ميلاد أينشتاين، وآخر مكرس للكاتب شيخوف، وآخر إلى الأديب رابندراناث طاغور.

وهناك أيضا عدد لا يحصى من المقالات حول البيئة والمحافظة على الطبيعة، وخاصّة في مجال علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية: كانت رسالة اليونسكو دائما سبّاقة للأحداث لا سيما في ما يتعلق بالمحافظة على البيئة.

وكان الأسلوب التحريري وتصميم الاخراج في جودة عالية. وفي عام 1954، تمّ إدراج الصور الملوّنة التي تُعد نمطا جديدا في تلك الفترة، مما أضفى على المجلة مزيدا من الجاذبية.

وكان ساندي كوفلر حريصا على مساهمة أشهر الكتاب وأبرز المفكرين في تحرير المجلة. وفي كل عدد، تتكون قائمة المحررين من النخب الثقافية المتميّزة في القرن العشرين وأصبح ذلك من ميزات المجلة. ومن بين كتاب رسالة اليونسكو نذكر على سبيل المثال من هم في أعلى القائمة حسب الترتيب الأبجدي: جورج أمادو، اسحق عظيموف، جورج لويس بورجيس، أنطوني بورغيس، إيمي سيزير، أرثر س. كلارك... كما تنشر المجلة مقالات حول الأحداث الرئيسية للأمم المتحدة واليونسكو، وقد خصصت عددا بأكمله للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عند صدوره.

The UNESCO Courier, March 1967.
رسالة اليونسكو، مارس 1967
©اليونسكو

مكافحة العنصرية العرقية 

لقد اعتبرت اليونسكو منذ البداية مكافحة العنصريّة من أولوياتها. وكانت المنظمة قد أطلقت حملة ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، إلا أنها تعرّضت إلى انتقاد لاذع ـ لا يخلو من المبررات ـ نظرا أن الحملة استهدفت بلدا واحدا وبالتّالي غضت النظر عن انتهاكات حقوق الانسان السارية في بلدان عديدة أخرى. وعند الاطلاع على ما يجري في الدول التي وقّعت رسميا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من قمع سياسي، وفرض للرقابة، واضطهاد للأقليّات، وتمييز ضد النساء وما إلى ذلك، يجوز التساؤل حول هذا التركيز على بلد دون غيره، خاصة وأن اليونسكو شنت حملتها ضد التفرقة العنصرية في الوقت الذي لا زالت الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية مسيطرة على مناطق واسعة من العالم، ولا زالت قوانين جيم كرو - التي دعمت التمييز العرقي - قائمة الذات في جنوب الولايات المتحدة، ولا زالت الهند منفصمة بحكم نظام التمييز بين الطبقات الطائفية.

نشر أوّل مقال يتناول بصفة مباشرة مسألة التمييز العنصري في رسالة اليونسكو في نوفمبر 1949 تحت عنوان مسألة العرق والعالم الديمقراطي بقلم البرازيلي آرثر راموس، المختص في علم النفس والأنثروبولوجيا، الذي كان يشغل آنذاك خطة رئيس دائرة العلوم الاجتماعية في اليونسكو. كرّس راموس حياته لمكافحة العنصرية، وكان قد اعتقل مرّتين في السجون البرازيلية تحت نظام فارغاس الديكتاتوري.

وجاء في المقال: «لا بد أن تحتل الأنثروبولوجيا مكانة خاصة في النقاشات حول إعادة تنظيم عالم ما بعد الحرب، بالرغم من جنوح هذا العلم عن غاياته في السابق وأكثر من أي اختصاص علمي آخر. باسم الأنثروبولوجيا، انطلقت شعوب بأكملها في النضال من أجل منظومة مثالية كاذبة هدفها الهيمنة العرقية والطائفية. والآن وقد استعادت الأنثروبولوجيا مكانتها وتمّ نزع كل ما شابها من أساطير خرافية، من الطبيعي تماما أن نجعلها تقدم رسالتها العلمية إلى العالم».

وبعد فترة قصيرة، لما صدر لأوّل مرّة إعلان اليونسكو حول المسائل العرقية الذي وقعه جمع من العلماء المرموقين، تصدّر واجهة رسالة اليونسكو (يوليو/أغسطس 1950) العنوان التالي: علماء من كل أنحاء العالم يندّدون بأسطورة سخيفة… العنصرية. ونشرت المجلة في صفحتها الأولى النص الكامل للإعلان واستنتاجاته، إلى جانب مقال تحت عنوان العرق والحضارة بقلم ألفريد ميترو، وهو اختصاصي في علم الأجناس البشرية أرجنتيني من أصل سويسري.

انضم ألفريد ميترو إلى اليونسكو في عام 1947 وعيّن رئيسا لقسم دراسة المسائل العرقية في عام 1950. وكان المنسق الرئيسي لعملية صياغة واصدار اعلانات اليونسكو الأولى حول المسائل العرقية (الإعلان الأول سنة 1950، والإعلان المنقّح سنة 1951). وكان صديقا مقربا من ساندي كوفلر ومؤيدا متحمسا لرسالة اليونسكو التي كان من أهم المساهمين فيها لحين وفاته سنة 1963 وقد نشرت له أكثر من 20 مقالة.  

