<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 06:46:07 Jun 12, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

مواجهة بين أفتنبوستن و فيسبوك : الجدال المنير

cou_02_2017_debate_02.jpg

Norwegian illustrator Inge Grodum’s take on the iconic photograph, “The Terror of War”, condemning Facebook’s censorship for “inappropriate content”.
© Nick Ut / Sipa Press / Inge Grodum
إن أهمّية دور وسائل الإعلام الإجتماعية  في نشر الأخبار في تفاقم مستمر، وهذا من شأنه أن يبعث على الإنشغال لأسباب عديدة. أسبن أجيل هانسن من الصحيفة النرويجية اليومية أفتن بوستن ورتشارد آلن من فيسبوك ينتميان إلى عالمين مختلفين، لكنهما يُواجهان نفس التحدّيات.​​

مارينا يالويان

صورة بالأبيض والأسود لفتاة التسع سنوات، عارية الجسم، تصرخ وهي فارة من القنابل وعلى وجهها علامات ألم شديد. هذه الصورة رمز للتصوير الفوتوغرافي للحروب. التقطها المصور الأمريكي-الفيتنامي نيك أوت سنة 1972 أثناء هجوم بالنابالم على قرية فيتنامية. هذه الصورة التي تحمل أسم «ذي تيرور أوف وار» (الرعب من الحرب) والتي أحرزت على جائزة بوليتزر، خلقت جدلا سنة 2016، عندما استُبعدت من فيسبوك بذريعة أن بها «محتوى غير مناسب».

«كتبت إلى مارك زوكربارغ لأقول له إنني لن أمتثل إلى شروطه»، هذا ما ذكره أسبن أجيل هانسن رئيس تحرير أفتنبوستن وهي أكبر الصحف اليومية النرويجية، الذي تقاسم الصورة على الفيسبوك ووجد نفسه مُهدّدا بالإقصاء النهائي من الشبكة. وفي الردّ العنيف الذي نشره في الصفحة الأولى لصحيفة أفتنبوستن، اتّهم هانسن فيسبوك بوضع قواعد «لا تفرق بين صور الإستغلال الجنسي للأطفال وبين صور الحروب الشهيرة»، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى «فهذه القواعد لا تترك أي مجال» للنقاش. وكانت هذه الرسالة، التي لاقت مساندة مُكثّفة، نقطة الإنطلاق لحوار حماسي حول قواعد الرقابة المُعقّدة لفيسبوك وحول طريقته في مراقبة المحتويات عبر فرز الأحداث بواسطة الخوارزميات.

يَعُدّ فيسبوك اليوم ملياري مُستعمل عبر العالم، ويجذب إلى مواقع وسائل الإعلام أكثر من غوغل، وقد أصبح بذلك فاعلا أساسيا في نشر الخبر، إلاّ أنه مصرّ على عدم الإعتراف بهذه المسؤولية معتبرا أنه مجرد «أرضية تقنية». ومع ذلك، يُمكن القول بأن فيسبوك أصبح أول موقع إعلامي ذي بعد عالمي، وهو ما يجعل من مارك زوكربارغ، كما جاء على لسان هانسن، «أقوى رئيس تحرير في العالم».

«ذكّرت زوكربارغ بأن صفته هذه تلزمه بالإرتباط بمسؤوليات معينة لأن الشركة التي يسيّرها ليست ذات صبغة تقنية بحتة، بل هي مؤسسة إعلامية أيضا». هذا هو السبب الذي جعل أجيل هانسن يعتبر أن منع نشر صورة صحفية رمزية بحجة العراء ما هو إلا قرار سيّء من منظور السياسة التحريرية، مُذكّرا أن «الصور المزعجة قد لا تحظى بالإعجاب، إنّما يبقى لها دور تحسيسي أساسي في مجتمعنا الديمقراطي».

