<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 08:38:28 Nov 19, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

توظيف المبادئ الأخلاقية للتصدي لتغير المناخ

10 كانون اﻷول (ديسمبر) 2018

cop-visual-ar_0.jpg

©اليونسكو

تعدّ ظاهرة تغيّر المناخ واحدة من أخطر التحديات التي تواجهنا في القرن الحادي والعشرين وفقاً للعديد من قادة العالم. واعتدنا أن نواجه هذه الظاهرة من منظور لوجستي أو علمي أو اقتصادي، ولم يخطر لنا أنّ نعالجها يوماً من بعدٍ أخلاقي. إلا أنّه في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وعُقيب الدورة الثالثة والعشرين لمؤتمر الأطراف، اعتمدت الدول الأعضاء لدى اليونسكو والبالغ عددها 195 دولة إعلاناً رسمياً بشأن المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ. ويحدّد هذا الإعلان ستة مبادئ أخلاقية يمكن من خلالها التصدي لمخاطر تغير المناخ وتعزيز دور الأخلاقيات في هذا الصدد. وهذه المبادئ هي:

  • درء الضرر 
  • اتباع نهج وقائي 
  • الإنصاف والعدالة 
  • التنمية المستدامة 
  • التضامن 
  • المعارف العلمية والحرص على النزاهة

ويتطرق الإعلان بعد تحديد هذه المبادئ إلى كيفية العمل بها على مختلف الأصعدة، أي في العلوم، ونظم التكنلوجيا والابتكار، والتربية وعمليات إدارة المخاطر، ورفع مستوى الوعي العام، والتعاون الدولي والإدارة والمساءلة. 

ويمكننا تحقيق فهم كامل لدور المبادئ الأخلاقية في التصدي لتغيّر المناخ من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: من أين تنبع أهمية المبادئ الأخلاقية في إطار التصدي لتغيّر المناخ؟ ولماذا كان من الضروري إعداد إعلان بشأن المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ؟

تقدّم الأخلاقيات تقنية فلسفية من شأنها حثّ المجتمع على التريّث والتَفكّر في الأسباب الكامنة وراء تغير المناخ والتبعات المترتبة عليه من منظور أوسع قبل اتخاذ أي خطوة. وتساعد هذه المعطيات المجتمع 

بعد ذلك على تحديد السبُل المناسبة للاستجابة لهذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال، يأتي تغيّر المناخ في مقدّمة المخاطر التي تُحدق بالجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الوطنية في الدول الجزرية الصغيرة النامية على وجه خاص. فقد شهدت دولة سانت فنست وغرينادين الجزرية خلال السنوات العشرين الماضية احتداداً في شدة الأعاصير، وحالات جفاف أطول أمداً، وزيادة في تواتر الفيضانات، وارتفاعاً في مستوى سطح البحر. وقد قدّرت الأضرار التي لحقت بالجزيرة، في أواخر عام 2013، بمبلغ 93,3 مليون دولار أمريكي. يقدّم لنا هذا المثال دليلاً على أنّ التصدي لتغير المناخ يحتاج إلى أكثر من التركيز على الوقائع والخسائر الاقتصادية التي تتكبدها المجتمعات جراء هذه الظاهرة. 

ومن هنا، نرى أنّ المبدأ الأخلاقي الذي يدعو إلى الإنصاف والعدالة يشجّع الدول وسائر الجهات المعنية على تيسير رفع مستوى الوعي العام، ومشاركة المجتمعات في عملية اتخاذ القرارات والتدابير اللازمة، وذلك من خلال إتاحة حصول الجميع على المعلومات والمعارف اللازمة للتصدي لتغير المناخ والتعرف على السبل الواجب اتباعها لتنفيذ إجراءات التخفيف من وطأة هذه الظاهرة والتأقلم معها. ويمكن ضمان نجاح هذه الجهود من خلال تعزيز الحوار الاجتماعي والتواصل عبر وسائل الإعلام، وتعبئة الأوساط العلمية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع المحلي ككل.

وتجسّد جزيرة سانت فنسنت وغرينادين مثالاً نيّراً في هذا الصدد. فقد استهلت في عام 2017 برنامجاً تعليمياً وحملة توعوية بشأن تغيّر المناخ، وذلك بالتعاون مع شراكة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن تغير المناخ في اليابان والبحر الكاريبي، وبالتنسيق مع حكومة سانت فنسنت وغرينادين. إذ تهدف الحملة التوعوية إلى تزويد سكان الجزيرة بالمعلومات اللازمة كي يتمكنوا من فهم ماهية تغير المناخ وكيفية التأقلم معه. وتعدّ التوعية العامة والبرامج التعليمية من العناصر الهامة لضمان تعبئة سائر جوانب الحياة للتصدي لتغير المناخ ولا سيما في المجتمعات الصغيرة والأكثر ضعفاً.

وتكمن أهمية هذه المبادئ الأخلاقية أيضاً في دورها بضمان مكافحة تغير المناخ بفعالية ومنطق أكبر. فمثلاً، تتعرض كوريا الجنوبية كل ربيع لعواصف رمال صفراء قادمة من منغوليا والصين. وبفعل حركة التصنيع والتصحر التي شهدتها الصين الغربية ومنغوليا في الآونة الأخيرة، أصبحت رمال هذه العواصف 

تجلب معها مواداً تضر بصحة الإنسان وتؤجج المشاكل الاجتماعية. ولا تطال هذه الظاهرة كوريا الجنوبية وحدها، بل تعصف أيضاً بالصين ومنغوليا. ويوضح لنا هذا المصال الحاجة إلى تنسيق الإجراءات التي تتخذها البلدان من أجل التصدي لهذه المشكلة ومكافحتها بيد واحدة.

وهذا هو بالتحديد ما يدعو إليه مبدأ التضامن. فإنّ التضامن يكفل ألّا تنسى البلدان المتضررة أنّها تعيش في عالم مشترك بين جميع الشعوب من مختلف المشارب، وأنّ الجهود الرامية لحمايته والمحافظة عليه تعود بالخير على الجميع دون استثناء. 

يوضح لنا هذان المثالان بكل جلاء أن تغيّر المناخ مرتبط بالأساس بالمبادئ الأخلاقية. وإذا كان الفشل في التصدي لهذه الظاهرة يعود بآثار كارثية، فإنّ اتخاذ تدابير عشوائية غير مراعية للاعتبارات الأخلاقية قد تؤدي إلى تدمير مجتمعات بأكملها، وتأجيج نواحي عدم المساواة، وتفاقم ضعف الفئات المهجرة بفعل النزاعات السياسية والأيديولوجية التي أوجدها الإنسان. 

ويتسم هذا الإعلان بأهمية أكبر من أي وقت مضى لا سيما بعد صدور التقرير الخاص بشأن الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وتقدّم الاستنتاجات التي يخلص إليها التقرير أقوى المسوّغات لاعتماد اليونسكو شعار "تغيير العقول لا المناخ". إذ ينطوي هذا الشعار على رسالة مفادها أنّه من الضروري تغيير مفهومنا عن النجاح الاقتصادي، وكذلك الطريقة التي نرسم بها السياسات العامة، وأخذ الخدمات الاقتصادية الأساسية في الاعتبار، وابتكار طرق لتعليم أجيال الحاضر والمستقبل. وتكمن الأبعاد الأخلاقية للخيارات التي نتخذها من أجل تحقيق التطور والتنمية في صميم هذا التغيير الجذري. وعليه، من الضروري تحديد "أيّ القيم سنختار في اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية والفردية؟" و"ما هو شكل المجتمع الذي نرغب في العيش به؟ وما هو المستقبل الذي نرغب في توريثه للأجيال القادمة؟" وذلك من أجل التصدي لتغير المناخ، ويقدّم إعلان المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ أداة فعالة لمعالجة هذه القضايا.

اطلعوا أيضاً على: