<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 20:36:15 Dec 04, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

"يجب معاقبة المشترين أيضا"

cou_03_20_wide_angle_amr_web.jpg

في عام 2010 ، اختلس بعض اللّصوص ونحّاتي الحجارة أجزاء من إفريز كان موجودا بموقع الحضر (العراق).

ما فتئ تهريب التحف المُتأتية من مناطق الحروب في الشرق الأوسط يتزايد خلال العقدين الماضيين. ورغم الإجماع الدّولي على إدانة هذه التجارة غير المشروعة، فإنّ مكافحتها لا تزال أمرا صعبا على أرض الواقع. ويرى عمرو العظم، عالم الآثار، وأستاذ تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط بـجامعة شوني ستيت في أوهايو بالولايات المتحدة، أنّ القضاء على هذه الآفة يستوجب تشديد العقوبات على المشترين. 

أجرت الحوار لايتيسيا كاسي

اليونسكو

إلى أي مدى يمكن اعتبار المتاحف والمواقع الأثرية الواقعة في مناطق النزاع عرضة للنهب؟

عند حدوث نزاع مسلح، تفقد الدولة السيطرة على أجزاء من أراضيها، وتضعف مؤسساتها، فتصبح غير قادرة على حماية شعبها ومجالها الترابي، وتبعا لذلك تفقد المواقع الأثرية والمتاحف، بدورها، الحماية مما يفتح الطريق أمام السرقة أو التنقيب غير القانوني. وفي كثير من الأحيان، يتم النهب من قبل مدنيين عاديين يجدون في هذه التجارة وسيلة للعيش فضلا عن الجماعات الإرهابية التي تستغل هذا الوضع رغم أنّها لا تمثل سوى جزء من المُهرّبين.

وفي الواقع، فإن شبكات مُهرّبي القطع الفنيّة موجودة منذ زمن طويل. ففي الشرق الأوسط كانت هذه الشبكات تنشط قبل زمن طويل من اندلاع النّزاعات طيلة العقود الأخيرة في المنطقة. وغالبا ما كان الناهبون متواطئين مع مسؤولين أو جنود مُرتشين. هذا، ولم يؤثّر تطوّر المشهد الجيوسياسي على الشبكات في حدّ ذاتها، بل أثّر على الأطراف المتعاملة معها حيث تأقلم المُهرّبون مع الوضع من خلال التعاون مع المجموعات الجديدة النّافذة أي الجماعات الإرهابية في بعض المناطق.

لماذا تستهدف الجماعات الإرهابية المسلحة التراث الثقافي؟ هل لمجرّد تمويل أنشطتها؟

إنّ الاتجار بالأعمال الفنية هو فعلا مصدر تمويل، تمامًا مثل الاتجار بالموارد الطبيعية أو ابتزاز السكان المدنيين بفرض ضرائب غير قانونية عليهم. لكن  ليس ذلك هو الوازع الوحيد.

فالجماعات الإرهابية تدرك تماما أهمية التراث، وغالبًا ما تكون الهجمات على المواقع مقصودة بهدف إحداث أكبر قدر من الأضرار، ماديًة كانت أم معنويًة. فزعزعة الاستقرار السياسي تُمثّل في الواقع تهديدا حقيقيا للهوية الثقافية للبلدان. فالدّولة الإسلامية عندما هاجمت المعالم الرئيسية ودمّرتها مثل معبد بل في تدمر، ومجموعات متحف الموصل بالعراق، كان الأمر يتعلّق بعملية دعائية مقصودة لإثبات قدرتها على الإفلات من العقاب، والتدليل على عجز السلط المحلية وكذلك المجموعة الدولية أمامها.

كما أنّ المواقع الثقافية أصبحت أماكن استراتيجية للجماعات الإرهابية المسلحة. فهي تعلم أن شهرة بعض المواقع وأهمية التراث الثقافي بالنسبة للمجتمع الدولي يحميانها من القصف. ففي سنة 2015، على سبيل المثال، عندما حاصرت داعش موقع تدمر، لم تجرؤ أي دولة من التحالف على شن غارات جوية على هذا الموقع المُسجّل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

في سنة 2015، وأمام تزايد التهريب في المنطقة، أصدر مجلس الأمن للأمم المتحدة بالإجماع القرار 2199، الذي يحجّر تجارة الممتلكات الثقافية المُتأتية من مناطق النزاع. ومع ذلك، استمرت القطع الفنية القادمة من البلدان التي تعيش حالة حرب في التدفّق إلى سوق الفنّ. كيف تفسّرون هذه الظّاهرة؟

في غالبية البلدان التي تكون فيها سوق الفن مُنظّمة قانونيا، يخضع إتلاف الأعمال الفنية وسرقتها إلى الملاحقة القضائية والعقوبات الجزائية. لكن الوضع يختلف بالنسبة لحيازة الممتلكات الثقافية المسروقة.

فحاليا، لئن يمكن تتبّع دار للبيع بالمزاد، قضائيّا، أو متحف أو صاحب مجموعة بتهمة حيازة قطعة متأتية من منطقة في حالة حرب، فإنّ مآل القضية يظلّ مرتبطا بالنظام القضائي المدني لبلاد المشتري. وفي صورة ثبوت إدانة المؤسسة أو بائع الآثار فإنّ العقوبة الأشد لا تتجاوز الحكم بإعادة القطعة المقتناة مع توجيه توبيخ للمؤسسة، لا أكثر.

ونظرا لأنّ عشرات الآلاف من الأعمال الفنية يتم تداولها اليوم على نحو غير قانوني في مختلف أنحاء العالم. فإن احتمال إعادة واحدة منها من حين لآخر يمثل مخاطرة معقولة سواء بالنسبة للبائع أو المشتري.

وعلى الرغم من المصادقة على القرار 2199، فإن الآليات القانونية، في البلدان التي يُسمح فيها بتجارة القطع الفنية، غير متوفّرة. ولكي تتغير الأوضاع، لابدّ من إرادة حقيقية من جانب الدول لإحالة المسؤولين أمام المحاكم الجنائية مع تشديد العقوبات حتى تكون رادعًا حقيقيًا.

كما يجب أن تتطوّر العقليّات أيضًا. ففي السنة الماضية، مثلا، عرضت دار كريستيز للبيع تمثالا نصفيا لتوت عنخ آمون مُختلَسًا من مصر. ولم يكن هناك أي مجال للشكّ في أن التمثال قد نُهب. وقد أثارت القضية ضجّة كبيرة، بيد أنّ السؤال الذي طُرِح لم يكن حول ما إذا كانت القطعة قد سُرقت أم لا، ولكن متى سُرقت، حيث انحصر الموضوع في معرفة ما إذا كانت هذه القطعة قد تم جلبها قبل اتفاقية اليونسكو لعام 1970، التي تحجّر الاستيراد والتصدير والنقل غير المشروع للممتلكات الثقافية، أو بعدها، وما إذا كانت قد وصلت إلى سوق الفن بطريقة قانونية من عدمها. لا أحد أولى اهتماما بموضوع سرقة القطعة نفسها رغم أنّه عمل مُدان في القانون الجنائي.

فطالما لم تحدث تغييرات جوهرية في مجتمعنا، سيستمر تداول القطع المكتسبة بطريقة غير مشروعة، سواء كانت مُتأتية من بلدان في حالة حرب أو من مكان آخر، في تغذية سوق الفن.

ما مدى مسؤولية دور المزادات والمتاحف وهواة التجميع؟

الأمر بسيط: بدون طلب لن يكون هناك عرض. على أرض الواقع، هناك اللصوص الذين يغذّون الشبكة، ذلك هو العرض. في المقابل، يُوجد المُشترون، وهو ما يمثّل الطلب. فإذا اقتصرت معالجة الموضوع على العرض فحسب، تكون السلطات قد عالجت جزءًا فقط من المشكلة. من الضروري جدّا أن تضع الحكومات استراتيجيات جديدة إذ لا بدّ من تتبّع أيّ دار للمزادات يثبت تورّطها في بيع قطعة أثرية منهوبة من دولة في حالة حرب، بموجب قوانين الإرهاب. يجب إدانة الطلب بقدر إدانة العرض، أي معاملة اللصوص والمشترين بنفس المستوى.

هل من علاقة بين الاتجار بالقطع الاثرية المنهوبة وتهريب السلاح والمخدرات المنتشرة في المنطقة؟

إنّ الحفريات السرية هي نقطة الانطلاق للاتجار غير المشروع في القطع الفنية والتحف العتيقة. يليها إخراج المسروقات من الموقع، وبيعها، ونقلها عبر الحدود إلى أن يتم إيصالها إلى سوق الفن حيث يتم بيعها من جديد لاستكمال طريقها إلى قاعة العرض أو ضمن مجموعة خاصة.

كلّ هذا المسار يتطلب تدخّل العديد من الأطراف الفاعلة. إنّها شبكة واسعة ومنغرسة لا تختلف عن شبكات مهربي الأسلحة والمخدرات.

إن تهريب القطع المنهوبة من مناطق الحرب، والتي يُعبَّر عنها بـتحف الدم -وهو مصطلح لا أعتقد أنه مناسب جدا–، ليس سوى فرع من بين فروع أخرى من أنشطة هذه الشبكات غير القانونية. فتهريب التحف عادة ما يقع بالتوازي مع التجارة غير القانونية للأسلحة. 

فليس من النادر أن تعثر قوات الأمن على أسلحة وقطع أثرية في نفس عمليات الحجز.

كل هذه الشبكات هي، في الواقع، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعضها ببعض. ويعود ذلك، إلى حدّ كبير، إلى الربحية الكبيرة لهذه الأنشطة. وإنّ ما يميّز بينها هو العقوبة المترتبة عنها. فالشخص الذي يُقبض عليه بحوزته كيلوغرام من الهيروين يذهب إلى السجن. أما إذا قُبض على نفس الشخص بحوزته عمل فني مسروق، فسيقتصر الأمر على إرجاع المحجوز.

هل يمكننا تصوّر نهاية لهذا الاتجار ذات يوم؟

تعمل بلدان عديدة على المستوى الوطني في هذا الاتجاه. ففي الشرق الأوسط، مثلا، أصبحت اليوم تجارة التحف محظورة في الغالبية العظمى من الدول. لذلك، إذا وصل تمثال من ليبيا، مثلا، إلى سوق الفن، يمكن التأكد من أنه تم الحصول عليه بشكل غير قانوني.

أما على المستوى الدولي، فهناك منظمات تساعد قوات حفظ النظام المحلية على تفكيك شبكات الاتجار. وعلى سبيل المثال، فإن اليونسكو تُوفّر قاعدة بيانات عن التشريعات الوطنية المتعلقة بالتراث الثقافي. كما أن المجلس الدولي للمتاحف تتوفّر لديه قائمة حمراء للممتلكات الثقافية المعرّضة للخطر، وأن الإنتربول يقوم بانتظام بتحديث قاعدة بيانات الإنتربول للأعمال الفنية المسروقة.

لكن يجب بذل جهود أكبر على المستوى المحلي، إذ غالبًا ما يتم تهميش الجماعات المحلية من قبل المؤسسات الكبرى التي تميل إلى العمل مباشرة على المستوى الحكومي في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع.

ومع ذلك، فإنّ المؤسسات الحكومية تكاد تكون غائبة عن المناطق التي تشتعل فيها الحروب في حين أنّ الجماعات المحلية، والأطراف الفاعلة في الميدان، والمنظمات غير الحكومية المحلية، هي التي تقف في الخط الأمامي.

في يناير 2018، أصاب صاروخان متحف معرّة النعمان في سوريا، مُخلّفا أضرارًا بالغة بهيكل المبنى. وبفضل مساعدة المجتمع المحلي، ولا سيما مساعدة مدير المتحف، تمكّن فريق من الخبراء، وكنتُ عضوا فيه، من الذهاب على عين المكان لمعاينة الأضرار وتقديم المساعدة الأولية. وقد أحيل التقرير بعد ذلك مباشرة إلى اليونسكو التي قدمت، آنذاك، مساعدة مالية وخبرة مكّنت من تفادي انهيار المبنى. هذا التعاون ساعد على إنقاذ المتحف وعلى تجنّب اختفاء إحدى أجمل مجموعات الفسيفساء الرومانية والبيزنطية في سوريا.

إنه لمن الضروري إعادة التفكير في طريقة عملنا. فالتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة على المستوى الدولي والوطني والمحلي ضروريّ إذا أردنا وضع حدّ لهذا التهريب الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين.

مطالعات ذات صلة

الممتلكات الثقافية، رهان النّزاعات المسلّحة

أحمد الفقي المهدي : «أعترف بالذنب»، رسالة اليونسكو، أكتوبر-ديسمبر 2017

قرار تاريخي لحماية التراث، رسالة اليونسكو، أكتوبر-ديسمبر 2017

نداء إغاثة لإنقاذ أنغكور، رسالة اليونسكو، ديسمبر 1971

راية تراثنا الثقافي، رسالة اليونسكو، يوليو 1954

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام