<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 06:47:57 Dec 31, 2021, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

متاجرون بالفنّ، متاجرون بالأرواح

cou_03_20_wide_angle_general_web.jpg

قطع أثرية معروضة في تظاهرة "حماية التراث الثقافي: ضرورة حتمية للبشرية" أقيمت في ديسمبر 2015 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.

بعد مرور 50 سنة على اعتمادها، ما زالت اتفاقية اليونسكو بشأن الاتّجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية تمثّل الأداة الرئيسية للحدّ من هذه الآفة. فعلى مدى نصف قرن، ارتفعت وتيرة مكافحة هذه التجارة السرية، وازداد الوعي بالضّرر المعنوي النّاجم عن النهب الذي يحرِم السكان من جانب من هويتهم. لكن التّهافت على الممتلكات التي التهبت أسعارها، والاعتدال الذي تتّسم به العقوبات، وهشاشة الوضع في المواقع الكائنة في مناطق النزاع، تمثّل جميعها تحدّيات يجب رفعها من أجل الحدّ من الاتّجار غير المشروع الذي يشير إليه بعضهم بعبارة "تحف الدم العتيقة".

أنياس باردون

اليونسكو

في خريف 2019، صودرت عُملات من عصور مختلفة، وأسلحة قديمة، ومواد خزفية، وأحفوريات، ولوحات فنية، خلال عملية نُظّمت في حوالي مائة دولة. وقامت الجمارك الأفغانية وحدها بحجز 971 قطعة من التراث الوطني في مطار كابول، في حين عُثِر، في مدريد، على قطع نادرة للغاية تعود إلى ما قبل العهد الكولومبي، على غرار قناع ذهبي من توماكو.

وقد تم اعتراض ما يقارب 19.000 قطعة، وتفكيك العديد من شبكات التهريب الدولية خلال عمليتين متزامنتين، تمّت إحداهما بقيادة مشتركة بين منظمة الجمارك العالمية والأنتربول، فيما أنجزت الثانية بتنسيق من اليوروبول والحرس المدني الإسباني.

هذه المصادرة القياسية تُعطي فكرة عن أهميّة الحجم الذي بلغه الاتّجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية خلال العقود الأخيرة، وعن أهميّة رد الفعل الأمني، أيضا، على المستوى الدولي. وتظلّ الاتفاقية المتعلقة بالإجراءات الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل الملكية غير المشروعة للممتلكات الثقافية محور مكافحة هذه التجارة السرية.

وقد ساهمت اليونسكو، من خلال هذه الاتفاقية، وعلى امتداد 50 سنة من وجودها، على تحسيس الرأي العام برهانات هذا الاتجار. كما ساعدت الدول الموقّعة على الاتفاقية، وعددها اليوم 140 دولة، على إعداد قوانين وإجراءات وقائية، وشجّعت على استرجاع الممتلكات التي تمّ نقلها بشكل غير قانوني.

بيد أنّه، لئن أصبحت التشريعات أكثر تشدّدا، ووعي الرأي العام أكثر تطوّرا، وآليات مراقبة الأعمال وتعقّبها والتعرّف على مصادرها أكثر تقدّما، فإن المُهرّبين، الذين ما انفكّ عددهم يتكاثر، اكتسبوا بدورهم مزيد الفعالية والدراية.

يصطدم المحقّقون وأعوان الجمارك والخبراء بعديد العقبات لتطويق عمليات التهريب التي أخذت بُعدا عالميّا، بدءا برواج الأعمال الفنية والتحف العتيقة ذاتها لأنّ تجارة الممتلكات الثقافية، حتى وإن لم تكن ظاهرة جديدة، لم يسبق أن عرفت هذا القدر من الازدهار حيث شهدت الأعمال الفنية والتحف ارتفاعا مذهلا في أسعارها نتيجة تهافتِ جامِعِي التحف، والمعارض، والمتاحف. ففي سنة 2019، حقّقت هذه التجارة رقم معاملات ناهز الـ 64 مليار دولار (تقرير سوق الفن العالمي).

تجارة الظل

نظرا لكونها مربحة على نحو خاص، فإنّ هذه التجارة تجذب المستثمرين الذين يبحثون عن توظيف أموالهم ولكنها تغري أكثر أطرافا عديمة الضمير والأخلاق، وتنظيمات مافياوية، ومنظمات إرهابية تجد في هذه التجارة وسيلة لتبييض الأموال وتمويل أنشطتها.

يصعب تقدير مدى انتشار الاتّجار غير المشروع، السرّي بطبعه، لا سيّما وأن الإحصائيات النادرة المتوفّرة تبقى منقوصة. فأقل من نصف الدول الأعضاء في الإنتربول تُقدّم بيانات عن سرقة الممتلكات الثقافية التي تحدث على أراضيها. لكن رغم غياب أرقام دقيقة، يُقدَّر، عموما، أنّ الاتّجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية يأتي في المرتبة الثالثة من بين الأنشطة الإجرامية الدولية، بعد الاتّجار بالمخدرات والأسلحة.

وإذا كانت سرقة اللوحات تمثّل حدثا لافتا للانتباه ومحل اهتمامٍ من وسائل الإعلام، فإن سرقة لوحات مثل الصرخة لادوارد مونش سنة 2004 في النرويج، أو مؤخرًا حديقة كاهن نيونن في الربيع لـفنسنان فان جوخ في هولندا، لا تُمثل سوى غيض من فيض، إذ أنّ الجزء الأهم من هذه التجارة يتمّ في الظل، وفي الكتمان، ومن خلال اتباع مسالك مُلتوية غالبًا ما يكون مأتاها المباني الدينية والمتاحف والمواقع الأثرية في البلدان التي تُمثّل بُؤرا للتوتر.

بعد المرور عبر بلدان وسيطة، تنضمّ القطع المسروقة أو المنهوبة إلى المجموعات الخاصّة على ملك الأفراد أو إلى رصيد التجار المستقرين في العواصم الغربية، وتكون مصحوبة بشهادة تصدير صادرة عن بلد العبور وليس عن البلاد الأصلية كما هو مفترض، لكن مثل هذه الوثيقة نادرا ما تُطالب بها تشريعات دول المقصد.

نهب وحشي

على عكس الأنشطة الإجرامية الأخرى، المحظورة تمامًا، فإن جزءا من تجارة الممتلكات الثقافية يُمارس على مرأى من الجميع حيث يتمّ، في كثير من الأحيان، عرض التماثيل، والنقوش، والقطع الخزفية القديمة المسروقة أو المكتسبة بطريقة غير مشروعة، وإدراجها مباشرة في سوق الفن القانونية. ونظرا إلى أن معظم القطع المتأتية من التنقيبات الوحشية لا تظهر على قوائم الجرد فإنها تظلّ غير مشمولة باتفاقية 1970 ولا يمكن لبلدان المنشأ إثبات مصدرها.

واستجابة لهذا الانشغال، وأمام حجم النهب الذي تقوم به داعش وغيرها من الجماعات في العراق وسوريا، أصدر مجلس الأمن للأمم المتحدة القرار 2199 سنة 2015 لمنع الاتّجار غير المشروع بالآثار المتأتية من هذين البلدين، وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الدول والأفراد الذين يستفيدون من التجارة غير المشروعة في التحف الأثرية.

وممّا يُؤكّد ضرورة تعزيز التشريعات والعقوبات، ظهور تجارة ما فتئت تزدهر عبر الإنترنت منذ حوالي خمس عشرة سنة، وتمثّل نعمة للمُهرّبين إذ بِنَقْرَةٍ واحدة، يمكن للمشترين من جميع أنحاء العالم الحصول على تماثيل صغيرة من العصر ما قبل الكولومبي أو خزفيات قديمة، مع التستّر التامّ على هوياتهم. فقد عُرضت للبيع على موقع إباي سنة 2005 قطعٌ من الطوب من معبد لارسا، العائد تاريخه إلى عهد نبوخذ نصر، وكانت نُهبت من العراق سنة 2003. وخلال عملية واسعة النطاق شنّتها الأنتربول في خريف 2019، تبيّن أنّ حوالي 30% من القطع المحجوزة معروضة للبيع على الإنترنت.

