<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 09:17:50 Dec 25, 2021, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

الأحداث

ملء الفراغ الثقافي

cou_02_18_lucy_01.jpg

نعيش في الصمت 8، عمل من إبداع الفنان التشكيلي الزمبابوي كودزاناي شيوراي ، 2017

إن الشباب في جنوب القارة الأفريقية موهوب تماما مثل غيره في أي مكان آخر من العالم. لكن اندثار التقاليد المحلية وافتقادهم للأماكن التي من شأنها أن توفر لهم الظروف الملائمة لتنمية طاقاتهم الإبداعية، يجعلهم مكبوتين في فراغ ثقافي لا يغنيه استهلاك ما يرد على شبكة الإنترنت: هم يحتاجون للأدوات والوسائل المناسبة، والإرشاد والتشجيع حتى يتمكنوا من صياغة مساراتهم الخاصة.

بقلم لوسي موشيتا

تزخر القارة الأفريقية بالمواهب، من موسيقيين وكتاب وشعراء وفلاسفة وراقصين وغيرهم... يشكل هؤلاء الفنانون وإبداعاتهم القنوات التي تمرّر الثقافات من جيل إلى آخر. لكن الكثير منهم عاش في المنفى أو لا يزال، مثل الكاتب الكيني نغوجي واثيونغو، والكاتب المسرحي النيجيري وول سوينكا، والروائي والكيميائي الكونغولي ايمانويل دونغالا، والكاتب الفرنسي-الكونغولي آلان مابانكو والموسيقي الزيمبابوي توماس مابومو… والقائمة طويلة. كما يشغل البعض من هؤلاء الأفارقة المنفيين مناصب في جامعات مرموقة في الخارج حيث يلاقون كل التقدير الذي يستحقونه، بينما يحرم الطلاب في بلدانهم الأصلية من معارفهم .

وفي الأثناء، يندثر شيئا فشيئا الأدب الشفهي التقليدي ليغيب عن المشهد الثقافي. حين كنت شابة - نشأت في قرية صغيرة في روديسيا الجنوبية (زيمبابوي حاليا) خلال فترة التفرقة العنصرية - تغذت هويتي واحتياجاتي الثقافية بالآثار الأدبية المنقولة عن الأجداد الذين كانوا يروون لنا  القصص عند حلول الليل. كانت تلك الروايات مزيجا من المسرح والغناء والرقص، وتعد بمثابة الدروس التكميلية لتعليمنا الرسمي.

في المدرسة، قرأت مؤلفات كلاسيكية للعديد من رموز الأدب الإنجليزي والفرنسي والأمريكي. لكنها كانت بعيدة كل البعد عن واقعنا اليومي وخالية من أية أفكار قد توحي لنا بالاعتقاد بأننا متساوون مع السكان البيض. ولكن، على الرغم من الرقابة المسلطة على الكتب، اكتشفت من خلال القراءة عالما جديدا لم أكن أتوقعه، وثقافات أخرى وتعرفت على التفكير الفلسفي والمنطق، مما أدى بي إلى إعادة النظر في الوضع الراهن.

اليوم، لا يعرف الشباب الأفارقة سوى القليل النادر عن تراثهم التقليدي، ويفضلون قضاء وقتهم في استكشاف أفلام هوليوود، أو اللعب على شبكة الإنترنت. وبدلا من نقل ثقافتهم الأصلية إلى أطفالهم وأحفادهم وحثّهم على خلق أعمال فنية نوعية منبثقة عنها، يخيرون دفع المال لاستهلاك المنتجات الترفيهية الأجنبية. والنتيجة هي أن شبابنا أضحى منفصلا عن تراثنا وعن أعمال المؤلفين والمفكرين المعاصرين الأفارقة.

غير أن شبابنا موهوب تماما مثل غيره في أي مكان آخر من العالم. وقد التقيت بفتيات وفتيان يؤلفون أجمل المقطوعات الموسيقية بأدوات بسيطة، أو ينتجون أفلاما قصيرة ممتازة باستخدام هواتفهم الذكية، وذلك دون أن يحصلوا على أي تدريب خصوصي. وإن سنحت لهم الفرصة، فسوف يستفيدون كثيرا من الموارد الإلكترونية مثل الكتب القابلة للتنزيل. والأمر كذلك بالنسبة للفنانين التشكيليين الذين يحتاجون لأروقة لعرض ابداعاتهم. كما يجب وضع سياسات للملكية الفكرية لحماية أعمالهم.

هل هناك حقا نقص في تمويل المشاريع؟

ما هي السياسات التي يمكن أن تتبناها دول الجنوب الأفريقي حتى تملأ هذا الفراغ الثقافي بمحتوى ملائم؟ ما الوسيلة لحث الشباب الأفارقة على التفكير بدلا عن اجترار أي شيء يمر عرضا على طريقهم؟ كيف يمكن لهذه المنطقة أن ترفض الإنتاج المتسمم وأن توفر للشباب ما يغذي قدراته الإبداعية الأصيلة؟

قد تكون حجة نقص الموارد مقبولة في كثير من الحالات. ولكن، ما ألاحظه هو أن كل البلدان  تقريبا في جنوب أفريقيا ينفقون الملايين على ملاعب كرة القدم ويسددون مرتبات مذهلة للاعبين. صحيح أنه يجب تعزيز الرياضة وأن ملاعب كرة القدم مربحة عموما. لنبتكر إذن استراتيجية توفق بين الرياضة والثقافة، تسمح مثلا باستغلال العائدات المالية للملاعب الرياضية في تمويل المكتبات وقاعات السينما والمسارح ومراكز ممارسة الموسيقى.

وهناك ذريعة أخرى ذات الصبغة السياسية، وقد عهدناها، تقضي بأن أي استثمار ينبغي أن يخلق مواطن شغل. ولكن، ماذا عن هوليوود مثلا، التي توظف الآلاف، إن لم يكن الملايين من الأفراد، بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يعود  بالفائدة على الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي، بالاضافة إلى ما يتيح لها من فرص لاستخدام قوتها الناعمة. والآن وقد أصبحت التكنولوجيا في متناولنا، صرنا قادرين أيضا على صياغة قصصنا الخاصة، من خلال الأدب والسينما والفن.

نجاح أفريقي

إن الإبداع لا يعني بالضرورة تكاليف باهظة. في عام 2016، نشرت دار «سكستيث أند ساكند» الإيطالية مجموعة قصصية حول رياضة كرة القدم في القارة الأفريقية، بقلم  كتاب أفارقة، تحمل عنوان «سعادة الرجال البسطاء». وبما أن الكتاب قد صدر باللغة الإيطالية وحدد ثمنه بـ18 يورو للنسخة الواحدة، لم يكن بمقدور الكثير من الأفارقة اقتناؤه. وفي المقابل، كان فيلم «نيريا» في متناول المشاهدين، وهو فيلم من إخراج الزيمبابوي غودوين ماورو عام 1993، عن سيناريو للمؤلفة والسينمائية تسيتسي دانغاريمبغا، يروي قصة نضال امرأة. ولا يزال  «نيريا» الفيلم الذي لاقى النجاح الأكبر والذي جنى أعلى الأرباح في تاريخ السينما الزيمبابوية.

لقد كان - تقريبا - من باب المستحيل لأي شخص من جيلي أن يصبح مؤلفا محترفا، في حين أصبحت اليوم كل الإمكانات والأدوات في متناول الشباب الأفارقة. كاتبات وفلاسفة من النساء - مثل كين بوغول (السنغال)، وكيدي بيباي (فرنسا-الكاميرون)، ونادية يالا كيسوكيدي (ولدت في بلجيكا من أب كونغولي وأم فرنسية-إيطالية)، وفرجينيا فيري (زيمبابوي)، وشيماماندا نغوزي أديشي (نيجيريا) – أمسكن بأقلامهن، ولا بد لأفريقيا أن تستمع إِليهن وأن تَدعمهن. إن صورة أفريقيا السائدة عبر العالم لا زالت تشوبها النظرة الاستعمارية. وإذا ما توفرت الفرص المناسبة للأصوات الأفريقية، فسوف تكون قادرة على تغيير هذا الوضع.

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في الاحتفال بالأسبوع الأفريقي في منظمة اليونسكو.

الصورة أعلاه

كدزناي شيوراي Kudzanai Chiurai

لوسي موشيتا

كاتبة وروائية من زيمبابوي. ولدت في روديسيا الجنوبية ونشأت في قرية صغيرة خلال فترة التفرقة العنصرية. روايتها «تشينونغوا» (نشرت في جنوب أفريقيا عام 2008، ثم في فرنسا في عام  2012 عن دار النشر «آكت سود»)  تلقي الضوء على هذه الفترة من حياتها، قبل أن تغادر بلدها في عام 1986 إلى فرنسا والولايات المتحدة وأستراليا ، إلى أن جعلت من باريس مقر إقامتها.