<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 12:02:54 Sep 28, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

الشعوب الأصلية أمام محنة الأزمة

cou_03_20_degawan_website_photo_link.jpg

.بورتريه لامرأة موشومة وفق تقاليد كالينجا بكورديليرا الفلبين، في جزيرة دي لوزون

 

بقدر ما أبرزت الأزمة الصحية العالمية قدرة بعض المجتمعات المحلية الأصلية على الصمود، كشفت، بالخصوص، على مواطن الهشاشة لدى سكان هذه المجتمعات الذين يتعرضون للأمراض المعدية جرّاء ما يعانونه من فقر، وسوء تغذية، وقلّة استفادة من وسائل الرعاية الصحية. 

ميني ديغوان

مديرة برنامج الشعوب الأصلية والتقليدية في منظمة المحافظة الدولية بالولايات المتحدة

 

عرفت الشعوب الأصلية، منذ القديم، كيف تعزل نفسها عن بقية العالم كلّما ما اقتضت الظروف ذلك. ففي منطقة كورديليرا بالفلبين، على سبيل المثال، هناك ممارسات -تعرف بـ أوبايا أو تينغاوـ يتعاطاها السكان بانتظام في أوقات محدّدة من الدّورة الزّراعية بهدف إتاحة الفرصة للأراضي والأفراد أخذ قسط من الراحة.

ولا يُسمح لأي شخص الدخول إلى المجتمع المحلي أو الخروج منه، بما في ذلك أعضاء هذا المجتمع المتواجدين في الخارج عند إعلان إجراء العزل، فتُعلّق في مختلف منافذ الدخول والخروج حُزمة من أوراق النبات المعقودة، إشارة إلى أن المجتمع المحلي في حالة عزل (أوبايا). وهو إجراء يُأخذ على محمل الجدّ، إلى حدّ كبير، من طرف أعضاء المجتمع المحلي والأشخاص القاطنين في المناطق المجاورة ـ إذ يعتبر انتهاك الأوبايا مجلبة للكوارث على المجتمع المحلي بأسره.

وتشكّل الطقوس المقترنة بالأوبايا عنصرا هامّا في ردّة الفعل الدّفاعية للمجتمع المحلي، ولا يُقصد بها بثّ الرّعب أو استحضار الأرواح الشرّيرة، بل تعزيز روح الجماعة، وهو ما يسعى إليه الشيوخ لغرس عقلية حماية المجموعة، وكذلك حماية الطبيعة.

وثمّة طقوس مماثلة ـ تؤكّد على ضرورة بلوغ توازن بين العالم الروحاني والعالم المادي ـ يقوم بها الشيوخ من مختلف المجتمعات المحلية الأصلية في الفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، حماية لقُراهم. فخلال فترات العزل هذه، يتولّى أعضاء المجتمع المحلّي رعاية المحتاجين، وتوفير المساعدة لهم، وتقاسم الغذاء معهم، لاسيّما البطاطا الحلوة المجفّفة التي سبق تخزينها من أجل استهلاكها في الأيّام الصّعبة. 

الفقر وسوء التغذية

وقد ساهمت هذه الممارسات التقليدية في مساعدة السكّان الأصليّين على مجابهة قيود العزل المفروضة جرّاء وباء كوفيد ـ 19، وتنظيم بقائهم على قيد الحياة. وفي هذا الصّدد، أعلنت آن نوورغام، رئيسة منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية أن "ممارساتهم الجيّدة في مجال الرّعاية والمعارف التقليدية، مثل إجراءات عزل المجتمعات المحلية لمنع انتشار الأمراض والعزلة الطوعية، يتم الاحتذاء بها، اليوم، في العالم بأسره".

غير أن الأزمة الصحية كشفت أيضاً، وبشكل حادّ، عن هشاشة هذه المجتمعات. فالسكّان الأصليون ـ الذين يعانون نقص المرافق الصحية وصعوبة النّفاذ إلى الخدمات الأساسية والمرافق الصحية، وتدابير الوقاية الأساسية، لاسيما المياه الصالحة للشرب، والصّابون والمطهّرات ـ هم الأكثر تضرّرا من التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي يجعلهم عرضة إلى مخاطر أكبر في حالات الطوارئ الصحية.