الأزمة الصحية تزيد الوضع تفاقما

زادت الأزمة الصحية المرتبطة بوباء كوفيد -19 من حدّة هذه الظاهرة. فأثناء الحجر الصحي، لاحظ الفريق المختص في تعقّب الشّبكات الرقمية للاتجار بالقطع الفنية، والعامل ضمن مشروع آثار (الاتّجار بالآثار وبحوث الأنثروبولوجيا التراثية) تزايد نشاط بيع القطع المسروقة عبر الشبكات الاجتماعية، وخاصّة تلك المُتأتية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأدى العمل الاستقصائي لهذا الشريك لليونسكو إلى قيام فيسبوك بحظر تجارة القطع الثقافية التاريخية على منصاتها الرقمية.

تلك كانت الخطوة الأولى. ثمّ في شهر يونيو الماضي، في إطار الذكرى الخمسين لاتفاقية 1970، جمعت اليونسكو عبر الإنترنت خبراء عالميين في مكافحة الاتّجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية لدراسة تأثير كوفيد-19 على هذه الآفة والنظر في سُبُل مكافحة تنامي هذا التهريب. وقد أوصى الخبراء بإنشاء وحدات شرطة متخصصة في مراقبة منصات الإنترنت بهدف التعاون الفعّال على تفكيك شبكات البيع غير المشروع. كما دعوا إلى استخدام الأدوات التي أنشأتها اليونسكو وشركاؤها على نحو أكثر منهجية، مثل قاعدة بيانات اليونسكو للتشريعات الوطنية للتراث الثقافي، والقائمة الحمراء للممتلكات الثقافية المعرّضة للخطر الصادرة عن المجلس الدولي للمتاحف، وقاعدة بيانات الأنتربول للأعمال الفنية المسروقة.

 إنّ الرهان كبير. فتتّبعُ مصدر عمل فنّي أو قطعة أثرية مسروقة لا يسمح فقط بتعقّب المُهرّبين وإيقافهم، بل يتجاوز الجانب الزّجري البحت ليُمهّد الطريق أمام إعادة القطع إلى بلدانها الأصلية. هكذا أعادت الأرجنتين مؤخرًا إلى جيرانها عددًا كبيرًا من الممتلكات الثقافية المصادرة على أراضيها.

تبقى المسألة الأكثر حساسية، ألا وهي إعادة الأشياء المنهوبة خلال الفترة الاستعمارية إذ ظلت هذه القضية مصدر توتّر بين الدول التي تأوي مجموعات متْحفيّة غنية وتلك التي تطالب بإعادة الممتلكات التي تمثّل جزءًا من هويتها.

هذا الطلب، الذي يُؤيّده عدد متزايد من الدول، يجد اليوم صدى متناميا لدى الجمهور. ففي بلاك بانتر (النّمر الأسود)، وهو شريط من إنتاج مارفل لاقى نجاحًا عالميًا سنة 2018، يأتي ابن الأمير نجوبو، العدو اللّدود للنّمر الأسود، لاستعادة سلاح الواكاندا الأسطوري من متحف في لندن. وحتّى إن كان هذا البلد الإفريقي خياليًا، فإن النقاش حول إعادة الأعمال الفنية يظل من صلب الواقع.

مطالعات ذات صلة

اتفاقية رائدة

نهب الآثار: حتى يتوقّف النزيف، رسالة اليونسكو، أكتوبر- ديسمبر 2017

ضد اللصوص والمخربين: لننقذ كنوزنا، رسالة اليونسكو، أبريل 2001

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام