<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 08:48:13 Jun 11, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide
زاوية كبرى

أوسيبيو ليال: هافانا، حبيبتي

cou_02_19_habana_web.jpg

فيضانات غير مألوفة بسبب التغير المناخي، تهدد ماليكون الشارع المشهور الواقع على طول الساحل في هافانا (كوبا).

إذا وقع الكلام على هافانا، فلا مناص من ذكر أوسيبيو ليال سبينغلر... وهل توجد مدينة أخرى لها مؤرخها الخصوصي عدى هافانا؟ على مشارف الاحتفال بالمئوية الخامسة لتأسيس العاصمة الكوبية، ذهبنا رفقة مؤرخ المدينة الذي يقود منذ ثلاثين سنة أعمال ترميم مركزها التاريخي، لنتجول معا في شوارعها وبين معالمها الأثرية، ونكتشف ما تتسم به من قوة وجمال... وما تكبدته من أضرار.

أجرت الحوار لوسيا إغليسياس كونتز (اليونسكو)

 

تحتفل هافانا هذا العام بمرور خمسة قرون منذ نشأتها!  كيف حالها؟

لو حللت محلها، لقلت إن أعراض الوهن التي أصابتها هي تلك التي يشعر بها كل إنسان حين يتقدم به العمر. إن خمسة قرون تعتبر فترة قصيرة مقارنةً مع المدن القديمة مثل أثينا في اليونان، أو إسطنبول في تركيا. غير أنه، بالنسبة لنا نحن الأمريكيين اللاتينيين، فهي تمثل فترة طويلة، إذا ما استثنينا المدن الكبرى التي تأسست قبل الحقبة الإسبانية، مثل كوزكو، المدنية الإيكية في بيرو، أو تينوختيتلان الأزتيكية في المكسيك، أو المدن التي تنتمي لحضارات المايا في أمريكا الوسطى. أما هافانا فإنها تندرج في تلك الموجة الجديدة التي بدأت مع الغزو والاستعمار الإسباني في مطلع القرن السادس عشر. وقد أنشئت المدن الكوبية مباشرة بعد مدن سانتو دمينغو، ولا فيغا، وسان بيدرو دي ماكوريس وسانتياغو دي لوس كاباليروس، في الجمهورية الدومينيكية.

لنقل إن هذه المدن قد بلغت سن الوقار، وإنها تحمل آثار الجراح الناجمة عن الأحداث التي مرت بها. أما في ما يخصنا، فالمهم أولاً وقبل كل شيء، هو ذلك العهد الجديد الذي بدأ منذ 60 عاماً مع انتصار الثورة، أعني المقاومة التي قادها الشعب الكوبي والتي كانت هافانا رمزها وشعارها.

تم إدراج المركز التاريخي لهافانا منذ عام 1982 في قائمة التراث العالمي نظراً لما يمثله من «قيمة كونية استثنائية» واضحة للعيان. وبالنسبة لك، فيم تكمن قيمة هافانا؟

إن مقياس القيم واسع جداً. هناك القيمة الرمزية: هافانا هي العاصمة الوطنية، أي رأس البلاد. وهي تمثل في نفس الوقت جميع القيم الثقافية والفكرية والسياسية والتاريخية والاجتماعية للشعب الكوبي. كما أنها بمثابة استعراض لأجمل وأروع الفنون المعمارية التي أنتجتها الجزيرة على الإطلاق، تلك الفنون التي يمكن معاينة البعض منها في مدن أخرى مثل كاماغوي، وسنتياغو دي كوبا فضلاً عن ترينيداد.

وأذكر منها على سبيل المثال، الفن المعماري المغاربي المتأثر بالتقاليد الإسبانية-الإسلامية المتواجد في المركز التاريخي للمدينة. وكذلك الطراز الباروكي لكاتدرائية هافانا بطابعه المتحفظ والمثير للإعجاب في آن واحد، والذي يتبلور بصفة خاصة لما يكون المشاهد في حالة مزاجية معينة، وفي نوع من الإحساس أو الأجواء التي وصفها الكاتب الكوبي أليخو كاربانتيي وصفاً رائعاً عام 1962، في روايته قرن الأنوار.

كما يوجد الطابع الكلاسيكي الجديد الذي يمثله «إل تيمبليت»، ذلك المبنى الأثري الذي أُنشئ تزامناً مع تأسيس هافانا وهو بمثابة النموذج المصغر. وقد تم بناء أمثلة منه بصفة مبدعة في مدن كوبية أخرى، مثل ماتنزاس أو سيانفويغوس.

يُضاف إلى ذلك الطابع التوفيقي الذي تنبهر له الأنظار، في مركز هافانا الذي يعج بالميازيب المنحوتة، والتماثيل العمودية، والأشكال العجيبة، والمخلوقات الخيالية... أما الفن الجديد المتمثل في قصر كويتو دي لا بلازا فياخا، والفن الزخرفي (أرت ديكو) المتمثل في مبنى إميليو باكاردي، فقد تسللا إلى المدينة وأدخلا نوعا من الاضطراب، مما زاد من حيوية ذلك المزيج المعماري.

وأخيراً، هناك هافانا المتسمة بطابع الحداثة، وهو طابع بلغ ذروته في لا كاسا دي شولتيس، من إنجاز المهندس المعماري النمساوي ريتشارد نويترا، التي تعتبر من أجمل المنازل في أحياء ريبارتوس السكنية التي نصل إليها عبورا بكوينتا أفينيدا ( الجادة الخامسة).

إن هافانا مدينة الحياة والمعرفة والذاكرة في آن واحد. تضم هذه المدينة الكبرى التي تفيض حيوية، قلعة المعرفة المتمثلة في الحرم الجامعي الرائع، وكذلك مدينة الموتى أي المقبرة الشاسعة التي لا تقل جمالا عن غيرها من المباني.

ما هو برنامج احتفالات نوفمبر 2019؟

أعدت المدينة مشروعاً واسع النطاق للاحتفال بذكرى تأسيسها، تندرج فيه الخطة التي قمنا بتصميمها في مكتب مؤرخ مدينة هافانا والتي تخص تحديدا المنطقة التاريخية. مهمتنا هي تعزيز فكرة حفظ ذاكرة المدينة، لا فقط خلال الاحتفال بمرور خمسة قرون على تأسيس هافانا، وإنما في الحياة اليومية على وجه الخصوص. ولقد كرّست أكثر من ثلاثة عقود لهذه المهمة، وأعترف بأن الأمر لم يكن هينا، وسادني الإحباط في بعض الأحيان.

نقوم حاليا بوضع اللمسات الأخيرة لبرنامج الفعاليات، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، فضلاً عن نشر مختلف المؤلفات. وبطبيعة الحال، نتابع في نفس الوقت ترميم المباني الرمزية للمدينة. وخير مثال على ذلك هو استكمال الأعمال الكبرى الجارية في الكابيتول وفي كاستيو أتاريس والأبنية الرمزية الأخرى الواقعة وسط هافانا. وهكذا، سنقوم بتكريم ذاكرة المدينة والاحتفال  ليس فحسب بتأسيسها، بل وأيضاً بتاريخها وثقافتها.

وما أريد التأكيد عليه هو أن الثقافة هي ركيزة الخطة التوجيهية التي وضعناها لعمليات إصلاح وترميم المركز التاريخي لمدينة هافانا. إن أيّ مشروع إنمائي يطرح الثقافة جانباً لن يفضي إلّا إلى الانحطاط.

ومن جهة أخرى، يكتسي العامل البشري أهمية مماثلة. وأود أن تكون هذه الاحتفالات مثيرة لشغف الجماهير الشعبية. ولو لم تُلامس قلوب الناس، فإنها لن تتجاوز إلقاء بعض الخطابات الرسمية، ونقل بضعة أحجار وطبع بعض المقالات.

هل هذا يعني أن قيمة الممتلكات التراثية مسألة متعلقة بالحياة اليومية أكثر منها بالمتاحف؟

بطبيعة الحال، أعتبر أن للمتاحف دور أساسي في ما يتعلق بالتاريخ والذاكرة والثقافة. في رأيي، يكتسي موسيو دي لا سيوداد (متحف المدينة)  أهمية قصوى في نظر الأمة بأسرها، وليس حصرا على سكان هافانا. ولكن، في نفس الوقت، لم أكن أبدا من أنصار تحويل المدن إلى متاحف، ودافعت دوما عن فكرة المدينة النابضة بالحياة.

