<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 02:22:06 Sep 27, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

صوت بدون صورة

cou_01_20_radio_voix_website.jpg

في غياب الصورة، يعتمد المستمع على قوة إيحاء صوت المذيع.

بدون مشاهدة صورة المتحدث، يعتمد المستمع على ما يُمكن أن يُوحي به الصوت للدخول في عالم السرد الإذاعي، مما يؤدي إلى تصوّرات ذهنية تُسهل التركيز على ما يُقال.

بقلم إيما روديرو

يُثير الاستماع إلى صوت المذيع دون مشاهدته قدرا كبيرا من العواطف والمشاعر والصور الذهنية يعتمد عليها المُستمع، عن غير وعي، ليتخيّل ملامح المتحدث وما يُوحي به كلامه من تصورات. وكلّما كانت هذه التخيّلات أو الصور الذهنية عديدة وحيّة، كلما ازدادت معالجتها المعرفية ثراء. إن الصوت الإذاعي يُحدث بصمة سمعيّة دقيقة في ذهن المستمع، تتألف في الآن نفسه من تخيّل مادّي ومعنوي للمتكلم، ومن محتوى الرسالة. 

وعندما يُنصت المستمع إلى الإذاعة، يشعر وكأنه أصبح في علاقة مع المتكلّم فيَنغمس في أحاديثه. تلك العلاقة أو ذلك الانغماس، يَحدثان على المستوى النفسي مما يجعل المستمع يشعر بالارتياح من خلال صلته القوية مع المذيع ومشاركته في سياق السرد.

وبذلك، يستخلص المستمع صفات مختلفة تُميّز المذيع. وقد أظهرت بعض الدراسات أن المستمعين يتمتعون بقدرة فريدة على التعرف على سمات معينة، مثل السنّ، والجنس، والطول والوزن، رغم صعوبة في اكتشاف السّمتين الأخيرتين.

رسم صورة ذهنية

عندما نستمع إلى صوت ما، نرسم في أذهاننا صورة مادية دقيقة لصاحبها، بناءً على خصائصه الصوتية. خلال دراسة قمت بها سنة 2013 مع أولاتز لاريا، استمعتْ مجموعةٌ من المشاركين إلى خبر صحفي تمّ بثّه في الإذاعة وقُرِئ من قبل عدة أشخاص. واستمعتْ مجموعة أخرى إلى هذه الأصوات نفسها بعد مشاهدة صور قارئيها. فكانت النتيجة أن صرّح 73% منهم بأنهم تأثّروا بالصور التي شاهدوها، مؤكّدين أنهم لم يكونوا بنفس القدرة على استخدام خيالهم وأن الصور كان لها تأثير عليهم.

في المجموعتين، كان للمستمعين تصوّرا لقارئي الخبر، لكن بشكل مختلف. في المجموعة التي سمعت الأصوات دون مشاهدة الصور، 39% منهم تخيلوا المذيع، وفي المجموعة الثانية 18،5% فقط. وكان المشاركون من المجموعة الأولى أكثر انتباها وتركيزا، وبالخصوص، استوعبوا الخبر أحسن.

إن رسم الصورة ذهنيا شديد الارتباط بالأنماط التي تنقلها وسائل الإعلام، ولا سيما السينما. فصوت الشرّير في شريط سينمائي هو دائما جهوري وأجش. ولما نسمع صوت مذيع، فإننا نتصوره جميعًا بنفس السمات. وإذا كان الصوت ضعيفًا وحادًا، نتخيل شخصًا قصير القامة. وإذا كان لطيفا وجهوريّا، فإننا نتخيل شخصًا جذابًا، حتى لو كان هذا الوصف لا يتوافق دائمًا مع الواقع. لذلك كثيرا ما يستغرب المستمعون عندما يشاهدون صورة المذيع...

إن الخصائص التي نستنتجها من نبرة صوت ما تعتمد أساسا على معيار معين، وهو سُلّم النطق أو سجل الصوت، وهو عنصر أساسي من حيث الإدراك الحسي. والصوت الحادّ عادةً ما يكون مُقترنا بحالة ذهنية إيجابية، مثل النشوة أو الإثارة أو الفرح، ولكن أيضًا بحالة التأهب، مثل الخوف أو العصبية.

الأصوات الجهوريّة أكثر مصداقية

تُبيّن دراستنا أن المستمعين يعتبرون الأصوات الحادّة في الإذاعة أصواتا متوترة وبعيدة وباردة وضعيفة. أما الصوت الجهوري فكثيرا ما يكون مقترنا بإحساس الحضور الجسدي القوي والقامة الطويلة والبنية الضخمة والشعر الداكن. لكن العامل الأساسي الذي يبرر ميول المستمع للأصوات الجهوريّة هو أنها تبعث شعورًا بالمصداقية والنضج والهيمنة.

عندما ينصت المستمع  إلى صوت المذيع، يمكنه استنتاج مميّزات شخصيته وحالته العاطفية أو النفسية بدقة تُقدّر بنسبة 65%، وفقًا لدراسة قام بها كلاوس ر. شيرر نُشرت في مجلة جورنال أوف فويس سنة 1995. إن أصواتنا تعطي معلومات عن شخصيتنا. وبالتالي، فإن الأشخاص الذين يتكلمون بسرعة كبيرة غالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم عصبيّون أو منفتحون، في حين أن أولئك الذين يتكلمون بصوت خافت يعتبرون خجولين.

إن أسلوب المذيعين في استخدام أصواتهم له تأثير قوي على المشاعر وعلى النوايا المقصودة. فالأمر يتعلق بالشكل الحسّي للنطق أو لحن الكلام، ذلك المزيج الدقيق بين النبرة، واللكنة، وسرعة تدفق الكلام وفترات الصمت. في هذا الصدد، تتمثل القاعدة الأولى للمُذيع في تجنب التطرف: أي من ناحية الرتابة (التي تتميز بالتعديلات الضعيفة وسلّم مُنخفض) ومن ناحية أخرى الإفراط في الإثارة (تعدد التغيّرات الصوتيّة الحادة). إن النبرة الرتيبة ينتج عنها مباشرة فقدان الانتباه لدى المستمع. في المقابل، فإن النبرة المفرطة في الإثارة والمُفخّمة بشكل مُبالغ فيه، تتبع لحنًا حادًا ومتصاعدًا، يتكرر بتواتر منتظم. هذه النبرة واسعة الانتشار في الإعلانات الإشهارية ونشرات الأخبار الإذاعية.

بعيدًا عن هذين النقيضين، فإن أفضل استراتيجية تتمثّل في تعديل آثار الصوت، بين نبرة عالية لجلب انتباه المستمع في بداية الجملة، وصوت جهوري في النهاية للتأكيد على الخبر الأساسي.

وبفضل التدريب الصوتي الملائم، يمكن للمذيعين أن يُثيروا  في أذهان المستمعين صورا دقيقة وانطباعات، وإيصال النوايا والأحاسيس التي يرغبون في إطلاقها. ويبقى لنا إذن فقط أن ننساق مع أصواتهم كي نبني في مُخيّلتنا تصورات ذهنية، وأن نشعر بأحاسيس عميقة وننغمس كليّا في السرد.

 

اطلع على مقالات أخرى نشرتها رسالة اليونسكو حول الإذاعة.

إيما روديرو

أستاذة وباحثة في قسم الاتصال بجامعة بومبيو فابرا ببرشلونة (إسبانيا)، حيث تدير مخبر سيكولوجيا وسائل الإعلام. كما أنها مديرة مخبر مختص في تحسين مهارات الاتصال في مدرسة الإدارة ببرشلونة.