<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 14:29:21 Dec 05, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

يزد: العيش في تناغم مع الصحراء

cou_02_19_ich_web.jpg

الحديقة التاريخية دولات-عباد في مدينة يزد (إيران)، بأحواضها ونافوراتها.

قد يبدو للبعض أن المدن والتقاليد الثقافية هي مفاهيم متناقضة. فالمدن، بصفة عامة، تتوافق مع الحداثة، وطرق جديدة للعيش وفرص متعددة. ونتخيل أنها تنظر دائما في اتجاه المستقبل. أما التقاليد، فنراها ملتفتة للماضي، وحتى مزعجة في بعض الأحيان. وهناك من يعتبر أن المحافظة على التراث تتطلب الكثير من الوقت والمال مقابل مردود ضئيل.

إلا أن التقاليد لا تزال حية، تُنقل من جيل لآخر وتتطور باستمرار لتتناسب مع الاحتياجات الجديدة للمجتمعات، وتتكيف مع التغييرات الطارئة في محُيطتها. فهي، أكثر بكثير مما نتصور، مصدرا لحل المشاكل الحالية.

قنوات الري الإيرانية

في إيران مثلا، استفادت مدينة يزد القديمة من براعة سكانها الذين طوروا على مر القرون، الفنون والتقنيات الضرورية للعيش في تناغم مع الصحراء. لقد جعلوا من طبيعة بيئتهم القاسية مصدرًا للإبداع الفني، وتشهد على ذلك هندستها المعمارية، وبالأخص، التخطيط الحضري الذكي.

في يزد، صمدت الأبنية الطينية بطابعها الهندسي الأنيق أمام مداهمات الزمن والمناخ القاسي، مما أدى إلى إدراج المدينة التاريخية في عام 2017 في قائمة التراث العالمي. ورغم جفاف المناخ، تعمل نسبة كبيرة من سكان المدينة والمناطق المحيطة بها في الزراعة. كل ذلك بفضل المحافظة على البنية التحتية التي يعود تاريخها إلى ألف سنة، ألا وهي قنوات الري.

صممت تلك القنوات حسب نظام مدهش يسمح بتجميع المياه الجوفية، تم ابتكاره منذ آلاف السنين، وانتشر في ما بعد في عدة مناطق في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط. يشتمل هذا النظام على أروقة تمتد بانحدار خفيف تحت الأرض تتجمع فيها المياه، وآبار عمودية محفورة على مسافات منتظمة على طول هذه الأروقة تسمح بتهوية المنافق، وتنقل العمال ونقل المعدات والنفايات. لقد صمدت هذه التقنية أمام مرور الزمن وهي تشكل الآن مثالا يقتدى به لاستغلال المياه الجوفية بطريقة مستدامة.

وإلى يومنا هذا، لا زالت هناك 37.000 قناة قائمة الذات في إيران، توفر نحو 11٪ من مياه البلاد. ومنذ إنشاء شبكة توزيع المياه في عام 1961، أصبحت القنوات تُستخدم أساسًا للري. ويسهر المزارعون على توازن مستدام بين تدفق المياه والمساحات المزروعة، من خلال تعديل توزيع الماء بين المزارع التي تتطلب كميات كبيرة والبساتين ذات الاستهلاك المتواضع. فالفكرة الأساسية لهذا النظام تكمن في أنه يعود للبشر التأقلم مع الموارد المائية المتاحة، وليس العكس.

ولا تمثل هذه القنوات مجرد بنية تحتية قديمة تمت المحافظة عليها. وما دام البحث عن المياه والتحكم فيها أمرا حاسما  للحياة في الصحراء، بذلت التجمعات جهودًا جبارة لنقل هذه المعرفة الأساسية من جيل إلى جيل، مع تحسينها وتكييفها مع الواقع. وقد حُبك النسيج الاجتماعي إلى حد كبير حول مبادئ التقاسم والملكية وتوزيع الموارد المائية. وفي الوقت الحالي، حل مجلس منتخب للقنوات محل المجالس العامة التقليدية، لتسهيل أخذ القرار.

ضمانا لدوام الخبرات والمعارف

لقد تطورت كذلك مهنة «مقني» أي المكلف بصيانة القنوات. في الماضي، كانت المهارات الضرورية لاختيار أفضل المواقع لحفر الآبار، وإتقان تقنيات الحفر والتنظيف وصيانة الآبار والأنفاق، إضافة إلى الحكمة في إدارة المياه وتوزيعها، تنقل أبا عن جد. ومنذ حوالي 15 سنة، أصبحت المهنة تدرس في مدينة تافت على بعد عشرين كيلومترا جنوب يزد. اعتبارا من عام 2005، توفر كلية القنوات تكوينا في هذا الاختصاص لمدة عامين. ويتم تكوين الطلبة على المستوى النظري والتطبيقي في صحراء يزد، من طرف معلمين ذوي الخبرة التقليدية. وقد تم منح المهنة اعترافا إضافيا يتمثل في إمكانية حصول المعلمين التقليديين على اعتماد من طرف وزارة العدل ليقوموا بحل النزاعات المتعلقة بالقنوات.

إن إدارة المياه في بلد يحتوي على العديد من المناطق الصحراوية مثل إيران هي، بطبيعة الحال، أمر عسير للغاية. في العقود الأخيرة، تم تطوير تقنيات جديدة لاستغلال وتقاسم الموارد المائية، لتلبية احتياجات الأعداد المتنامية من السكان، إلى جانب الاحتياجات الاقتصادية. وتتعارض هذه البنية التحتية الحديثة أحيانا مع النظم التقليدية، مما يؤدي في بعض الحالات القصوى، إلى نقص في المياه.

مع ذلك، تبقى القنوات المائية والخبرة المعرفية المستمدة منها ركيزة من ركائز التخطيط العمراني لمدينة يزد، وجزءًا لا يتجزأ من مشاريعها المستقبلية. لذلك، تم اعتماد آليات  مؤسسية للإدارة والصيانة إضافة للنظام التقليدي. تشرف ثلاث هيئات حكومية على إدارة القنوات، في حين يتولى المركز الدولي للقنوات والهياكل المائية التاريخية، وهو مركز منتسب لليونسكو، إجراء البحوث وبرامج بناء القدرات.

الخلفيات الثقافية للسكان

تقدم يزد دليلا حيا على أن التراث الثقافي غير المادي يمكن أن يوفر أو يلهم حلولا ألمعية، تتطابق مع الظروف المحلية. للمدن حظ أوفر في النجاح في حث السكان على المشاركة في المشاريع التنموية، لما تعتمد استراتيجيتها على الممارسات المحلية، ولما تستفيد بأقصى ما يمكن من مواردها الثقافية. هذا يتطلب، بطبيعة الحال، تثمين التراث الحي من خلال تدابير حماية مناسبة، ومشاركة فعالة لأصحاب المعارف التقليدية.

تعيش المدن وتزدهر على إيقاع الأنشطة والتفاعلات بين ساكنيها. وسواء كانوا مستقرين منذ فترة طويلة أو قصيرة، فإنهم جميعًا يحملون معهم خلفياتهم الثقافية الخاصة بهم. إن معارفهم، ومعتقداتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم ورؤيتهم للعالم هي التي تشكل هويتهم وعلاقتهم بغيرهم، وبالتالي، علاقتهم بمدنهم.

 

المزيد من المعلومات:

التراث الثقافي غير المادي

المراكز المتخصصة في الموارد المائية تحت رعاية اليونسكو

 

فانيسا أشيلس (فرنسا) باحثة وكاتبة مستقلة.