من التحديات التي تواجهها مدن التراث العالمي، صعوبة التوفيق بين السياحة ـ المكثفة أحيانا ـ وحفظ قيمة الممتلكات التراثية. هل تواجه هافانا مثل هذا التناقض؟

لا بد من الحرص على ألا تُغمر هافانا تحت الأعداد الغفيرة من السياح، هذا من المتفق عليه. غير أني أعتقد، في الوقت عينه، أنه لا يجب شيطنة السياحة.  إن السياحة نشاط ضروري وعامل اقتصادي مهم، وفي ما يتعلق بكوبا ـ نظرا لعُزلتها ـ فإن السياحة تتيح إمكانية الحوار المباشر مع أناس من كافة مناطق العالم، وأرى في ذلك أمرا رائعا.

خلال أشغال الترميم، بقي السكان في منازلهم في أغلب البنايات الواقعة في هافانا القديمة.

جل البنايات المخربة التي تم ترميمها كانت تأوي عائلات فقيرة. وتلك هي الحال بالنسبة للعديد من البنايات الأخرى. من أهدافنا توفير السكن اللائق لآلاف العائلات، والتعليم للشباب وفرص الشغل للكهول. هذا ما دفعنا إلى تحقيق ذلك المشروع الذي وصفته اليونسكو بـ«المشروع الفريد». هو فريد من نوعه بمعنى الإختلاف وليس التفوق. لا أدعي بتاتا أن ما أنجزناه أحسن مما أنجزه غيرنا. لقد بحثنا عن طريقنا الخاص، ورغم التعثرات والأخطاء، اهتدينا إلى نموذج صيانة ناجع. 

بذلتم جهودا جبارة لترميم شارع ماليكون الذي يحاذي الضفة الشمالية. وأنت تسميه «ابتسامة هافانا».

علي أن أعترف بأني خسرت المعركة ضد البحر. الإله نبتون، برمحه الثلاثي، هو الوحيد القادر على الفوز ضد البحر. احتفظت في ذهني بصورة تراودني تكرارا، وهي صورة الأمواج الهدامة وهي تتلاطم على منارة كاستيو ديل مورو المنتصبة بافتخار تجاه البحر، منذ قرنين. يعوم البحر المدينة وينفذ إلى قلبها، فيغطي الملح حدائق البرادو، ينخر أسس القصور العتيقة والبنايات الحديثة… صورة مرعبة تتكرر كلما حل إعصار.

الإعصار الذي أصابنا في الليلة ما بين 27 و28 يناير الماضي والذي أدّى بحياة العديد من الضحايا وخلف مئتي جريح، من شأنه أن يذكرنا بأن ساعة الوعي قد حانت، وأن التغير المناخي يهدد قوس ماليكون الأنيق الذي سوف يبقى دائما ابتسامة هافانا  الجميلة الموجهة للبحر، والذي يستوجب منا حمايته.

لقد خسرنا المعركة ضد البحر، ولكن لا بد لنا أن نفوز في الحرب ضد التغير المناخي. لا زالت تنتظرنا صعوبات عديدة ومغامرات جديدة.

يبدو أنك لم تملّ أبداً من العمل لصالح هافانا...

هذا صحيح. كل شيء في حياتي كان يدفعني دائما إلى هافانا. لقد كرست لها سنوات عديدة من العمل والجهد. ولست نادما على أي شيء!  ولو كانت هناك حياة غير تلك التي نعيشها في هذا العالم، لبقيت روحي تتجول إلى الأبد في أرجاء هافانا. فهي بالنسبة لي أعظم حب في وجودي، وأعظم عشق، وأعظم تحدٍ واجهته. في الحقيقة، لا أدري سر عودتي إليها باستمرار، في النور كما في الصمت، في الحياة كما في الحلم.

 

الصورة: بنيامين نورمان، مصور قوتوغرافي

اطلع على مقال «هافانا القديمة، صَدفة سحرية»، رسالة اليونسكو، يوليو 1984.

أوسيبيو ليال سبينغلر

مؤرخ وكاتب وباحث كوبي، يقود أوسيبيو ليال سبينغلر الخطة التوجيهية لإصلاح وترميم المركز التاريخي لمدينة هافانا، ويشغل منصب مؤرخ المدينة. من مؤلفاته باتريا أمادا (وطني الحبيب)، ريغريسار إن إل تييمبو (عودة في الزمان)، لا لوز سوبري إل إسبيرو ( أضواء على المرآة)، فوندادا إسبيرانزا (أمل مبرّر)، بويسيا بالابرا (شعر وكلمات).