Mosul story Al-Nouri 01

قصة

اكتشاف قاعات صلاة تاريخية في جامع النوري بالموصل

كشفت عمليات التنقيب التي تنفِّذها الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية تحت قاعة الصلاة في جامع النوري، في إطار مبادرة "إحياء روح الموصل" التي تقودها اليونسكو بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، عن أطلال الجامع الذي يعود إلى القرن الثاني عشر، حيث كشفت التنقيبات عمَّا مجموعه أربع قاعات مبنية بالحجارة والجص.

هل تتخيَّل أن تذهب إلى عملك صبيحة أحد الأيام، لتكتشف معلومة تخصُّ تاريخ مدينتك وأجدادك ولكنها كانت مجهولة تماماً قبل ذلك؟

هذا ما حصل لفريق مؤلَّف من 40 عاملاً وعالم آثار من الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية، كانوا يعملون في مجمَّع جامع النوري، الذي تُعيد اليونسكو بناءه بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة والحكومة العراقية. وكان جامع النوري قد تعرَّض للهدم خلال الحرب وأُعيد بناؤه لبنة بعد أخرى، باعثاً الأمل في المدينة التي مزَّقتها الحرب. وقد توصَّل علماء الآثار إلى اكتشاف غير مسبوق مدفون تحت الأرض، أسفل قاعة الصلاة في جامع النوري، ولم تأتِ كتب التاريخ على ذكره.

ظهرت في أثناء عمليات التنقيب الأثرية بعض الفجوات التي أفضت إلى أربع قاعات كانت تُستخدم للوضوء. وتعود هذه القاعات إلى عصر الأتابكة في القرن الثاني عشر، وكانت مدفونة بالكامل وغير مذكورة في الكتب والمصادر التاريخية.
خير الدين ناصر مدير دائرة الآثار والتراث في نينوى

وقد اكتشفت أيضاً قطع أثرية خلال عمليات التنقيب، منها جرار وقطع فخارية وحجارة منحوتة، فضلاً عن عملات معدنية تعود إلى عصور مختلفة.

تُعتبر عملية إعادة بناء جامع النوري من أكثر المشاريع طموحاً وتعقيداً في العصر الحديث، فهي تتطلب اتخاذ العديد من الخطوات من أجل ضمان سلامة الموقع وتدعيم ما تبقى من الهيكل، والحفاظ على الحجارة المبعثرة التي يمكن استخدامها في عملية إعادة البناء.

وكانت دراسة الموقع قد بدأت في شهر آب/أغسطس من عام 2021، بغية ضمان سلامة الأُسس، واستُهلَّت عمليات التنقيب قرب قاعة الصلاة، وكشف العمال تدريجياً الأرضية الأصلية للجامع التي كانت موجودة قبل إعادة بنائه في أربعينات القرن الماضي؛ وبينما كانوا يعملون على الجزء المكشوف حديثاً من الأرضية، لاحظوا وجود فجوات تحتها، قادتهم إلى قاعة شبه مدفونة تحت الجامع.

عملية إعادة البناء من أكثر المشاريع طموحاً وتعقيداً

وقد اكتشف الفريق بعد أكثر من ستة أشهر من بدء أعمال التنقيب، أربع قاعات مبنية بالحجارة وتتصل ببعضها البعض تحت الجامع، وكان الجدار الذي يفصل بينها يشكِّل الأساس الذي تقوم عليه أعمدة الجامع. ويوجد على جانب كل قاعة أحواض مصمَّمة لتخزين المياه وقنوات لتفريغها، فقد كانت قاعات مخصَّصة للوضوء تقع تحت بنية الجامع ولها مدخلان منفصلان.

Hero Mosul Al-Nouri 02

ويتميز هذا الطراز المعماري إلى جانب هذا النظام لتوزيع المياه بفرادته، فهو مخصَّص لجامع النوري وليس من الشائع وجوده في العراق، وقد بقي مدفوناً لسنوات عديدة ولكنه أبصر النور أخيراً، مقدماً إلى سكان المدينة جزءاً جديداً من تاريخهم وتاريخ مدينتهم.

أتابع أخبار إعادة بناء الجامع النوري منذ وقت طويل، وذلك ليس لأنني مهتم به وحسب، ولكن لأنَّ هناك 4 ملايين موصلي متعلقين بهذا الجامع منذ نعومة أظفارهم.
محمد صلاح أحد أبناء الموصل
لقد غمرتني السعادة عندما سمعت بنبأ الاكتشافات! فبقاء هذا التراث محفوظاً تحت الأرض لسنين عديدة، ونجاته من التدمير المقصود للتراث الذي تعرَّضت له بقية المدينة، يعتبر معجزة. لقد فقدنا الكثير بالفعل، ولكن نأمل أنَّ القادم أفضل.
محمد صلاح أحد أبناء الموصل
طراز معماري فريد من نوعه

ويتميز هذا الطراز المعماري إلى جانب هذا النظام لتوزيع المياه بفرادته، فهو مخصَّص لجامع النوري وليس من الشائع وجوده في العراق، وقد بقي مدفوناً لسنوات عديدة ولكنه أبصر النور أخيراً، مقدماً إلى سكان المدينة جزءاً جديداً من تاريخهم وتاريخ مدينتهم.

Hero Mosul Al-Nouri 03

تعمل مفتشية آثار وتراث نينوى مع اليونسكو من أجل الحفاظ على هذه الأجزاء، وضمان إعادة تأهيلها وحفظها كمتحف مفتوح أمام الزوار، لكي يتعرفوا على مختلف المراحل التي مرَّ بها بناء الجامع وعلى تاريخه الممتد على ثمانية قرون.

أتمنى لهذا الموقع أن يفتح أبوابه أمام السياح فتزداد الحركة في المدينة القديمة، مما سيحسن مستوى معيشتنا، فهذه المدينة تستحق أن تُكتشف، إذ تزخر بالتفاصيل والمفاجآت الأثرية
محمد صلاح أحد أبناء الموصل

وكان جامع النوري القائم في قلب المدينة القديمة في الموصل بالعراق، ومئذنته الحدباء المحبَّبة التي تهيمن على المشهد في سماء الموصل، والمطلة على باحات المنازل المجاورة وأزقة المدينة، قد تعرَّضا للدمار في عام 2017 بسبب النزاع الذي أحال هذا المعلم الرمزي إلى أنقاض، مخلِّفاً وراءه أناساً مصدومين ويائسين.

وفي عام 2018، بعد أقل من عام على نهاية النزاع، أطلقت اليونسكو مبادرتها الرائدة "إحياء روح الموصل"، واستهلَّت العمل على إعادة بناء هذا المعلم الأثري الهام بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة وبالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية وديوان الوقف السني. وقد تجاوز دور المشروع إعادة بناء المعالم التراثية، فقد وفَّر فرص عمل جديدة وعزَّز التماسك الاجتماعي في مدينة دمَّرتها الحرب.

أبرمت الإمارات العربية المتحدة شراكة مع اليونسكو، في إطار مبادرة اليونسكو الرائدة "إحياء روح الموصل"، الرامية إلى إحياء روح التعايش السلمي والتماسك الاجتماعي من خلال التراث والحياة الثقافية والتعليم، وخصَّصت الإمارات مبلغاً قدره 50.4 مليون دولار أمريكي لترميم وإعادة بناء معالم تاريخية في الموصل، وهي جامع النوري والمنارة الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة. وتعمل اليونسكو بموجب شراكة مع الإمارات العربية المتحدة، وبالتنسيق مع الحكومة العراقية وشركاء محليين وخبراء دوليين.