<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 10:45:30 Jun 23, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

Featured articles

نحو حلف اجتماعي جديد في أمريكا اللاتينية

cou_03_20_batthyany_website_1.jpg

أداء فنّي لفتاة من الشيلي ضمن تظاهرة نسوية للاحتجاج على العنف الأبوي، بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، في 25 نوفمبر 2019

كانت التداعيات الاجتماعية للأزمة الصحية على سكان منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي وخيمة، سواء من حيث تراجع الدخل الفردي، أو الانقطاع عن الدّراسة، أو تنامي القطاع غير الرّسمي، أو الارتفاع الحادّ للبطالة. ومن أجل تفادي اتّساع التفاوتات الاجتماعية وعدم المساواة، تدعو كارينا باتثيانا إلى إقامة نظام اجتماعي أكثر تضامناً وأكثر عدلاً.

الدكتورة كارينا باتثيانا

 الأمينة التنفيذية لمجلس أمريكا اللاتينية للعلوم الاجتماعية، والأستاذة بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الجمهورية، أوروغواي

  

أسفرت جائحة الكورونا عن تداعيات، غير مسبوقة، على الحياة اليومية لسكان منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي. وترتّب عن ذلك أضرار بالغة لحقت بالأُسر المتدنية الدّخل. وعمليا، فإن حالة الطوارئ الصحية التي أُعلنت لمواجهة مرض كوفيد ـ 19 أربكت توازنات الأنماط المعيشية العادية.

ففي هذه المنطقة، أفضى هول الأزمة إلى إعادة فتح النقاش حول دور الدولة والسياسة بصفة عامة، والسياسات العمومية بصفة خاصة. وفي حين يتحدّث البعض عن اقتراب شبح نهاية البشرية، يذهب البعض الآخر إلى أن لا شيء سيتغير. أما المؤكّد، فإننا نجتاز مرحلة انتقالية نحو مجتمعات سوف تشهد تعديلا، في بعض من جوانبها، على المدى القصير والمتوسط، في منطقة أمريكا اللاتينية.

فوفقاً لتوقّعات اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية، سيشهد الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي انخفاضا بنسبة 5،3% عام 2020، وهو أسوأ كساد عرفته أمريكا اللاتينية منذ قرن.  كما يُتوقّع زيادة كبيرة في نسبة البطالة (12 مليون عاطل) في المنطقة، حيث يضم الاقتصاد غير الرسمي 53% من الوظائف. وتمثّل هذه التوقعات مصدر قلق بالغ عندما نعلم أن عدد البلدان الأمريكية اللاتينية التي تمنح استحقاقات البطالة قليلة، وهي، إلى حدود 2019، الأرجنتين، والبرازيل، والشيلي، وكولومبيا، والإكوادور، حيث أقرّت إجراءات تأمين ضد البطالة بالنسبة للعاملين في القطاع الرسمي.  

الأشخاص الأكثر فقراً هم الأشدّ تضرراً

بالنظر إلى أوجه عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة، كانت تداعيات البطالة متفاوتة من حيث الضرّر الذي لحق بالفقراء والفئات التي تعاني من الهشاشة نسبة إلى أصحاب الدخل المتوسط. كما أنّ الوطأة كانت أشدّ على النساء.

ومن ناحية أخرى، من المنتظر أن تفضي الأزمة إلى تضخّم العمالة غير الرسمية التي يلجأ إليها جزء من السكان من أجل البقاء. وقد تُضطرّ الأُسر الأكثر فقراً إلى الدّفع بأطفالها إلى سوق العمل. ويُتوقّع ارتفاع نسبة الفقر بـ3,5%، و2,3% للفقر المدقع (اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية 2020).

وأبرز انهيار النُّظُم الصحية في كثير من البلدان ضرورة تعزيز النظام الصّحي الشّامل مع ضمان الجودة، وتوفير الموارد الضروريّة لمواجهة أوضاع الأزمة، ومقاربة قضيّة الصحّة من خلال رؤية شاملة، مع مراعاة الوضع الاجتماعي الاقتصادي للأشخاص، والحرص على جودة الحياة.

لقد ترتّب عن النّموذج الاقتصادي الحالي تفاوتات كبيرة وتمركز مشطّ للثّراء. وفي غياب دولة الرّعاية الاجتماعية الشّاملة، يظلّ الحصول على الخدمات الاجتماعية امتيازاً في المنطقة. فقبل أزمة الكورونا، كان الوضع يطرح، بطبعه، إشكالا كبيرا، أمّا اليوم فقد أصبح قضية حياة أو موت، ولا بدّ من إعادة التّفكير في السياسات الاقتصادية، وتوفير فرص العمل اللاّئق، واحترام الحقوق الاجتماعية الكونية.

دخْلٌ لكلّ مواطن

إن السياق الحالي يفسح مجال النّقاش حول ضرورة إقرار دَخْل لكلّ مواطن في المنطقة. فالحصول على المواد الأساسيّة شرط ضروري لاكتساب مواطنة ديمقراطية تضمن كرامة الأفراد. وتُعتبر منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي المنطقة التي تشهد أعلى نِسَبِ تفاوتٍ اجتماعي في العالم، وقد تزيد الأزمة الصحية في تفاقم هذا الوضع.

وأخيراً، من المهمّ تحليل تأثيرات حالة الطّوارئ الصّحية على مظاهر اللّامساواة حسب نوع الجنس، لا سيّما في علاقة برعاية الأطفال والعناية بالمسنين، والتي يمكن اعتبارها من باب التقسيم الجنسي للعمل.

وقد تبيّن أن العزل، أو الحجر الصحي، بقدر ما كان تدبيراً مجديا في مكافحة مرض الكوفيد ـ19، فقد أربك الديناميكيات المهنية، والمنزلية، وفي مجال رعاية الأطفال والمسنين، مما ألحق الضّرر أساساً بالعاملين والعاملات في القطاع غير الرسمي، والأطفال، والنساء. لقد كان من تبعاته زيادة عبء الأعمال المنزلية إضافة إلى رعاية الأطفال والعناية بالمسنين، وهي مهام تشكّل الركائز التي تستند إليها الأُسر، فضلاً عن أنها أتاحت للعالم مواصلة العيش عبر التاريخ.

النساء أكثر الفئات عرضة للهشاشة

وفقاً لأرقام منظمة العمل الدولية، تشتغل 126 مليون امرأة في القطاع غير الرسمي في أمريكا اللاتينية والكاريبي، أي ما يعادل نحو نصف عدد النساء في المنطقة. وهو وضع يتّسم بالهشاشة، والدّخل المتدني، والافتقار إلى الآليات الأساسية للحماية.

فالعمل غير الرّسمي منتشر على نطاق واسع في العديد من بلدان المنطقة. ففي بوليفيا، وغواتيمالا، والبيرو، يشغل 83% من النساء وظائف غير رسمية ولا يتمتعن بأيّ تغطية اجتماعية ولا بالحماية بمقتضى قانون العمل. ويعمل ما يقارب 40% من النساء في قطاعات التجارة، والمطاعم، والفنادق، والأعمال المنزلية، وهي القطاعات الأكثر تضرّراً والأقلّ حماية في ظلّ الأزمة الحالية.

وتبعاً لذلك، فإن جزءاً كبيراً من نساء أمريكا اللاتينية لن يحصلن على دخول في ظرف صعب للغاية، مما قد يزيد من هشاشة ظروفهنّ المعيشية. وتُعدّ أمريكا اللاتينية،حاليا، 132امرأة يعانين من الفقر المدقع مقابل كل 100 رجل. 

"حلف اجتماعي" جديد

من نتائج إجراءات العزل، في المنطقة، زيادة العنف المرتبط بنوع الجنس. فالمعلوم أن الهشاشة الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعي يؤدّيان إلى تفاقم ممارسات العنف في المحيط الأسري. وبقدر ما يَعتمد إجراء التباعد الاجتماعي والعزل على اعتبار البيت المكان الأكثر أمانا، فإنّ الأمر مختلف تماما بالنسبة لعديد النساء والأطفال.

أمام هذه التحديات، يتعيّن، في الأخير، إقامة "حِلف اجتماعي" جديد يقوم على الاعتراف بالتّضامن والتّرابط باعتبارهما قيمتين أساسيتين لإنشاء نظام اجتماعي أكثر عدلاً في المنطقة. وقد أبانت هذه الأزمة، بوضوح، التبعات الناجمة على تحويل الموارد العمومية والمشتركة إلى سلعة على ظروف العيش. كما بيّنت، بجلاء، أنّ الدّول لم تنته، وأنّ عليها الاضطلاع بدور رئيسي في تنفيذ السياسات التي من شأنها تغيير الواقع على نحو فعال. 

 فالمطلوب وضع سياسات عمومية قادرة على مواجهة التحدّيات، التي ما فتئ يؤجّل تنفيذها، وإنشاء حماية نُظُم شاملة تركّز على الأشخاص بدلاً من السوق، وتمنح مكانة محورية للحياة والرعاية. وإنّ رفع هذا التحدّي يتطلّب من الدولة، ولاسيما الدولة الاجتماعية، الاضطلاع بدور رئيسي، كما يتطلّب تعزيز التّعاون الإقليمي والدّولي الذي بات ضرورياً أكثر من أيّ وقت مضى.

 

قراءات تكميلية

شطارة وإبداع في شوارع كينشاسا، رسالة اليونسكو، أبريل، مايو 2019

لاغوس، عاصمة "الشطارة"، رسالة اليونسكو، يونيو 1999

فخاخ الاقتصاد غير الرّسمي، رسالة اليونسكو، يونيو 1996

عمالة الأطفال في العالم، رسالة اليونسكو، أكتوبر 1991