The UNESCO Courier, November 1971.
رسالة اليونسكو، نوفمبر 1971
©اليونسكو

الإطاحة بالأحكام المسبقة

قد تبدو لنا الحجج الواردة في إعلانات اليونسكو حول المسائل العرقية، ساذجة نوعا ما. ومن بينها الثقة المفرطة في قدرات «العلم»: بما أن الأنثروبولوجيا «علمية»، فإن استنتاجاتها بالتأكيد لا يمكن أن تكون إلّا  قاطعة. كما نجد شيئا من السذاجة في بعض الأمثلة: في النسخة الانجليزية للعدد الذي سبق ذكره من رسالة اليونسكو (يوليو ـ أغسطس 1950) نجد إلى جانب نص الإعلان حول المسائل العرقية صورة تظهر مجموعة نساء من الماووريين في نيوزيلند (ص. 8)، مع تعليق يثني على «التوافق العرقي». ولكن، هل فكّر أي كان في الأخذ برأي هؤلاء النساء؟

وبخصوص الولايات المتحدة، كتب أرثر راموس في نوفمبر 1949: «... بعد سنوات عديدة من الجهود غير المجدية، يبدو أن سياسة حماية الهنود وجدت طريقها نحو معالجة أكثر إنسانية وعلمية. ذلك أن الموضوع لم يعد يتعلق بصيانة «المحميات» الهندية فحسب، بل وكذلك باحترام خصائص ثقافتهم سواء كانت مادية أو غير مادية...» ولن نجد اليوم إلا القليل النادر من الأمريكيين الأصليين على استعداد لقبول بكل سعة صدر وصف طريقة معاملة أجدادهم بـ«الإنسانية»، و«العلمية»، و«المحترمة».

وفى نفس العدد من الرسالة، أشاد أرثر راموس بالنّتائج المشجعة للغاية التي حققتها الدائرة الوطنية لحماية الهنود في البرازيل، وفي الحقيقة فإن جماعات سينتاس لارغاس ويانومامي، والعديد من الجماعات الأصليّة الأخرى في منطقة الأمازون قاست في ما بعد أشنع المعاملات، وهي لا تزال تعاني من مختلف أشكال التمييز حتى يومنا هذا.

وفي عددها الصادر في أغسطس ـ سبتمبر 1952، نشرت رسالة اليونسكو تحقيقا عن العلاقات العرقية في البرازيل كما أعلنت عن نشر اليونسكو لدراسة متكاملة حول العلاقات العرقية في ذلك البلد. وكانت كل كتاب المقالات يرتكزون على قناعة كانت شائعة آنذاك ألا وهي الانسجام التام بين كل المجموعات العرقية في البرازيل... باستثناء كاتب واحد وهو لويز دي أغويار كوستا بينتو، أحد محرري إعلان اليونسكو حول المسائل العرقية لعام 1950، الذي كتب في ذلك العدد من رسالة اليونسكو: «إن الاندماج المتناغم الذي تتسم به العلاقات بين المجموعات العرقية في البرازيل لا يتوافق مع الحقائق التي كشفت عنها الأبحاث في العلوم الاجتماعية. لقد تكرّر القول كثيرا ولفترة طويلة ان الأفكار المسبقة حول الفوارق العرقية لا وجود لها في البرازيل، لحد أن هذا التأكيد الذي انتشر في جميع أنحاء العالم، أصبح مفخرة وطنية لدى البرازيليين. ولكن وراء هذه الفكرة القطعية شعور مكتوم بالمرارة وعدم الارتياح».

وحيث أن المناقشات التي تتضمنها رسالة اليونسكو كانت دائما شديدة وديناميكية، فإن المسايرة أو الأفكار المسبقة مآلها الإزاحة أو إعادة النظر فيها.

إن أكبر نجاح سجلته اليونسكو من خلال إعلاناتها الأربعة المتتالية بشأن المسألة العرقية يتمثل في التخلي تدريجيا عن التعريف «العلمي» أو «البيولوجي» للعرق. لقد ساهمت تلك الإعلانات في تفكيك منظومة المبررات أو الأسس العلمية التي تعتمدها النزعة العنصرّية، وأوضحت أن العرق ليس واقعا بيولوجيا طبيعيا، بل أسطورة اجتماعية خطيرة.

وبعد مرور سبعة عقود، لا زلنا غير راضين على ما يدور في عالمنا بخصوص هذه المسائل العرقية. ولكن، لنستمع إلى الأمل ونبرة الخير التي تحملها عبارات ألفريد ميترو في مقاله العرق والحضارة (رسالة اليونسكو، يوليو - أغسطس 1950): «العرقية مفهوم خطير. لقد بلغت الوحشية في عصرنا درجة من الشراسة واللامعقولية تفوق بكثير ما سمّي بـ«عصر الظلامية». لأن التحيّز العرقي هو أسطورة كاذبة ورديئة وخالية من أي بعد شعري انساني. إن الازدهار الذي شهده هذا التحيّز في القرن العشرين سيُعتبر بلا شك من قبل الأجيال البشرية القادمة وصمة عار في تاريخها الطويل».

لقد شكلت مقالات رسالة اليونسكو حول المسألة العرقية مبادرة إعلامية شجاعة لا هوادة فيها. وما عدا بعض الجزئيات، فإن صلوحية هذه الاعلانات لا زالت قائمة. إن نزاهة الحجج هي صفة من الصفات الحميدة للمجلة التي عرفت كيف تتجنب التأطير الأكاديمي الضيق أو الموقف المهني المحافظ. ويندرج المشروع التربوي والثقافي الملهم الذي تحمله مجلة رسالة اليونسكو في رؤية أخلاقية تملي علينا ما يجب أن يقوم عليه المجتمع البشري.
 

 

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في إحياء اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري في 21 مارس. 

ألان تورميد كامبل
ألان تورميد كامبل (المملكة المتحدة) هو أستاذ في الأنثروبولوجيا الإجتماعية درّس في جامعة أدنبره في أسكتلندا لسنوات عديدة. ومنذ عام 1974، اهتم بسكان وايابي، وهم السكان الأصليون لغابة الأمازون في شمال البرازيل. ويحمل كتابه الأكثر شهرة عن وايابي عنوان كيف تتعرف على واي واي (1995).