<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 12:30:26 Jun 25, 2022, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

مُعلّم متعدد الاختصاصات في قرية صينية معزولة

cou_04_19_wide_angle_chine_internet_site.jpg

في غياب الأولياء الذين ذهبوا للعمل بعيدا عن قريتهم، المعلم هو الذي يرافق التلاميذ في الطريق الوعرة حتى يصلوا إلى المدرسة.

في مقاطعة هينان، وسط الصين، كثيرون هم سُكّان قرية هايهومياو الراغبون في مغادرة جبالهم بحثا عن حياة أفضل في المدينة. زهانغ يوغون غادر هو أيضا. لكنه، حالما حصل على شهادته، عاد ليُدرّس في القرية التي ترعرع فيها، حتى يعطي فرصة لأطفال هايهومياو.

بقلم وانغ شوو، صحافية صينية

 

عند مغادرة مدينة زهانبينغ، هناك طريق جبليّة تقود إلى قمّة على ارتفاع 1600 متر عن سطح البحر. من أعلى القمة، يُمكن مشاهدة مدرسة هايهومياو الابتدائية، وهي راكنة في أسفل الوادي. زهانغ يوغون يشتغل كمعلم في تلك المدرسة منذ ثمانية عشر سنة.

قرية هايهومياو بعيدة عن كل شيء. في السابق، كان من الضروري سلوك الدروب التي رسمتها قطعان البقر والغنم للوصول إلى قمم التلال، ثم تسلق الهضبة، وخوض مغامرة منحدرات بالي العسيرة. الطريق وعرة لدرجة أنه من المستحيل شقها بواسطة دراجة. في غياب وسائل النقل، كان تسلق التل مشيا يستغرق خمس ساعات. وبالنظر إلى هذه الظروف الصعبة، نادرا ما كان يقبل المُدرّسون وظيفة في هذه القرية.

«بما أن لا أحد من المُدرّسين من غير أصيلي القرية يقبل بالقدوم إلى هنا، وبما أن التلاميذ الذين يتلقّون تكوينهم فيها سوف يُغادرونها، فمن الذي سيتكفّل بتربية أطفال القرية؟». ذلك هو السؤال الذي سكن زهانغ يوغون منذ أن رافق وو لونغكي، المدير السابق، إلى المدرسة. كان زهانغ مُتردّدا في البداية، نظرا لضعف المٌرتّب وقساوة المحيط، لكنه في نهاية الأمر، قرّر البقاء، وتعهد لدى وو بمنح أطفال القرية حياة جديدة، وأوفى بوعده.

حمّالة الأمل

لم تكن المواد البيداغوجية مُتوفّرة في القرية: لا كتب، ولا كراسات، ولا ممحاة ولا أقلام.  كان لا بد من جلب كل شيء من المدينة على الظهور، اللوازم المدرسية كما المواد الغذائية الأساسية مثل الخل أو الخضر أو الأرز. بين سنتي 2001 و2006، كان زهانغ يجوب الجبل طولا وعرضا ليجلب المواد المفقودة في سلّتي الحمّالة التي تركها له وو. كان ذلك هو الحل الوحيد ليُصبح تعليم الأطفال ممكنا، ولكي يتسنّى لهم مغادرة الجبال يوما ما، إن رغبوا في ذلك.

في يوم شتوي، كان الطريق زلقا جدّا. العودة المدرسية على الأبواب، والكتب المدرسية ما زالت تنتظر في مدينة غاوكيو، على بعد 30 كلم. في الصباح الباكر، وضع  زهانغ الحمّالة على كتفه وانهمك في المسالك الموحلة صحبة مُعلم آخر. عند عودتهما إلى المدرسة مُحمّليْن بالكتب، كان الوحل قد غطّى كامل جسميهما، من الرّأس إلى القدمين. لكن الكتب المدرسية بقيت سليمة.

في السنوات الأخيرة، تحسّنت الظروف. منذ عام 2006، أصبح بالإمكان الوصول إلى القرية عبر طريق مُعبّدة، مما أفضى إلى فكّ عزلتها. ومنذ شتاء 2017، أصبحت الحافلات تصل إلى المنطقة. أما زهانغ فقد اقتنى دراجة نارية يستخدمها لجلب الكتب والأطعمة يوميا إلى القرية، بوزن يفوق المائة كلغ في أغلب الأحيان. ورغم تحسنها، تبقى الظروف صعبة. لقد استهلك المعلم منذ عودته إلى القرية أربع دراجات، دون احتساب العجلات التي غيرها.

ورغم ذلك، لا يتذمّر زهانغ أبدا، بل يقول: «أعرف أن كل هذه الجهود لم تذهب سبهللا، لأن تلاميذي أصبحوا يتمتعون اليوم بإمكانية مواصلة دراستهم». قبل أن يبدأ التدريس في هايهومياو، كان زهانغ التلميذ الوحيد أصيل القرية الذي تابع دراساته في الجامعة. أما اليوم فقد بلغ عددهم 22 فردا.

مُعلم متعدد الاختصاصات

وأمام ندرة الموظّفين، أخذ زهانغ على عاتقه تحمّل أعباء كافة المهام. فهو يُؤمّن في نفس الوقت إدارة المدرسة، وتعليم الرياضيات والأخلاقيات. وخلال الثمانية عشر سنة الماضية، حصل على مهارات تتجاوز بكثير إطار تكوينه الأصلي. علاوة عن التدريس، يقوم بمهمّة طبّاخ المدرسة، وخيّاط بعد الدروس، وحتّى ممرّض في الحالات الاستعجالية.

لكن دوره لدى التلاميذ يتجاوز ذلك بكثير. فأغلب الأولياء يشتغلون في أماكن نائية، ويعلم زهانغ قساوة ظروف العيش بالنسبة لكل واحدة من تلك العائلات. يقول شيخ القرية: «طوال تلك السنوات، لم ينقطع أي تلميذ من قريتنا عن الدراسة بسبب الفقر. سواء كان فتاة أو فتى»، مُضيفا: «أقنع زهانغ الأولياء الذين يقطنون بعيدا عن المدرسة بالسماح لأبنائهم بتناول الطعام في المدرسة وبقضاء الليل فيها. وبمعيّة زوجته، استجاب لحاجياتهم اليومية مثل مساعدتهم على الاغتسال وعلى إصلاح ملابسهم. ورغم مداخيله الضعيفة، مد زهانغ يد المساعدة مادّيا لأكثر من 300 تلميذ، حتى أنهوا دراستهم».

بفضل الدعم المقدم من السلطات التربوية، ما انفكّت ظروف التعليم تتحسّن. وأصبحت المدرسة التي تستقبل اليوم 51 تلميذا، تحتوي على مبيت جديد، ومطعم، وفضاءات للترفيه، علاوة على تقديم دروس في الإعلامية.

وبتأثير من زهانغ واستلهاما منه، قرّر أربعة مُعلمين مُتقاعدين العودة إلى العمل في الجبل. وتعدّ المدرسة اليوم 11 مُعلما. جميعهم يؤكّد أنه «طالما يوجد أطفال في هذه الربوع، سوف نكون نحن أيضا موجودين».