<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 20:32:07 Dec 04, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

أفكار

العنصرية: مواجهة اللاّمفكّر فيه من قضايانا

cou_03_20_idee_tadjo_web.jpg

تمثال كريستوفر كولومبوس في ولاية مينيسوتا، أحد التماثيل العديدة لشخصيات مرتبطة بالتاريخ الاستعماري أو تاريخ التمييز العنصري والتي وقع تفكيكها وإسقاطها إثر الاحتجاجات المندّدة بعدم المساواة العرقية في الولايات المتحدة، يونيو 2020.

كان من تبعات العنف البوليسي الذي شهدته الولايات المتحدة، في الربيع الماضي، اندلاع حركة احتجاجية تجاوز مداها الحدود الأمريكية. وكما تقول فيرونيك تادجو، فإنّ العنصرية، سواء أكانت عادية أم منهجية، تبقى متأصلة في عقول أفراد المجتمعات الحديثة ومفاصلها.

فيرونيك تادجو

"كاتبة فرنسية-إيفوارية. عاشت لمدّة طويلة في جنوب إفريقيا حيث اشتغلت أستاذة في جامعة ويتواترسراند بجوهانسبرغ. ألّفت رواية بعنوان "برفقة الناس En compagnie des hommes تدور أحداثها على خلفية انتشار وباء إيبولا سنة 2014. تعيش اليوم بين لندن وأبيدجان.

إن الصور المتداولة على الأنترنات، والتي تلقفتها وسائط الإعلام عن مقتل جورج فلويد مخنوقاً على يد شرطي بمينيابوليس في 15 مايو المنقضي، قد أعادت طرح مسألة العنصرية من جديد.

فقد توهّمنا لفترة من الزمن أننا نعيش مرحلة ما بعد العنصرية، معتقدين أنّ من بين أهمّ علاماتها الحاسمة انتخاب نيلسون مانديلا كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا (1994ـ 1999) وصعود باراك أوباما إلى منصب رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة (2009ـ 2017). وهذا التفاؤل ذاته قد ساد في فرنسا، حيث بدا الأمر وكأن قيم الجمهورية انتصرت على الفكرة العنصرية المحكوم عليها بالزوال.

ومع ذلك، فإن العنصرية "العادية" لم تَكُفَّ قطّ عن اختراق حياتنا اليومية متغذيّة في ذلك من شتّى أشكال التحيّز والأحكام المسبقة. وترى كلّ من إيفلين هيير وكارول رينوـ باليغو، الباحثتان في متحف الإنسان في باريس، أن العنصرية، سواء أكانت في مظهرها الخفيّ أو المفضوح، ترتكز على ثلاث دعائم ألا وهي "تصنيف الأفراد إلى مجموعات (وهو ردّ فعل من الدماغ البشري مع اختلاف معايير التصنيف وفقاً للسياقات الاجتماعية التاريخية)، وإخضاعهم إلى تراتبية معينة (الرّفع من قيمة بعض الأفراد أو خفضها لسبب تعسفي)، وتصنيفهم وفق صفات جوهرية أو ماهوية، أي التعامل مع هذه الفوارق باعتبارها غير قابلة للتجاوز أو لا مناص منها لكونها نتيجة انتقال وراثي". 

نبذ الآخر

يتخذ نبذ الآخر أشكالاً متعددة. فهو لا يُعفي الشخصيات المعروفة، حيث يتجلّى بالخصوص في الهتافات العنصرية ضد بعض لاعبي كرة القدم السّود أو في الحملات العنصرية على الشبكات الاجتماعية ضد مسؤولين سياسيين سود. لكنه يطال أيضا، وفي أغلب الأحيان، مواطنين عاديين كلّما وجدوا صعوبة في العثور على مسكن أو وظيفة بسبب أصلهم العرقي. وعموماً، فإنّ هذه المواقف التمييزية يُدينها الجمهور العريض. ولئن يُتّفق على إلحاقها الضّرر بالتماسك الاجتماعي، فإنها تُعزى، عن خطأً أو عن صواب، إلى الفكر الرجعي. غير أنّ فرانز فانون، المدافع العظيم عن قضايا إنهاء الاستعمار، يرى أن "العنصرية ليست كلاّ في حدّ ذاته، بل هي العنصر الأكثر مرئيّا، والأكثر سريانا في يومياتنا، وهي في خلاصة، تأخذ، أحيانا، المظهر الأكثر وقاحة لبُِنية معينة".

هذه البِنية المعطاة هي التي نسميها العنصرية "الممنهجة" لأنّها عنصرية أكثر إيذاءً بحكم صعوبة الكشف عنها، إذ تتسرّب حتى إلى داخل مفاصل الدولة فضلا على أنّه يسهل إنكار وجودها من قِِبل الذين لم يتعرّضوا إليها يوما في حياتهم. ولقائل أن يقول: أفلا تًدين القوانين شتّى أشكال العنصرية؟ ففي فرنسا، على سبيل المثال، تم تعديل أوّل قانون وطني صادر في يوليو 1972 قبل أن يقع تحسينه، لاحقا، عدة مرات. كما توجد، من ناحية أخرى، اتفاقيات أوروبية ودولية يمكن اعتمادها لإدانة الانتهاكات. بيد أنّ القوانين لا تكفي للحدّ من الممارسات التمييزية التي تُرتكب يومياً، بل لا بدّ من الذّهاب إلى أبعد من ذلك.

