<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 14:26:18 Dec 05, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

أفكار

حقوق الإنسان، تطلع كوني

cou_02_19_dudh_web.jpg

Happy Human Rights Day! Designed by Omar Abdallat, Jordan.

لم تعد حقوق الإنسان تعتبر أفقا نظريّا بالنسبة للإنسانية، إذ أصبحت شعوب العالم تتطلع إلى تحقيقها بصفة ملموسة وعاجلة. إن النظرية النسبية التي ترى أن فلسفة حقوق الفرد لا تتلاءم مع المجتمعات غير الغربية، قد تجاوزها الزمن. هذا ما يؤكده الكاتبان الفرنسيان-المصريان بهجت النادي وعادل رفعت، المعروفان  باسم محمود حسين، في النص الموالي الذي ينشرانه ردا على مقال «حقوق الإنسان والآفاق الثقافية» المنشور في رسالة اليونسكو  «حقوق الإنسان: عودة إلى المستقبل»، أكتوبر-ديسمبر 2018.

بقلم محمود حسين

 

هل تعكس فلسفة حقوق الإنسان، المنبثقة عن النظرة السياسيّة الليبرالية لعصر الأنوار في أوروبا، المقتضيات القانونية الخاصّة بالمجتمعات الغربية دون غيرها؟ حسب النظرية النسبية، تندرج المجتمعات غير الغربيّة ضمن فلسفات قانونية أخرى – حيث تفوق الحقوقُ المتعلقة بالمجموعة، والدين، والتقاليد والأصل العرقي حقوقَ الفرد – وبالتالي ليس هناك ما يبرر الإشادة بالمنظور الغربي واعتباره من المستلزمات الكونية القابلة للتطبيق في كافة المجتمعات.

هذه الدعوى التي رفعها ضد القوى الغربية، خلال القرن الماضي، المدافعون عن حق الشعوب القابعة تحت الاستعمار في تقرير مصيرها، لا تخلو من الشرعية. ففي ذلك الظرف، تمّ فعلا تزييف القيم الكونية واستعمالها لتبرير المهمة المزعومة  للدول الاستعمارية في «نشر الحضارة» . ولمجابهة مثل هذا التزييف، تمّ التركيز على القيم التقليدية الخاصّة بالمجتمعات المُستعمَرة قصد تعبئة الطاقات الشعبية، واكتساب الاستقلال وحماية سيادة الدول الوطنية الفتية. مما آل آنذاك إلى تفوّق مفهوم تقرير المصير الجماعي على مفهوم تقرير المصير الفردي.

لكن تلك الفترة تجاوزها الزمن. لقد تغيرت السمات السياسية والاجتماعية والقانونية لمعظم الدول المستعمرة سابقا، إذ أصبحت تحكمها بيروقراطيات محلّية، بدل القوى الأجنبية. كما لم تعد مجتمعاتها تعتمد حصريا على مكونات الاقتصاد التقليدي، بل أصبحت تقوم كذلك على طبقات عصرية في نمو مُستمر. وإن احتفظ التضامن المرتكز على الانتماء التجمعي أو الديني أو العرقي بوزن هامّ إلى حدّ ما، إلا أنه لم  يعد يمثل بالنسبة لهذه المجتمعات مصدر الحيوية الضرورية التي تسمح لها بالدفاع عن نفسها، والتجدد والازدهار في إطار عالم القرن الحادي والعشرين المطبوع بالشمولية.

ولا مجال لها في تحقيق ذلك دون الاعتماد على الطبقات العصرية المُثقّفة والكادحة، التي تطوّرت منذ الاستقلال. إن القوى الحية الحاملة لمستقبل تلك الأمم تتمثل في الطالب، والكاتب، والفنان، والعامل، والمُوظّف، والمحامي، والطبيب، والمهندس الذي يتحمّل كلٌّ منهم مسؤوليته الفردية في كل تصرفاته، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي.

لكن هذه القوى الحيّة أصبحت، في أغلب الأحيان، عرضة للاضطهاد من طرف السلطة الحاكمة. لقد شكلت السلطة فئات جديدة منحتها صلاحيات وامتيازات لم تعهدها المجتمعات التقليدية. كما أنها تستند إلى نظم استبدادية تضمن استمراريتها بالاعتماد على أحدث وسائل القمع، وتلجأ إلى استغلال المرجعية  الدينية والقبلية والتقليدية للإبقاء على التفرقة بين مكونات شعوبها وإعاقة تطوير أي شكل من الأشكال الجديدة للتعبير الديمقراطي.

ومن هذا المنطلق، بالنسبة للقوى الحيّة لهذه الشعوب، تصبح القيم الأساسية المطلوب الدفاع عنها هي تلك التي تُؤسّس للمساواة في الحقوق بين كل الأفراد؛ والتي تضمن حماية تطلعاتها إلى مواطنة حقيقيّة من خلال منع إضفاء الشرعية على الاستبداد السياسي؛ والتي توحد الشعوب حول تجاوز التمييز الأزلي بين الرجال والنساء، وبين الطوائف والقبائل المختلفة، وبين الانتماءات الدينية المتعددة. وباختصار، فإن قيم حقوق الإنسان أصبحت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، موضع الاهتمام. لأنها، بكل بساطة، أصبحت تتّسم على أرض الواقع  بالكونيّة، ولم تعد تمثل مجرد أفق نظري للإنسانية تُنادي به الهيئات الدولية، بل هي اليوم موضع مطالبة كافة شعوب العالم التي تتطلع إلى تحقيقها بصفة ملموسة وعاجلة.

مقالات أخرى لمحمود حسين:

القرآن، بين النص والسياق، محمود حسين، رسالة اليونسكو، ابريل-يونيو 2017 (مقال على النت)

البعد الإنساني في العصر الإسلامي، محمود حسين، رسالة اليونسكو، اكتوبر-ديسمبر 2011 (PDF)

 

طالعوا ملفات رسالة اليونسكو حول حقوق الإنسان

محمود حسين

محمود حسين اسم مستعار مشترك لكل من بهجت النادي وعادل رفعت، وهما مؤلفان فرنسيان من أصول مصرية أصدرا عددا كبيرا من المؤلفات المرجعية، نذكر منها « السيرة » (2005)، و « النظر في القرآن » (2009)، و « ما لا يقوله القرآن » (2013)، وآخرها « المسلمون أمام تحدي ”داعش”» (2016).