<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 09:46:14 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
الأحداث

التصرف في حالة ارتياب: مسألة الأمن المائي

cou_01_19_water_web.jpg

عمل فني من مجموعة «فايند أو واي أور مايك وان»، للمُصوّرة السويسرية-الروسية أناستازيا ميتيوكوفا، أُنجز مختلف المواد المُتوفّرة: صور قديمة، كاميرا واب، كتب، جرائد، بلور.

تُؤثّر المخاطر المُتّصلة بالموارد المائية على 80% من سكان العالم، وتلوح في أفق سنة 2070 أزمة مائية جسيمة. والموقف الداعي إلى التصرف على النحو المعتاد غير مقبول. إن التصرّف في المياه شأن علمي، لكنه أيضا شأن سياسي، وهو مرتبط بالحوكمة وبالقيم المجتمعية. علم جديد يتجاوز التخصصات يفرض نفسه اليوم بإلحاح.

 

بقلم هوارد س. ويتر

في القرن الحادي والعشرين، سوف تخضع الموارد العالمية من المياه الصالحة للشراب  إلى ضغوطات غير مسبوقة، ذلك أن ارتفاع عدد سكان العالم والتطور الاقتصادي سوف يؤديان إلى استغلال مُتزايد للموارد المائية. وقد تم تسجيل انخفاض في تدفق الأنهار، واختفاء البحيرات والمناطق الرطبة وانخفاض في منسوب المياه الجوفية، جراء الاستعمال المُكثّف للمياه.

المثال الأكثر دلالة على هذه الظاهرة هو الاختفاء شبه التام لبحر آرال، في آسيا الوسطى، الذي كان يعد سابقا البحيرة المالحة الرابعة في العالم. لقد تصحّر في غضون أربعين سنة ولم يعد يمسح سوى 10% من مساحته الأصلية بسبب استخراج المياه من المنابع التي كانت تنصب فيه.

بصفة عامة، فإن تداعيات النشاط البشري على الأنظمة الطبيعية قد تفاقمت إلى درجة أن عبارة «أنثروبوسين» صيغت للتعريف بالعصر الجيولوجي الحالي [انظر عدد مجلتنا أهلا بكم في الأنثروبوسين، ابريل-يونيو 2018]. كما أن التحضّر (أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في المدن)، وإزالة الغابات، والتنمية الفلاحية (1،5 مليار هكتار من مساحة الكرة الأرضية)، كان لها انعكاسات هامة على خصائص الماء وكمّياته.

تهديدات على الصعيد العالمي

يتعرّض حوالي 80% من سكان العالم إلى مستويات مرتفعة من التهديدات من حيث الأمن المائي. وتُمثّل المناطق الحضرية والفلاحة مصدرين لتلوّث المياه، ممّا يُهدّد الحياة في الوسط المائي ويضغط على النظم البيئية للماء العذب. في سنة 2010، وحسب تقديرات الأخصّائيين، يبلغ عدد أنواع المياه العذبة التي انقرضت، أو التي أصبحت مُهدّدة بالانقراض، ما بين 10 و20 ألف نوع.

ومن ناحية أخرى، سوف يتحتّم، في أفق 2050، الزيادة في إنتاج المواد الغذائية بنسبة 70% للتمكن من الاستجابة إلى الطلب، حسب الدراسات المستقبلية التي أنجزتها سنة 2012 منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. وبالتالي، لا مناص من احتداد الضغوطات التي تُمارس على المحيط المائي، لتلبية احتياجات عدد متزايد من سكان العالم، في مجالي التغذية والطاقة.

وحسب دراسة أُنجزت سنة 2013 حول ندرة المياه، والتي تمّ نشرها في المجلة العلمية هيدرولوجي آند إيرث سيستم ساينس (الهيدرولوجيا وعلوم نظام الأرض)، فإن حوالي نصف سكان العالم سوف يعيشون وضعية توتّر مائي خطير بين 2071 و2100.

لقد  تسببت التغييرات التي أدخلها الإنسان على البيئة في تفاقم تهديدات الماء على حياته، وعلى ممتلكاته وعلى البنية التحتية عموما، كما بيّنته فيضانات هيوستن في تكساس (الولايات المتحدة) سنة 2017. في تلك المنطقة التي تطوّرت رغم مخاطر الفيضانات المعروفة، تضرّرت حوالي 300.000 من المنشآت ممّا أدى إلى إخلاء مئات الآلاف من الأشخاص وتسبب في خسائر مادّية قُدّرت بـ125 مليار دولار.

في عالم مترابط أكثر فأكثر، لا تقف انعكاسات الفيضانات والجفاف على المستوى المحلّي. وقد خلف الفيضان الذي شهدته تايلاندا سنة 2011 خسائر اقتصادية، جراء اضطراب مسالك التموين الإلكترونية العالمية، بلغت 46.5 مليار دولار حسب تقديرات البنك العالمي. كما أن موجة الحر التي عمت روسيا سنة 2010، والتي أثّرت على إنتاج القمح وعلى أسعار المواد الغذائية العالمية، قد تكون، حسب صحيفة ذي إيكونوميست، (فبراير 2012)، أحد عوامل الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بـ«الربيع العربي».

وأدّى احترار المناخ في الفترة الأخيرة إلى تغيّرات عميقة في البيئة المائية. من ذلك النسق السريع لتقلّص أنهار الجليد في سلسلة الجبال الصخرية الكندية، (ومن المنتظر أن تضمحلّ تماما في نهاية القرن)، علما وأنها تُغذّي أهمّ الأنهار التي تصب في المحيطات الهادي والأطلسي والشمالي.

كما تدنت غابات غرب كندا أساسا بسبب اجتياحها من طرف حشرات تتغذى من الخشب، وقد تكاثرت تلك الحشرات بفعل ارتفاع درجة الحرارة بصفة غير عادية في فصل الشتاء.

ولئن كانت المنطقة الغربية لكندا مثالا للوضع على الصعيد الجهوي، يجدر التذكير بأن نصف سكان العالم يعتمدون على مياه المناطق الباردة التي هي معرضة لتأثير الاحترار المناخي بصفة مماثلة. وحسب دراسة نشرت في مجلة كليماتيك شانج (التغيّر المناخي) في فبراير 2016، سوف يتعرّض في 2050 ما بين 0،5 و3،1 مليار نسمة إلى احتداد نقص المياه بفعل التغيّر المناخي.

استراتيجيات جديدة

ما عسى أن تكون ردة فعل العلماء المختصين في الموارد المائية، حتى يأتوا بالمعارف والآليات للمساعدة على اتخاذ القرارات الضرورية لرفع هذه التحدّيات؟ إن اكتفى هذا المجال العلمي بتطور روتيني وبخطى مُتأنّية، فلن يكون في مستوى المهمّة. والموقف الداعي إلى ترك الأوضاع على حالها غير مقبول. لقد أصبح من الضروري إيجاد مقاربة استراتيجية جديدة على الصعيد العالمي.

علينا أولا تعميق فهمنا للمُحيط المائي في سياق التحوّل  غير المسبوق الذي طرأ على البيئة والمجتمع. ولهذه المسائل بعد متعدد الاختصاصات. على سبيل المثال،  يتطلب التنبؤ بفيضان الأنهار في غرب كندا معرفة كيفية تفاعل الأنظمة البيئية والفلاحة مع تغيّر المناخ.

وحتى نتمكن من وضع توقعات لتطوّر المناخ، لا بدّ من فهم التغيّرات التي تطرأ حاليا على التبادل بين سطح الأرض والجو، مثل انتشار الأشجار وكثافتها في توندرا الشمال: تتكاثر النباتات، وخاصّة منها الشّجيرات، التي من شأنها أن تمتصّ أكثر فأكثر الطاقة الشمسية وتساهم بذلك في احترار المناخ.

الشيء الوحيد المُؤكد بالنسبة للمستقبل هو أن مسألة المناخ وتفاعلاته مع النمو البشري على المستويين الاقتصادي والاجتماعي سوف تبقى غير مؤكدة. لذلك لا بد من التصرف بأخذ هذا الغموض في الاعتبار. ونظرا إلى تعقيد الأنظمة المائية  وارتباطها المتبادل بالأرض، والطاقة والأنظمة الغذائية، على عديد الأصعدة من المحلي إلى العالمي، فإن التصرف في غياب التأكد سوف يتطلّب استراتيجيات أكثر ملاءمة ومرونة من ذي قبل. لم تعد أمثلة الماضي صالحة حتى نستعين بها كدليل موثوق للتنبؤ بالمستقبل.

علينا أن نحلل مواطن الضعف وأن نتبنّى استراتيجيات تدفع إلى الصمود أي قدرة نظام ما على امتصاص الصدمات، والمواصلة في التجدّد دون أن تتغير حالته.

