<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 03:44:20 Jun 11, 2023, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

الأحداث

عادا يوناث: «البحث العلمي بمثابة تسلّق جبل إفرست»

cou_01_18_yonath_01_bis.jpg

الأستاذة عادا يوناث أثناء قيامها بتجربة في البلّوريات
تحصّلت العالمة عادا يوناث المختصة في مادة البلّوريات، على جائزة نوبل للكيمياء 2009 لاكتشَافاتها الرائدة حول هيكلية الريبوسومات ووظيفتها، هذه المادّة التي تقوم بتركيب البروتينات في خلايا الجسم. وكانت قد حصلت على جائزة لوريال-اليونسكو للنساء في مجال العلوم سنة 2008. وقد أحدثت أبحاثها ثورة في فهمنا لطريقة عمل المضادات الحيوية. تتحدث عادا يوناث في هذا الحوار غير الرسمي، عن حياتها الشخصية وتستحضر اثنين من نشاطاتها المُفضّلة: نقل مشاعر الفرحة التي يمنحها تعاطي البحث العلمي للشباب، وتشجيع المخابر الصيدلية على تطوير مضادات حيوية ذات مفعول أفضل.

أجرت الحوار كاتي نولان

متى بدأ اهتمامك بالعلم؟

أحب الاطلاع على كل شيء والتعرف على طريقة سير العالم. قمت باحدى أولى تجاربي العلمية وأنا في سن الخامسة، عادت علي بالمضرة. أردت قيس علوّ سقف منزلنا. كنّا آنذاك نعيش في القدس في شقة ذات أربع غرف تتقاسمها ثلاث عائلات. كنا في فقر مدقع. اتجهت إلى الشرفة، وأخذت في تكديس بعض الأثاث، طاولة وكراسي، دون أن أفلح في بلوغ السقف. ولما بدأت في تسلّق الأثاث، هويت في ساحة العمارة فانكسر ذراعي. هذه الحادثة لم تُثنني عن المواصلة، وبقي فضولي العلمي كاملا.

تقولين إن والديك كانا دائما يُشجّعانك على الدراسة، لكن السنوات الأولى كانت صعبة...

لم أجد أبدا أية صعوبة في التعلّم، لا في المدرسة ولا في المنزل. الصعوبات كانت متأتية من وضعيتنا الاقتصادية. ولا أخفي أن سرّ نجاحي كان يكمن في قوّة ذاكرتي، آنذاك على الأقل. كنت تلميذة نجيبة، ولكن لم يكن من السهل أن أبقى في المدرسة. كان لوالدي دكان صغير. تُوفّي أبي لما كنت في سن الحادية عشر. كانت لي أخت صغيرة، ولم يكن لدينا الا القليل من المال لتسديد حاجيات المعيشة. فاضطررت على العمل. قمت بكل ما في وسعي: كنست الأرض، وغسلت الصحون، وأعطيت دروسا خصوصيّة، وحرست الأطفال... في المعهد، كان هناك مخبر كيمياء وكُنت مكلفة بتنظيفه. فانتهزت الفرصة للقيام بتجاربي الخاصّة. كنت استيقظ على الساعة الخامسة والنصف صباحا، لأباشر ابتداء من الساعة السادسة في إعطاء الدروس الخصوصية  في الرياضيات والكيمياء. كانت أيامي طويلة ولياليّ قصيرة جدّا، لكن ذلك لم يكن يُزعجني.

هل تعتقدين أن هذه المحن زادت في قوّة إرادتك؟

قد يكون كذلك. نعت بالجنون طيلة سنوات لأنني كنت أنطلق في بحوث يعتبرها غيري مستحيلة، لكنني لا أبالي بآراء الغير. المهم بالنسبة لي هو أن أرى أشغالنا تتقدّم، ولو بخطوات مُتأنّية، وليس محاولة إقناع العلماء الذين يعتقدون أن ليس لدينا "أيّة حظوظ". كانت حياة الباحث بالنسبة لي نوعا من الترف. إذ كان يتاح لي أن ألقي الأسئلة التي تشغلني على غرار «كيف تتكوّن البروتينات داخل الخلايا؟»، وفي المقابل أتقاضى مُرتّبا: يا له من عيش رغيد!

ماذا تقولين اليوم للشباب الذي يتهرّب من الدراسات العلمية؟

كلما يسمح لي الوقت إلا وأزور تلاميذ الثانوي، في إسرائيل أو في أي مكان آخر من العالم: اسبانيا، أستراليا، الهند، اليابان... أُحدّثهم عن التأثّر الذي شعرت به يوم شاهدت لأوّل مرّة بنية الريبوسوم. وأُقول لهم ان البحث العلمي هو فرحة في حد ذاته، وانه ممارسة مرحة. أشرح لهم أن أفضل وسيلة للعمل تتمثل في القاء السؤال الذي يشغل بالك، وفي الاجتهاد للعثور على الحل. وان نجحت في إقناع الأطراف المُموّلة بأن ذلك السؤال جدير بالاهتمام، فسوف تُوفّر لك النفقات الضرورية كي تكتشف الحل. أقارن دائما تحدّي البحث بالصعود إلى إفرست. ان الوصول إلى القمّة شيء رائع، لكن التسلّق مغامرة شاقّة.
عندما اكتشفت بنية الريبوسوم، غمرتني فرحة أقوى من فرحتي حين تسلمت جائزة نوبل. وكنت سعيدة لمشاهدة كل من كانوا ينعتوني بالجنون أو بالغباء أو بالحلم، وهم مصطفين لجانبي. أنا انسانة قبل كل شيء، والاعتراف بالمجهود  يُثير إحساسا جميلا.

هل تغيّرت حياتك بحصولك على جائزة نوبل؟

يمكنني من هنا فصاعدا أن أهتمّ بالشباب. قبل نوبل، كشف سبر للآراء في تل أبيب أن عدد الذين يرغبون في التوجّه إلى الاختصاصات العلمية ضئيل جدّا. أما بعد حفل تسليم الجائزة، وحسب سبر جديد للآراء، ازداد عددهم بنسبة 40%. لو أن 10% فقط من هؤلاء الشبان يختارون فعلا دراسة العلوم، سأشعر بأنني قمت بعمل مفيد.
 


«تأثير ماتيلدا» مفهوم يعني الإنكار الممنهج لمساهمة النساء العالمات في البحث. غلاف كتاب يحمل هذا العنوان، للروائية البريطانية إيلي إيرفينغ

هل وجدت صعوبات في مسارك المهني لكونك امرأة؟

لم يتسنّ لي أن أكون رجلا، وهو ما يجعلني غير قادرة على المقارنة. لكن يمكن لي أن أقول بأنني لم أشعر طوال حياتي المهنية في المجال العلمي بأنني كنت عُرضة للتمييز كامرأة.

لم تحصل إلى حد الآن سوى أربع نساء على جائزة نوبل للكيمياء. لماذا حسب رأيك؟

عدد الباحثات النساء في اختصاصات الفيزيولوجيا والطب يفوق عدد المتخصصات في الكيمياء. ولا أعتقد أن أعضاء هيئة نوبل يُفكّرون بعقلية التمييز ضد المرأة: لقد توّجوا ماري كوري مرّتين.
اذا كانت النساء المُتخصصات في العلوم قلّة، فذلك يعود إلى أن المجتمع لا يُشجعهن على اتّباع ذلك النهج، بما في ذلك المجتمعات التي يُقال عنها بأنها مُتفتّحة وليبرالية. نسمع الكثير من الملاحظات من قبيل «لا تصرفي وقتا طويلا في الدراسة، فقد تفقدين حظك في الزواج»، أو «لا تختاري مهنة تُشغِلكِ كثيرا، فإن ذلك يُؤثّر سلبا على حياتك العائلية». هذه الصيغ متواجدة بصفة علنية في بعض المجتمعات، لكنها تظهر في مجتمعات أخرى بشكل أكثر دناءة. وكذلك هو الشأن بالنسبة للسياسة، والمهن الفنّية، وكل الحرف الصعبة، وبالأخص في العلوم، لأن في هذا الميدان قد يتبين أن النساء أكثر ذكاء من الرجال.
في الشعب العلمية الجامعية، ينطلق الرجال والنساء بعدد متساوٍ في البداية. لكن بعد ذلك؟ قد تكون بعض الفتيات متألقات دون شك، لكنهن يخيرن في ما بعد العمل في مخابر يُديرها غيرهن، لأنهن يخشين الضغط في الشغل، وليس لديهن استعداد  لتقلد الزعامة، أو أنهن يُخيّرن تخصيص أكثر الوقت للحياة العائلية.

كيف يمكن تغيير عقلية النساء؟

المسألة لا تتعلق بالنساء وحدهن. على المجتمع بأكمله أن يتطوّر.التعليم هو الذي سيساعدنا على التغيير. الأمر لا يخلو من الصعوبة، ولا يمكن الوصول إلى هذا المُبتغى في يوم واحد. لما أتناول الكلمة في المدارس، إن لم أنجح في اقناع الشباب الذي أتوجّه إليه باختيار مهنة علمية، أكون ربّما قد حرضته على النظر إلى الأشياء بطريقة مغايرة بالنسبة للجيل المقبل.
يمكن للمرأة المُختصّة في العلوم أن تنجح في حياتها، سواء في البيت أو في المخبر. أطلقت عليّ حفيدتي صفة "جدّة السنة"، وهذا يعني أن المرأة بامكانها أن تكون في نفس الوقت جدّة جيّدة وعالمة جيّدة. ولما تسمع مراهقة في سنة الخامسة عشر مثل هذا الكلام، قد يُؤثّر فيها. وبعد خمس سنوات، قد تختار دراسة العلوم، من يدري؟

هل من تضحيات تفرضها هذه الاختيارات؟

هناك تضحيات، دون شك. ميدان البحث له مُتطلّباته، للرجل كما للمرأة. هي مسألة أولويّات. شخصيّا، لم أخطّط لشيء، بل أخذت الأمور كما حضرت، يوما بيوم. اخترت مهنة أحبّها، ولي عائلة أحبّها. والمهم هو أن نُحبّ.
هناك مثال هام يجدر ذكره وهو الذي يخص عالمة البلوريات البريطانية كاثلين لونسدال (1903-1971)، التي انقطعت عن العمل لمدة عشر سنوات كرستها لتربية أطفالها. خلال تلك الفترة، كانت تعمل في بيتها – وطبعا، لم يكن يُوجد لا حاسوب ولا شبكة انترنت في الثلاثينات – وتوفقت مع ذلك في تحقيق حسابات رياضيّة اتّضح أنها أساسية في علم البلوريات. كما ألفت ثلاثة كتب ما زلنا نستعملها ليومنا هذا. 

ما هي شروط النجاح في العلوم؟

هي ثلاث : أولا، حب الاطلاع. ثمّ حب الاطلاع. وأخيرا حب الاطلاع. ويجب أيضا حب التحدّيات والجرأة على مواجهتها. كما يجب توفّر الحد الأدنى من الفكر النقدي للقدرة على تقييم مدى أهمية العمل، ومدى صحته وبعده الابداعي.

هل القدرة التنافسية ضرورية؟ هل أنت كذلك؟

في الميادين العلمية، القدرة التنافسية ليست ضروريّة. وعلى سبيل المثال، شرعنا في دراسة بنية الريبوسوم سنة 1980. وقضينا ستة أشهر قبل العثور لأول مرّة على البلورات التي يتكوّن منها. ثم أربع سنوات قبل التعرّف على صلاحياته الكامنة. وبعد سنتين، اكتشفنا أن البلورات لا تتحمّل أشعّة X (والحال أنها الطريقة التقليدية المتبعة لقياس انكسار الأشعة). وطيلة تلك الفترة، كنّا نقوم بنشر كل أعمالنا.
وفي سنة 1986، تقابلت مع عالم كان دائما يسخر منّي. قال لي: «لقد نجحنا في إعادة تجربتك». في حين أننا قضينا 16 سنة في القيام بهذه الأبحاث... سعدت جدا بهذا الخبر! لن يتّهمني أحد أبدا بالزيف. كانت نظرتنا للأشياء مختلفة وقال لي: «لماذا تنشرين كلّ أعمالك للعموم؟ ألا تخشين أن يتم اختلاسها؟». فأجبته بأن النتيجة هي وحدها التي تهمّني وبأنني أعطي كل ما يتوفّر لديّ من معلومات. في ما رويته دليل على أن التنافس ليس من مبادئي.

هل تعتبرين أن الرجال يميلون أكثر للتنافس؟

لا أدري. أعتقد أن كل واحد يختلف عن الآخر. فيما يخُصّني، عندما أتحدّث عن رفع التحدّيات، لا أقصد أنه يجب أن أكون أحسن من غيري، بل أنني سأبذل كل جهدي لحل المشاكل والتقدّم في اتّجاه أهداف البحث.
وهي النصيحة التي أودّ تقديمها للأطفال: لا تُقارنوا بعضكم ببعض. اسألوا أنفسكم عن الشيء الذي تُفضّلونه: دراسة الاقتصاد، العزف على الناي... افعلوا الشيء الذي يستهويكم، وقوموا به على أحسن وجه.


وحدة فرعية كبيرة لريبوسومات جرثومة دينوكوكيس راديودورانس في ثلاثة أبعاد، تمّت دراستها من قبل فريق عادا يوناث بمعهد وايزمان بتل أبيب في إسرائيل. ويظهر الحمض النووي الريبوسي باللون الرمادي والبروتينات الريبوسية بالألوان

هل يُقلقك التهديد الذي تُمثّله المقاومة المُتصاعدة للمضادات الحيوية؟

تُقلقني هذه الظاهرة إلى حد بعيد. إن التخلي عن استهلاك المضادات الحيوية يؤدي إلى حرماننا من القدرة على مقاومة أوبئة قد تفتك بحياتنا. لا بد من تطوير جيل جديد من المضادات الحيوية. ونحن بصدد انجاز هذا العمل. من خلال دراسة هيكل الريبوسومات في جسم الجراثيم المُتسبّبة في الأمراض، حددنا نوعية جديدة من مواقع تثبيت المضادات الحيوية، قد تكون قادرة على منع انتاج البروتينات داخل تلك الخلايا.
لحد الآن، لم يقع استعمال هذه المواقع لتثبيت المضادات الحيوية المعروفة. لذلك نعتقد أن المقاومة سوف تتطوّر ببطء. وبما أن هذه المواقع هي من خصوصيات الجراثيم المُتسبّبة في الأمراض، فسوف يكون مفعولها ضئيلا على الميكروبيوم ـ أعنى «الجراثيم الصالحة» التي توجد في جسم الإنسان ـ وربما لن يكون لها أي تأثير عليه. ويُمكن أيضا استغلال التركيبة الكيميائية  لهذه المواقع الجديدة لتصوّر مضادات حيوية تتبدّد بالكامل، وهذا من شأنه أن يسمح بتلافي التداعيات البيئية السلبية الناتجة عن نواتات المضادات الحيوية الغير قابلة للتبدّد والمتوفّرة حاليا. وخلاصة القول هي أننا نأمل، بفضل منهجيّتنا مُتعدّدة الاختصاصات، في تحسين مفعول الجيل الجديد من المضادات الحيوية حتى تنخفض مقاومة الجسم البشري لها بشكل محسوس، مع ضمان انتقاء قيّم، وجدوى أفضل، وأقل تسمّما، مع قابلية  للتبدّد تكون ملائمة.
رغم أن انتاج المضادات الحيوية لا يدر أموالا كثيرة ، فإننا نأمل أن تعي المخابر الصيدلانية بخطورة المقاومة وبالإمكانيات الحديثة لتقليصها.

عمّ تشتغلين الآن؟

أحاول تحقيق غايتين: تطوير جيل جديد من المضادات الحيوية، وفهم مصدر الحياة.

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في الإحتفال باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم، في 11 فبراير.

عادا يوناث
عادا يوناث (اسرائيل) من مواليد القدس سنة 1939. تحصّلت على شهادة الدكتوراه من معهد وايزمان للعلوم، حيث تُدير حاليا مركز هيلان وميلتون أ. كيملمان المتخصص في هيكلة وتجميع الجزيئيات البيولوجية. وعلاوة عن جائزة نوبل للكيمياء التي حصلت عليها سنة 2009 (مع فانكاترمان راماكريشنان وتوماس أ.ستاتز)، فلقد أسندت إليها عديد الجوائز الأخرى، نذكر منها جائزة أسرائيل للكيمياء (2002)، وجائزة وولف (2007) وجائزة ألبير أينشتاين (2008).