<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 19:07:53 Nov 19, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

في مونريال، مدرسة الفرصة الثانية

cou_04_19_wide_angle_canada_internet_site.jpg

فترة استراحة مع المربية ميلاني بيلانجي. في كل قاعة دراسة، يحضر مربي لمساعدة المعلم على التفاعل مع التلاميذ.

النجاح حيث فشلت المدرسة التقليدية. ذلك هو التحدّي الذي يحاول رفعه كل يوم المُدرّسون في مركز الاندماج الدراسي بِمونريال في كندا، وهو مركز يأوي التلاميذ الذين تعثروا في مسيرتهم الدراسية. ولا مجال للتعلّم دون إرساء الثقة أوّلا بين المعلم والتلميذ.

بقلم لين فريشي، صحافية كندية

 

مركز الاندماج المدرسي لا يُميّزه شيء عن سائر المدارس، بجدرانه من الآجر، والصور المُعلّقة على الحيطان، وخزائنه المهترئة. في قاعات التدريس صفّ من المقاعد المرصّفة أمام سبورة سوداء. وابتداء من الساعة الثامنة صباحا، يغزو التلاميذ بضجيجهم مدرجا كبيرا يُؤدّي إلى الطوابق العليا. وهنا تنتهي المقارنة.

ذلك أن هذه المؤسسة الواقعة في حي روزمون تستقبل منذ حوالي خمسين سنة تلاميذ من ذوي الأوضاع الهشة، أو من الذين يواجهون صعوبات في التعلم أو يعانون من مشاكل نفسية. خلف البعض منهم وراءه مسارات فوضوية، وعاش بعضهم قصصا عائلية مُعقّدة، وتورّط بعضهم أحيانا في قضايا عدلية. لهؤلاء التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 سنة، عموما، ماض عويص مع المدرسة. لقد عرفوا الفشل المدرسي، والطرد المتكرر أو الاقصاء في الصف الخلفي مع البرنامج الخاص بالتلاميذ الذين يواجهون صعوبات. لكل هؤلاء، يُمثّل مركز الاندماج انطلاقة جديدة، على أسس أخرى.

الجوّ مُكهرب في هذه الأيام الأخيرة من شهر يونيو، ولم يبق إلا أسبوع لعطلة الصيف. يستعدّ تلاميذ السنة السادسة ابتدائي  لإجراء امتحان حول «المناخ الاجتماعي»، وهي مادّة مدرجة في برنامج المستويين الابتدائي والثانوي، تتناول التاريخ الاجتماعي والسياسي لكيبيك. الأطفال مرتبكون. وتُعلن كينيا، مُعلّمتهم الشابة، أن الأسئلة تتمحور بالخصوص حول فترة العشرينيات المجنونة وحول طفرة المواليد (بيبي-بوم).

في تلك اللحظة، سمعوا أصواتا مكتومة من القسم المجاور. توجه عدد من الموظفين الحاملين لأجهزة اتصال نحو ذلك القسم، وهم على استعداد للتدخّل. لقد نجح المُدرّسون داخل القاعة في تهدئة شابّ كان قد انهال على الجدار ضربا. ها هو مُلقى على حشية صغيرة في مكان بعيد عن الآخرين، وقد بقيت بجانبه معلّمتان لرعايته.

من مدرسة إلى أخرى

هذه التجاوزات ليست نادرة، خاصّة في نهاية السنة. وكما أوضحت مديرة المدرسة إيزابيل شوينار التي درّست فيها طيلة 17 سنة، لقد «عانى العديد من الشبان من اضطراب التعلّق. ومع اقتراب العُطلة، ينتاب التلاميذ شعور بالقلق. هم لا يعرفون ماذا ينتظرهم ويخافون لحظة فراق استاذهم». إن الاحتياج إلى العطف كبير جدا لدى البعض من هؤلاء الشبان الذين يُقذف بهم من مدرسة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى.

لا بد من معرفة طريقة التفاعل مع التغيّرات المفاجئة في السلوك، و مشاعر الضيق العاطفي والعنف الذي يستوجب أحيانا تدخل الشرطة. وإذا كانت المدرسة كبيرة نوعا ما مقارنة بعدد التلاميذ البالغ 84، فلأن السلوك غير المتوقع، والصراخ والمشاجرات لا تسمح بتقاسم نفس الفضاء مع تلاميذ آخرين.

من الأفضل أن يكون العاملون في مركز الاندماج الدراسي من أصحاب العزيمة الصلبة. علاوة عن المديرة، يتحمّل عبء هذه المدرسة الفريدة من نوعها في الكيبيك مرشدة اجتماعية، وحوالي اثني عشر مُدرّسا، وعدد من المربّين المُتخصصين. العديد من المُدرّسين أو المتربصين الذين أتوا بنيّة مساعدة الشبّان على تجاوز أوضاعهم، ينتهي بهم الأمر إلى مغادرة المركز بعد بضعة أشهر، وهم حائرون.

حتى المدرسة كينيا تعترف بأنها احتفظت بذكريات أليمة عن السنة الأولى التي قضتها في المُؤسسة: «كان قسمي يتألف من 16 تلميذا في المرحلة الأولى ثانوي، وكانوا يُمثّلون حالات عصيبة. فهم في سن صعبة المراس حتى بالنسبة للمدارس التقليدية. لكن مع هؤلاء، علاوة عن كل ذلك، كنت أواجه الشتائم، والعنف الجسدي، والصراعات.  كثيرا ما كنت أبكي، وكنت أشعر بأن الشتائم تستهدفني شخصيّا. أصبحت آنذاك أعاني من الأرق.»

تقول كينيا إنها توصّلت، بمرور الزمن، إلى إيجاد طريقة للتعامل مع هؤلاء التلاميذ المتشدّدين: «إن العلاقات التي تمكّنت من تطويرها مع الشبان سمحت لي بتجاوز كل الصعوبات. و حلّ بيننا شيئا فشيئا احترام متبادل. أما العنصر الآخر المهمّ فهو الثقة التي منحتني إيّاها المديرة. فعندما ينفذ صبري، كانت تحثّني على الاستراحة يوما كاملا. الاعتناء بالنفس شيء مهمّ.»

والأمر كذلك بالنسبة لروكسان التي تُدرّس في المركز منذ عشر سنوات. تعلّمت هي أيضا مسايرة الانفعالات القويّة. هي تعشق عملها، والتلاميذ يعشقونها. انتابها الشكّ مرّة واحدة: كان ذلك يوم أُصيبت بكسر في ضلوعها عندما تدخّلت لوضع حد لمُشاجرة: «في مستوى التعليم الثانوي، كان لديّ تلاميذ عرفوا التشرد، وتعاطوا المخدرات وعانوا من الاضطرابات النفسية. كانت الطريقة الوحيدة للتدخّل تتمثّل في بناء علاقة ثقة. علينا أن نكون نُزهاء، وأن يكون التزامنا إزاءهم صادقا.».

النزاهة، والثقة، والاحترام، والتعاطف. كلمات كثيرا ما يرددها المدرسون والمُربون في المركز.  وبدون هذه الروابط التي حيكت بكثير من الصبر، لا شيء ممكن.

ويعتبر لوك، وهو مُربّي مختصّ يعمل بالمدرسة منذ 28 سنة ويقوم بمُصاحبة الشبان للتحكم في أحاسيسهم أنه «لا يمكن التعامل مع تلميذ يشكو اضطرابا في التعارض بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع شاب  يشكو اضطرابا في التعلّق. لكن علينا، في كل الحالات، أن نبعث فيهم روح الطمأنينة. إذا شتمني تلميذ، أرغب في تجاوز الموقف. أحيانا، يكون الطفل غير قادر على التعبير بالألفاظ، ومن واجبي أن أخصص له الوقت اللازم. الشاب الذي يبصق أو يعضّ، هو طفل يُريد أن يعبر لي عن شيء ما.»

تلقى فريق مُدرّسي المركز تكوينا جامعيّا لمدة أربع سنوات في مجال التكيّف المدرسي، وهو اختصاص موجه لتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخصوصيّة.

استعادة الرغبة في التعلم

تمّ تأهيل المدرسين ليكونوا قادرين على التعرف على بعض الاضطرابات، واحترام وتيرة تعلّم الطفل الذي يشكو من عسر القراءة، وإدارة الصف. لكن الجامعة لا تكفي لاقتناء كل المهارات. وحتى يستعيد هؤلاء الشبان الذين لا يتحملون المدرسة الرغبة في التعلّم، لا بدّ للمدرسين أن يتحلوا أيضا بروح المبادرة والابتكار.

تقول كينيا: «عندما باشرت بالمركز، وضعت تحت تصرفي سبورة سوداء، وقطع من الطباشير وبعض الكُتب. ماذا عساني أن أفعل بها؟ كنت متيقنة أنني لن أستطيع العمل هنا وكأنني في مدرسة عادية». حينها، استعارت من أخيها جهاز عرض ضوئيّ وطلبت من المديرة حاسوبا محمولا. وبادرت كينيا بإعداد دروس تفاعلية تستخدم فيها أشرطة فيديو وصُور، وهكذا تمكّنت من جلب اهتمام التلاميذ. «انتهى دوري في إدارة الصف. اعتمدت هذه الطريقة في كل الموادّ، وأعطيت قلما للتلاميذ ليتمكّنوا من تدوين الملاحظات. وكللت هذه الطريقة بالنجاح !»

أنهت إيماشوينار-سنتراو، المُدرّسة بالسنة الثالثة، شهادتها الجامعية في التأقلم الدراسي. وقد باشرت التدريس في المركز منذ بضعة أشهر فقط. وحتى تُشجّع على التعلّم، لم تتوانَ عن التخلّي عن الطرق المعهودة، واستعمال الألعاب البيداغوجية. وحتّى تُثير الرغبة في تعلّم الرياضيّات، تنظم عمليات بيع عصير الليمون والمرطبات خارج المدرسة، كي يتعوّد التلاميذ على حساب الكسور.

ومن بين جملة الوسائل العلاجيّة التي اعتمدها المركز، العلاج بالحيوانات الذي تمّ تطويره بالتعاون مع  إطارات مختصة. وقد تمّ جلب العديد من الحيوانات إلى الصفوف: خنازير غينيا في أقسام الصغار، وثلاثة فئران في المرحلة الأولى من الابتدائي وقوارض وأرانب في المرحلة الأولى من الثانوي. ويتمّ تنظيم أيام علاجية بالاستعانة بالحيوانات مع أخصّائيّين، هدفها مساعدة بعض التلاميذ على التواصل. ويساعد هذا الأسلوب العلاجي التلاميذ الأكثر خجلا على إثبات وجودهم من خلال تدريبات على تطويع الكلاب، مثلا.

وأتت هذه المجهودات أُكلها. فبعد أن أُطرد أندرو، البالغ من العمر 15 سنة، من المدرسة في نهاية التعليم الابتدائي، تابع عدّة حصص للتصرّف في حالات الغضب، إلى أن تحسّنت حالته. يقول أندرو: «أنا اندفاعي بطبعي. وعندما أغضب، أضرب كل ما أجده حوالي. في المركز، ساعدوني على إيجاد الوسائل لأتغيّر». وكذلك جوي، 12 سنة الذي أدرك أنه عاني من مشكلة في السلوك: «في مدرستي القديمة، كنت أتشاجر طول الوقت. هنا، يتم تأطيرنا عند حصول مشاجرة».

بفضل هذا العمل الصبور لتمكين التلاميذ من التعبير والتحكّم في نزعاتهم العنيفة، أصبح التعلّم ممكنا. وتُوضّح كينيا: «في البداية، كنت أشعر بأنني أدرّس دون جدوى. كنت أظنّ أن الصعوبات السلوكية كانت تحول دون التقدّم في الدراسة. وفي الواقع، تمكنوا من تطوير كفاءاتهم إلى حدّ بعيد. إن طرق التدريس المختلف لا تحصى ولا تعد».

وتوضح إيزابيل شوينار أنه كلما صغر سن التلاميذ، كلما كبرت حظوظهم في العودة للاندماج في المدارس التقليدية. وتذكر أمثلة لتلاميذ نجحوا بامتياز بعد مغادرتهم المركز، مثل ستيفاني التي تُعدّ اليوم استاذية في الاتصال، أو ذلك التلميذ الذي التحق بفريق محترف في كرة السلّة بالولايات المتحدة. وتُؤكّد مديرة المركز: «هدفنا ليس بالضرورة أن يتابع الجميع دراسة جامعية. المهمّ هو أن يتمكّنوا من تحقيق ذواتهم ومرافقتهم حتى يصبحوا كهولا.»