يقوم الملايين بنشر مضامين في الفيسبوك يوميّا، مما يجعل من عملية الإنتقاء حالة بحالة عسيرة جدا. ويدافع رتشارد آلن، نائب رئيس فيسبوك المكلف بالسياسات العمومية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، عن النظام الداخلي للشبكة الذي ينص على التبليغ عن أية صورة لطفل عاري الجسم يقلّ عمره عن 18 سنة، ممّا يؤدي إلى سحبها. لكنه يعترف بفشل هذه السياسة في ما يتعلق بصورة «الرعب من الحرب».
وخلال الندوة التي نظّمتها اليونسكو في مارس 2017 تحت عنوان «الصحافة تحت طائل الإنتقادات»، دافع رتشارد آلن عن قدرة فيسبوك على التعديل قائلا: « لنكن واضحين : نحن نراجع أنفسنا باستمرار، وعندما نواجه وضعا غير متوقع، نفكر في الحلول الممكنة وننظر في سبل مراجعة القواعد التي نعمل على أساسها».

ولمزيد من المرونة، اتبع فيسبوك منهجا جديدا يفرض انتداب عدد كبير من الموظفين المكلفين بالتعديل (وقد أعلنت الشركة في ماي 2017 عن اعتزامها انتداب 3000 موظف لتدعيم الفريق الحالي الذي يعدّ 4500) وذلك حتى يتمكن من تخصيص معالجة ملائمة للمقالات المنقولة عن وسائل الإعلام، والتي تُعتبر استثناء بالمقارنة مع ما ينشر عادة في فيسبوك.  ويُضيف رتشارد آلن: «إذا كان نشر صورة لطفل عاري الجسد بموافقة المعني بالأمر يخدم المصلحة العامة، فعلينا أن نتجاوز السياسة المتبعة».

الخوارزمية، رئيس التحرير العالمي الجديد

وبما أن الأمر يتعلّق بالإختيارات التحريرية، فإن الفرق بين فيسبوك وفضاءات الإعلام التقليدية ضئيل. ويقول أجيل هانسن في هذا الصدد بلهجة صارمة : «كما أن رئيس تحرير فوكس نيوز هو المسؤول عن المحتوى التحريري لـفوكس نيوز، فإن مارك زوكربارغ هو المسؤول عن المحتوى التحريري لفيسبوك» .
والفرق الحقيقي الوحيد بين الإثنين هو استعمال الخوارزمية في إختيار المضامين، تلك الآلية غير المفهومة بتاتا والمثيرة للجدل : ولا أثر لها في الصحافة التقليدية.
يلح رتشارد آلن قائلا: «يسعى فيسبوك للحفاظ على خصوصيته. فأنت هو الناشر لإنتاجك وأنت من يختار ما تريد مشاهدته».  ولكن تبقى الخوارزميات هي التي تكيّف عادات القراءة لدى ما يُقارب مليارا من المستعملين الناشطين على فيسبوك، أي خمس سكان العالم. رسميا، تتمثّل مهمّة هذا الموقع في تفحّص وتحليل المعلومات التي ينشرها المستعمل أو المستعملة خلال الأسبوع المنقضي، أخذا بعين الإعتبار كل الصفحات التي نالت "اللايكات" (الإعجاب)، وكل المجموعات التي انخرط أو انخرطت فيها، وكل شخص يقوم أو تقوم بمتابعته. بعد ذلك، وحسب صيغة سرية يتمّ تجديدها باستمرار، ترتّب الخوارزميات التدوينات المنشورة حسب النظام الذي يتوافق مع اهتمامات المستعمل.

إلّا أن الخوارزميات، بحكم طبيعتها الأصلية، قد تصبح أداة تُثير إشكاليات إن لم نقل أداة خطيرة. ويُفسّر أجيل هانسن ذلك بالقول بأن «تفعيل الخوارزميات يؤدي إلى انتقاء معايير محدّدة وحشرها في ما يسمى بفقاعات التصفية، وذلك من شأنه أن يعزز تلك الظاهرة السلبية وليدة عصرنا، ألا وهي تكوين تجمعات مستقطبة». ويضيف أجيل هانسن: «إن عدد مستعملي الفيسبوك المسجونين في تلك الفقاعات يزداد يوما بعد يوم، لا يحصلون إلا على الخبر الذي يرغبون فيه ولا يتواصلون إلا مع الأشخاص الذين يتقاسمون معهم نفس الآراء». ومن هذا المنظور، تصبح معايير الإنتقاء المُحددة بالخوارزمية لتصنيف الأخبار حسب الأولوية، أمرا حاسما.

من جهته، يقارن رتشارد آلن متابعة شريط تسلسل الأحداث في الفيسبوك بالإنخراط في دورية إعلامية، ولا يعترف بأن فيسبوك يفرض على قرّائه محتوى مُعيّنا. فالخوارزمية، حسب رأيه، لا يتجاوز دورها ترتيب العناوين للقراء بما فيه أكثر أريحية. لكن التحدّي يكمن في الكمية الهائلة للمدّ المتوفّر. ويقول رتشارد آلن: «الملاحظ هو أن المستعملين يشتركون في حوالي ألف مدّ مختلف، في حين لا يسمح لهم وقتهم بقراءة أكثر من عشرين»، ويضيف: «الإمدادات الألف تبقى دائما متوفرة، لكن ذلك يؤدي بنا حتما إلى عملية الإنتقاء بما أننا نحتفظ بتلك التي تطفو في أعلى الكومة».

إن تيسير الأخبار المُفضلة للقراء يمكن أن يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه. وحسب ما ذهب إليه أجيل هانسن، فإن «مثل تلك الإستراتيجية لها مزاياها عندما يتعلق الأمر بمشاهدة "ناتفليكس" (موقع يوفر الأفلام بصفة مستمرة مقرّه في الولايات المتحدة)» لكنها تبقى «مبدأ قابلا للنقاش في ما يخص حرية انتشار الخبر صلب مجتمع ما».

دور الحكم في مواجهة الحقيقة

 

وحتى نكون أكثر إيجابية، لنعترف أن وسائل الإعلام الإجتماعية تحطّم الحواجز وتُيسّر التعبير لكلّ منّا. يلاحظ الصّحافي النرويجي، الذي يُتابع صحيفته على فيسبوك 340.000 شخص: «عندما كتبت لمارك زوكربارغ، لم تكن رسالتي إلا مقالا صغيرا صدر في بلاد صغيرة، لكن محتواه انتشر بسرعة البرق في كل مكان. ومن المفارقات أن يكون فيسبوك هو بالذات صاحب الفضل في هذا الإنتشار». لكن سرعان ما يعترف أجيل هانسن أن الإمكانية المُتاحة للجميع لنشر الأخبار هي سيف ذو حدّين يمكن أن يُؤدّي إلى التضليل، وينبّه : «لقد أصبحت اليوم مغالطة مجتمعات بأسرها من السهولة بمكان. وأتساءل إن كنا، كمجتمع، مستعدين حقا لمثل هذا المستقبل الباعث على القلق».

في إطار سلسلة الفضائح المتعلقة بالأخبار الزائفة التي هزّت فيسبوك سنة 2016، اتُّهمت الشركة بالتأثير على الإنتخابات الرئاسية الأمريكية من خلال نشر أخبار كاذبة وبخلق فقاعات تصفية تمنع الناخبين من الحصول على آراء غير مُطابقة لآرائهم. وحسب أحد التحاليل، إذا أخذنا بعين الإعتبار الأخبار المتصلة بالسياسة الأمريكية فقط، فإنّ الأخبار الزائفة استأثرت بـ 10،6 مليون من بين 21،5 مليون من التوزيعات وردود الفعل والتعاليق التي أثارتها المقالات باللغة الإنجليزية في تلك السنة. أما الخبر الكاذب (الخدعة) المتعلق بباراك أوباما، الرئيس السابق للولايات المتحدة، فقد نتج عنه أكثر من 2،1 مليون تعليق وردود فعل وتوزيع على فيسبوك خلال شهرين فقط.

وحتى يُخمد الإنتقادات، ليس من الغريب أن يقرر فيسبوك وضع برنامج للتثبّت في الأحداث بهدف إصلاح منظومته : فبداية من مايو 2017، تكون المقالات المُبلّغ عن عدم الوثوق بها من قبل المستعملين محلّ تدقيق من طرف خبراء، ويتمّ إدراجها في صنف «محتوى مُعترض عليه». ويُوضّح رتشارد آلن في هذا الصدد: «لن نقوم بحذف هذه المحتويات. ذلك أننا من ناحية لا نريد لعب دور الحكم في مواجهة الحقيقة، ومن الأخرى فإننا نسعى إلى بناء مجموعة مطّلعة باعتبارنا مسؤولين أمام مجتمعنا».

ويتقبّل أجيل هانسن هذا الإعتراف على أنه أساسي، ويُعبّر عن ارتياحه للتحسينات الإيجابية المُقدّمة من طرف فيسبوك منذ الإنتشار الهائل الذي لاقته رسالته الأولى (المنشورة في صحيفة أفتنبوستن)، مُوضّحا : «لقد خصّ مارك زوكربارغ صحيفة نيويورك تايمز بحديث بيّن فيه أن الجدال الذي أثارته تلك الرسالة فتح بصيرته وجعله يعي بضرورة تغيير طريقة تشغيل فيسبوك». 

كان ذلك وعيا مصحوبا بتدابير تبدو حاسمة، بالنظر إلى التأثير الهائل لوسائط الإعلام الإجتماعية على وسائل الإعلام التقليدية والتزايد المستمر لحضورها العارم في حياتنا اليومية.

 

رسالة مفتوحة بمثابة الصدمة الكهربائية

« (...) اسمع يا مارك، الأمر خطير ! في البداية، وضعتَ قواعد لا تُفرّق بتاتا بين صور  إباحية للأطفال وصور شهيرة للحروب، ثمّ أخذت في تطبيقها دون أن تترك أي مجال للتفكير. وفي الأخير، فأنت لا تتوارى عن حجب الإنتقاد والحوار الدائر حول قرارك هذا، وتعاقب الشخص الذي تجرّأ على الوقوف ضدّه (...)

إن وسائل الإعلام الحرّة والمستقلّة تلعب دورا هامّا في نشر المعلومات، بما فيها الصور، التي قد تكون مُزعجة أحيانا، تلك المعلومات التي لا تريد النخبة، وأحيانا المواطنون البسطاء، مشاهدتها أو سماعها، لكنها قد تكون هامّة لذلك السبب بالذات (...).

كما أن لوسائل الإعلام مسؤولية التفكير في ما تنشره حالة بحالة. وهي مسؤولية ثقيلة أحيانا. فعلى كل محرر أن يقيّم الإيجابيات والسلبيات. هذا الحق وهذا الواجب اللذان يحظى بهما كافة الصحفيين في العالم، يجب ألّا يكونا عُرضة للتقويض من قبل خوارزميات تمّ تشفيرها في مكتبك بكاليفرنيا.

لقد منح فيسبوك لنفسه رسميا مهمّة «جعل العالم أكثر انفتاحا وتواصلا». وفي الواقع، فإنك تؤدّي هذه المهمة بشكل سطحي تام. وإذا كنت ترغب في عدم التفريق بين صور إباحية للأطفال وصور توثيقية أُخذت أثناء الصراعات، فإن ذلك لا يُمكن إلّا أن يُشجّع على الغباء ولن يُساهم البتّة في التقريب بين الناس.

إن ادعاء إمكانية خلق قواعد مُشتركة وكونية حول ما يمكن نشره وما لا يُمكن، إنما هو ذرّ الرماد على الأعين، لا غير (...) ».

(مقتطف من الرسالة المفتوحة التي وجّهها أسبن أجيل هانسن إلى مارك زوكربارغ والتي نُشرت في الصفحة الأولى من أفتنبوستن بتاريخ 8 سبتمبر 2016).