<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 17:38:07 Dec 18, 2022, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

الإنسان ضحية اعتدائه على البيئة

cou_02_20_vidal_website.jpg

تتسبّب الصناعات الزراعية المكثفة في شمال شرق البرازيل في إزالة غابات سيرادو، أحد أكثر النظم البيئية الاستوائية تنوعًا في العالم

ليس تدمير النظم الإيكولوجية خبراً سيئاً للكوكب فحسب، بل لصحّة الإنسان أيضا. فظهور وباء كوفيد ـ19، في عام 2020، ليس سوى مظهر من مظاهر انتشار الأمراض حيوانية المصدر، أي الأمراض التي تنتقل إلى البشر بواسطة الحيوانات البرية.

جون فيدال

صحفي وكاتب، محرّر سابق في شؤون البيئة بصحيفة "الغارديان" البريطانية

في عام 1997، كنت أقوم بتحقيق في جزيرة بورنيو عن الحرائق التي خرجت عن السيطرة واجتاحت، منذ شهور، مساحات شاسعة من الغابات الاستوائية المطيرة. وقد أفضت موجة كثيفة لظاهرة "إل نينو" المناخية إلى حدوث جفاف رهيب، وغطّى ضباب أصفر جزءًا كبيرا من إندونيسيا وماليزيا وخارجهما. 

اشتعلت النّيران في جزء من أفضل الغابات المحفوظة وأكثرها ثراءً من حيث التنوّع البيولوجي في العالم، وتعرّضت الآلاف من أنواع النّباتات والطّيور والحيوانات النّادرة مثل قرود الأورانغ-أوتان إلى الخطر. فالسّماء أظلمت، وانخفضت درجة الحرارة، وكفّت الأشجار عن الإزهار، وتعطّل نموّ المزروعات، وأُصيب ملايين البشر بأمراض تنفسيّة خطيرة.

بعد أشهر من التوصّل، أخيرا، إلى إخماد الحرائق بفضل هبوب الريّاح الموسمية، ظهر مرض غريب قاتل في ماليزيا بالقرب من بلدة سونغاي نيباه، غرب كوالالمبور، البعيدة مئات الكيلومترات عن جزيرة بورنية. كانت تُربّى في هذه البلدة عشرات الآلاف من الخنازير قرب بساتين المانجو والدّوريان التجاريّة. ولسبب مجهول، بدأت الخنازير تُصاب بالتشنّجات والصّداع قبل أن تنتقل الظّاهرة إلى البشر. ولتجنّب انتشار هذا المرض الجديد شديد العدوى، كان لزاما إبادة مئات الآلاف من الخنازير بعد وفاة 105 أشخاص.

استغرق الأمر ستّ سنوات قبل أن يهتدي علماء الأمراض البيئيّة إلى ربط الصّلة بين تدمير غابة بورنيو ومرض الخنازير الماليزية. فالذي حدث، ولم نعلمه سوى سنة 2004، هو أنّ بعض أنواع خفافيش الفاكهة التي تعيش عادة في الأشجار المزهرة والمثمرة في غابات بورنيو، اضطرّت، بسبب حرائق 1997، إلى البحث عن مصادر جديدة للغذاء.

الخفافيش، خزّان للفيروسات

سافرت بعض أنواع الخفافيش حتى بلغت سونغاي نيباه، حيث شوهدت معلّقة في الأشجار وهي ترمي بقطع من الثّمار، بعد أن تقضم جزءا منها، في حظائر الخنازير الواقعة أسفل الأشجار. وتُعدّ الخفافيش خزّانا معروفا لعديد الفيروسات. وبما أنّ هذا النّوع من الحيوان ارتبط اسمه في أفريقيا بظهور أمراض فتّاكة مثل "إيبولا" و"ماربورغ"، اكتشف الباحثون أن تلك التي تواجدت في ماليزيا كانت حاملة لفيروس نيباه، وهو الفيروس الذي نقلته الخفافيش إلى الخنازير من خلال الثّمار وعن طريق بولها.

إنّ فيروس "نيباه" ليس سوى أحد الأمراض الحيوانية، أو الأمراض حيوانية المصدر، التي انتقلت إلى البشر على مدى السنوات الخمسين الماضية. ولكن أصبح من المؤكّد على نحو متزايد أن هذا الانتقال، كما يرى الكثيرون، إنما هو نتيجة مباشرة للدّمار الذي ألحقه البشر بالطبيعة، إذْ أن مليون نوع بات الآن مهدّداً بالانقراض.

