<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 00:29:31 Apr 13, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

مقابلة

بيبي راسل: الأنامل السّحرية

cou_02_18_bibi_02.jpg

بيبي راسل تُقدّم للجمهور الحرفيّات اللاتي قمن بخياطة ملابس استعراض الموضة الذي انتظم في مارس 2017، بمناسبة الاحتفال بيوم راجستان، بالهند

نجحت بيبي راسل، فنانة اليونسكو من أجل السلام والمصمّمة الشهيرة عالميا، في تحقيق  عمل مبهر: لقد جعلت من الـ «غاموشا» – تلك المناديل القطنية التقليدية التي يستعملها سكان جنوب آسيا لمسح أيديهم ووجوههم – تنافس أرقى القطع في عروض الأزياء في جميع أنحاء العالم. إلا أنها حققت نجاحها الأهم  بعيدا عن المنصات الفاخرة، في مئات مشاغل النسيج في بلدها بنغلاديش، وأيضاً في أوزبكستان وكولومبيا والهند...

 

في ديسمبر 2017، شاركت بيبي راسل في أسبوع تراث راجاستان بالهند وتم خلاله تسليط الأضواء على مجموعة بياضات «خاديس» من تصميمها. كان العرض بمثابة تقدير منها للمهاتما غاندي وللنّساجين التقليديين في راجاستان الذين حاكوا تلك الأقمشة.

كما شاركت في معرض الكومنولث للأزياء في فبراير 2018، الذي خصص لإنتاج دول الكومنولث في مجال الموضة، وقد انتظم في قصر باكنغهام بلندن برعاية الملكة ودوقة كامبريدج.

وتعتني بيبي راسل حاليا بمشروع تعتبره «صعباً ومُلزما عاطفيا». بدعم مباشر من ماماتا بانرجي، رئيسة وزراء مقاطعة البنغال الغربية، تشتغل بيبي منذ شهر سبتمبر 2017 في مؤسّة «ليلوا هوم» التي تعد أكبر ملجأ للفتيات في تلك الولاية، بعضهن من ضحايا الاتّجار بالأطفال. وتقوم بيبي بتكوين الفتيات ومساعدتهن على تنمية مهارات تسمح لهن بكسب معيشتهن. تقول بيبي: «لا أستطيع أن أصدّق أنّ في القرن الحادي والعشرين - في حين يتحدث الجميع عن استقلالية المرأة والمساواة في الحقوق - لا زالت بناتنا تُباع!»، مُشيرة إلى أنّ الفتيات الفقيرات في المقاطعة يتّم بَيعهن بأقل من 100 دولار. « إن توفرت لي القوّة لإنهاء هذا العمل الصعب، آمل أن تُفتح الأبواب أمام هؤلاء الفتيات لبدء حياة جديدة مفعمة بالكرامة والمحبة».

وها أن جهودها جادت بثمارها. في 7 مارس 2018، صعدت على المنصة ثلاثة وثلاثون فتاة من الملجأ، من بينِهن سبعة طفلات لاجئات من الروهنجيا، في عرض للأزياء نظمته الحكومة في كلكاتا، وصممته بيبي راسل. وارتدت الفتيات أزياء من تصميم رفيقاتهن في الملجأ اللاتي انتفَعن من تكوين بيبي.

مُنذ أواخر التسعينات، تشتغل بيبي على تطوير النسيج التقليدي والحرف اليدوّية، مُتيحة بذلك الفرصة للآلاف من الأشخاص للخروج من دائرة الفقر بفضل «أناملهم السحريّة».

أجرت المقابلة  كريستا بيكات (اليونسكو)  وياسمينا شوبوفا

 

الموضة هي غرامك وموهبتك الأصلية، لكنك اشتهرت أولا كعارضة أزياء. كيف  وصلت فتاة أصيلة بنغلاديش إلى مدرسة لتصميم الأزياء في لندن؟

في بيتنا، كانت والدتي هي التي تُخيط كل ملابسنا. لم تشتكي شقيقاتي أبداً من ذلك، أمّا أنا فلم أكن راضية تماماً. وحين بلغت سنّ العاشرة، اشترى لي والدي آلة خياطة. في مثل ذلك السن، يصعب استعمال المقص بدقة، لكني انهمكت في الشغل دون ارتياب.

