<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 16:35:19 Mar 15, 2022, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

البابا فرنسيس في الموصل: رسالة سلام ووحدة مترسخة في كنف مجتمع حاضن للتنوّع

04/03/2021

سوف يصل البابا فرنسيس إلى العراق في 5 آذار/مارس، حاملاً معه رسالة سلام ووحدة تستند إلى ركيزة أساسية، ألا وهي التنوع. وتتربع هذه الرسالة في صميم مهام اليونسكو وعملها، حيث يكتسي الإدماج والتنوع أهمية بالغة لتحقيق التفاهم وتبادل الاحترام، وذلك بغية بناء عالم أكثر سلماً وعدالة، في نهاية المطاف. ويتجلى عملنا في تعاوننا مع الحكومة العراقية وفي المبادرات المختلفة التي نضطلع بها، سواء على صعيد الحفاظ على التراث الثقافي والديني المركب والمتنوع وتعزيزه، أو منع التطرف العنيف من خلال التعليم.

وتجسّد مبادرة "إحياء روح الموصل"، التي استُهلّت في شباط/فبراير 2018، التطلعات التي تصبو إليها اليونسكو وكامل طيف أنشطتها.

سيتمكن الشعب العراقي، رجالاً ونساء على حدٍّ سواء، من استعادة حقهم في تقرير مصيرهم من خلال التعليم والثقافة ليصبحوا أطرافاً فاعلة في تجديد بلدهم.

أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو

تحمل زيارة البابا إلى مدينة الموصل رسالة دعم وأمل مهمة لأهالي المدينة الذين وقعوا بين أيادي المتطرفين العنيفين الغاشمة طوال 36 شهراً، في احتلال عنيف وقمعي كاد ينتزع روح مدينة لطالما كانت، وعلى مدار قرون، مفترق طرق ثقافي وديني.

وفي عام 2018، أي بعد مرور عام على تحرير الموصل، مُنحت اليونسكو حق الدخول إلى مواقع مهدمة، تحوّلت في ربيع عام 2019، إلى مواقع لإعادة البناء، ومن حينها، أحرزت اليونسكو تقدماً في تأمين سلامة مبانٍ أساسية وتدعيمها، ويجري العمل الآن على إعادة بنائها.

وفي البداية، لم يعرف أهل الموصل سبب الضجة، ولكن لمّا بدأ غبار البناء يعجُّ في خريف عام 2019، من موقع جامع النوري ومئذنته الحدباء شبه المدمرَين، حتى أدركوا أنّ اليونسكو قد جنّدت المجتمع الدولي ليس لاحتضان المدينة وحسب، وإنما لكي تبيّن للعالم أجمع أنّ شعباً ذي جذور تمتد على أكثر من ألفي عام في أعماق التاريخ، لا يمكن أن يُهزم على الإطلاق.

©UNESCO Moamin Al-Obaidi

إنّ جامع النوري هو بمثابة حافز معنوي ومعلم أثري، وأنا أشعر بالحزن في كل مرة أمرّ فيها بقربه لأنّه أحد المعالم المدمرة في المدينة؛ ولكن منذ علمنا أنّ اليونسكو ستُعيد بناء هذا الجامع، غمرتنا السعادة والأمل بأن ينتهي الترميم قريباً، وأن تعود المنارة الحدباء إلى الشموخ كسابق عهدها.

محمود أحمد، أحد أبناء الموصل

ما هي مبادرة "إحياء روح الموصل"؟

إذا سألنا اثنين أو ثلاثة أشخاص من أهل الموصل عن المبادرة، سنحصل على إجابات مختلفة، إذ تتعدد الآراء ووجهات النظر في المدينة التي تقع ما بين الضفة الغربية لنهر دجلة وتقاطع طرق كان شاهداً لآلاف السنين على مرور البشرية منه.

وقال أحد الموصليين القدماء: "تكتسي المدينة القديمة والمباني الموجودة فيها أهمية بالغة بالنسبة إلينا كمجتمع محلي، وكان الدمار الذي تسبب به تنظيم "داعش" في أرضنا وممتلكاتنا كبيراً للغاية، ويمكننا اليوم أن نرى كل أنواع العناصر المعمارية التاريخية الهامة متناثرة في الشوارع وفي أكوام الركام". وأضاف قائلاً: "من الجيد أن نتعرف على الجهود التي تضطلع بها اليونسكو من أجل توثيق العناصر التاريخية التي نجت من هذا الدمار بعناية كبيرة، ونقلها وتخزينها بأمان، في إطار برامج الترميم الجديدة في المدينة القديمة".

