<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 10:23:24 Sep 27, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

Featured articles

أوغندا: قرود الغوريلا الجبلية تبتعد عن دائرة الخطر

 

في سلسلة جبال فيرونغا، وهي منطقة تبلغ مساحتها نحو 450 متر مربع وتمتد على الحدود بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، كانت قرود الغوريلا الجبلية معرضة للانقراض جرّاء ممارسات الصيد غير المشروع، والأوبئة، وتقلّص الغطاء النباتي. غير أن تدابير الحماية الفّعالة، التي شارك فيها السّكّان المحليون، أفضت إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد هذا النّوع الشّهير من الحيوانات. وقد أغلق المنتزه أبوابه أمام السوّاح منذ مارس 2020  حفاظا على سلامة قرود الغوريلا من فيروس كوفيد-19.

باكير بات لول 

صحفي من كامبالا، أوغندا

منذ زمن ليس بالبعيد، كان سكّان المناطق المتاخمة للمنتزه الوطني في غابة بويندي العذراء ومنتزه مغاهينغا الوطني في أوغندا، ألدّ أعداء قرود الغوريلا الجبلية. كانوا يقرعون ناقوس الإنذار كلّما عبرت هذه القرود، الآتية من الغابات الاستوائية المجاورة، حدائقهم، إذْ كانوا يرون فيها تهديداً لهم. وهو ما أفضى، في أغلب الأحيان، إلى عواقب مميتة لهذا النوع المهدّد بالانقراض.

بعد انقضاء خمسة وعشرين عاماً، ورغم أنّ هذه القرود الكبيرة، التي يتميّز ذكورها بظهور فضّية اللّون، ويتجاوز طولها 1،80م، ويصل وزنها إلى 220 كج، ما زالت تواصل اقتحامها للحدائق المحلية، فإنّ ناقوس الإنذار عندما يُقرع هذه المرّة فلتنبيه حراس الحدائق بوجود القرود فيها، فقط. والواقع أن أعداد هذه الحيوانات الضخمة، التي تتميّز بالرّقّة والحياء طالما لم تتعّرض إلى التهديد، قد شهدت ارتفاعا ملحوظا في أعدادها حيث مرّت من 620 فرداً في عام 1998 إلى 1063 اليوم. 

وقد أفضت هذه الزّيادة اللافتة للانتباه إلى قيام الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة عام 2018 بخفض مستوى التهديد في تصنيف قرود الغوريلا، المدرجة بالقائمة الحمراء للأنواع المهدّدة بالخطر، من "مهدّد بشكل حرج بالانقراض" إلى "مهدّد بالانقراض".

تعتبر غوريلا البيرانجاي بيرانجاي (Gorilla beringei beringei) أو الجبلية،  الفصيلة الأكبر حجما من بين أجناس الرئيسيات الموجودة اليوم (وهي واحدة من الفصيلتين الفرعيتين للغوريلا الشرقية إلى جانب غوريلا السّهول الشرقية الأصغر حجماً والأكثر شيوعاً).  وتعيش في المناطق المرتفعة، وتتميز بفرْوها الأكثر صلابة ولونها الغامق الذي يحميها من البرد والأمطار المتواصلة في موطنها. 

الصيد غير المشروع، وتراجع الغطاء الغابي، والأوبئة 

 شهدت أعداد الغوريلا انخفاضاً مأساويا جرّاء تعرضها للصّيد غير المشروع، وتراجع الغطاء النباتي، والأمراض المنقولة من البشر، والحروب الأهلية. وقد أمكن احتواء هذا التّدهور من خلال استراتيجيات حماية نشيطة جمعت بين المتابعة المستمرة والمراقبة البيطرية، ومعالجة الأمراض التنفّسية، وإزالة الفِخاخ المخصصة للحيوانات الأصغر حجماً (وهي الفِخاخ التي تقع فيها الغوريلا الرّضيعة).