ولما بلغت الخامسة عشر أو السادسة عشر من عمري، أهداني والدي كتاباً عن دار الأزياء شانيل. ومن هنا، اكتشفت تصميم الأزياء الراقية في فرنسا وأدركت أنّ للموضة قواعدها. فأردت تعلّمها. بين سن السادسة والثانية عشر، كُنت قد حصلت على عدة جوائز فنيّة، لكنّي لم أكن مولعة بفن الرسم. كانت تراودني فكرة أخرى وهي الذهاب إلى لندن والاستقرار فيها. وبعد أن رفضت كلّية لندن للأزياء ترشحي طوال ستة أشهر، وافقت في النهاية على تسجيلي بشروط عدّة.

بعد أن قضيت نحو عشرين عاما في الغرب، حيث مارست مهنة عارضة أزياء بتألق، عدت إلى بنغلاديش سنة 1994. ما الذي دعاك للعودة؟

كان لديّ حُلم منذ الصغر. لم أكن أفهم لماذا يُعتبر الشعب البنغالي فقيراً، في حين أنني أرى البلد زاخرا بالألوان والموسيقى! ورافقني هذا الحُلم إلى أوروبا. وذات يوم، شعرت بأنني مستعّدة  ذهنياً وجسدياً للعودة إلى دياري.
كُنت مقتنعة بأنّ سكان بنغلاديش يحتاجونني بقدر ما أحتاجهم: لا تصفق يد بمفردها. واليوم، وقد اكتسبت أكثر من عشرين عاما من الخبرة، أعلم أن اختياري كان صائبا. هم يعرفون أننّي أكنّ لهم كل الاحترام وأساعِدهم على استعادة كرامتهم الإنسانيّة. هذا هو أهم ما في الأمر. ومن ناحيتهم، يغمرونني بالكثير من الحب والموّدة، مما يزيد من عزمي على المُضي قدماً. لا شيء في الدنيا قادر على إبعادي من هذا العمل.

كنت دائما مخلصة لبلدي. بقي والداي في بنغلاديش، وكنت أعود بانتظام لزيارتهما لما كُنت أعيش في الخارج. ولدت في بنغلاديش وأمضيت فيها طفولتي. ولفترة الطفولة تأثير كبير على حياتنا.

لديّ عائلة رائعة. وقد علّمني والداي أن أقدّر ثقافتنا وكذلك ثقافات الغير. كانت بنغلاديش جُزءًا من الهند التي كانت تحكمها الإمبراطورية البريطانية وامبراطورية المغول. وبفضل التربية التي وفرها لي والداي، تعلّمت الكثير عن الهند الكبرى وعن ثقافات البلدان الأخرى. أعتقد أنّه يجب على الآباء أن يبذلوا أكثر جهد لنقل  ثقافتهم وتقاليدهم لأطفالهم،  حتى لا تندثر.

عندما عدت إلى بنغلاديش، فتحت مشغل خياطة صغير، توسّع في ما بعد ليصبح سنة 1995 شركة بيبي للإنتاج. مُعظم النسّاجين يشتغلون في القرى. لماذا قرّرت تأسيس شركتك في العاصمة دكّا؟

ليس لديّ سوى مكتب واحد في دكّا. أحتاجه حتى أبقى على اتصال بالعالم. لكنّني أمضي نحو 99،9٪ من وقتي في القُرى. فنحن نعمل مع حرفيين في أنحاء مختلفة من بنغلاديش. هم ليسوا من الفئة المتميزة، لكن كل واحد منهم - بدءًا من الشخص الذي يعدّ الشاي في مكتبي - يشعر أن بيبي للإنتاج هي بمثابة بيته.

لقد أنشأت شركة بيبي للإنتاج لأجل شعب بنغلاديش، وأعتبر أنها تنتمي لهذا البلد.

كيف تحددين فلسفة بيبي للإنتاج؟

إن شركة بيبي للإنتاج ليست مؤسسة غير ربحيّة، لكنّ الأرباح التي تحقّقها ضئيلة جداً. هدفنا هو إنقاذ الصناعات التقليدية وإحيائها، ودعم الحرفيين وتحسيسهم بأهميّة التعليم والصّحة.

إن التقدم الذي تحقق منذ إنشاء بيبي للإنتاج سنة 1994 واضح للعيان. كُلّ الذين يعملون في الشركة، نساء ورجالا، سواء كانوا في المقر الرئيسي أو في القرى، ليس لديهم أكثر من طفلين أو ثلاثة أطفال. هم تعلموا التصرف في مداخيلهم المالية بطريقة أفضل، فتحسّن مُستوى معيشتهم. والآن وقد نجوا من الفقر، أدركوا أهميّة إرسال أطفالهم إلى المدرسة. إن التعليم والصّحة هما العمود الفقري لأيّ اقتصاد في أيّ بلد.

كم تشغّل مؤسّسة بيبي للإنتاج من شخص؟

نشغّل حوالي ثلاثين شخصاً في المقر الرئيسي، آتين من أنحاء مُختلفة من بنغلاديش. البعض منهم كان يعتقد في بادئ الأمر أنّه يفتقد للمهارات والمعرفة الضرورية للعمل. لكنني قادرة على التعرّف على الأذهان المنفتحة.

إضافة إلى ذلك، نتعامل مع آلاف الحرفيين. لا أستطيع تحديد عددهم بالضبط، لكنه يبلغ نحو 100.000 شخص. هل يبدو لك هذا العدد كبيرا؟ إنّه لا يمثل حتّى 1٪ من النسّاجين في البلاد! أتمنى أن أقول يوما في قرارة نفسي إنني تسلقت أولى درجات السلم قبل أن توافيني المنية. بقي الكثير مّما ينبغي إنجازه.

في بلدان مثل الهند وبنغلاديش وفي منطقة آسيا الوسطى، تُمثل الزراعة أهّم قطاع في الاقتصاد. ويعيش كل من المزارعين والحرفيّين جنبا إلى جنب. أنا أتعامل مع أناس يصنعون الأشياء بأيديهم. الهدف الذي أسعى إليه هو استخدام الموضة في سبيل  التنميّة.


بيبي راسل رفقة حرفيّات من راجستان، في الهند

كيف بدأت فكرة «أزياء في سبيل التنمية»؟

كان ذلك في سنة 1996 عندما أقمت أوّل معرض لي في مقرّ منظمة اليونسكو. نادراً ما توفر وكالات الأمم المتحدة الدعم لمصمّمي الأزياء، إلاّ أنّ اليونسكو أقرّت بالصلة بين الموضة والتنمية والتعليم والصحة. وأحرز المعرض الذي احتضنته اليونسكو بتغطية إعلامية واسعة إذ بثته تسعة وعشرون قناة تلفزيونية من جميع أنحاء العالم. وحظي بدعم من فيديريكو مايور، مدير عام اليونسكو آنذاك، وملكة إسبانيا. وإذا كانت وسائل الإعلام قد صنعت مني عارضة أزياء شهيرة، فإن هذين الشخصين اللذين وثقا بي منذ البداية، منحاني دعماً لا يقدّر بثمن في حياتي المهنيّة كمصمّمة. كما تلقيت الكثير من الدعم على الصعيد الدولي. ومنذ ذلك الحين، دُعيت إلى جامعات عالمية مرموقة أصبحَت تهتم بموضوع الموضة في سبيل التنميّة، وكذلك إلى المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أدرك أهميّة الاقتصاد الإبداعي والاقتصاد الاجتماعي.

في عام 1999، عينتك اليونسكو «مصمّمة في سبيل التنميّة». ثم في 2001، «فنّانة من أجل السلام». ماذا يعني اعتراف اليونسكو في نظرك؟

ما أنا عليه اليوم هو بفضل اليونسكو. وبفضل ما أنجزتُه، أدرك الناس أنّ بنغلاديش ليس فقط مغمور بالمشاكل، بل هو أيضاً بلد رائع.
بعد أن تمّ تعييني «مُصمّمة في سبيل التنميّة»، عُدّت إلى بلادي وأظهرت الشهادة للنسّاجين. قُلت لهم إنّ الشهادة ليست لي فقط، بل هي لهم أيضاً. إذا أردت تغيير طريقة تفكير الناس، لا بد أن تحترمهم أوّلا.

إن أيّ اعتراف يمنحك القوّة. لقد تم تعييني أُستاذة شرفية في جامعة الفنون بلندن اعترافا بمُساهمتي في تطوير النسيج. كما حصلت على جائزة مرموقة من الأكاديمية البنغالية، وهي مؤسّسة وطنية بنغلادية أُنشئت في عام 1954 بهدف صيانة لغتنا على غرار نموذج الأكاديمية الفرنسية. وقد أشاد أيضاً أكبر المصمّمين في العالم  بجهودي لصالح التنميّة. هذا الاعتراف الدولي يُساعدني كثيرا في سعيي لجعل الموضة في خدمة التنميّة.

ما هي خصوصياتك كمصمّمة أزياء؟

كلّ ما تنتجه بيبي للإنتاج هو طبيعي ومصنوع يدوياً. أنا لم أستعمل أبداً الأقمشة الاصطناعية ولا الألوان الكيميائية. لا أعني أنه يجب أن  يرتدي الناس ملابس من مواد طبيعية ومصنوعة يدوياً طوال الوقت، ولكن إذا كان لديهم أربعة أو خمسة منها، ليرتدوها بقدر الإمكان!

إن التصاميم التي ابتكرها مستوحاة من الرسوم التقليدية. وبالطبع، أقوم بتغيير الألوان وتبسيط التفصيل، لكنّي أبقِي على التقنيات التقليدية في نسج القطن أو الحرير.

تعد الأغراض الإضافية والأوشحة من بين المبيعات الأكثر رواجا. أساوري مصنوعة من صفير الماء، وهي نبتة منتشرة على نطاق واسع في بنغلاديش. وتقوم بإنجازها نساء تعيش في ست قرى. وقام الممثل الإسباني الشهير أنطونيو بانديراس بالترويج لمناديل «غاموشا» (مناديل قطنية يستعملها الفقراء). لذلك أنا لستُ بحاجة إلى إنفاق المال على الدعاية. ولن أفعل ذلك أبدا لأن بيبي للإنتاج مشروع ممّول ذاتياً، ومئات من الناس يعتمدون على عملي لكسب لقمة العيش.

كيف تطوّر نشاطك؟

عندما بدأت العمل في كمبوديا، انطلقت في إعادة تدوير المواد المستهلكة، واليوم أصبحت خبيرة في هذا المجال! في بنغلاديش، أنتج من كل ما يلقي به الناس.

كما استوحيت من فن الرسم البنغالي «ريكشو» لصُنع إطارات النظارات مثل التي  أرتديها شخصياً.

لكن «الثورة» الحقيقيّة جاءت مع الأزياء الخاصة بالشباب. نصنع سراويل الجينز بألوان مُختلفة، والساري من طراز جديد، وأقمصة عصرية...

كيف توفقين بين حياتك العائليّة وأنشطتك المهنيّة؟

أعرف الحياة الزوجية، ولديّ طفلان. لمّا كانا في سن 9 أو 10 سنوات، شرحت لهما أن لدي حُلم لا بد أن أحققه حتى لا يصيبني الإحباط. اليوم وقد تُوفيّ والداي واستقر أطفالي في الخارج، لا أشعر أبدا بالعزلة، بفضل الحرفيين الذين يحيطون بي. هم ناس بسطاء يحتاجون إلى أُجورهم في اليوم الأوّل من الشهر لتسديد مبلغ الإيجار. هم لا يمثلون عائلتي، لكنّهم أهم شيء بالنسبة لي.

ومُنذ عودتي إلى بنغلاديش، جمّعت أطفال الشوارع وقدمت لهم الدعم المالي شريطة أن يذهبوا إلى المدرسة. أصبحت ضامنة لهم لدى مدارس المنظمات غير الحكومية، حيث لا يُقبل عادة أطفال الشوارع. وقد فاق عددهم إلى حد الآن مائة طفل! إنهم مصدر فرحي كلما جئت إلى دكّا.

تنشر رسالة اليونسكو هذه المقابلة مساهمة منها في الاحتفال  باليوم العالمي للتنوّع الثقافي من أجل الحوار والتنميّة، في 21 مايو