<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 12:07:31 Sep 28, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

الحدود: حاجز متحرك وغير مرئي لكنه حقيقة ثابتة

cou_03_20_schachar_website_site-artist.jpg

"بريمافيرا" (ربيع)، صورة بطريقة التحميض سيانوتيب، انطلاقا من صورة شاحنة بضائع مرّت بماسح الأشعة ×. وهنا، تُسائل الفنّانة، نوّال ماسون، تقنية التصوير الجديدة بواسطة تكنولوجيات المراقبة.

 

لم تعد الحدود، اليوم، مكوّنة بالضرورة من الطّوب والأسلاك الشائكة بل أصبحت شبيهة بحاجز متحرّك يعتمد على التكنولوجيات المُتقدّمة والقوانين لفرض قيود على تنقّل المواطنين. وقد زادت جائحة كوفيد-19 من حدة هذه الظاهرة.

آيِليت شاشار

مديرة معهد ماكس-بلانك للبحوث حول المجتمعات متعددة الأديان والأعراق في غوتنغن بألمانيا. آخر ما صدر لها: الحدود المُتغيّرة: الخرائط القانونية للهجرة والتنقل.

 

بعد سقوط جدار برلين، عام 1989، تنبّأ كثيرون بنهاية الحدود. لكن الواقع كان مختلفا تماما. فبدلا عن تلاشيها، شهدت الحدود في الواقع تغيّرات عميقة، وتطورت لتُصبح حاجزًا متحرّكا، ومنظومة قانونية متغيّرة باستمرار. فالحدود تحرّرت من قيود الخريطة، وأصبح بإمكانها أن تتمدّد خارج مجالها الترابي أو تتقلّص داخله. وقد خلق هذا الانفصال لسلطة الدولة عن أيّ استدلال جغرافي ثابت نموذجًا جديدًا يعرف بـ الحدود المُتحرّكة أو المتغيّرة.

والحدود المُتحرّكة ليست مُحدَّدة في الزمان ولا في المكان؛ فهي تتكوّن من حواجز قانونية أكثر منها مادية. وقد زادت الإجراءات المتخذة للتصدّي للجائحة العالمية في تسريع هذا التوجّه.

ففي يناير 2020، عندما في انتشرت في مدينة ووهان بالصين حالات التهاب رئوي فيروسي غامضة، تحرّكت، سريعا، الدول المجاورة التي سبق أن تعرّضت، بدورها، إلى أوبئة المتلازمة التنفسية الحادّة (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) وفرضت، إضافة إلى إجراءات الصحة العموميّة، حظر السفر للحدّ من الدخول إلى أراضيها.

بل أصبح بالإمكان تنظيم التنقّل انطلاقا من مراكز العبور الأجنبية الموجودة على بعد آلاف الكيلومترات. ففي كندا، مثلا، تم منع أيّ شخص –بما في ذلك مواطنيها– تبدو عليه أعراض كوفيد-19 من ركوب طائرة مُتّجهة إلى كندا. وبذلك تكون الدولة قد قامت بتوسيع حدودها من الناحية المفاهيمية والقانونية، بحكم تحويل أنشطة مراقبة الحدود نحو نقاط دخول تقع خارج البلاد، خاصة في أوروبا وآسيا.

واقع إلى الخيال العلمي أقرب

ومن اللاّفت للنّظر أنّ حوالي 200 دولة فرضت، في مايو 2020، نفس القيود على السّفر من خلال حظر الدخول إليها والخروج منها. ففي ذروة الأزمة، كان يعيش 91% من سكان العالم في بلدان فرضت قيودًا على السفر بسبب كوفيد-19. ولم يتطلب أي من إجراءات الحظر القانوني على الدخول (أو الخروج بالنسبة لبعض البلدان) إرسال كتيبة واحدة من الجنود إلى حدود الدولة أو استعمال كيس واحد من الأسمنت على الحدود.

وعوضا عن ذلك، قامت الحكومات بتغيير الحدود لتنظيم التنقل من خلال منع المسافرين قبل امتطائهم الطائرة، أو بعد وصولهم إلى وجهتهم - وذلك بإجبارهم، مثلا، على حمل أساور نظام التموضع العالمي. وقد ذكر بعض خبراء الأسفارأنّ بعض الأشخاص يفضلون تقضية فترة الحجر الصحي المسبق في بلدهم الأصلي.

من البديهي أن إدارة حركة المسافرين والهجرة ستتأثّر إلى حدّ كبير طالما لم يتوفّر اللقاح. وسنشهد أشياء من قبيل الخيال العلمي تتحوّل إلى واقع. فمطار بن غوريون الإسرائيلي، المعروف بنظامه الأمني ​​الصّارم، بصدد إرساء نظام تسجيل "مستمرّ" للدّخول لا يشغّل أيّ عنصر بشري. والهدف من ذلك إنشاء "ممرّات نقل خالية من فيروس الكورونا" و"مناطق" أو "فقاعات" معزولة تمكّن من استئناف السّفر داخلها. ولا يُسمح باستخدام هذه الممرات "المعقّمة" سوى للأشخاص المتمتّعين بصحّة جيدة.

مثل هذه التّطوّرات تثير أسئلة أخلاقية وقانونية بالغة الأهمية. فالصحّة ستصبح معطى لا يُقدّر بثمن، وشرطا مُسبقا للسفر. وتعمل بعض الدول على غرار التشيلي، وألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، على بلورة فكرة "جوازات الحصانة" التي تمنح حق المشاركة في الحياة العامة والتنقل بالنسبة للبعض، والتقليص منه للآخرين.

أنفاق ذكية وحدود بيومترية

لقد شرعت الحكومات، منذ ما قبل الجائحة، في اعتماد المراقبة البيومترية للهجرة على نحو متزايد، وهي عبارة عن تكنولوجيا "قادرة على معرفة كل شيء" على نحو غير مسبوق بهدف رصد كلّ فرد وتتبّع تنقلاته في كل مكان من العالم.

وبحكم التطوّر السريع لمعالجة البيانات الضّخمة وتزامنها مع إنشاء قواعد بيانات عملاقة لتخزين البيانات البيومترية للمسافرين، ستصبح أجسامنا بمثابة تذاكر دخول كلما توسّعت الحدود البيومترية أكثر. وها هي دول مثل أستراليا، والصين، واليابان، والولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، تفتح الطريق في هذا المجال. فمطار دبي الدولي وضع مشروعًا رائدا "للحدود البيومترية" - يُعرف باسم "الأنفاق الذكية"– ويتمثّل في التعرّف على الركّاب من خلال المسح الرّقمي لقُزحيّات عيونهم وتفاصيل وجوههم.

وتجسيدا لهذه المقاربة الأوروِيلية (نسبة إلى جورج أوروال)، يقع إعادة تعريف موقع الحدود، وطريقة اشتغالها، ومنطقها، لتمكين الحكومات، أو من يُمثّلها، من مراقبة المسافرين واعتراضهم في وقت مبكر، وبشكل مُتواتر، وعلى مسافة أبعد. هكذا، يتم تتبّع المسافرين أثناء مرورهم من عدّة نقاط مراقبة طوال رحلتهم.

وفي إطار الجهود المبذولة في إدارة الهجرة والتنقل، سيفرض الاتحاد الأوروبي، من هنا فصاعدا، "ترخيص سفر إلكتروني"، بما في ذلك للمُتمتّعين بالإعفاء من التأشيرة أو الحاملين لجوازات سفر مُتميّزة جدا على المستوى الدولي. وسيكون نظام المعلومات وتصاريح السفر الأوروبي، الذي سيُشرع في العمل به سنة 2022، بمثابة المركز الذي يمنح التراخيص المسبقة للسفر إلى الدول الست والعشرين التابعة لفضاء شنغان.

هذا المستوى الإضافي في جمع المعلومات المتعلقة بجواز السفر، يخلق حدودا متحركًة وشديدة الفاعلية لكنّها غير مرئية، كما أنّها قابلة للاشتغال في جميع أنحاء العالم قبل الإقلاع، وتتكيّف مع موقع المسافر وما قد يمثّله من مخاطر.

حدود نحملها في داخلنا

هناك، أيضا، مشاريع أخرى، مثل المشروع الرائد المُموّل من طرف الاتحاد الأوروبي تحت مسمّى آي بوردر كونترل iBorderCtrl، والذي يضيف بُعدا إلى التراتيب في مجال التنقل يقارب الخيال العلمي. فالمسافرون القادمون مطالبون بـ "إجراء حوار آلي مع مجسّد افتراضي (آفاتار) مدرّب على كشف الكذب". ثم يتم تخزين البيانات ضمن قواعد بيانات ضخمة مترابطة - بما يسمح للسلطات "حساب عامل المخاطر التراكمية لكل فرد".

هذا المعطى في قياس المخاطر سيظهر أثناء كل عبور للحدود، ويُمكن أن تترتّب عنه عمليات تفتيش إضافية أو حتى المنع من الدخول. وتتمّ برمجة المُجسّد الافتراضي آي بوردر كونترل للكشف عن "الإيماءات الدقيقة" (أو الانفعالات الفيزيولوجية) التي قد تكشف عمّا يمكن أن يضمره الشخص. وهناك ابتكارات مماثلة قد تكون جاهزة للتشغيل قريبًا في الولايات المتحدة، حيث يمكن لأنظمة الكشف، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، معاينة التغيّرات في تدفّق الدم أو في الحركات الدقيقة جدّا للعين. وبالتالي فإن حدود الماضي لم تعد مُتحرّكة فحسب، بل هي تضاعفت وتجزّأت. وفي واقع الأمر، فإنّ كل شخص أصبح "يحمل" الحدود معه.

هذه التطورات تنجرّ عنها تبعات كبيرة على حقوقنا وحرياتنا حيث أنّ التعامل مع الجسم البشري كأداة تساعد على تنظيم حركة التنقلات والمراقبة لم يعد من مشمولات الحكومات الوطنية وحدها بل أصبحت تشارك فيه، على نحو كبير، الشركات التكنولوجية الكبرى من خلال استخراج البيانات، وتحديد الموقع الجغرافي لأولئك الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس (دون موافقتهم في بعض الأحيان).

لكن هذه الأزمة أظهرت، أيضا، أن مستقبلًا آخر ممكن وغير بعيد عنّا، فقد أعلنت الحكومة البرتغالية مثلا، في علاقة بالتصدّي للجائحة، أن جميع المهاجرين الموجودين على أراضيها -بمن فيهم طالبي اللجوء- سيتمتّعون بنفس الحقوق التي يتمتّع بها المواطنون في مجال "الصحة، والضمان الاجتماعي، والاستقرار في الشّغل والسّكن، وهو ما يعتبر واجبا في مجتمع مُتضامن أوقات الأزمات". ومن ثمّة، فإن تقاسم نفس المخاطر في نفس المكان قد خلق شعورا بالمصير المشترك.

وعندما يأتي اليوم الذي نتوفّق فيه إلى محاربة هذا الفيروس القاتل على نحو أفضل، سيبقى علينا علاج آثاره الضارة وعوامل التمييز والاستبعاد الملازمة له.

 

قراءات تكميلية

الوجه الآخر للتّعامل مع الهجرة، رسالة اليونسكو، أبريل - يونيو 2019

هل أنّ تنقّل الأدمغة الأفريقية خيار أفضل من الهجرة، رسالة اليونسكو، يناير-مارس 2018

القلعة الأوروبية تُوارب أبوابها، رسالة اليونسكو، سبتمبر 2001

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فايسبوك، أنستغرام