<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 11:24:49 Jun 27, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

المتاحف: إسهام في تعافي العالم

cou_03_20_tallant_website.jpg

الفضاء التفاعلي آرت لاب بمتحف كوينز، حيث يدعى الزوّار إلى التّفاعل مع مواضيع المعارض المقترحة من خلال مساهماتهم الإبداعية وتقديم آرائهم، 2019

أمام الإكراهات الجديدة المرتبطة باستقبال الجمهور وإعادة تعريف صلاتنا بالفن والثقافة، يسعى متحف كوينز بنيويورك، مثله مثل العديد من المؤسّسات الأخرى في العالم، إلى استنباط نموذج جديد من المتاحف، والتفكير في مقاربة شاملة تضع الفنانين والمُربّين والسّكان في قلب أنشطته.

سالي تالانت

رئيسة ومديرة متحف كوينز بنيويورك (الولايات المتحدة) 

لقد أغلقت عديد المتاحف أبوابها في جميع أنحاء العالم بسبب تأثير جائحة كوفيد-19، وهو ما أجبر هذه المؤسسات على التكيّف بسرعة مع المستجدّات لتظلّ تشتغل عن بعد، وتبقى قابلة للزيارة دون الدخول إلى مبانيها. فدَوْر الثقافة والمتاحف في مجتمعنا يشهد تطورا سريعا، وأصبحت المحتويات الرّقمية معطى أساسيا للحفاظ على وفاء الجمهور المعزول في منازله. وقد تؤدّي التحدّيات التي تطرحها ضرورة التكيّف مع ظاهرة انخفاض عدد الزائرين، والتّباعد الاجتماعي داخل المتاحف، وضمان سلامة العاملين والجمهور، إلى تعديل جذري في العملية الثقافية، وهو ما يتطلّب اتخاذ قرارات سريعة في هذه الأوقات المتقلبة.

على الصعيد العالمي، يعمل المسؤولون الثقافيون على تبادل المعلومات والمعارف، وهناك شعور حقيقي بالانتماء إلى مجموعة واحدة، وسعي إلى الدعم المتبادل، والتعاون، رغم الصعوبات التي يواجهها كلّ منّا. وتُعقد اجتماعات منتظمة في نيويورك، سواء كانت ضمن مجموعات صغيرة أو تجمعات أكبر. كما يجتمع يوميًا أكثر من 200 شخص من منظمات ثقافية مختلفة لتبادل المعلومات والقيام بمساع مشتركة. ونحن نعمل، جميعا، على استنباط وسائل مبتكرة لإنقاذ مؤسساتنا، والحفاظ عليها، وإلهام مجتمعاتنا محليًا وعالميًا. 

تغيير النموذج

طالما لم تعد الحياة إلى مجراها الطبيعي، سيتمّ تفضيل المتاحف الكبيرة، التي تتمتّع بهبات هامّة وتحتوي على مجموعات كبيرة يمكن الاستفادة منها، على المتاحف الصغيرة التي تعتمد على مساهمات المانحين المرشحين بدورهم إلى تكبّد خسائر فادحة. وستقوم جميع المتاحف بفحص دقيق لمصادر دخلها. وسيتعيّن على المتاحف الكبيرة التي تعتمد على السياحة ورسوم الدخول تغيير نماذجها في حين أنّ المتاحف الصغيرة ستكون المُستفيدة من هذا الوضع؛ فنحن أكثر مرونة وقدرة على التأقلم، ومُتعوّدون على العمل بميزانيات ضعيفة، كما أننا أكثر إصغاء إلى حاجيات السكان المحليين والمجتمعات المحلية.

فنحن نتطلع إلى المستقبل في نفس الوقت الذي نواجه فيه التحديات في عالم متغيّر جذريا جرّاء جائحة الكوفيد. لقد كانت الكوينز، الدّائرة الأكثر تنوعًا واختلاطا في المدينة، بؤرة الجائحة بنيويورك. وهي المكان الذي يقع فيه المتحف، والذي يأوي أكثر الأحياء هشاشة، ويقطنه عدد كبير من عمالنا القاعديين – من سوّاق سيارات الأجرة، ومزوّدي المتاجر الكبيرة، وطبّاخين، وموزّعي الطعام- أي العاملين في اقتصاد المهن الصغرى التي غالبا ما لا تتوفّر فيها التغطية الصحية، ولا امتيازات الوظيفة، ولا الحماية من الطرد. كما أنّ الكثير منهم مهاجرون غير حاملين لوثائق رسميّة، ولا يستطيعون البقاء في منازلهم دون عمل.