كما تُعزى الزيادة في أعداد الغوريلا، إلى حدّ كبير، إلى الروابط التي أُقيمت بينها وبين السكان المحليّين. وفي هذا الصّدد، يقول أندرو سيغويا، المدير التنفيذي لهيئة التعاون العابر للحدود في منطقة فيرونغا، والتي تؤمّن حماية قرود الغوريلاّ الجبلية: "قامت استراتيجية الحِفاظ، فيما مضى، على الإكراه، واليوم أصبح السكان يعتبرون المنتزهات الوطنية جزءا لا يتجزأ من تراثهم، ويشاركون بالتالي في صون هذه المنتزهات وتنميتها وإدارتها".

وتعتبر هيئة التعاون العابر للحدود في منطقة فيرونغا ثمرة التعاون بين حكومات الدّول الثلاث –أوغندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وروندا- التي تأوي قردة الغوريلا الجبلية، من جهة، والمنظمات غير الحكومية المتخصصة في مجال الحِفاظ، من جهة أخرى، علما وأنّ هذه الهيئة موكول إليها، على وجه الخصوص، إجراء عمليات الّتعداد لقرود الغوريلا وسائر الأنواع الحيوانية في المنطقة.

ويرى الخبراء أن عمليات الإحصاء المنتظمة تشكل عنصرا حاسما في استراتيجيات إدارة التأقلم، إذ تسمح بمعرفة أعداد الحيوانات، سواء بالزّيادة أو بالنّقصان، ومدى فاعلية جهود الحِفاظ، وإمكانية تعديلها عند الاقتضاء. 

 أرقام مشجّعة

نُشرت في كانون الأول/ ديسمبر 2019  نتائج آخر عمليات التعداد المنجزة من طرف التحالف عام 2018  في إقليم بويندي ـ سارامبوي. وأفضت إلى أن هذا النظام الإيكولوجي الذي يمتدّ على كامل المنتزه الوطني للغابة العذراء في بويندي بأوغندا، ويغطّي نحو 321 كيلومتر مربع؛ ويشمل أيضا المحمية الطبيعية في سارمبوي بجمهورية الكونغو الديمقراطية بمساحة 9 كيلومتر مربع تقريبا، يأوي 459 غوريلا مقسمة إلى 50 مجموعة مقابل 13 فردا منعزلا. أما سلسلة جبال فيرونغا فتضمّ منتزه مغاهينغا الوطني من جهة أوغندا، ومنتزه البراكين الوطني في رواندا (محمية اليونسكو للمحيط الحيوي منذ 1983)، ومنتزه  فيرونغا الوطني في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت تأوي 604 غوريلا عام 2016.

تشكل الغابة العذراء في بويندي، التي أُدرجت على قائمة التراث العالمي في عام 1994، خير مثال على الغابة الاستوائية المطيرة، وعلى التنوع البيولوجي الاستثنائي. ويعزى اسم هذه الغابة، الواقعة على مرتفع يتراوح بين 1160 و2600 متراً، إلى غطائها النباتي الكثيف. أما التّلال البركانية للمنتزه فتأوي حوالي نصف عدد الغوريلا الجبلية في العالم. وفيما يخصّ منتزه الغوريلا في مغاهينغا، الذي لا تتعدّى مساحته 34 كيلومتراً مربعاً، والواقع على حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، فيُعتبر أصغر المنتزهات الوطنية الأوغندية. 

العوائد على السياحة

تشكل جميع هذه المنتزهات مقاصد سياحية مفضّلة لمشاهدة قرود الغوريلا. وقد ساهم تحسين الظروف الأمنية لمَوائل هذه القرود، إلى حدّ بعيد، في زيادة أعدادها بعد التبعات المدمرة لحرب العصابات على هذه القرود وعلى السياحة في نهاية تسعينيات القرن الماضي. وكما يشير إلى ذلك سيغويا، الذي شغل لمدّة ستة أعوام، إلى حدود آذار/مارس 2018، خطّة المدير التنفيذي للهيئة الأوغندية للحياة البرية (UWA): "لقد جلبت تنمية السياحة موارد استثمرتها الحكومات في مجال الصّون والحفاظ". وتُمثّل السياحة، التي تجلب 1،5 مليار دولار سنوياً، المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في أوغندا.

وفي إشارة إلى الهجوم الأخير الذي وقع في 24 أبريل 2020 -والأكثر دموية في التاريخ الحديث للمنتزه- حيث قُتل سبعة عشر شخصا، من بينهم ثلاثة عشر من حرّاس الغابات، على يد ما يعتقد أنّهم متمرّدون مسلّحون، أعلن المنتزه في بيان له أنّ هذه الواقعة المأساوية "لن تؤدّي إلى التخلّي عن برامج التنمية الاقتصادية والبشرية التي تقام لفائدة المجتمعات المحلية المحيطة بالمنتزه وبالشراكة معها. فهذه المجتمعات تتطلّع، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى العيش في مناخ يسوده الاستقرار والعدالة والسّلام".

وعلى الرغم من أن هذا البلد يضم عشرة منتزهات وطنية والعديد من محميات الأحياء البرية، فإن منتزهات الغوريلا تجلب من الأموال ما يفوق مداخيل بقية المنتزهات الأخرى مجتمعةً، وذلك لأن تصاريح المشاهدة ـالتي تم تحديدها بـ 80 زائر يومياً- في ازدياد مطرّد من حيث الطلب، ويبلغ سعر التصريح 600 دولار للساعة الواحدة (صالح لمجموعة من ثمانية أشخاص). أما في رواندا فإن سعر تصريح المشاهدة يبلغ 1500 دولار مقابل 400 دولار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتشجيعا منها للشّراكة مع الجماعات المحلية، أصدرت الحكومة الأوغندية قانوناً يقضي بإجبار الهيئة الأوغندية للحياة البرية على التنازل عن 20% من رسوم السياحة لفائدة الجماعات المحلية التي تعيش قرب المنتزهات.

وتُحوّل هذه الأموال إلى السلطات المحلية في شكل منحٍ مشروطة مخصصّة لتحسين وسائل عيش السّكان. ويرى غودفري كيواندا، وزير السياحة وقطاع الأحياء البرية والآثار في أوغندا أن: "تقاسم هذه الإيرادات قد أفضى إلى تحسين علاقتنا مع الجماعات المحلية المتاخمة للمنتزهات. وهي تدرك الآن أن زيادة أعداد الزّائرين يعني مزيدا من الأموال لصالح المشاريع المحليّة. وقد أنشأنا عديد المدارس والمستشفيات، وقمنا بتحسين شبكة الطّرقات المحلية".

وعلاوة على تقاسم الإيرادات، ساعدت الهيئة الأوغندية للحياة البرّية والمجتمعات المحليّة على إطلاق أنشطة مدرّة للدخل. فغابات بويندي ومغاهينغا كانت تأوي قبيلة باتوا قبل تصنيفها منتزهات وطنية، فبات من الواجب توفير وسائل عيش أخرى لهذه القبيلة بعد إبعادها عن موطنها الطبيعي. وقد ساعدتها الهيئة الأوغندية للحياة البرّية على التّحوّل إلى زراعة البنّ، والشّاي، وترويج منتجات الحرف اليدويّة، وبيعها إلى السوّاح.

وثمة منظمات أخرى، مثل المؤسسة الأفريقية للحياة البريّة (AWF)، تعاونت مع سكّان نكورينغو، بالقرب من بويندي، لإنشاء منطقة استجمام إيكولوجية يتم تقاسم منافعها سنويّا. يقول سودي باموليسيوا، ممثل أوغندا في المؤسسة الأفريقية للحياة البرية: "يتوفّر لهؤلاء السّكان الآن مصادر دخل بديلة مرتبطة بقرود الغوريلا. وهو الأمر الذي سيؤدّي لا محالة إلى تكاثرها".

 

هذا المقال سينشر في عدد قادم مخصّص لمسألة التّنوّع البيئي.

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام