<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 09:42:05 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

أرزّ وسمك وبطّ في تناسق مع البشر

cou_01_19_china_web1.jpg

في مقاطعة كونغ جيانغ (الصين)، كل السواعد مُجنّدة لحصاد الأرز في فصل الخريف.

ابتكرت فرقة دونغ، وهي أقلية عرقية صينية مقيمة منذ القِدم في مقاطعة كونغجيانغ وسط إقليم غويزهو، نظاماً لإنتاج الموارد الغذائية يراعي في نفس الوقت ضمان صحة السكان والمحافظة على استقرار النظم البيئية المحلية وتنوعها. كانت فرقة دونغ سباقة في المحافظة على محيطها، وقد مارست طريقة زراعية يمكن أن نصفها اليوم بأنها خضراء، ولّدتها حكمة الأسلاف.

 

بقلم داي رونغ وكسيو دايوان

تعاني مقاطعة كونغجيانغ، التي ينتمي معظم قاطنيها إلى فرق مياو ودونغ وثلاث عشرة أقلية عرقية أخرى، من ندرة الأراضي القابلة للزراعة. وفي مثل هذا المحيط المعادي، أبرزت فرقة دونغ  قدرتها الخلاقة من خلال ابتكار نظام للإنتاج الزراعي يحقق في نفس الوقت فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية وثقافية.

ولا تزال هذه الممارسات القديمة سارية المفعول إلى اليوم، مما يتيح للنظام البيئي إعادة تدوير تدفقات الطاقة والمواد. وقد احتفظت فرقة دونغ بالمشاتل القديمة للأرز اللزج ولا زالت تزرعها في المنحدرات المدرجة، وتستغل حقول الأرز لتربية السمك. ولما يبلغ طول الأسماك 10 سنتيمتر، تضاف فروخ البطّ إلى أحواض التربية.

يعتمد هذا النظام التآزري «أرز ـ سمك ـ بطّ»، الذي يعود لعهد سلالة هان الشرقية (من  25 إلى 220 بعد المسيح) على الخصائص البيولوجية والبيئية لمختلف الكيانات، ويراعي احتياجات كل منها من حيث المكان والزمان والمادة والطاقة. كل نوع منها، حيث يتواجد، يفي باحتياجاته الخاصة، ويستغل الطاقة الشمسية والمياه والعناصر المعدنية المتاحة على النحو الكامل، وينجز مع غيره من الكيانات هيكلا إنتاجيا يستفيد منه الجميع.

على مساحة تبلغ نحو 12.600 هكتارا، توفر براعم الأرز اللزج الظل والغذاء البيولوجي للأسماك والبط التي تقوم بدورها بإبعاد الآفات وتوفير أسمدة طبيعية ممتازة، فضلاً عن قيامها بدور هام في إبادة الأعشاب الضارة وتخصيب وتوفير الأكسيجين لحقول الأرز.

كل أنواع الأرز والبط والأسماك محلية ولا تتطلب أية إضافة لمبيدات الآفات، نظرا لأن النظام المذكور يوفر لها حماية ممتازة ضد الأمراض. كما أن هذا النظام يضمن الحفاظ على تنوع الكيانات والنظم البيئية الزراعية المحلية بصفة ناجعة، بل ويُخفّض بنسبة كبيرة تكاليف تغذية الحيوانات واليد العاملة.

وبالنسبة لسكان القرى المعزولة الواقعة في جبال مقاطعة كونغجيانغ، تمثل حقول الأرز المصدر الرئيسي للتغذية نظرا لتواجد ما لا يقل عن مائة نوع من النباتات البرية القابلة للاستهلاك، منها السرخس والخيزران والفطريات وكذلك القلقاس واللوتس والكرفس المائي وموز الجنة. أما الحيوانات المائية مثل الحلزون والإنقليس، فهي توفر للسكان بروتينات ذات قيمة غذائية عالية. وعلاوة على ذلك، بفضل الطابع البيولوجي لهذا النموذج الزراعي، ترتفع القيمة الشرائية للأسماك والبط التي يبلغ سعرها ضعف سعر المنتجات العادية.

في عام 2011، اختارت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة هذا النظام كموقع رائد لحماية نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية. وفي عام 2013، أدرجت الحكومة الصينية هذا النظام في المجموعة الأولى للنظم الزراعية التراثية ذات الأهمية في الصين.

ملامح حياة جديدة

إلا أن هذا النظام الزراعي التقليدي أصبح مهددا جراء عولمة الاقتصاد وسرعة التطور التكنولوجي. لقد بلغت الزراعة الحديثة مستوى من الإنتاجية والنجاعة جعلها تؤثر إلى حد كبير في الزراعة التقليدية. كما أن الإدخال المكثف لأنواع غريبة عالية المردود خفّض، بصفة متواصلة من سنة إلى أخرى، من المجال المخصص للزراعة التقليدية. وفي هذا السياق العام لتطور الزراعة، أدى الاستخدام المكثف للمبيدات والأسمدة طوال عدة عقود في المنطقة، إلى تلوث الأراضي الزراعية والمياه لدرجة أنه أصبح يهدد الأمن الغذائي.

إن عدد مواطني الصين الذين أصبحوا على وعي بعيوب الإنتاج الزراعي الحديث والذين يؤيدون أخْذ الممارسات التقليدية بعين الاعتبار في تطوير الزراعة في المستقبل، في تزايد مستمر. ذلك أن النظام المنشود لتطوير الزراعة يستلزم حماية الزراعة التقليدية والحرص على زيادة مداخيل المزارعين، مع مراعاة البيئة، وتشجيع السياحة وصون التراث الثقافي للبلاد.

هذا الوعي من شأنه أن يتيح فرصة جديدة لتطوير نظام «أرز ـ سمك ـ بطّ» الذي قد يصبح مصدر إلهام للزراعة الحديثة في الصين وفي أيّ مكان آخر في العالم حيث تتوفر ظروف طبيعية مماثلة. كما أنه يكتسي أهمية كبرى في البحث عن حلول للمشاكل المتأتية من تدهور الأوضاع الزراعية والبيئية على الصعيد العالمي.

الصورة: كوانغ هويمين​​​​​​​

داي رونغ

تعمل داي رونغ المختصة في علم الإثنولوجيا البيئية والتي تنتمي إلى الأقلية توجيا،  في معهد علوم البيئة في نانجينغ. وهي إحدى المنفّذين الرئيسيين للتقييم الإقليمي آسياـ المحيط الهادئ للمنتدى الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية.