<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 09:17:04 Dec 25, 2021, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

الأنثروبوسين: الرهانات الأساسية لنقاش علمي

cou_02_18_ouverture_grand_angle_horizontal_01.jpg

رجل فيترفيو من حديد الزهر.  لوحة ليوناردو دا فينشي الشهيرة التي أعاد رسمَها  الفنان الأمريكي جون كيغلاي سنة 2011 على الطوف الجليدي على بعد 800 كلم من  القطب الشمالي، بمساعدة طاقم كاسحة الجليد أركتيك سانرايز التابعة لمنظمة السلام الأخضر (غرين بيس).

تمت صياغة مصطلح الأنثروبوسين لتوضيح مدى تأثير التراكم السريع لغازات الدفيئة على المناخ والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى الضرر الدائم الناجم عن الإفراط في استهلاك الموارد الطبيعية. ولكن، هل ينبغي أن نجعل من هذا المفهوم عصرا جيولوجيا جديدا؟ النقاش يحتدم بين العلماء. وقد تأخر وضع حلول بهذا الخصوص. ونحن نواجه في الحقيقة إنكارا جماعيا، نتيجة لإيمان ساذج بالتقدم، وللإيديولوجية الاستهلاكية واللّوبيات الاقتصادية القوية.

بقلم ليز رجان إيسبرنر وفيليب لينا

يوجد مصطلح الأنثروبوسين اليوم في عناوين المئات من الكتب والمقالات العلمية والآلاف من الاقتباسات، ويستمر ارتفاع نسبة استخدامه في وسائل الإعلام. تم اقتراح هذا المصطلح لأول مرة من طرف عالم الأحياء الأمريكي أوجين ف. ستورمر، ثم انتشر بين العامة في بداية سنوات 2000 من قبل العالم الهولندي بول كروتزن الحائز على جائزة نوبل للكيمياء، للدلالة على العهد الذي بدأت فيه الأنشطة البشرية في إثارة تغييرات أحيائية-جيوفيزيائية على الصعيد العالمي. وقد لاحظ الباحثان أن هذه التغيرات تبعد نظام الأرض عن التوازن النسبي الذي كان يحققه منذ بداية عصر الهولوسين، قبل 11700 سنة. وقد اقترحا القيام بتحديد رمزي لبداية هذا العصر الجديد عند سنة 1784، وهي السنة التي أتقن فيها  جيمس واط (المملكة المتحدة) تطوير المحرك البخاري، موازاة مع بداية استخدام الطاقة الأحفورية والثورة الصناعية.

من عام 1987 إلى عام 2015، جمع مشروع علمي واسع ومتعدد التخصّصات، وهو البرنامج الدولي للغلاف الأرضي والمحيط الحيوي، مجموعة من البيانات حول مفعول الأنشطة البشرية في تغيير خصائص نظام الأرض. وقد أبرزت دراسات أخرى أنجزت في عام 1950، تستند في الآن نفسه على عينات جليدية قديمة من القارة القطبية الجنوبية وعلى التشكيل الحالي للغلاف الجوي، تم تحليلها في مرصد ماونا لوا (هاواي)، تراكما متسارعا لغازات الدفيئة، بالأساس ثاني أكسيد الكربون. وفي عام 1987 أنشئت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، المكلفة بتقييم التأثير المناخي لهذه الظواهر. 

التسريع الكبير

وبعد تجميع كل هذه البيانات، قام السويدي جوهان روكستروم والأمريكي ويل ستيفن وزملائهما من مركز ستوكهولم للمرونة  في عام 2009 وعام 2015 بوضع قائمة بالحدود التسعة التي من شأن تجاوزها أن يشكل خطرا جسيما، غير أن هذا التجاوز قد حصل بالفعل مع أربعة منها: المناخ، والتغير في الغطاء النباتي، وتآكل التنوع البيولوجي أو التقلص الحيواني (الانقراض الجماعي السادس)، والتدفقات الكيميائية-الأرضية-الأحيائية التي تلعب فيها دورات الفسفور والنيتروجين دورا هاما بشكل خاص. كما بيّنوا أن جميع المؤشرات المتاحة حول استهلاك الموارد الأولية، واستخدام الطاقة، والنمو الديموغرافي، والنشاط الاقتصادي، وتدهور المحيط الحيوي قد ارتفعت بقوة بعد الحرب العالمية الثانية، وقاموا بتسمية هذه المرحلة، مرحلة التسريع الكبير. ويذهب مراقبون آخرون، منذ سبعينات القرن الماضي، لحد التحدث عن فترة تسريع مفرط. وتوصف هذه الاتجاهات بأنها «غير مستدامة». 

الأنثروبوسين: تعبير مجازي أم عصر جيولوجي حقيقي؟

يبدو أن هناك إجماع حول الاعتراف بأن العديد من خصائص نظام الأرض قد بدأت تتطوّر في الفترة الأخيرة خارج نطاق التغيرات الطبيعية لعصر الهولوسين، وأصبح التحدث عن الأنثروبوسين مقبولا أكثر فأكثر باعتبار الإنسان متسببا في هذا الوضع. غير أن مجموعة من العلماء قرروا تجاوز التعبير المجازي والأداة المرجعية العملية المتعددة التخصصات: اقترحوا أن يرقى الأنثروبوسين رسميا إلى مرتبة العصور أو الحقب الجيولوجية، مثل الهولوسين أو البليستوسين. وتعهد فريق العمل حول الأنثروبوسين بتقديم هذا الاقتراح إلى الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية. لكن موافقة الأخصائيين في علم الطبقات الجيولوجية على وجود حقبة جديدة، مشروطة بوجود انفصام واضح على الصعيد العالمي بين الطبقات الرسوبية لحقبتين. غير أنه، على الرغم من أننا نلاحظ وجود الكربون الناجم عن النشاط البشري على الرواسب منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، فإن هذا لا يعتبر كافيا. تقترح المجموعة إذا تحديد تغير الحقبة عند سنة 1950، التاريخ الذي ظهرت فيه على الرواسب العديد من المكونات الكيميائية وجزيئات البلاستيك التي يعود مصدرها لآثار الأنشطة البشرية: وهو يمثل أيضا بداية التسريع الكبير. وعلى أية حال، فإن احتمال عدم الاعتراف بالأنثروبوسين كعصر جيولوجي لا يلغي بأي شكل من الأشكال الاستخدام العلمي للمصطلح، كما يتم حاليا.

وعلى الرغم من قصر مدة وجوده، أثار مفهوم الأنثروبوسين بالفعل كثيرا من الجدل. وقد تم وضع المصطلح نفسه محل تساؤل. حيث تساءل المؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا حول كلمة أنثربوس، التي تحيل إلى الجنس البشري بصفة عامة. فمن يتحمل مسؤولية تجاوز الحدود الأحيائية-الجيوفيزيائية، سوى الإنسان الغربي ونظام اجتماعي واقتصادي معين؟ ومن هنا تضاعفت المقترحات البديلة: أكسيدنتالوسين (إشارة إلى الغرب)، كابيتالوسين (إشارة إلى الرأسمالية) الخ. وهناك من يعتقد، مثل المتخصصين في التاريخ الكوني والبيئي، أنه لا يوجد فاصل وجودي وأن الطابع الاستثنائي للنمو الغربي (التباعد الكبير) يجب اعتباره على المدى البعيد. وحسب رأيهم، مارس الإنسان على مدى التاريخ، على الأقل خلال السنوات الأربعين ألف الماضية، تأثيرا متزايدا على البيئة المحيطة، إذ ساهم، على سبيل المثال، في انقراض الحيوانات الضخمة في أمريكا وأستراليا. يدافع إذا بعض العلماء عن عهد الأنثروبوسين طويل المدى، يتألف من فترات فرعية مثل التصنيع الرأسمالي (1850-1950) والتسريع الكبير. إلا أن معظمهم يعترف بضرورة التخلي عن وجهة نظر أحادية وحتمية للزمن التاريخي.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حذر العديد من العلماء من الطابع غير القابل للتعميم وغير المستدام للنموذج الاقتصادي الغربي. حينئذ لم يتم تجاوز أية حدود وكانت البشرية تستهلك نسبة أقل من موارد الكوكب. لكن الدينامية أطلقت.

وفي مطلع سبعينات القرن الماضي، ازداد الوضع سوءا وتضاعفت التحذيرات وتراكمت البيانات العلمية. وفي كلتا الفترتين، كان من الممكن القيام بتغيير تاريخي. وقد أصبح الأمر أكثر صعوبة اليوم. 

إنكار جماعي

لماذا نرفض الانتباه لهذا الأمر؟ بإمكاننا ذكر عدة أسباب: منها الإيمان الأعمى بالتقدم والتنمية، أي بنظام تزداد فيه بشكل لا متناهي كمية الثروات المتاحة، والاعتقاد في قدرة العلم والتكنولوجيا على حل جميع المشاكل والآثار الخارجية السلبية (مثل التلوث، على سبيل المثال)؛ ومنها المصالح القوية المستفيدة من هذه الدينامية والتي تمارس ضغوطات مكثفة؛ وكذلك استهداف خيال المستهلك من خلال وسائل الإعلام التي تخلق تعطشا للاستهلاك الفردي، سواء لأغراض الراحة أو للتميز ونيل الشهرة.

ومن المثير للدهشة أن العلوم الانسانية والاجتماعية لطالما ظلت بعيدة عن هذا الإشكال رغم أنه يحدد مستقبل البشرية، إضافة إلى كون هذه العلوم متمركزة محوريا حول الإنسان، وقد اعتبرت أن المجال يخص البحث في العلوم الطبيعية بامتياز. إن ظهور مفهوم الأنثروبوسين يمنحهم مسؤولية دراسة وشرح الكيفية التي تمكنت من خلالها المجتمعات البشرية من إحداث تغييرات بهذا الحجم في طريقة سير الكوكب، وما هي التأثيرات المتمايزة التي تمارسها على خريطة العالم. لا بد أن تتطوّر العلوم الانسانية والاجتماعية وأن تدمج المواضيع والمعارف الجديدة للإجابة على الأسئلة التي تثيرها الحقبة الجديدة: الكوارث الطبيعية والطاقة المتجددة واستنزاف الموارد الطبيعية والتصحر والإبادة البيئية والتلوث واسع النطاق والهجرة والظلم الاجتماعي والبيئي...

وما يدعو للدهشة أيضا، هو تباطؤ وضعف رد فعل المسؤولين السياسيين والمجتمعات بشكل عام. ويبين تحليل رياضي لشبكات الاقتباسات وجود توافق في المقالات العلمية التي تتناول موضوع تغير المناخ، منذ مطلع تسعينات القرن العشرين. ونظرا لتفاقم الأزمة، لا نجد مبررا لبقاء الجهود المبذولة للتخفيض في انبعاث غازات الدفيئة على هذا المستوى الضعيف. فما هي العقبات التي تحول دون الزيادة من فعالية المفاوضات الدولية؟ إلى جانب العقبات المتعمدة، لا شك أن التواصل بين العلم والمجتمع يفتقر إلى السلاسة، على الأقل في ما يتعلق بمسألة المناخ. لذلك، اعتمدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ  مقاربة جديدة في تقريرها التقييمي السادس، حتى يسمح بتحسيس المواطنين، وليس صناع القرار فقط. 


صورة جوّية تشهد على إزالة الغابات في شمال إقليم بارا في البرازيل (2013). وحسب ما أوردته صحيفة لوموند الفرنسية، فإن الدولة قلّصت من إزالة الغابات بنسبة 84٪ بين سنتي 2004 و2012، قبل أن تعود الغابات للنمو من جديد

أين الحلول؟

من أهم العقبات التي تعرقل مواجهة الأنثروبوسين هي ضرورة حل مشكل حساس يتعلق بالعدالة البيئية. وسوف يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المخاطر الحالية وخلق مخاطر جديدة تهدد الأنظمة الطبيعية والبشرية. إلا أن هذه المخاطر موزعة بطريقة غير متساوية وتؤثر عموما بشكل أكبر على الأفراد والمجموعات الأقل حظا. ولكن، ليس من السهل إيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة، نظرا للتباين بين البلدان من حيث مستوى التنمية والحجم والسكان ورأس المال الطبيعي وغيرها من العوامل. وعلاوة على ذلك، فإن البصمة البيئية للإنسان تتجاوز بالفعل بنسبة 50٪ قدرات الكوكب التجديدية والاستيعابية، كما يعيش 80٪ من سكان الأرض في بلدان ذات قدرة بيولوجية أقل من بصمتها البيئية. ولا يزال لدى بلد مثل البرازيل (وبلدان أخرى في القارة الأمريكية) فائض كبير في القدرة البيولوجية، على الرغم من أنه يستهلك 1،8 كوكب. إلا أن في هذا البلد، 26٪ من انبعاثات غازات الدفيئة هي ناتجة عن إزالة الغابات. ويأتي جزء كبير من بصمته البيئية من تصدير منتجات أولية يعود مصدرها إلى حد كبير من إزالة الغابات. ويسعى النظام التنافسي الذي تحكمه العولمة إلى التزود بأقل تكلفة، مشجعا على الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في العديد من البلدان والاستيلاء على الأراضي في بلدان أخرى.

لو كان في استطاعتنا، بدءا من اليوم، إلغاء انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون كليا في البلدان ذات الدخل المرتفع، فإن هذا لن يقلص بما فيه الكفاية من البصمة الكربونية العالمية لتبقى ضمن الحدود التي يفرضها المحيط الحيوي حتى عام 2050. وبعبارة أخرى، بغض النظر عن الفوارق الكبيرة على المستوى الاقتصادي والموارد الطبيعية، ينبغي على جميع البلدان أن تسعى جاهدة لمعالجة مشكل الأنثروبوسين الأكثر إلحاحا وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بصفة جذرية.

ولكننا هذه المرة نجد أنفسنا في طريق مسدود، يظهر من جديد في جميع المفاوضات الدولية: «لعبة إلقاء اللوم» هذه التي تجعل الدول مترددة في الالتزام حتى لا يتضرر نموها الاقتصادي وفرص الشغل التي توفرها، وحتى لا تعرقل المصالح النافذة. ويكمن الحل الذي تم التوصل إليه في اتفاق باريس، المبرم في 22 أبريل 2016، في طلب التزامات طوعية، بدلا من فرض معايير محددة على المستوى العالمي. وهذا يعني أن تتعهد كل دولة بتحقيق أهداف لتخفيض انبعاثاتها وفقا لما تعتبره ناجعا. وقد ساعد هذا النهج على كسر الجمود والتمكين من تنفيذ الإجراءات، ولكنه خلق أيضا تشابكا في معايير التقييم، عقّد عملية المقارنة بين الجهود الوطنية. ومن ناحية أخرى، على الرغم من طابعها العالمي، لا تنص هذه المعاهدة الدولية على فرض عقوبات على الدول التي لا تحترم التزاماتها. وهذه علامة على الحوكمة الضعيفة لمسألة المناخ التي، نظرا لحرمانها من مؤسسة مكلفة خصيصا بهذا الأمر، لم تنجح في تجاوز المصالح الاقتصادية للدول والمؤسسات الاقتصادية.

لا تحتل المشاكل البيئية الجسيمة للأنثروبوسين، المدفونة تحت التناقضات والمعضلات والجهل، الأولوية المطلوبة على جداول أعمال المجتمعات. كل شيء يمر وكأن البشرية، واهنة القوى، تنتظر نهاية الفيلم واللحظة التي سيأتي فيها  الأبطال لإصلاح كل شيء، ونكون حينها جميعنا سعداء إلى الأبد.

اقرأ المزيد
إلى أي حد نحن مسؤولون؟ ـ رسالة اليونسكو، مايو 1998

Progress, risk and responsibilities, UNESCO Courier, May 1998

الصور أعلاه

 
ليز رجان إيسبرنر

ليز رجان إيسبرنر (البرازيل) هي خبيرة اقتصادية وباحثة رئيسية في المعهد البرازيلي للمعلومات في العلوم والتكنولوجيا وأستاذة في برنامج ماجستير علوم المعلومات (الجامعة الاتحادية في ريو دي جانيرو بالاشتراك مع المعهد البرازيلي).