العنصرية الممنهجة

لا يمكن إدراك مدى انتشار العنصرية الممنهجة إذا ما اختزلناها في أفعال معزولة. فهي تتمثل في الحطّ من قيمة بعض المجموعات الأقلية التي تُعتبر، تاريخياً، تابعة وفي أسفل السلم الاجتماعي جرّاء إرث الاستعباد و/أو الاستعمار. وفي مجتمع يعتبر ديموقراطيا، تتسلّل العنصرية الممنهجة إلى داخل المنظومة الأمنية (الأخذ بالظنّ بسبب المظهر واستعمال العنف البوليسي)، وتتسرّب إلى المنظومة السجنية (ارتفاع عدد السجناء من أعراق معينة وتعرّضهم إلى عقوبات أشّد)، وإلى النظام التعليمي (الفشل الدراسي)، والنظام الصحي (صعوبة النّفاذ المحدود إلى الرعاية الطبية)، مرورا بعالم العمل (معدلات بطالة أعلى) والحركية الاجتماعية (ظاهرة المدن والأحياء شعبية)... والقائمة تطول. وترى المؤرخة لور مورات، أستاذة الأدب في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس أن العنصرية الممنهجة هي "احتكار مؤسساتي يُديم، في كثير من الأحيان، ثقافة التحيّز الجنسي والعنصرية والعنف".

إن المظاهرات التي اجتاحت العالم بأسره تأييداً للحركة الأمريكية "حياة السود مهمة Black Lives Matter" تُعبر عن الوعي بالطابع المتعدد الأشكال للعنصرية التي تمهّد السبيل نحو شتى أنواع الانتهاكات (مُعاداة السامية، كراهية الإسلام، رهاب المثلية الجنسية، التحيز الجنسي، رهاب المتحوّلين جنسيا، ألخ). والأكيد أن سياق جائحة كوفيدـ19، المتأثر بالتجربة الجماعية للحَجْر الصحي، والمعاناة، والموت، قد زاد من حساسية الرأي العام إزاء هذه المأساة.

وتندرج حركة "حياة السود مهمة" ضمن تاريخ نضال السّود الأمريكيين من أجل تحقيق المساواة العرقية منذ بدايات الاسترقاق في مزارع جنوب أمريكا إبان القرن الثامن عشر، وصولا إلى الكفاح من أجل الحقوق المدنية في ستينات القرن العشرين، والذي وضع حدّا للتفرقة العرقية في الأماكن العامة ووسائل النقل والنظام التعليمي. 

وتستمد هذه الحركة قوّتها من الصّراعات والانتصارات السّابقة، حتّى وإن لم تُفض إلى القضاء التامّ على العنصرية السائدة في المجتمع الأمريكي. ولكن اللاّفت للانتباه أن هذه الحركة نجحت في تعبئة الجماهير حول فكرة تدويل قضية الظلم الاجتماعي. فسواء تعلق الأمر بفرنسا أو المملكة المتحدة أو ألمانيا أو أستراليا أو جنوب أفريقيا، فإن التنديد بالعنف الذي تمارسه الشرطة وسائر أشكال الإقصاء الأخرى قد تصاعد وأفضى إلى رفض جماعي لممارسات القمع والمهانة والهيمنة.

أوجه المقاومة العكسية

ومع ذلك، فإن مقاومة التغيير أمر متوقّع! فرغم اللافتات الحاملة لشعارات مناهضة للعنصرية، وعرض كبرى العلامات التجارية لإعلانات تنادي بالإدماج الاجتماعي، ومبادرة المكتبات بعرض مؤلفات لكتّاب سودٍ وكُتب عن العنصرية، يظلّ الوضع قابلا للتغيّر في الاتجاه العكسي..

فأمام الأضرار المادية الناجمة عن عدد من المظاهرات، والخوف من الفوضى العامة، قد يتضاءل الدّعم الذي تحظى به مناهضة العنصرية، وتحلّ محلّه مواجهات بين مجموعات متنافرة، ويُعاد تشكّل الوضع القائم، وربّما تنشأ صدامات عنيفة مع قوات الأمن. وفي هذا السّياق، فإن عمليات تفكيك التماثيل وإزالتها باتت موضوع نزاع. إضافة إلى أنّ افتقاد حركة "حياة السود مهمة" إلى مركز قيادي يشكل، في حدّ ذاته، عقبة أمام طموحاتها. والملاحظ أن هذه الحركة أصبحت منقسمة وتواجه صعوبة في السيطرة على المنحى المتطرّف لأقلية نشيطة جدّا من المناضلين. 

إنّ تغيير المجتمع يشترط أن تتجاوز روح التضامن مستوى الاحتجاجات والرمزيات، لكن كما يقول جان ـ ويرنر مولر، أستاذ النظرية السياسية وتاريخ الأفكار في جامعة برينستون (الولايات المتحدة)، في منبر على اليومية ليبيراسيون بتاريخ 30 يونيو 2020: "لو لم يكن هناك "انقسامات"، ولو كان الجميع متفقين دوماً تمام الاتفاق على كل شيء، فلن نحتاج إلى ديمقراطية. فالديمقراطية هي مسألة نزاع مؤطّر (بالدساتير، وعلى وجه الخصوص بالحقوق الأساسية). وفي ظل الديمقراطية لا يمثل الإجماع قيمة في حدّ ذاته". فالأمر لا يتعلق بتوفير المساعدة للسّود، بل ينبغي التوصّل إلى مجتمع تُحترم فيه الفوارق من خلال تحقيق تكافؤ الفرص. 

مطالعات ذات صلة

رسالة اليونسكو تناهض العنصرية – مختارات لأعداد ومقالات تتناول هذا الموضوع

التحالف الدولي للمدن المستدامة الشاملة للجميع

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام