<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 11:46:40 Dec 05, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

الأحداث

طائرة بدون طيّار تكشف عن أسرار تيواناكو

cou_03_18_tiwanaku_01.jpg

مراسم أيامارية في تيواناكو (بوليفيا)

 

ها أن موقع تيواناكو الذي يقع على بعد 70 كلم غربي مدينة لاباز و15 كلم عن ضفاف بحيرة تيتيكاكا، يُفاجئنا من جديد. هو مركز روحي وسياسي لثقافة تيواناكو (بوليفيا)، مُسجّل منذ سنة 2000 في قائمة التراث العالمي. وقد تمّت فيه مؤخرا اكتشافات استثنائية في إطار مشروع لليونسكو.

 

بقلم لوسيا اغليزياس كونتز (اليونسكو)

 

يمثّل تيواناكو أحد أهم المواقع الأثرية المبهرة في أمريكا الجنوبية، بتركيبة مجمع مبانيه الهائلة وموقعه على ارتفاع  ما يفوق مستوى البحر بـ3800 متر. ويعود تاريخه إلى العصر قبل الإسباني للأنديز، حيث كان، طيلة عدة قرون، عاصمة لامبراطورية شاسعة وجبارة، استمدت سيطرتها من استعمال مواد وتقنيات مبتكرة، تمكّنت بفضلها من تحسين انتاجها الفلاحي، وبالتالي من تطوير قدراتها الاقتصادية. ومنذ عهد تيواناكو، تطوّرت الثقافة التي تحمل نفس الاسم، والتي بلغت أوجها بين سنتي 500 و900 من عصرنا، وأشعّت على مناطق شاسعة تضمّ غرب بوليفيا، والجنوب الغربي للبيرو، وشمال الأرجنتين والشيلي.

وإثر انهيار هذه الثقافة في القرن الثالث عشر، تعرّضت تيواناكو إلى عمليات سلب مكثفة: كانت للمكان جاذبية مثل المغناطيس على مفتّشي الكنوز، ممّا أدى إلى اندثار آثار نفيسة. وكان يُستعمل أيضا كمقطع للحجر، كما تشهد على ذلك العديد من الوثائق التاريخية. ويمكن العثور على بعض القطع التي نقلت من الموقع واستعملت في مباني عصرية متواجدة في المدينة المجاورة، وحتّى في العاصمة البوليفية لاباز.

وبعد أن اختار الرئيس إيفو موراليس، وهو من أصل أمريكي-هندي، تيواناكو كمكان رمزي لافتتاح كل واحدة من فترات حكمه الثلاث على رأس بوليفيا (في 2006 و2010 و2015)، استعاد الموقع أهمّيته وأصبح اليوم جزءا لا غنى عنه من برامج الزيارات السياحية. غير أن التمتّع الكامل بهذا الموقع يستوجب من الزائر جهودا كبيرة. ذلك أن تيواناكو لا تتطلّب مُجرّد التأمّل، وإنما استعمال دقّة الملاحظة والتوثيق. إذ لم يتبقى من المجموعة الفخمة من المعابد والقصور إلا الأنقاض أو آثار تمّ إعادة بناء سبعة منها جُزئيّا: هرم أكابانا، ومعبد كانتاتاييتا، والمعبد الصغير المقبور جزئيا تحت الأرض، ومعبد كالاساسايا، وقصر بوتوني، وقصر كيري كالا، وهرم بوما بونكو. لكن هذه الآثار المتبقية تحمل بوضوح طابع الحضارات العظمى لما تكنه من معجزات مثل بوما بونكو (باب بوما) المُتكوّن من كتل ضخمة من الحجر الرملي يصل وزنها إلى 130 طنا، موصولة فيما بينها بواسطة مشابك من نحاس، وهو انجاز يُثير الدهشة بما أن هذه الحضارة لم تكن تعرف العجلة – وفي تقدير بعض الباحثين، كان يستوجب حمل مثل تلك الكتل جهود 1300 إلى 2600 شخصا – علما وأن معرفتها بالمعادن منحت هذه الحضارة التفوّق على الصعيد العسكري.

 


خريطة لتيواناكو صُمّمت بالاعتماد على معطيات ذات 3 أبعاد وفّرتها طائرة بدون طيّار. الخطوط السوداء تشير إلى آثار تجمعات سكنية مُحتملة في منطقة مولو كونتو.

اكتشافات جديدة

إن الدافع الأساسي لبعث مشروع صيانة تيواناكو وهرم أكابانا والمحافظة عليهما، سنة 2015  بمبادرة من مكتب اليونسكو بكيتو، بأموال مودعة يابانية مخصصة للتراث العالمي في حدود 870.000 دولار أمريكي، هو ضرورة إنجاز مخطط مُحيّن لإدارة الموقع – وهو أمر مفروض على كافة المواقع المُسجّلة على قائمة التراث العالمي – وكذلك ضرورة وضع برنامج تربوي وخاص بالمتاحف يُساعد على حلّ البعض من ألغاز تيواناكو. كما يتضمّن هذا البرنامج الطموح، الذي انتهى إنجازه مُؤخّرا، خطّة للسياحة المستدامة (باعتبار أن تيواناكو يقع في الهضاب المرتفعة، في منطقة مُعرّضة للزلازل، وفي وادٍ منحصر بين مجموعتين من الجبال)، وكذلك، وبِطلب من لجنة التراث العالمي، إنجاز مسح طبوغرافي شامل للموقع.

ويوضح عالم الآثار خوزي إغناسيو غلاغو ريفيلا، الذي يعتني بهذا المشروع لصالح المنظّمة: «بما أنني متواجد على الميدان، اقترحت على اليونسكو إنجاز هذه الدراسة باستخدام الاستشعار عن بعد: وبفضل الطائرات دون طيّار والأقمار الاصطناعية، يمكننا اليوم الحصول على معطيات في غاية الدقّة»، مُضيفا: «لقد تطلب إعداد المشروع سنة كاملة. وبما أنني كنت مُتعاونا مع جامعة كمبلوتانس بمدريد، فكّرت في التوجّه إلى مركب الدراسات المتميزة في تلك الجامعة، المتكون من مجموعة من المخابر التابعة لعدة كليات، حيث يعمل العديد من المختصين الممتازين، وهو مركب يمارس أسعارا مناسبة جدّا. إلا أننا كنّا في حاجة إلى طائرة دون طيّار قادرة على التحليق على ارتفاع يفوق 4000 متر، ولم يكن بوسعنا نقل طائرة جامعة مدريد إلى بوليفيا. فتوجّهنا إلى شركة سويسرية تقوم بتوزيع الطائرات في شيلي وفي بوليفيا. فأنجزت التقويم المطلوب وقمنا باستغلاله في مخبر بمدريد».

تم التقاط الصور بين شهري أكتوبر وديسمبر من سنة 2016، وصدرت النتائج الأولى في مايو 2017. وقد وفّرت الطائرة معطيات على غاية من الدقّة، مع هامش خطأ يقلّ عن 4 سنتيمترات، على كامل الموقع الأثري.

وكشفت الخريطة التي تمّ الحصول عليها مجموعة من المباني غير المُتوقعة، مُوزّعة على كامل مساحة المنطقة التي تم استكشافها، والتي تمسح 411 هكتارا. وتمتدّ المنطقة الأثرية إجمالا على أكثر من 600 هكتار، أي أكثر بستّ مرّات من تقديراتنا.

ومكن تحليل الصور الجوية من اكتشاف أثر معبد حجري مطمور حذو ما يقارب مائة بناية دائريّة ومستطيلة ذات الحجم الكبير (قد تكون وحدات سكنيّة)، علاوة على خنادق وقنوات وطرقات ومباني أخرى تتعلق بمجالات مختلفة. لكن المُعطيات الجديدة مكّنت أيضا من الحصول على المزيد من المعلومات حول المعالم المعروفة، على غرار بوما بونكا، وهو مجمع من المعابد كانت مساحته المعروفة لا تتعدى هكتارين، وأصبحنا نعلم الآن أنه يحتوي على منصّتين أخريين مطمورتين. ويقول عالم الآثار في هذا الصدد: «بعد الاكتشافات التي حصلنا عليها بفضل الطائرات دون طيّار، أصبح أمامنا مُركّب ديني يمسح 17 هكتارا، أي ثلاثة أضعاف مساحة الهرم الأكبر في مصر».

ويُضيف عالم الآثار، وهو يعرض على شاشة حاسوبه خرائط وصورا لتدعيم أقواله: «لقد ضبطنا في الحين خريطة للموقع ولكل ما يوجد تحت الأرض. ويُمثّل ذلك بالنسبة لي اكتشاف العمر: تيواناكو تُمثّل منذ 500 سنة أحد المراجع التاريخية في علم الآثار على الصعيد العالمي... وشيء من هذا القبيل لا يحدث إلا مرّة واحدة في الحياة المهنية للباحث».

 

تشريك السكان المحليين

خوليو كندوري، مدير مركز البحوث الأثرية والأنثروبولوجية والإدارية لتيواناكو - أي الهيئة المُكلّفة بتسيير الموقع - ركّز عنايته منذ البداية على هذا المشروع. ويعتبر أن الخريطة الطوبوغرافية الجديدة تُمثّل في حدّ ذاتها أداة للمحافظة على الموقع، ويشرح في هذا الصدد: «لدينا الآن مساحة مدروسة تُقدّر بـ 650 هكتارا، وهو مُعطى يُمكن الاعتماد عليه لمزيد البحث ولتوسيع المنطقة ذات الحماية الفائقة».

وللمشروع موطن قوة آخر، ألا وهو التشاور المُنتظم مع السكان ذوي الأصل الأمريكي-الهندي، علما بأنه تُوجد على طرفي الموقع، شمالا وشرقا، مناطق آهلة. وتعد البلدية الحالية لتيواناكو ثلاثة مناطق سكنية تضمّ 23 دائرة، ويعيش حوالي 12.000 ساكن في المنطقة الأثرية ذاتها وفي ضواحيها القريبة. ويُضيف خوليو كندوري: «لقد تم إنجاز المشروع بكافة مراحله في تفاعل حيوي للغاية مع السكان، وفي ذلك سر نجاحنا في الحصول على هذه النتيجة»، مؤكّدا أن «بعض الأفراد من جماعات هوانكولو وأتشاكا ساهموا في السنة الماضية في الاستبيان الذي قمنا به للتثبّت في ما إذا كانت المعطيات التي وفّرتها الطائرة مطابقة للواقع. وقد أنجزوا هذا العمل بكل سرور. وعلينا أن نواصل مدّهم بنتائجنا حتّى يتبنّوها». وبالتوازي مع ذلك، ازداد عدد الزوار الوطنيين والدوليين – وقد فاق 125.000 زائر في سنة 2017. ويقول مدير المركز: «تضمن تلك المداخيل الاكتفاء الذاتي الاقتصادي للموقع، كما تسمح لنا بالاستفادة من مهارات المهندسين المعماريين، والكيميائيين، والجيولوجيين»،مُضيفا:«نأمل في مواصلة التعاون مع السلطات البلدية والوطنية، بالإضافة لدعم اليونسكو طبعا».

وحسب أسطورة الأيمارا، قد يكون الأسلاف قد أخفوا في باب الشمس، وهو المعلم الأكثر رمزيّة في تيواناكو، سرّ إنقاذ البشرية في حال وقوفها على شفا الهاوية. ومن حسن الحظ، لم تحن الساعة بعد. وفي الأثناء، بفضل جهود الباحثين وبفضل التكنولوجيا المتقدّمة، بدأ عهد جديد لهذه الثقافة التي أسست، انطلاقا من ضفاف بحيرة تيتيكاكا المُقدّسة، المجتمع الأكثر تقدّما في ذلك العصر، وابتكرت شكلا من أشكال الدولة التي لم يسبق لها مثيل في هذه الرقعة من القارّة الأمريكية.

 

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال بمناسبة الدورة 42 للجنة التراث العالمي التي تنعقد من 24 يونيو إلى 4 يوليو 2018 في المنامة (البحرين).