وحدّثنا مواطن محلي آخر بما يلي: "لقد عانت المدينة القديمة معاناة بالغة خلال السنوات القليلة الماضية، ولا سيّما منطقة "الخاتونية" التاريخية، التي كنت أسكنها مع عائلتي، والمناطق المجاورة لها.

إننا بحاجة ماسة إلى إعادة بناء مدارسنا ومساجدنا ومنازلنا. ومن هذا المنطلق، تغمرنا سعادة كبرى إزاء ما تقوم به اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات من أجل مساعدتنا في هذه المهمة الضخمة في السنوات القليلة القادمة.

أحد الموصليين القدماء

وخلاصة القول أنّ مبادرة "إحياء روح الموصل" تمثل مشاركة المنظمة في إنعاش إحدى المدن العراقية العريقة، من خلال تمكين السكان بوصفهم أطرافاً فاعلة في التغيير وإعادة إعمار المدينة في ثلاثة محاور رئيسية، وهي التراث والتربية والحياة الثقافية. وقد وُلدت هذه المبادرة من رحم رسالة قوية موجهة إلى العراق وإلى العالم أجمع، ومفعمة بالأمل والصمود، رسالةٌ مفادها أن المجتمع الشامل للجميع والمتلاحم والمنصف هو المستقبل الذي يستحقه العراقيون.

وقد خطت اليونسكو أول خطوة كبرى على طريق إنعاش الموصل، حين بدأت العمل على إعادة تأهيل جامع النوري ومئذنته الحدباء وكنيستَي الطاهرة والساعة، بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة. ولا تقتصر مهمة المبادرة على ترميم المعالم المعمارية، فهي تنطوي أيضاً على تدريب المهنيين الشباب في أثناء العمل، وتعزيز مهارات أصحاب الحرف اليدوية وتوفير فرص عمل وتقديم التدريب التقني والمهني.

©UNESCO_ICONEM

كما تهتم المبادرة بتأمين بيئة تعليمية آمنة لجميع الأطفال، إذ تعمل اليونسكو، في إطار مشروع "أصوات الأطفال في مدينة الموصل القديمة"، الذي تموله الحكومة اليابانية، على إعادة بناء المدارس وتمكين المدرسين لكي يؤدوا دورهم الحيوي المتمثل في بناء السلام في عقول طلابهم والمجتمع المحلي الأوسع.  

كنت صغيراً جداً عندما درست في مدرسة الإخلاص، ولا زلت أذكر عندما كنا نلعب ونرسم وندرس معاً، ولكن عندما سيطر المتطرفون العنيفون على مدينة الموصل، لم نعد قادرين على الذهاب إلى المدرسة، لأنهم كانوا يعلموننا كيف نقتل الآخرين.

أحمد محمد علي، 12 عاماً، طالب من الموصل

© UNESCO/Maqdoni

وتتعاون اليونسكو مع هولندا من أجل منع انتشار التطرف العنيف من خلال تدريب معلمي المرحلة الابتدائية، وقد أنهى، حتى الآن، 26 مدرباً و743 معلماً ومديراً للمرحلة الابتدائية و307 من أولياء الأمور، الدورة التدريبية لمنع التطرف العنيف من خلال التعليم، التي نظمتها اليونسكو. وتموّل هذا المشروع حكومتا هولندا واليابان، وهو يعتمد نهجاً شاملاً يُشرك الأطفال والمعلمين والمجتمعات المحلية وأولياء الأمور والطاقم التعليمي، في منع التطرف.

وتنطوي المبادرة أيضاً على إعادة الحياة الثقافية إلى الموصل، حيث تعمل اليونسكو مع شريكتها منظمة "العمل للأمل"، على إحياء الموسيقى في هذه المدينة من خلال برنامج "إحياء التقاليد الموسيقية في الموصل"، الذي يُعدّ جزءاً من برنامج "الاستماع للعراق"، الذي يسعى إلى تمكين الجماعات المهمّشة من خلال الاحتفاء بالتنوع الثقافي وتعزيز التماسك الاجتماعي. وفي هذا السياق، قال عازف الكمان إحسان أكرم الحبيب، البالغ من العمر 39 عاماً، وهو يسترجع شريط الذكريات الأليمة لإسكات أنغام موسيقى المدينة الساحرة: "إنّنا إذ نعيد الموسيقى إلى الموصل، إنّما نحاول أن نعيد الحياة إلى مدينتنا، فالموسيقى نبع الحياة".

إنّنا إذ نعيد الموسيقى إلى الموصل، إنّما نحاول أن نعيد الحياة إلى مدينتنا، فالموسيقى نبع الحياة.

إحسان أكرم الحبيب، 39 عاماً، عازف الكمان

©UNESCO/Moamin Al-Obaidi

وكذلك تعمل اليونسكو بالتعاون مع "منتدى الموصل للكتاب" على إحياء الحياة الثقافية في هذه المدينة العريقة، مما يعزز ثقافة السلام والمصالحة. وتقدم المهرجانات الثقافية مثل مهرجان "ثقافة من الرماد" إلى الموصليين، منبراً لأشكال التعبير الثقافي والإبداعي. وقد أعرب المنتج السينمائي، الكاتب والمخرج، بيات، عن فرحه برؤية السينما تعود مجدداً إلى شوارع الموصل خلال المهرجان.

تمثل هذه الفعالية خطوة مهمة ضمن خطوات إحياء روح الموصل. وأنا سعيد جداً لأننا تمكّنا من التجمع للمشاركة في هذا المهرجان .إنّ إعادة إعمار الآثار والبنية الأساسية شيء، وإحياء الفكر والعقول شيء آخر لا بدّ من التركيز عليه.

حارث ياسين عبد القادر، أحد مؤسسي ملتقى الكتاب في الموصل

ما هي الخطوات التالية؟

أطلقت اليونسكو مسابقة معمارية دولية لإعادة إعمار جامع النوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وراعت المسابقة مساهمات سكان الموصل الذين شاركوا في مشاورة واسعة النطاق تتناول الخيارات الرئيسية المتعلقة بإعادة بناء المنارة والجامع.

وأظهرت النتائج أن 94٪ من المشاركين في الاستطلاع يرغبون في رؤية زخارف المنارة وانحنائها الشهير كما كانت قبل تدميرها في عام 2017. إضافة إلى ذلك، أعرب 70٪ منهم عن تفضيلهم إعادة بناء مصلَّى الجامع النوري كما كان في عام 2017، ولكن مع بعض التحسينات، بشرط الحفاظ على جوهره وباحاته الرئيسية. وعلى النقيض من ذلك، ذكر 28٪ منهم أنهم يفضلون إعادة بناء قاعة الصلاة تماماً كما كانت عليه في عام 2017.

ومن المتوقع الإعلان عن نتائج المسابقة المعمارية الدولية في ربيع عام 2021.

وكذلك بدأت اليونسكو بإعادة تأهيل جامع الآغوات بتمويل من ألمانيا، وترميم المنازل القديمة في المدينة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

وقد دعمت اليونسكو أيضاً، من خلال صندوق التراث في حالات الطوارئ، عملية مسح التراث الحضري للموصل عبر إجراء دراسة استقصائية للنسيج العمراني التاريخي للمدينة.

© UNESCO

وتعمل اليونسكو على دعم توفير فرص العمل المستدامة للشباب عن طريق التدريب الجيد في المجال التقني والمهني لعمال البناء المهرة، الذي يُقام في إطار مشروع تموله اليابان. وستواصل اليونسكو العمل، بالتعاون مع اليابان وبرنامج "علم طفلاً" (قطر)، من أجل تأمين تعليم جيد لجميع الأطفال.

ولكن المضي قدماً في إنجاز هذا الجدول الزمني للأنشطة، مرتبط بتعامل الموصل في الوقت الحاضر مع تفشي جائحة "كوفيد-19".

وتعمل اليونسكو في جميع مشاريعها، يداً بيد مع العراق بغية تحقيق أهدافهما المشتركة، ألا وهي: الحماية وإعادة الإعمار والتثقيف بشقيه الثقافي والتعليمي، لأن الثقافة والتربية هما السبيلان الوحيدان لمكافحة التطرف العنيف وبناء السلام وتحقيق المصالحة على الأجل الطويل.

©UNESCO/Moamin Al-Obaidi

لم تكن هذه المبادرة لترى النور لولا المساهمة السخيّة والدعم الكامل من دولة الإمارات العربية المتحدة وألمانيا واليابان وقطر وكندا وهولندا والاتحاد الأوروبي والفلاندرز.

سوف نحيي، يداً بيد، أمجادَ إحدى أعرق المدن في العالم