دراسة جديدة لليونسكو تشدد على الدور الحيوي لعلماء الرياضيات في التصدي للتحديات المعاصرة

41% تقريباً من سكان العالم معرضون لخطر الفيضانات التي تسببها الأعاصير المدارية، ولكن أصبح بالإمكان التنبؤ بمسار الأعاصير المدارية حتى أسبوع قبل حدوثها، وذلك بفضل النماذج الرياضية الجديدة والخوارزميات المحسَّنة؛ حيث كان من الممكن التنبؤ بها قبل خمسة أيام من حدوثها في عام 2019، وقبل 36 ساعة فقط من حدوثها في سبعينات القرن الماضي؛ ويمنح التنبؤ لمدة أطول السلطات البلدية وقتاً إضافياً ثميناً من أجل تخطيط إجلاء السكان في المناطق الشديدة التعرض للخطر.

وهذه هي إحدى دراسات الحالات العديدة الواردة في كتيب "الرياضيات في اتخاذ الإجراءات"، وهو منشور جديد تصدره اليونسكو في 14 آذار/مارس بمناسبة اليوم الدولي للرياضيات. وتقول كريستيان روسو، من قسم الرياضيات والإحصاء في جامعة مونتريال بكندا، التي قادت عملية إعداد مجموعة الأدوات: "تبين الدراسة الأسباب المنطقية التي تدفع الحكومات إلى الاستعانة بعالم رياضيات في فريق مستشاريها العلميين".

أساليب رياضية لتصميم اللقاحات

تضيف كريسيتيان روسو قائلة: "لقد لفتت جائحة "كوفيد-19" انتباه الجمهور بالفعل إلى النماذج الرياضية"، وتابعت حديثها قائلة: "فمن كان يعتقد قبل عامين أنَّ مصطلحاً مثل "تسطيح المنحنى" سيصبح جزءاً من المفردات العامة؟". وبالمثل، أصبح من المعتاد أن تشير نشرات الأخبار إلى مصطلحات رياضية مثل "عدد التكاثر الأساسي" للفيروس أو "المناعة الجماعية" المكتسبة من خلال التطعيم الجماعي. وقد استخدمت أساليب رياضية لتصميم لقاحات بطريقة أكثر فعالية ولإعداد نماذج للظاهرة الاجتماعية المتمثلة في التردد في أخذ اللقاحات.

ولكن الفائدة التي تعود بها الرياضيات لا تتوقف عند هذا الحد، حيث يقول رئيس شبكة الأكاديميات الأفريقية للعلوم، نوربرت هونكونو: "تعتبر مجموعة أدوات "الرياضيات في اتخاذ الإجراءات" أداة ثورية موجهة نحو وضع السياسات العامة، وهي تبين الدور الأساسي للرياضيات في المساهمة في التصدي للتحديات الأكثر إلحاحاً، وفي تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030".

ويتمثّل أحد هذه الأهداف المرجوّة في القضاء على الفقر. وتُبيّن مجموعة الأدوات على سبيل المثال كيف قام الباحثون بتجميع خرائط الفقر في 552 قرية ومجتمع محليّ في السنغال، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى زيادة الاستثمار العام، بالرغم من البيانات الناقصة في تعداد السكان. وتسنّى للباحثين، من خلال توظيف أدوات الرياضيات مثل خوارزميّات التعلّم الآلي (الذكاء الاصطناعي)، تحديد درجة الفقر في بعض المناطق.

سيناريوهات مستقبلية

كيف يجب تسعير الخدمات العديدة التي تُقدّمها الطبيعة، مثل المياه العذبة والنباتات الطبية والمحاصيل؟ تقوم دراسات باحثَين في مجال "الرياضيات في اتخاذ الإجراءات" بذلك من خلال تحديد قيمة خدمات النظام البيئي والتنوع البيولوجي في مصبات الأنهار الواسعة في أمريكا الشمالية وآسيا.

وتُبيّن مجموعة الأدوات كيف تُمكّن نماذج الرياضيات من استكشاف السيناريوهات المُحتملة لإرشاد عملية اتخاذ القرارات. ويوظّف العلماء النماذج المناخيّة المشفوعة بالنظريات المُحتملة من أجل التوصل إلى سيناريوهات بديلة ومنطقيّة للمستقبل.  

وحذّر كل من مارلين غروس وأنجوم هالاي، وهما نائبا رئيس اللجنة الدولية لتعليم الرياضيات واثنان من مؤلفي مجموعة الأدوات، من أنّ "نقص عدد معلّمي الرياضيات الأكفاء في العالم يُنذر بالعجز عن تدريب عدد كاف من الرياضيّين والعلماء القادرين على مواجهة تحديات العالم المعاصر".