<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 15:51:03 Dec 05, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

أفكار

أي قصة سوف نكتب؟

cou_03_19_idees_ai_01_website.jpg

حمل روبوتي. عمل للفنان الكوبي فالكو.

هل سيُصبح الذكاء الاصطناعي قائما بذاته على جميع الأصعدة؟ القرار يعود إلينا. علينا أن نرسم مستقبل البشرية في علاقة توافق واع مع هذه التكنولوجيا التي قد تبدو لنا، في بعض الأحيان، وكأنها وحش مُخيف.

 

بقلم سندرين كاتيلا وماتيلد هرفيو

كما سبق أن لاحظنا منذ بضع سنوات، ترسم التطورات التكنولوجية الأخيرة نظاما بيئيّا يُوفّر خدمات ما انفكّ استعمالها يزداد يُسرا. والذكاء الاصطناعي هو الذي يقود هذا النظام البيئي المُريح! هذا العرض الذي يتوسّع يوما بعد يوم، يُوفّر للفرد، مواطنا كان أم مُستهلكا، خدمات يوزر فراندلي (سهلة الاستعمال)، تيسر مجرى حياته وخياراته على أحسن وجه. فهو يمنح العامل، مُستقلّا كان أم أجيرا، ميزةً لتقييمٍ عمله بأكثر موضوعيّة والحصول الفوري على المهارات، كما أنه يقدم للخبراء مساعدة رقميّة على مدار الساعة حتى يكونوا في المستوى المنشود... وأما بالنسبة للمنظمات ولمُسيّريها، فهو يتيح لهم الفرصة لتفويض مسؤوليات التسيير أكثر فأكثر للذكاء الاصطناعي: الاختيار الأمثل للشراءات، والخدمات اللوجستية، وتأمين التجهيزات وقواعد المعطيات، وفرز المترشحين والتوظيف، وتوزيع المُعدّات والموارد البشرية... وكل ذلك يتمّ آنيا وبمُرونة قصوى.

ولكن، هل لنا أن نقبل بكل ما توفره هذه الخوارزميات في كل الأحوال ومهما كان الثمن، باسم الجدوى والمردوديّة؟ نظرا للسرعة المذهلة التي تتوالى بها الابتكارات والانقطاعات، والتمركز المتزايد لمواطن الابتكار بين أيدي بعض الأفراد، علينا ملازمة الحذر، خاصّة وأن هذا الميل إلى تفويض المسؤوليات سوف يتزايد لا محالة، عندما يتطور الذكاء الاصطناعي ليعم كافة المجالات. وقد بدأ فعلا في السير في هذا الاتجاه ناشرا شبكته التواصلية في كامل محيطنا الحقيقي، مع نزعة لحجب التكنولوجيا أكثر فأكثر عن الأنظار وتعويل أكبر على الحدس.

في هذه المرحلة الحاسمة على المستوى الحضاري، يلوح لنا في الأفق رهان أساسي: ما  هو وضع هومو سابيانس وما هو موقعه وما فائدته داخل هذا النظام البيئي الرقمي (الهجين في أحسن الأحوال) للقرن الحادي والعشرين؟ هل تخوّل لنا هذه المرحلة فرصة لإعادة النظر في ماهية الإنسان وإنسانيّته حتى نضع تصوّرا أفضل للحياة مع الذكاء الاصطناعي وأشكاله المتعددة؟ ما هي سيناريوهات المستقبل التي يجب علينا أن نتصوّرها وأن نكتبها (بما أننا ما زلنا مدعوين إلى استعمال القلم)؟ من المُؤكّد أن الوقت قد حان للتفكير واختيار الاستراتيجية التي يجب اتّباعها إزاء استقلالية النظم الرقمية: هل يجب منعها أو تعديلها، حتى نعكس مسار الابتكار أو على الأقل، التخفيف من سرعته؟ هل نُراهن على جنس جديد من الإنسان الآلي حتى ندفع التسابق بين الإنسان والآلة، في المربع الذي تحتله الآلة؟ أم هل نثبت قدرتنا على التكيف الخلّاق لوضع تصوّر لِمجتمع يتّسم بالتعاون المتكامل بين القدرات الإنسانية والرقمية؟

زمن التحوّل العميق

سال الحبر بغزارة حول موضوع الذكاء الاصطناعي، نظرا لكونه مبعثا لكل أشكال القلق في نفوسنا. يعتقد البعض أنه لا يزال «ضعيفا». ولكن متى سيصبح «قويّا»؟ من الذي سوف يتحكّم فيه؟ من سيحقّ له استعماله ولأي أمر؟ والأهم، كيف سيكون شكله؟ هل سيكون له طابع إنساني أم شبه إنساني؟ هل سيتّسم بكل محاسننا وبكل مساوئنا؟ هل ستكون له أخلاق ونوايا؟ الحديث عنه بهذه الطريقة يجعل منه وحشا مخيفا. ومع ذلك، إذا اعتبرنا الذكاء الاصطناعي وحشا، فسوف تكون وحشيته أقرب إلى وحشية فرانكنشتاين الناجعة! ذلك أن الذكاء الاصطناعي ليس إلا أداة، مثلها مثل المطرقة التي لا تتحرك إلا بإرادة خارجية. وهذه الإرادة ذات طابع تنظيمي وليس بشري. منذ ظهوره عشر سنوات مضت، يمثل الذّكاء الاصطناعي أداة تخدم أهداف منظمةٍ ما، من حيث المردودية والتسيير. فهو إذن أولا وقبل كل شيء أداة في خدمة مشروع ما أو نظرة أو قصة. والقصة المهيمنة اليوم مرتبطة بالنجاعة.

إلّا أن الذكاء الاصطناعي ليس أداة كبقية الأدوات. فإذا كان في بداية الأمر، يتمثّل في برمجية تكتيكية مخططة ومُسيرة بالكامل من قبل الإنسان، فقد اجتاز اليوم عتبة مرحلة ثانية ليكتسب شيئا فشيئا استقلاليته، حتى يُصبح قادرا على أن يختار في حد ذاته الطريقة التي تُمكّنه من بلوغ هدفه. علما وأن الإنسان هو الذي يحدد هذا الهدف، في كل الحالات. وفي المستقبل، سوف تُصبح برمجيات الأمس ذكاء اصطناعيّا مُستقلا على كل الأصعدة، قادرا على أن يُحدّد أهدافة ووسائله في حد ذاته، وعلى أن يشتغل في إطار شبكة، وعلى تغيير قصص البشر، نحو الأفضل أو نحو الأسوأ.

وأمام هذا التحوّل المنطقي والمُعلن (والذي لا يمكن نكرانه إذا بقينا على هذا النسق من التطور)، قد ينتابنا الخوف من الذكاء الاصطناعي، رغم أننا لا زلنا نتحكّم فيه. وعليه، لا بد لنا أن نجابه رهانات أساسية: شفافية الخوارزميات وقواعد المعطيات، رسم الحدود والقيود لضبط الآلات وخدماتها، صياغة قصة تكون في متناول الذكاء الاصطناعي حتى يكون قادرا على سردها مثلنا تماما. فالمسألة هي دون شك أخلاقية وسياسية أكثر منها تكنولوجية: أي مستقبل مع الذكاء الاصطناعي، وأي قصة سنكتب؟

الإنسان الآلة: هل هو الحل؟

يقدم السيناريو الأول استطرادا طبيعيا للقصة الحالية، قصة النجاعة والنمو والليبرالية، حيث لا خيار للإنسان إلا اختراق ذاته، لا لمنافسة الآلة وإنما للتعاون معها. لأن حلول الذكاء الاصطناعي يطرح مسألة التشغيل والكفاءات البشرية مقابل الكفاءات الرقمية. في النموذج القائم على المردودية، من المؤكّد أن الأغلبية الساحقة من الوظائف سوف تُسند للآلات. وحتى يبقى الإنسان ماسكا بزمام الأمور، سوف يلجأ إلى إضافة وسائط رقمية على جسده لاكتساب  قدرات أرفع من القدرات التي منحتها له الطبيعة. وبفضل التأثير المتبادل بين العنصر البشري والعنصر الرقمي، سوف يعزز الإنسان نجاعته. إذ سيكون أسرع في الفهم، وفي اتخاذ القرار، وفي التنفيذ. إن هذه المواهب المتمثلة في الحيوية الفائقة والوعي الفائق تبدو متلائمة مع قصة النجاعة التي تحاك في الوقت الراهن.

سوف يكون الإنسان الآلة (سايبورغ)، المتسم إلى حد كبير بالخفة والذكاء المتوقد والقدرة على التأقلم، على استعداد للتعاون بكل نشاط، الند للند، مع الآلة، شريطة أن يصبح شبيها لها. وسوف يضيف إلى جسده الموارد اللامحدودة التي توفرها شبكة الذكاء الرقمي، لكنه سوف يتخلى في نفس الوقت عن بعده الإنساني. وبذلك، سيُصبح السايبورغ وحشا فعالا، تماما مثل الذكاء الاصطناعي، وسوف يَنتمي كلاهما إلى نفس الشبكة التي سوف تربط بين البشر والآلات دون تمييز.

لهذا التأثير المتبادل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي ميزات عديدة، خاصة منها الطمأنة على الأداء والجدوى العملية. إلا أنه يثير رهانات ذات أهمية قصوى. ما عسى أن يحصل إذا تم «قطع الكهرباء»؟ من المخوّل للنفاذ إلى الكلاود (السحابة الإلكترونية)؟ هل يجب القبول بالشفافية للتمكّن من النفاذ إليها؟ هل سيكون ذلك بمقابل؟ هل توجد سحابة إلكترونية واحدة للجميع أم هل هناك أنواع مُتعدّدة من السحابات بجودة متفاوتة؟ هل سيكون السايبورغ مُرادفا للمساواة أم بالعكس للتجزئة الاجتماعية والاقتصادية؟ المؤكّد هو أنه، بحكم ارتباطه التام بالإنترنت، لن يعد مالكا لأي شيء، ولا حتى لكفاءته. سوف يغدو مجرّد مُستعمل، وديعا مُؤقّتا على الخدمات المُتوفّرة. فما عسى أن يحدث إذن في حال انقطاع حقوق النفاذ؟

قصة جديدة

وتتضاعف أهميّة هذه الرهانات باعتبار التحوّل العميق الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن البشرية تمر كذلك بمرحلة تحول مماثلة. ويندرج حل السايبورغ في القصة التي صاغتها الليبرالية الرأسمالية. ولكن، هل هذه القصة قادرة على رفع التحديات التي نواجهها، والحال أن كوكبنا وموارده في طور الإرهاق؟ ألا يُحتّم علينا الوضع  ابتكار قصة جديدة؟ خاصّة وأن الذكاء الاصطناعي، تلك الأداة الهائلة، سوف يوفر لنا دون شك الوسائل الكفيلة لصياغتها.

وإن كان الذكاء الاصطناعي أداة ناجعة قادرة على تطوير نموذج موجود بنجاح فائق،  فليس من طبيعته قلب النظام القائم. والدليل على ذلك أن الجهود التي نبذلها حاليا في المجال الرقمي لا تأتي بالجديد، ولا تحدث أي تغيير في مجرى القصة. وبالتالي، الشعار الذي يمكن لنا أن نتبناه هو الآتي: لنكفّ عن الابتكار ولنَشرع في الإبداع.

ذلك أن الإنسان هو الجدير بأن نَمنحه ثقتنا (مُجدّدا) إذا أردنا الإبداع. وتُشكل قناعاته ودوافعه مصادر مُتعددة لإثراء الجهود الرامية إلى مقاومة النموذج الحالي. عملية الإبداع تعبير عن إيمان، وعن رغبة، وعن نيّة ثابتة في الصميم وعن يقين. هي أولا تعبير عن المعنى قبل المرور إلى الحديث عن البراعة التكنولوجية أو الغاية المالية. كثيرا ما تنبع القدرة على الإبداع في ذهن استثنائي فريد من نوعه، في ذهن امرأة أو رجل، بكل ما يتضمنه من قصص، وجراح أو نقاط قوّة، وشهوات أو احتياجات. ولا ننسى أن كبار العباقرة في تاريخ الإنسانية كانوا يستقون من نقاط ضعفهم الخاصة (التي كانوا في أغلب الأوقات يبحثون لها عن حلول) القدرة على المثابرة الضرورية للنجاح.

نحن هنا بصدد الحديث عن سيناريو لم تعد له أية علاقة بالسايبورغ، وليس فيه رفض للتكنولوجيا كأداة. نحن نتحدث عن قصة أخرى يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي ولكن لغايات أخرى، وبقُيود وقواعد استخدام مختلفة. نتحدث عن استراتيجية تُعطي الأفضلية لما تقوم عليه إنسانيتنا. ودون أن نجعل الإنسان في معارضة مع الآلة، لا بدّ أن نعترف أن بهذه الاستراتيجية، تتحول نقاط ضعف السايبورغ إلى نقاط قوة.

ونحن لا نتحدث هنا عن توحيد المعايير، ولا عن المنطق العقلاني. كما لا نتحدث عن السببيّة، ولا عن التوقّعات، ولا عن طريقة المعالجة. ولا نتحدث عن نموذج نمطي للمردودية. لذلك لا يمكن تفويض صياغة هذا السيناريو الجديد للآلات. لأن خوارزمياتها الهائلة خالية من الإيمان والقناعة، وليس لها فكر فوضوي ولا تجاوزي، ولا عزيمة قوية للبقاء على قيد الحياة ومشاهدة الأبناء وهم سعداء أكثر من الأولياء! قد يكون التعاون مع الآلة مفيدا، شريطة أن نُؤطّرها أكثر وأن نتحكم فيها أكثر ونستوعبها أكثر. كل ذلك في متناولنا إذا اتّفقنا جميعا على القصة التي نريد أن تكرس الآلة لخدمتها. ِلنتناول القلم بداية من اليوم!

الصورة: فابيان ألبرتيني
 

ماتيلد هرفيو

تشرف ماتيلد هرفيو (فرنسا) على برنامج النشر وتُدير صحبة سندرين كاتيلا البحوث في مرصد ناتأكسبلو الذي يعتني بدراسة تأثير استعمال التكنولوجيات الرقمية الجديدة على المجتمع وعلى المؤسسات، على الصعيد العالمي.

سندرين كاتيلا

تُشرف سندرين كاتيلا (فرنسا) بصفتها مديرة مشاركة، بمعية ماتيلد هرفيو على البحوث في مرصد ناتأكسبلو، وهي مؤسسة تم إنشاؤها سنة 2007 على يدي مارتين بيدغان وتياري هاب تحت سامي إشراف مجلس الشيوخ والوزارة الفرنسية المُكلّفة بالاقتصاد الرقمي.