<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 00:20:57 Apr 13, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

تغيّر المناخ يهدّد بنزاعات جديدة

cou_02_18_werrel_01.jpg

إحدى ضحايا النزاع في السودان سنة 2008 تنتظر حصّتها من المعونة الغذائية الاستعجالية

إن تأثير تغيّر المناخ في المشهد الطبيعي العالمي من شأنه أن يحدث تحويرا على مستوى الجغرافيا السياسية وأن يزعزع استقرار المناطق الضعيفة، مثل القرن الأفريقي. وقد يؤدي إلى المساس من قدرة الدول على إدارة شؤونها وإلى التسبب في اندلاع صراعات لم نكن نتصوّر وقوعها. وخلافا لعوامِل خطر أخرى على الأمن الدولي، يعتبر تغيّر المناخ قابلا لوضع أمثلة نموذجية توقعية موثوقة للغاية. لكن، بين التوقّع والتأهب، يبقى لنا أن نخطو خطوة جبارة.

بقلم كيتلين إ. ويريل وفرانشيسكو فيميا

إن الوتيرة الحالية لتغير المناخ ـ ارتفاع مستوى سطح البِحار، وتراجع الطبقة الجليدية في القطب الشمالي، وذوبان الأنهار الجليدية، والتقلب الفائق لتَهاطل الأمطار، فضلاً عن ازدياد وتيرة العواصف وشدتها  ـ يضع  المجتمعات البشرية أمام سيناريوهات لم تشهدها من قبل. وسوف يكون لهذه الديناميات وقع على الموارد، لاسيما المياه والأغذية، التي تعتمد عليها الشعوب والدول ـ فضلاً عن النظام العالمي القائم على هذه الدول ـ من أجل البقاء، والأمن والرخاء. وبدأنا نشهد تفاقما في هشاشة الدول وفي المشكلات الأمنية في مناطق رئيسية عديدة ـ مثل النزاعات  في الشرق الأوسط وأفريقيا، والتوترات في مناطق صيد الأسماك في بحر جنوب الصين، فضلاً عن ساحة المعركة السياسية والاقتصادية الجديدة في المحيط المتجمد الشمالي بعد أن تحرّر من الثلوج.

وبينما يحدث  تحويرات في المشهد الطبيعي للعالم، يضفي تغير المناخ كذلك تحويرات على المستوى الجغرافي والسياسي. وفي حال انعدام قدرة الحكومات على التخفيف من حدّة هذه التداعيات، فسوف تزداد المخاطر المهددة باندلاع النزاعات وزعزعة الاستقرار، وسوف يصعب التحكم فيها أكثر فأكثر. وهذا هو شأن العديد من المناطق، لكن القرن الأفريقي يبقى مهدّدا أكثر بسبب اقتران أوجه ضعف هيكلية مع كونه عرضة لمخاطر تغيّر المناخ. ولذلك، هناك خشية من حدوث نزاعات وزعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة، أكثر من المناطق الأخرى.

مركز هش

مع مرور الزمن، وبالإضافة إلى الضغوط الديموغرافية والاقتصادية والسياسية القائمة، قد ينجر عن تأثير تغير المناخ على الموارد الطبيعية  إضعاف قدرة الدول على الحوكمة الذاتية، بما في ذلك قدرتها على الاستجابة لحاجيات مواطنيها المتعلقة بتوفير الموارد الأساسية ـ مثل الغذاء، والمياه، والطاقة والشغل ـ  والتي تدعى «الشرعية المنتجة». والحال أن التهديد المسلط على هذه الشرعية من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة، ونشوب نزاعات داخلية، بل وحتى إلي انهيار الدولة. ومن هذا المنظور، قد يشكل تغير المناخ تحدياً خطيراً لاستقرار دول القرن الأفريقي وشرعيتها ـ علما وأنها منطقة تواجه عددا لا يحصى من الصعوبات، قبل أن تضاف لها تلك المتأتية من تغير المناخ.

و قد تم التأكيد على هذه التحديات  من قبل  مجلس الأمن للأمم المتحدة في بيان أصدره رئيس المجلس في يناير 2018 جاء فيه: «ويقر مجلس الأمن بالآثار الضارة لتغير المناخ والتغيرات الإيكولوجية، وغير ذلك من العوامل، على اسـتقرار غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، بما في ذلك بسـبب الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي وانعـدام الأمن الغـذائي، ويشـدد على ضـرورة قيـام الحكومـات والأمم المتحـدة بإجراء تقييمـات وافيـة للمخاطر المرتبطة بهذه العوامل ووضع استراتيجيات لإدارة هذه المخاطر.»

ووفقاً لمؤشر الدول الهشّة الصادر عن مؤسسة صندوق السلام، يشمل القرن الأفريقي بعضاً من أشد البلدان ضعفاً في العالم ـ ألا وهي  الصومال، وأثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، والسودان وجنوب السودان. كما أن هذه المنطقة تسجل العديد من  المؤشرات الواضحة حول العلاقة بين تغير المناخ والنزاعات ـ ولاسيما النزاعات بين المجتمعات الزراعية والمجتمعات الرعوية الناجمة عن حالات الجفاف وعدم استقرار الموارد المائية، وتزداد الحالة حدة جراء الأوضاع المناخية.

ونذكر في هذا الصدد ما تسببت فيه فترة الجفاف القصوى وطويلة الأمد التي عاشها الصومال عام 2011 جراء تغير المناخ، من ضغط إضافي على وضع كان متوترا أصلا لندرة الموارد. وقد تساهم هذه الضغوطات في تفاقم التوترات والنزاعات بين المجموعات السكنية وفي تحريض السكان على الهجرة ـ بالإضافة إلى تأثيرها على أسعار المواشي  والممتلكات الأخرى. وقد يفضي هذا الوضع أيضاً إلى استفحال سوء التغذية وتفشي الأمراض والتأثير سلبياً على الأمن الغذائي (لمزيد من المعلومات: المجلة الأمريكية الزراعية، يوليو 2014 ص. 1157 ـ1182).

وقد يمتد أثر حالات التوتر المحلية المتولدة عن صعوبة النفاذ إلى الموارد الغذائية والمائية إلى البلدان المجاورة، حيث أن السكان المحرومين يتوجهون عادة إليها للحصول على المواد الغير متوفرة محليا، فيشتد الضغط على موارد تلك البلدان المجاورة، وقد يزداد الوضع تأزما. وللتوضيح، تجدر الإشارة إلى أن تغير المناخ  الذي يتسبب في تقلص الموارد المائية لا يمثل المصدر المباشر لاندلاع النزاعات، ولكنه يضاعف شدّة الضغوط على الموارد الطبيعية، فتزداد مخاطر نشوب النزاعات. وفي غياب ترشيد الحوكمة وتحسين التصرف في الموارد الطبيعية، فسوف تتكرر مثل هذه الحالات في المستقبل.

مشهد جغرافي سياسي جديد

تشير بعض الدراسات الحديثة وما يقترن بها من نماذج وتقديرات استشرافية، مشفعة بالتفاصيل الدقيقة، إلى أن تغير الظروف المناخية بإمكانه تهديد أمن الدول والترفيع في احتمال نشوب الصراعات، إذا لا يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من مفعوله. كما أن  عددا كبيرا من البحوث بيّنت الروابط بين تغير المناخ، وعدم استقرار هطول الأمطار، والنزاعات. وثمة العديد من السيناريوهات الأخرى التي تفسّر كيف أن التداخل بين وقع المناخ والوضع الأمني يؤدي إلى تصميم مشهد جغرافي سياسي جديد:
 

المدن الساحلية وارتفاع مستوى البحار 

يجري التوسع العمراني في القرن الأفريقي بوتيرة سريعة، بما في ذلك على السواحل. وتعتبر المدن الساحلية المتنامية، مثل مقديشو (الصومال)، ومدينة جيبوتي، ومومباسا (كينيا) مهددة بارتفاع مستوى البحر. فهناك احتمال في أن تغمر مياه البحر الهياكل الحضرية الأساسية، وأن تتسبب في تلوث إمدادات المياه العذبة من خلال تسرب المياه المالحة، وأن تحد من إنتاجية الأراضي الصالحة للزراعة، فتدفع بمجموعات سكنية بآكملها إلى الهجرة.

مضيق خطير

لخليج عدن، وهو ممر مائي على امتداد القرن الأفريقي، أهمية قصوى. وبما أن تغير المناخ يقلّص الفرص الاقتصادية في المنطقة أكثر فأكثر، فمن المحتمل أن تتزايد عمليات القرصنة على طول السواحل. و قد بينت البحوث وجود تقاطع هام بين البلدان التي تسجل  معدلات مرتفعة لهجمات القرصنة (قبالة سواحل الصومال، وأثيوبيا، وإرتريا)، وبين البلدان الأفريقية الأكثر هشاشة من حيث الظروف المناخية. وتوفر الرسوم البيانية صورة مقلقة لكيفية تأثير تراكم المخاطر على تكريس عجز الدول في منطقة القرن الأفريقي.

مصائد الأسماك والأمن الغذائي

يساهم ارتفاع درجة حموضة المحيطات وحرارتها في الهجرة وفي استنفاذ كميات الأسماك في العالم، وبشكل خاص على  طول سواحل القرن الأفريقي ـ لكن متابعة الوضع ليست على المستوى المطلوب كي يتم تحديد مدى اتساع هذه التداعيات بصفة دقيقة. وقد يؤدي تغيير كيمياء المحيطات ودرجات حرارتها إلى تفاقم احتمالات التوتر في القرن الأفريقي، بين الدول والأطراف الفاعلة في المناطق الداخلية، إذ هم يتقاسمون نفس الساحل، مما يزيد في احتمال نشوب نزاعات حول ممارسة صيد الأسماك، حيث أن السفن تجوب المياه المجاورة، أو تتنافس على موارد في تضاؤل مستمر في المياه الدولية.

الهجرة

تزيد حالات الجفاف وما يقترن بها من عوامل أخرى، في حث السكان على الهجرة، سواء في أفريقيا أو خارجها.  ويبقى السكان الذين يتعذر عليهم الرحيل مهددين بـ«الحصار»، أو عاجزين على التنقل إلى أماكن أكثر أماناً. ومن المحتمل أن يفضي انخفاض هطول الأمطار وزيادة الحوادث الجوية الشديدة في القرن الأفريقي إلى تفاقم الهجرة من حيث العدد والوتيرة. ويعتبر روبرت ماكليمان من جامعة ويلفريد لوريي (كندا) أن «هناك احتمال في أن تشكل الدول الهشة سياسيا في المستقبل مراكز أحداث العنف والهجرة الجبرية المرتبطة بالمناخ» (مراكز المناخ والأمن، يونيو 2017). وبالفعل، من بين الدول العشرين التي تتصدر مؤشر الدول الهشة لعام 2017، هناك اثنتا عشرة دولة تقع في مناطق الشرق الأوسط، وجنوب آسيا وأفريقيا، التي من المتوقع أن تشتد فيها أزمة ندرة المياه بسبب تغير المناخ. ومن بينها خمس دول تقع في القرن الأفريقي وهي الصومال، وإرتريا، والسودان، وجنوب السودان، وكينيا.

عسكرة مراكز موارد المياه

إن التغير الطارئ على توفر الموارد المائيه ـ ندرة الموارد وصعوبة بلوغها ـ جراء تغير المناخ قد أدى أيضا إلى استخدام الماء كسلاح من طرف الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية. وفقا لدراسة حديثة أنجزها ماركوس كينغ من جامعة جورج واشنطن (الولايات المتحدة)، تعتبر الصومال معرضة بصفة خاصة الى هذا الترابط بين المناخ والنزاعات وعسكرة مراكز الموارد المائية  (مراكز المناخ والأمن، يونيو 2017). وفي عام 2011، عانت الصومال من حالات جفاف إقليمية تم ربطها بتغير المناخ. ويلاحظ ماركوس كينغ أنه في تلك الآونة، قامت جماعة الشباب الجهادية الأصولية «بتغيير خطة تحركاتها الميدانية وبدأت في عزل المدن المحرّرة عن موارد المياه، لتدلّ على حد أدنى من نفوذها وحضورها. وكان لتغير المناخ والافتقار للمواد الغذائية واستمرار النزاع وكذلك عسكرة مراكز الموارد المائية، انعكاسات فادحة على السكان الذين لم يتمكنوا من الحصول على المساعدات الإنسانية بسبب العمليات التي تشنها حركة الشباب، وقد ترتب عن ذلك وفاة أكثر من 250.000 نسمة وتشرد مئات الآلاف من الأشخاص».

بريق من الأمل

وإن كانت فترات الجفاف والأحداث الجوية الشديدة تشكل ظواهر مألوفة في المنطقة، إلّا أن سرعة التغير وتقلّص الفترات الفاصلة بين الأحداث سوف تضاعف من شدة الضغط على الحكومات التي تتحمل أصلاً أعباء ثقيلة، مما يؤول إلى تضاعف مخاطر زعزعة استقرار الدول ونشوب النزاعات بشكل دائم. ولكن، يلوح في الأفق بريق من الأمل لأن تغير المناخ، ولاسيما مقارنة بعوامل أخرى تهدد الأمن الدولي، يبقى قابلا لوضع نماذج توقعية موثوقة بدرجة عالية ولو نسبياً.

ورغم أن التوقعات على الصعيد المحلي تبقى غير مضمونة، فإن النماذج المناخية الاستشرافية ترسم صورة واضحة لما يحمله المستقبل، مما يتيح للحكومات والمجتمعات وضع المخططات المناسبة. لكن إحكام القدرة على التنبؤ لا تضاهي الاستعداد. إن التزامن بين «وجود مخاطر غير مسبوقة» و«قدرة على الاستشراف غير مسبوقة» يدفع بنا إلى «مسؤولية التـأهب» (تقرير رفع إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة، ديسمبر 2017) وهي مسؤولية  لا بد أن تتحملها المؤسسات المحلية، والوطنية والدولية من خلال تدعيم قدرتها على المرونة المناخية في منطقة القرن الأفريقي. وإن لم تقم بذلك، فسوف يتم المساس بصفة هائلة لا فقط باستقرار المنطقة  بل باستقرار العالم بأسره.
 

 

اقرأ المزيد

مراكز المناخ والأمن Epicenters of Climate and Security

كيتلين إ. ويريل وفرانشيسكو فيميا

أسس الثنائي كيتلين إ. ويريل وفرانشيسكو فيميا مركز المناخ والأمن ويقوم برئاسته. وهو مركز دراسات سياسية مستقل مقره واشنطن عاصمة الولايات المتحدة، يضم فريقاً ومجلساً استشارياً يتألف من خبراء مرموقين في الشؤون الأمنية والعسكرية، وهو المؤسسة الوحيدة التي تعنى حصريا بتحليل المخاطر الأمنية الناجمة عن تغير المناخ.