كما أنّ كفاحهم المتواصل ضد إزالة الغابات، وتغيّر المناخ، وفقدان سُبل العيش التقليدية يُعرّضهم بشكل خاص إلى الإصابة بأمراض معدية جديدة، فضلا عن عوامل الفقر، وسوء التغذية، وارتفاع معدل المشاكل الصحية، الموجودة من قبل، التي تزيد من المخاطر التي يتعرّضون لها ـ لا سيّما وأنّ الكثير منهم يعيش في منازل تجمع بين أجيال عدّة حيث الاختلاط مع كبار السنّ. 

أسلوب حياة في مواجهة الأزمة

لقد سلّطت الجائحة الأضواء على عديد المشاكل التي يعاني منها السكان الأصليون. ففي شمال تايلاند، مثلا، زادت حرائق الغابات من الضغوط المسلّطة على الأمن الغذائي وأصبحت تهدّد السّلامة الجسدية للأفراد. وتعرّضت شعوب النّاغا، في شمال شرق الهند، إلى العديد من مظاهر التّمييز بسبب المفاهيم الخاطئة عن الفيروس. وطُرد طلبة من النّاغا من مساكنهم، وتعرّضوا إلى أعمال عنف. وواجهت شعوب الدّوماغات، جنوب لوزون بالفلبين، نقصاً في المواد الغذائية. وتجري أحداث مماثلة في الإكوادور، حيث يواصل مستغلّو المناجم عبور أقاليم تابعة للشعوب الأصلية من أجل استخراج النفط.

ومن ناحية أخرى، فإن الأزمة الصحيّة أثّرت على أسلوب حياة السكان الأصليين. فثمّة العديد من الممارسات والتّقاليد الثقافية مثل تنظيم التجمعات والمسيرات بمناسبة أحداث من قبيل مواسم الحصاد أو الاحتفالات الخاصّة ببلوغ سنّ الرّشد، توقّفت من أجل توفير الأمن لكبار السنّ والأشخاص الأكثر هشاشة.

أما عن الجهود التي بذلتها الحكومات للاستجابة إلى الاحتياجات الخاصة بالمجتمعات المحلية فقد كانت، إجمالا، متواضعة ولم تأخذ في الاعتبار التّداعيات الطويلة المدى على وسائل العيش والحفاظ على حياة الشعوب الأصلية. ولعلّ إحدى الدّروس المستفادة من هذه الأزمة هو ضرورة إيلاء اهتمام خاص، في المستقبل، بالوضع الخصوصي لهذه الشعوب. فيجب الحرص، مثلا، على توفير معلومات صحيّة موثوق بها ومناسبة في لغات الشّعوب الأصليّة ذاتها قصد حماية الأشخاص الأكثر هشاشة. وعلى نطاق أوسع، ينبغي مكافحة جميع مظاهر التّمييز التي تستهدف المجتمعات الأصلية، دون كلل، والتي من شأنها أن تتنامى في أوقات الأزمات، كما يتعيّن الحرص على الحفاظ على أساليب حياة هذه المجتمعات. فالأمر يتعلّق بمستقبل ثقافة المجتمعات المحلية ذاته. تقول رئيسة منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية: "إن كبار السنّ من بين السكّان الأصليين يحظون بالأولوية في مجتمعاتنا المحليّة، لأنهم حرّاس تاريخنا وتقاليدنا وثقافتنا"، داعية إلى إقرار حق تقرير المصير للشعوب الأصلية التي تعيش أوضاع عزلة طوعيّة، ومطالبة بأن "تحظى قرارات هذه الشعوب بالاحترام".

إن حقوق المجتمعات المحليّة الأصلية يجب أن تكون في صميم كلّ تدخّل أو خطّة عمل. فقد أثبتت هذه المجتمعات، بقوة، أنّها تضع موضع التنفيذ معارفها التقليدية وباستطاعتها ـ إذا ما أُتيحت لها السيطرة الكاملة على مواردها وتوفّرت لها حرية ممارسة حقّها في تقرير المصير ـ حماية نفسها على نحو أفضل، فضلاً عن حماية الطبيعة والبيئة المحيطة بها. ويصحّ الأمر ذاته على التحديات الجديدة المتمثّلة في الأزمات الصحية.

 

قراءات تكميلية

"عندما تشرب الماء، فكّر في النّبع". لغات ومعارف الشعوب الأصلية (IYIL 2019) ،رسالة اليونسكو، يناير - مارس 2019

لِنُصْغِ إلى نداء البحيرة، رسالة اليونسكو، أبريل - يونيو 2018

وجهي، أرضي، رسالة اليونسكو، يوليو - سبتمبر 2017

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فايسبوك، أنستغرام