منهجية  متعددة الاختصاصات

هناك اتفاق واسع، مثلا، حول وجود فجوة بين الإنتاج العلمي في مجال تقييم آثار المناخ، وتخطيط التصرف في الموارد المائية على المدى الطويل، أو التكيّف المناخي. بصفة عامة، حتى يكون العلمُ قادرا على تقديم  حلول ناجعة، يجب أن يتناول المسائل التي تهمّ أصحاب القرار، وأن يوفّر لهم نتائج وأدوات في الوقت المناسب وبشكل قابل للاستغلال، تتضمن إسهامات المستعملين. وهذه النقطة الأخيرة هي التي تفضي على النتائج العلمية المصداقية والشرعية الضرورية لحل المشاكل الخلافية على المستوى السياسي والهامة على المستوى الاجتماعي، التي يثيرها اليوم التصرف في الموارد المائية.

وهذا يدل على مدى أهميّة اعتراف العلماء بأن التزام كافة الأطراف الفاعلة إنما هو ضرورة وليس خيارا. ولا بد أن يتضمّن النموذج الجديد للبحث العلمي معرفة معمّقة للتحولات الاجتماعية التي تحدث بالتوازي مع التزام فعّال – ومتبادل – للعلم والسياسة.

ذلك أن الأطراف المحلّية المعنية تُمثّل مصدرا هامّا للمعرفة. فالشعوب الأصلية، مثلا، مُتمكّنة من معارف تناقلتها أجيال متتالية عن أرضهم وتفاعلاتها مع القوى الطبيعية [انظر ملف زاوية كبرى في هذا العدد]. ولا بد أن يستفيد العلم من هذه المعارف. لذلك، وفي إطار برنامج غلوبال واتر فيوتشرز (مستقبل الماء الشامل) في كندا، قمنا في شهر أبريل 2018 ببعث مشروع مع جماعات السكان الأصليين في كندا للعمل معا على وضع استراتيجية بحث تُساعد على حل المشاكل المتعلقة بالماء التي تُواجهها تلك الجماعات.

وفي آخر المطاف، تبقى التحديات الكبرى للأمن المائي متعلقة بالحوكمة. إن تحديد الجهة التي تتّخذ القرارات وكيفية اتخاذها هي إذن مسألة حاسمة.

إن كان فهم التغيّرات المائية والتكهّن بها بطريقة علمية يطرحان تحديات علمية هامة، فإن التحديات التي يطرحها التصرّف في الموارد المائية لا تقل أهمية. وبما أن الأمن المائي في القرن الحادي والعشرين مسألة علمية ومجتمعية في آن واحد، من الضروري إيجاد مقاربة جديدة تجمع بين اختصاصات متعددة، وتكون قادرة على الربط بين العلوم الصحيحة والطبيعية والعلوم الاجتماعية.

وخلاصة القول، إن أردنا التحسب لأزمة مائية حادّة، فنحن بحاجة إلى تنمية معارف علمية جديدة لإدراك تطوّر الأنظمة المائية المتأثر بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وإلى وضع أشكال جديدة للتعاون العلمي يجمع بين إختصاصات متعددة لاستيعاب ترابط  هذه الأنظمة وتداعياتها المجتمعية، وإلى إدماج المعارف المحلية في البحث العلمي للاستجابة على أحسن وجه لاحتِياجات المنتفعين، وإلى وضع آليات أكثر نجاعة لترجمة المعارف العلمية إلى عمل مجتمعي فعلي.
 

تنشر  الرسالة هذا المقال مساهمة منها في الاحتفال باليوم العالمي للمياه، 22 مارس.

انظر أيضا في رسالة اليونسكو

تمويل المرونة الطبيعية: موجة جديدة

أزمة المياه في أنغكور

مياه عكرة

المزيد من المعلومات

البرنامج العالمي لتقييم الموارد المائية

التقرير العالمي للأمم المتحدة حول تثمين الموارد المائية

الأمن المائي

التعاون في مجال العلوم

 

الصورة: أنستازيا ميتيوكوفا

هوارد س. ويتر

خبير دولي في المياه والموارد المائية، هوارد س. ويتر (المملكة المتحدة) أستاذ بمعهد البيئة والاستدامة بجامعة ساسكاتشيوان بكندا، وأستاذ فخري في علوم المياه بالإمبيريل كولدج في لندن، المملكة المتحدة.