إنّه الإفلاس السياسي الكامل من حيث الموارد والرعاية الصحية العادلة، وهو ما أنتج مجتمعًا فاقدا للتعاطف والمساعدة، واحترام الناس، ومراعاة التنوّع، وجعل التجمعات العماليّة في أحيائنا تعيش معاناة لا تطاق.

لقد أصبحنا نعيش حالة هشاشة ملموسة، ونواجه العديد من الأسئلة عن كيفية إعادة الجمهور إلى المتحف؟ والاجراءات الواجب اتّخاذها لجعل فضاءاتنا آمنة بالنسبة لأعواننا وللجمهور؟ ونحن نعمل مع الجماعة المحلية، بمعية زملائنا في دائرة كوينز، من أجل الاهتداء إلى الحلول المجدية والضرورية. فعلينا أن ننهض ونستعيد التواصل بيننا وأن نتعافى. وعلينا أن نتعلم معًا كيف نخلق فضاءات منتجة ومبهجة، وتلبّي في نفس الوقت حاجيات الجماعات المحلية. 

إحياء المجموعات المتحفية

إن تاريخ متحف كوينز وموقعه يمكن أن يساعدانا على ابتكار نموذج لمتحف متلائم مع المستقبل، وتطوير استراتيجيات لدعم الفنانين والمُربّين وجماعاتنا المحلية. فمجموعتنا التي تحتوي على أكثر من 13.000 قطعة تسمح بتقديم سرديات من شأنها مساعدتنا على إضاءة المستقبل باستعمال لقايا من الماضي. وسنعمل على دعوة فنانين، وحفاظ متاحف، وجمهور لتنشيط المجموعات المتحفية وإحيائها بهدف عرضها وتقديمها.

تأسس المتحف عام 1972، ويقع في بناية نيويورك سيتي، وقد شُيّد بغاية إيواء جناح مدينة نيويورك بمناسبة إقامة المعرض العالمي 1939-1940 الذي انتظم خلال فترة الكساد الكبير (1929-1939). وقد تم تصميمه ليكون مشروعا تثقيفيا يتناول موضوعه "عالم الغد"، ويعبّر عن التفاؤل والأمل في المستقبل. وفي فترة ما بين سنتي 1946 و1950، كان المبنى يأوي الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، المنبعثة حديثًا، قبل انتقالها إلى المقر الحالي للأمم المتحدة في مانهاتن.

فهذا المبنى شاهد على عديد القرارات المهمة التي اتُّخذت في رحابه ومن بينها تأسيس منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وإحياء لهذا التاريخ، شرعنا في تصميم متحف للأطفال مستوحى من تاريخ الأنشطة الترفيهية والألعاب الموجودة في الحديقة المُحيطة وداخل المبنى الذي كان يضم، سابقا، حلبة تزلج على الجليد.

كما يمكن الاستلهام من الاستراتيجيات السابقة المتمثلة في دعوة الفنانين للعمل مع المجتمعات المحلية وصلب المنظمات للتأكيد مُجدّدا على مدى أهمية الثقافة والفنون في النهوض بالمجتمع. وسنحتاج في ذلك إلى خطط مالية وإجراءات ضريبية جديدة للمساهمة في هذا المشروع.  

الكتّاب والمهندسون المعماريون والمصمّمون مدعوون للمساهمة

بمناسبة المعرض العالمي لسنة 1939، تم تنفيذ العديد من المشاريع في إطار برامج المساعدة على التشغيل ضمن الصفقة الجديدة (النيوديل) للرئيس فرانكلين د. روزفلت، والتي سمحت بخلق مواطن شغل في أعقاب فترة الكساد الكبير، لا سيما في مجال الإنتاج الفني. كان الفنانون يتلقون طلبات تكليف بالمباني الحكومية والمراكز المجتمعية والمؤسسات، استنادا إلى برامج متنوّعة سمحت بخلق فرص عملٍ لآلاف الفنانين على مرّ السنين. وما زالت هذه المبادرات وهذه السرديات مصدر إلهام لأجيال من الفنانين والمسؤولين في الولايات المتحدة.

واليوم، نحن نواجه احتمال انتشار واسع للبطالة، وركود اقتصادي في الأفق، وأزمة لاجئين متزايدة، إضافة إلى أزمة صحيّة عالمية. لذا يتعيّن علينا أن نتعلّم كيف نعيش ونعمل في عالم يتغيّر باستمرار، وكيف نواجه معا الحداد الجماعي - حداد على الأحبّة، وعلى فقدان المساكن بسبب الأزمة المناخية، وعلى نهاية نمط حياة معيّن.

ماذا تعلمنا؟ وماذا تعني إعادة ابتكار متحف جديد؟ وما هي الأدوات التي نحتاجها لإنشاء منظمات ملائمة ومجدية؟ نحن في متحف كوينز، سوف نحتضن لحظة التساؤل والشكّ هذه على أمل أن نجد المساعدة لدى الفنانين، والكتاب، والمصمّمين، والشعراء، والمهندسين المعماريين لنغير من أنفسنا. فنحن نعمل على تطوير نموذج متحف يضع الفنانين، والمُربّين، وخبراء التنظيم، في قلب أنشطته. سنعمل بالتشاور مع الشركاء في مجالات الثقافة والتربية والمجتمعات المحلية، وسنخلق الظروف الملائمة لدعم إنتاج الأعمال والأفكار والتعاون المشترك. سوف ندعو فنانين من مجتمعاتنا المحلية، ونُوفّر لهم الورشات، والدعم، والموارد، والمساعدة الفنية، والمرافقين، من أجل إرساء حوار بين الأجيال وبين الأمم. وسوف نبتكر الطريقة التي تُمكّن المتحف من الاشتغال مع التركيز على الإنتاج المحلي وداخل أحيائنا.

إنّ التربية هي من صميم عملنا، لذا سنواصل استنباط محتويات رقمية يتم إرسالها انطلاقا من المتحف، إلى جانب بعث وتنظيم لقاءات ودّية نحن في أشدّ الحاجة إليها. فمجال عملنا سيكون مركّزا بقوّة على المحلّي، وكذلك الدولي. 

التواصل عن طريق الفن

من تقاليد منطقة كوينز أنها متعددة الثقافات حيث يتحدّث سكانها أكثر من 160 لغة. هذا التنوع سوف ينعكس في الفنون التي سيتم إنتاجها، وفي مجال التربية والتعاملات الاجتماعية التي سيتمّ إرساؤها. وفي الوقت ذاته، سننشر هذا الإنتاج رقميا مع تقديم وصف للتظاهرات المقامة في المنطقة، وعرضها على جمهور عالمي –حيث منشأ وأصول المجتمعات المحلية القاطنة بمنطقة كوينز، إلى جانب إقامة حوار مع أحياء ومدن أخرى عبر العالم ذات الثقافات المتنوعة.

تقول الكاتبة الأمريكية أورسولا ك. لو جوين في رواية لها من جنس الخيال العلمي، نُشرت سنة 1969 بعنوان يد الليل اليسرى: "الشيء الوحيد الذي يجعل الحياة ممكنة هو ذلك الشك الدّائم الذي لا يُحتمل، ألا وهو عدم معرفة ما ينتظرنا".

فهل نحن نعيش اليوم في ذلك المستقبل المرعب الذي طالما خشيناه وصوّرته لو جوين بكثير من البلاغة؟ آمل أن نلتقي من جديد مع مجتمعاتنا المحلية، وأن نتمكن من التّعافي، ونُعيد استنباط فضاءاتنا الثقافية، وننسج، من جديد، روابط بيننا عن طريق الفن والثقافة. وأملي، أيضا، أن تكون هذه التجربة قد علّمتنا تجاوز شتى أنواع التباعد من خلال إيجاد طرق جديدة للتواصل، والتعاون، وتمتين علاقات الجوار، وبناء المجتمع المحلّي.

أعرف أن للمتاحف والثقافة دور هام في التعافي وإعادة البناء الّذيْن نحتاجهما جميعًا في الأشهر والسنوات القادمة، وإنّي لأتطلع بلهفة إلى الالتقاء من جديد بمجتمعاتنا سواء في كوينز أو غيرها من الأماكن. 

 

تعرّفوا على حركة "صمود الفن" (ريزيلي آرت)، وهي مبادرة من اليونسكو تهدف إلى دعم الصناعات الإبداعية والمؤسسات الثقافية التي تضرّرت كثيرا من الأزمة، وإلى تعزيز قدراتها على المقاومة من أجل البقاء. 

 

قراءات إضافية

المتاحف : زيارة موجّهة، رسالة اليونسكو، أبريل 2007

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني بالكامل.

تابع  الرسالة على: تويتر، فايسبوك، انستاغرام