<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 09:15:06 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
الأحداث

المعجزة الرواندية

cou_02_19_rwanda_web.jpg

«عين من السماء»، تطريز من مجموعة إيبابا، من ابتكار الفنانة الفرنسية سيليست موغادور، تم إنجازه في ورشة التطريز إيبابا رواندا، حيث عادت النساء للعمل من جديد بعد انقطاع دام 19 سنة.

بعد مُضيّ نحو ربع قرن على الإبادة الجماعية الرهيبة لعام 1994، طَوَت رواندا صفحة جديدة من تاريخها. وبعد جهود طويلة لتوحيد البلاد والمصالحة الوطنية، سلكت رواندا طريق الاستثمار في النمو الاقتصادي مركزة على التكنولوجيات الجديدة، على أمل أن تصبح مركزًا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أفريقيا.

بقلم ألفونس نكوسي

 

مُنذ خمسة وعشرين عامًا، سجلت رواندا الفصل الأكثر دموية في تاريخ أفريقيا المعاصر. خلال مائة يوم فقط، زُهقت أرواح مليون شخص، مخلفين وراءهم الملايين من الأيتام، بالإضافة للأرامل من رجال ونساء.

كنت أعيش في أوغندا حين جرت أحداث هذه المأساة في بلدي. فقد استقبلتني بلاد الجوار الشمالية، كلاجئ في عام 1962، عندما كنت شابًا في سن السابعة عشر. فدرست في جامعة ماكيريري، وكَوّنت عائلتي وعشت هناك حتى عام 2008. لكن مُنذ عام 1994، قَسّمتُ وقتي بين أوغندا ورواندا، لرعاية أيتام عائلتي والمساهمة في إعادة بناء وطني.

كان لا بد من إعادة بناء كل شيء في هذا البلد الجريح. وكان الشاغل الأول للجبهة الوطنية الرواندية - الحزب السياسي الذي كان يقوده في ذلك الوقت الرئيس الرواندي الحالي بول كاغامي - هو وضع حد للإبادة الجماعية واستعادة السلام والأمن. «لقد تعلمنا دروسًا لا بد أن نستعين بها في بناء مستقبلنا»، هذا ما صرح به الرئيس الرواندي مؤخرًا أمام مجموعة من رؤساء الشركات في مدينة شارلوت، بالولايات المتحدة الأمريكية.

من أجل بناء المستقبل، كان علينا التعلم من جديد على تصريف فعل «كان» في صيغة الجمع والإقتناع بأننا جميعًا بانيارواندا. كان علينا أن ننسى من هو توتسي، ومن هو هوتو، ومن هو توا. كان علينا التغلب على الكراهية.

اللجوء إلى تقاليد التسامح

تم إعطاء الأولوّية لتحقيق الوحدة والمصالحة. ولبلوغ هذه الغاية، وقع إحياء نظام العدالة التقليدي الذي يُدعى «جاكاكا»، ممّا سمح للمجتمع بمحاكمة الجناة وقبول طلب الغفران. وتمكن الناجون، من خلال هذه المحاكم التقليدية، من معرفة المزيد عن مصير أقربائهم، ولكن أيضا، عن المجرمين الذين باحوا بجرائمهم واعترفوا بذنوبهم. وقد صدرت أحكام مختلفة حسب مدى خطورة الجرائم المرتكبة. فحُكم على البعض بخدمة الصالح العام، والبعض الآخر بالسجن. وفي غضون عشر سنوات، كانت محاكم «جاكاكا» قد نظرت في 1،9 مليون قضيّة، ثم تم إغلاقها رسمياً في مايو 2012.

كما تم إصلاح المؤسسات القضائية العمومية لمحاكمة أخطر القضايا. فعلى الصعيد الدولي، أقَرّت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، التي أنشئت في 8 نوفمبر 1994، بأن «الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب قد ارتُكبت على نطاق مُروّع»، وبلغت «نسبة القتل أربعة أضعاف ما حصل في ذروة المحرقة النازية». وإلى هذا الحين، وجهت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا الاتهام إلى 93 فرد ممن اعتبروا من مخططي ومرتكبي الإبادة الجماعية، وصدر الحكم في ثمانين منهم، وأنهى 23 من الذين تمت إدانتهم مدة العقوبة.

في أعقاب الإبادة الجماعية، تم استخدام طريقة تقليدية أخرى لتمكين المواطنين من المشاركة في الشؤون العامة، تتمثل في نظام إدارة محلي يلتزم فيه الأفراد بأداء عدد من المهام على مدار عام، ويتم بعد نهاية الفترة تقييم نتائجهم من قبل المجموعة. في السابق، كانت هذه الإلتزامات التي تسمى «إيميهيغو» شفهية، وتتم المصادقة عليها من خلال إقامة حفل. أما اليوم، فأصبحت عقودا مكتوبة يتم التوقيع عليها. لكن وظيفتها بقيت كما هي.

لقد ساهمت هذه الطريقة بشكل كبير في تحسين الخدمات العامة في رواندا الحالية التي اختارت نظام الديمقراطية بالتراضي وتقاسم السلطة.

الأولويات

مع معدل نمو متوسط يفوق 7٪ سنويا منذ عام 2000، أصبحت رواندا إحدى البلدان الأفريقية الرائدة في النمو الاقتصادي. ووفقا للأرقام الرسمية، فإن استثماراتها في الزراعة والطاقة والبُنيَة التَحتيّة والتعدين والسياحة حَررّت أكثر من مليون شخص من براثن الفقر.

ورافقت هذا التطور تقوية اندماج رواندا في الهياكل الاقتصادية الإقليمية وكذلك مشاركتها في المجتمع الدولي. وقد أصبحت رواندا رابع أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إذ تعد القوة الرواندية المشاركة في هذه العمليات 6550 عنصرا.

لكن البلاد تريد الاستثمار أولاً وقبل كل شيء في مواطنيها لتحقيق تنمية شاملة للجميع. لذلك، تم وضع النساء في طليعة الحياة العامة. لقد دفعن ثمناً باهظاً خلال الربيع الأسود في رواندا: ما بين 100.000 و250.000 امرأة ذهبن ضحية للاغتصاب والاعتداء الجنسي. وقد اعترفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بأن أسلحة الحرب المروعة هذه، تمثل جرائم إبادة جماعية. منذ ذلك الحين، سجلت وفاة الكثير من النساء بسبب مرض الإيدز الذي أصابهن أثناء الإعتداء عليهن.

لضمان حماية النساء، تم في عام 2008 اعتماد قانون للوقاية من العنف القائم على نوع الجنس والمعاقبة عليه. وتضمن قوانين أخرى مشاركتهن الكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية: فقد تم تخصيص 30٪ على الأقل من المناصب الرسمية للنساء في جميع هيئات الدولة وعلى جميع المستويات. وأدت هذه الإستراتيجية الى التسريع في سد الفجوة بين الرجال والنساء. وفي يومنا هذا، بلغت نسبة النساء من البرلمانيين ٪62، و50٪ من أعضاء الحكومة و44٪ في مهن القضاء.

كما تم إيلاء الأولوية لقطاعي التعليم والصحة، حيث يخصص لهما إجمالا 30٪ من الميزانية الوطنية السنوية. وبلغت نسبة الالتحاق بمدارس التعليم الإلزامي الذي يدوم اثني عشر عاماً 90٪، وتغطية التأمين الصحي 87٪.

وتحسنت خدمات الرعاية الصحية بشكل كبير في المناطق النائية منذ وصول الطائرات بدون طيار من نوع زيبلاين، التي حققت، وفقًا لما ذكره الرئيس التنفيذي للشركة الأمريكية الناشئة، أكثر من 4000 عملية تسليم للدم والأدوية بين أكتوبر 2016 وأبريل 2018.

التعليم أيضا يتطور، ببطء ولكن بثبات، بفضل استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة، وخاصة منذ إطلاق مبادرة «كمبيوتر محمول لكل طفل» في يونيو 2008. فقد تم توزيع أكثر من 600.000 جهاز كمبيوتر محمول وتعهد التلاميذ بتقاسم استخدامها. إلا أن المشروع واجه صعوبات عسيرة، لا سيما نتيجة نقص التغطية الكهربائية في المناطق الريفية لشحن بطاريات الأجهزة، ناهيك عن الموارد المالية الهائلة الضرورية لتوفيرها لأكثر من 2،3 مليون تلميذ. ومع ذلك، فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتطور بأقصى سرعة: لقد جرى بالفعل مد 4000 كيلومتر من كابلات الألياف الضوئية في كافة البلاد التي تبلغ مساحتها 26.000 كيلومتر مربع ونيف. وفي هذا العام، من المتوقع أن تغطي كل من شبكة الإنترنت اللاسلكية والألياف البصرية، نحو 95٪ من مساحة البلاد.

يتمتع معظم السكان بالفعل بإمكانية استخدام الهواتف المحمولة. ومن مجمل عدد السكان الذي يقارب 13 مليون نسمة، يمكن لأكثر من 4 ملايين مواطن التسوق ودفع الفواتير والضرائب وحتى غرامات الشرطة، باستخدام تطبيقات الهاتف المحمول. والأمر كذلك بالنسبة للإجراءات الإدارية. ويكفي الاتصال بموقع إيريمبو (الكلمة تعني «الوصول إلى» بلغة كينيارواندا) للحصول على معظم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت.

التطلع نحو المستقبل

تراهن رواندا على تطوير التكنولوجيا لضمان مستقبل أفضل. وقد تم تسهيل المعاملات المصرفية من خلال خدمات الهاتف المحمول. كما تمكن رجال الأعمال من ممارسة التجارة الإلكترونية بواسطة المنصة الإلكترونية للتجارة العالمية التي أطلقتها عام 2018 شركة علي بابا، عملاق التجارة الإلكترونية الصيني. كما يجري تيسير التنقل داخل المدن بإتاحة توجيه طلب خدمات السيارات والدراجات النارية عبر تطبيقات الهاتف المحمول.

من بين هذه الخدمات، تطبيقة «سايف موتو» الملقبة بـ«يوبر تاكسي الدراجات النارية» التي تم تصميمها في مركز الابتكار التكنولوجي «ك.لاب» الذي يعتبر الأكثر حيوية في البلاد. ومنذ عام 2012، وفر هذا المركز التدريب لآلاف الشباب مجانًا، مساهما بذلك في بعث ستين شركة، أربعة منها أصبحت رائدة في مجال نشاطها، واثنتان منها حققت توسعا على الصعيد الدولي. وهو أحد مراكز الابتكار العديدة التي تم تطويرها، لا سيما في العاصمة كيغالي، بهدف توفير فرص مهنية جديدة للشباب الروانديين.

وفي إطار أفريقيا 50، منصة تطوير البنى التحتية التابعة لبنك التنمية الأفريقي، سوف تشيّد مدينة الابتكار في رواندا. ومن المنتظر أن يساهم هذا المشروع أيضا في ضمان مستقبل تكنولوجي واعد لرواندا التي أصبحت الآن في وضع جيد لتصبح منصة إقليمية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، خاصة وأنه، مع مطلع شهر سبتمبر 2018، تم إدراج مادة الذكاء الاصطناعي رسميًا في المناهج الجامعية، وذلك بفضل بعث ماجستير متخصص، بمبادرة من الخبير السنغالي مصطفى سيسي، رئيس مركز أبحاث غوغل في مجال الذكاء الاصطناعي في غانا، ومن المعهد الأفريقي للعلوم الرياضية في كيغالي.

بعد مرور ربع قرن على الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، ها أن تلك البلاد التي عانت من الإنقسام والتدمير والنهب، والتي كانت تحتاج إلى إعادة الإعمار والتأهيل، تتطلع اليوم بكل حزم إلى المستقبل وتستعد لما يمكن أن يوصف ذات يوم بالمعجزة الرواندية.

 

شاهد شريط الفيديو 7 أيام في كيغالي، مقتطفات من الفيلم الوثائقي الذي أخرجه كل من مهدي با وجيريمي فراي، 2014.

 

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في إحياء اليوم الدولي للتفكير في الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد التوتسي في رواندا، في 7 أبريل.

ألفونس نكوسي

كان ألفونس نكوسي (رواندا) محللاً إعلامياً رفيع المستوى في مجلس حوكمة رواندا، ومحرر في صحيفة نيو فيجن، إحدى الصحف الرائدة في أوغندا، ومكلّف بالتدريس في مادة التواصل الاجتماعي في جامعة ماكيريري بأوغندا.