تقول كيت جونس، أستاذة كرسي علم البيئة والتنوّع البيولوجي في كلية لندن الجامعية أنه "كلّما دمّرنا الطبيعة، زاد احتمال ظهور أمراض مروّعة مثل كوفيد ـ 19" الذي ظهر في الصّين. وترى جونس أن ثمّة مصادفة قوية بين هذه الأمراض الناشئة وتدميرنا للتنوّع البيولوجي.

وبعض هذه الآفات تُعتبر من أكثر الأمراض فتكاً بالبشر على الإطلاق، مثل فيروس نقص المناعة البشرية، وحمّى إيبولا، وحمّى لاسا، وفيروس ماربورغ، وفيروس مرض جدري القردة (وجميعها نشأت في أفريقيا)، وفيروس نيباه (القادم من جنوب شرقي آسيا)، ومرض شاغاس، وفيروس ماتشوبو وفيروس هانتا (نشأت في أمريكا اللاتينية)، وفيروس هيندرا من أستراليا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) التي وقع التعرّف عليها في المملكة العربية السعودية، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SAR)، ووباء فيروس كورونا (كوفيد ـ 19) اللذان ظهرا في الصين. وبعض هذه الفيروسات، مثل إيبولا، مرتبطة بظاهرة إزالة الغابات، في حين انتشر البعض الآخر، مثل وباء لايم، جرّاء امتداد المدن على أراضٍ تم استصلاحها وتهيئتها للزراعة حديثاً. ويُعتقد أيضا أن عدداً أكبر من الأمراض ناتج عن ممارسات الصّيد أو في ارتباط بأسواق الحيوانات البرّية والطرق الحديثة في التربية المكثفة للحيوانات.

إزالة الغابات على نطاق واسع

أوضحت كيت جونس أن "فقدان التنوّع البيولوجي أصبح دافعاً كبيراً لظهور بعض من هذه الفيروسات. فإزالة الغابات على نطاق واسع، وتدهور الموائل وتجزئتها، واعتماد الزراعات المكثفة، ونظامنا الغذائي، والاتّجار بالأنواع الحيوانية والنّباتية، وتغيّر المناخ بسبب تدخّل البشر، تمثّل جميعها عوامل تؤدّي إلى فقدان التنوّع البيولوجي وظهور أوبئة جديدة. ويتأتّى ثلثا الإصابات والأوبئة الناشئة اليوم من الحيوانات البريّة".

ويؤكّد سين أوبريان، رئيس مجلس إدارة شركة NatureServe، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية، مقرّها في الولايات المتحدة، ويعمل الباحثون التابعون لها مع منظمات الحفظ العالمية: "إن السّبب لا يكمن في فقدان التنوّع البيولوجي أو تقلّصه، بل الّذي يفضي إلى هذا هي التفاعلات بين البشر والتنوّع البيولوجي".

كما يضيف قائلا: "إنّ تكثيف الزراعة، ولاسيما إزالة الغابات من أجل تنمية الزّراعة يفضي إلى الرّفع من وتيرة احتكاك الإنسان بالأوساط الحيوية البرية، وتعريضنا إلى أوبئة لم تكن معروفة حتى الآن. فبهذه الطريقة، نشجّع على الاتصال بين أوساط حيوية برّية كانت ستظلّ بعيدة عن بعضها البعض في الطّبيعة، مما يخلق سلسلة ذات حلقات غير طبيعيّة تتيح لوباء ما، قد يكون غير قادر على إصابتنا مباشرةً، الانتقال من أحد الأنواع الحيوانية إلى الإنسان عبر نوعٍ حيواني آخر".

نظم بيئية مضطربة

يقول، أيضا، ريتشارد أوسفيلد، كبير الباحثين في معهد كاري لدراسات النّظم البيئيّة في ميلبروك، بولاية نيويورك، والذي يُجري دراسات حول ظهور حالات إصابات مثل وباء لايم في الموائل المتدهورة: "تنتشر مسبّبات الأمراض داخل حواضنها أو مستضيفيها من الأحياء البرية، وقد ينتقل بعضها إلى الإنسان، على أن ذلك نادراً ما يتمّ داخل النّظم البيئية الطبيعيّة غير المضطربة. أمّا عندما يتسبّب الإنسان في تدهور هذه الموائل الطبيعية أو يقوم بتدميرها، فإن المجتمع الحيواني يتغيّر جذرياً".

ويواصل أوسفيلد قائلاً :"إنّ البعض من أهمّ المستضيفين المخزّنين للفيروسات، مثل القوارض، وأحياناً الخفافيش، غالباً ما تزداد أعداده كلّما تم وقع طرد مفترسيه ومنافسيه. كما أن فقدان التنوّع البيولوجي يؤدّي إلى ارتفاع معدلات الاتّصال بين هذه الأنواع المخزّنة والبشر، مما يزيد من خطر الأمراض المعدية".

أما كارلوس زامبرانا ـ توريليو، نائب الرئيس المشارك للحفظ والصحة في"التحالف من أجل الصحة والبيئية" EcoHealth Alliance، والباحث في المعشبة الوطنية البوليفية، والذي يقوم بدراسة الروابط بين التنوّع البيولوجي والأنشطة البشرية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي (CDB)، فيذكّر بأن "جائحة كوفيد ـ 19 المتفشيّة في الوقت الرّاهن ليست هي أوّل وباء ولا أوّل جائحة ناشئة عن الأنواع البرية ومتسبّبة في نسب وفيّات مرتفعة. ففيروس نقص المناعة البشرية انتقل من الرئيسيات إلى البشر، كما انتقلت حالات الحمّى النزيفيّة، مثل فيروس هانتا أو فيروس ماشوبو في بوليفيا، من القوارض إلى البشر".

بقدر تكاثر الأنواع تقلّ الأوبئة

هل يؤدّي فقدان التنوّع البيولوجي إلى زيادة عدد الفيروسات المنقولة إلى البشر أم إلى التّقليل منها؟ الجواب معقّد.

يقول المنطق أنه كلّما ازداد التنوّع البيولوجي ثراء، ارتفع عدد مسبّبات الأوبئة والفيروسات وبالتّالي يزداد احتمال تعرّض البشر لها. ومع ذلك، تبيّن دراسات عديدة أن المزيد من الأنواع يعني، على العكس من ذلك، ظهور عدد أقلّ من الأوبئة، وأن التنوّع البيولوجي المتّسم بالثراء له تأثير وقائي على الأنواع التي تتطوّر معاً. كما أن الفيروسات، مثل إيبولا وكورونا، لا تنتقل إلا في حالة اختلال النّظام الطبيعي.

أجرت فيليسيا كيسينغ، عالمة الأمراض البيئيّة بكليّة بارد في أناندال، بولاية نيويورك، دراسة حول إثني عشر مرضاً، منها حُمّى غرب النّيل، ومرض لايم، وذلك في النّظم الإيكولوجية من جميع أرجاء العالم. و لاحظت كيسينغ، في كلّ مرة، أن انتشار الأمراض يزداد تزامناً مع فقدان التنوّع البيولوجي.

ويقول إيريك فيفر، أستاذ كرسي الأمراض المعدية البيطريّة في جامعة ليفربول بالمملكة المتّحدة إنه يمكن أيضاً للأنواع المتراكمة في الموائل الفقيرة أن تنشر أمراضاً جديدة. ويُشير إلى أنّ "حيوانات المزارع غالباً ما تكون المنتَج النهائي لفقدان التنوّع البيولوجي. فمن خلال اختيار أفضل أنواع الأبقار أو الخنازير أو الدّجاج، نكوِّن مجموعات من الحيوانات تعيش غالباً في ظروف مكثّفة ومتماثلة كل التّماثل من الناحية الجينيّة، وهو ما يفضي إلى مخاطر ظهور أمراض، لأنه عندما تكون هذه المجموعات الكبيرة، الموحّدة وراثياً، معرّضة للإصابة بمرض ما، فإن هذا المرض يمكن أن ينتشر بسرعة كبيرة".

ويحظى إيريك فيفر بتأييد من قِبل كريستين كريدر جونسون، مديرة بحوث في معهد الصّحة One Health Institute التابع لكلية الطب البيطري بجامعة كاليفورنيا ديفيس. ففي دراسة حديثة أجرتها على مدى أربع سنوات، تبيّن أن فيروسات الحيوانات التي نصطادها والتي ندمّر موائلها أكثر من غيرها هي التي تمثّل خطورة أكبر على البشر.

وتضيف قائلة "والنتيجة أن هذه الحيوانات تشاركنا فيروساتها. فالالتقاء المؤسف بين عوامل عدّة يؤدّي إلى هذا النّوع من الفوضى التي نعيشها اليوم". فعندما نكسر الحواجز الطبيعية بين الأنواع وندمّر التنوّع البيولوجي، نكون قد فتحنا الباب ليس فقط لفيروس كوفيد ـ19، ولكن قد نكون مهّدنا السبيل، أيضا، إلى ظهور فيروسات ومسبّبات أمراض كثيرة أخرى.

مطالعات ذات صلة

الضّفدعة الصّغيرة التي تريد استرجاع بريقها، رسالة اليونسكو، أبريل ـ يونيو 2018

الإنسان والطبيعة: العيش في وئام، رسالة اليونسكو، يونيو 2009

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام