<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 02:30:58 Sep 27, 2020, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

النساء والإذاعة على نفس الموجة

cou_01_20_skoog_website.jpg

ماما أف. أم. محطة إذاعية جمعياتية أنشأتها جمعية النساء الناشطات في قطاع الإعلام في أوغندا. وهي تدافع عن حق النساء، والمجموعات الهشة والأقليات في الوصول إلى المعلومات.

في محيط صوتي طالما سيطر عليه الرجال، استغرق مجهود النساء وقتا طويلا كي يأخذن مكانهن في الإذاعة. وإن كانت النساء ُبالأساس مُستمعات مُواظبات منذ البداية، فقد ساهمن كذلك في صياغة تاريخ هذه الوسيلة الإعلامية.

بقلم كريستين سكوغ

 

في سبتمبر 2019، نشرت محطة بي. بي. سي. في موقعها على شبكة الإنترنت قصة صديقة شرزاي، مؤسِّسة إذاعة روشاني ورئيسة تحريرها. وقد أسست هذه المحطة سنة 2008 في مدينة قندوز الواقعة في شمال أفغانستان. ورغم التهديدات بالقتل وغيرها من الصعوبات المرتبطة بالحرب، واصلت المحطة، بإدارة نسوية في أغلبها، بث برامجها وفتح المجال لأصوات النساء، مُوفّرةً لهن منبرا عموميّا هامّا. فإذاعة روشاني تُمثّل في حدّ ذاتها مثالا ممتازا للعلاقة القوية بين النساء والإذاعة.

منذ عشرينات القرن الماضي، عندما ولجت المنازل، أتاحت الإذاعة للنساء فضاء لتبليغ أصواتهن، بالمفهومين المادي والمجازي، في محيط صوتي عمومي يطغى عليه الرجال إلى حد كبير. لقد قامت الإذاعة بالتقريب بين الناس، وأنشأت روابط بينهم، وقلصت الحدود بين المجالين العام والخاص، مُتوجّهة إلى ربات البيوت وإلى العاملات والمستهلكات والمواطنات. وقد تزامن ظهور الإذاعة في البيوت، في العديد من البلدان، مع حصول النساء على الحق في التصويت.

قصص دخلت طيّ النسيان

البحوث التاريخية حول هذا الموضوع في تزايد مستمر. وقد أعادت الدراسات التي تناولت الوضع في الأرجنتين وأستراليا وألمانيا والولايات المتحدة وتركيا والسويد، إدخال النساء في تاريخ البث الإذاعي، وسمحت بالكشف عن قصص مُهمّشة وغالبًا ما تمّ تجاهلها حول نشاط النساء في الإذاعة. كما لاحظت التطورات الهامة التي ميّزت البرامج الموجهة للنساء، ولا سيما إعادة النظر في التعريفات المتعاقبة لمصطلح «المواضيع النسوية» المثير للجدل، مُسلّطة  الضوء على النقاشات حول أصوات النساء، في الإذاعة أو خارجها. وأظهرت تلك البحوث كيف أن هذه العلاقة رافقت عمليات التحول الديمقراطي والتحديث.

لعبت النساء دورًا أساسيًا في التطوير العام للإذاعة ولممارسات البث الإذاعي، سواء من أمام المصدح أو بعيدا عنه، وأثرت عليها أيّما تأثير. إن أشكال البرامج وأنواعها التي أصبحت معتادة اليوم، وبالخصوص المسلسلات والنقاشات، صُمّمت في الأصل من أجل جمهور نسوي. في الولايات المتحدة خلال ثلاثينات القرن الماضي، عندما كانت الإذاعة التجارية هي المهيمنة، كان للمستمعات دور هام باعتبارهن مستهلكات، فأصبحن يُمثّلن فئة مستهدفة في الإعلانات الإشهارية ومن الأطراف المساندة للإذاعات.

وكانت البرامج التي يتم بثها خلال النهار تُنعت بالبرامج «النسائية»، وسرعان ما احتلت المسلسلات الإذاعية قسطا وفيرا في البرمجة. وحسب ميشال هيلمز، أستاذة الدراسات الإعلاميّة والثقافية بجامعة فسكونسن-ماديسون في الولايات المتحدة والمتخصصة في مجال الإذاعة، سرعان ما تحولت تلك المسلسلات  إلى فضاءات مخصصة للنساء. وبينت الباحثة أن المسلسلات بدأت تدريجيا، وفي وضح النهار، في معالجة المشاكل والمخاوف التي تواجهها النساء الأميركيات في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

كما نلاحظ تطورا مشابها في أسلوب المجلات الإذاعية. وكان البرنامج البريطاني وومنز هاور (ساعة المرأة) الذي كان يُبثّ على بي. بي. سي. سنة 1946، مُوجّهًا إلى ربات البيوت. هذا البرنامج، الذي ركز في البداية على دور النساء ومسؤولياتها في المنزل، سرعان ما تطور في اتجاه استحضار حقوقهن السياسية والاجتماعية. وقد تناول وومنز هاور منذ بداياته مواضيع حساسة ومحظورة مثل انقطاع الحيض أو العلاقات الحميمية بين الزوجين.

صحفيات ورائدات

كما ساهمت النساء في تطوير أصناف إذاعية جديدة، منها بالخصوص البرامج الوثائقية الاجتماعية. ونذكر من بينهن على سبيل المثال أوليف شابلي (1910-1999)، التي انضمت إلى بي. بي. سي. سنة 1934، حيث كُلّفت ببرنامج تشلدرنز هاور (ساعة للأطفال). وكان الكساد الاقتصادي الذي غمر المملكة المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي قد رمى بمناطق عديدة من البلاد في الفقر، بما في ذلك منطقة مانشستر. فما كان لأوليف شبلي إلّا أن استخدمت عربات تسجيل متنقلة لتجول المنطقة وتتحاور مع الناس في بيوتهم أو في الشارع أو في مقر عملهم. وكانت برامجها الوثائقية طلائعية، من الناحية الفنية ومن حيث المواضيع التي تناولتها. وقد أنتجت قبيل الحرب العالمية الثانية برنامجا بعنوان ماينرز وايفز [زوجات عمال المناجم] اهتمّ بطريقة عيش النساء في قريتين، واحدة في مقاطعة دورهام في إنجلترا، والأخرى بالقرب من بيتون في فرنسا. وقد تمت ترجمة البرنامج في ما بعد وتمّ بثه في القسم الفرنسي لمحطة بي. بي. سي. أثناء الحرب.

كما ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية أولى مراسِلات للحرب من النساء وهي الصحفية الإذاعية الأمريكية بيتي وايسون (1912-2001) التي انتقلت أوّلا إلى أوروبا بتكليف من ترانسراديو براس سرفيس، وهي وكالة إخبارية تزود المحطات الإذاعية بالأخبار. ثم تم انتدابها من قبل وكالة سي. بي. أس. التي كلفتها بتغطية أخبار المعارك في النرويج، ثم في اليونان. لكن سرعان ما طُلب منها تكليف رجل بقراءة تقاريرها على الهواء. في ذلك الوقت، كانت أصوات النساء تُعتبر غير ملائمة مع هذا النوع من الأخبار. وقد صرّحت بيتي وايسون لاحقًا: «كانوا يقولون لنا بأن النساء ليس لهن القدر الكافي من الإقناع ومن الكفاءة لمعالجة المواضيع الجديّة». 

مذيعة رائدة أخرى: أودري راسل (1906-1989) التي كانت أول مراسِلة حربية في هيئة الإذاعة البريطانية بي. بي. سي. وقد أنجزت تقارير ومقابلات بين سنتي 1941 و 1945. كانت مهتمة أساسا بالواقع المعيشي للمدنيين خلال الحرب، وخاصة تأثير القصف المدفعي على دوفر وفولكستون. غير أن وضعها كامرأة حال دون تمكينها من الإبلاغ عن وقائع الحرب على الجبهة، وهو مجال كان آنذاك مخصصا لنظرائِها من الرجال. وعلى الرغم من العقبات التي واجهت كلا منهما، فإن بيتي وايسون وأودري راسل ساهمتا في إعادة النظر في هيمنة أصوات الرجال في المجال الإذاعي.

خلال الحرب، كان للإذاعة دور هام في توفير الدعم المعنوي على المستوى الوطني، ولكن أيضًا في الدعاية في الخارج. ونظرًا إلى أن الموارد المُتاحة في أمريكا اللاتينية مثل المطاط والنفط كانت حاسمة في المجهود الحربي للولايات المتحدة، تم إنتاج برامج إذاعية تهدف إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع السكان ومكافحة الدعاية النازية في المنطقة. وقد بيّنت بعض الدراسات أن جمهور النساء في أمريكا اللاتينية كان مستهدفا بشكل خاص باعتبارهنّ عناصر أساسية في القيم العائلية.

أما أن تكون الإذاعة وسيلة قادرة على التقريب بين النساء عبر الحدود، فهي فكرة تطورت بعد الحرب. وقد أدت إلى إنشاء الجمعية الدولية للنساء المُذيعات سنة 1951، التي اتسعت لتضم مذيعات التلفزيون سنة 1957. تأسست الجمعية التي ما زالت قائمة، بهدف تعزيز السلام من خلال تجميع النساء العاملات في القطاع السمعي-البصري حول تبادل الأفكار والمعلومات. وكانت المناضلة النسوية ومؤرخة الاقتصاد الهولندي يليمين (ليليان) هندريكا بوستوموس فان دير غوت (1897-1989) هي التي بادرت بإنشاء هذه الجمعية التي أصبحت اليوم تُمثّل شبكة عالمية تعدّ أعضاء من 54 دولة وتعمل على دعم المساواة بين الجنسين وعلى تعزيز دور النساء  ومشاركتهن في وسائل الإعلام والاتصال.

الحركة النسوية والإذاعة

إن تطور البرمجة الإذاعية الموجهة للنساء كثيرا ما كان مرتبطا بالحركة النسوية. وكان برنامج وومنز هاور، في أواخر الأربعينات وخلال الخمسينات من القرن الماضي، مرتبطا بعدة مجموعات نسائية في المملكة المتحدة، كما أن الفريق الأول للجمعية الدولية للنساء المُذيعات كان مرتبطًا بشكل وثيق بالحركة النسوية الدولية من خلال المجلس الدولي للنساء.

لم تكن المذيعات المشاركات في الجمعية يعتبرن أنفسهن بالضرورة مناضلات «نسويات»، إلا أن تلك الصفة كانت واضحة من عدّة أوجه. وكان اليوم العالمي للإذاعة 2014 مناسبة للاحتفال بالنساء في الإذاعة وتعزيز قدراتهن، ولكنه أبرز أيضًا أن المساواة بين الجنسين ما زالت تشكل تحديًا قائم الذات. 

ومع ذلك، كان المشروع النسوي وراء إنشاء العديد من الإذاعات المناضلة. ومن بينها محطة راديوراكال التي أسّست في أكتوبر 1982 في أوسلو (النرويج). وهي إذاعة غالبًا ما تقدم نفسها كأول محطة إذاعية نسوية في العالم. وقد تكفّلت بمهمة تدريب النساء في مجالات مثل الصحافة الإذاعية وهندسة الصوت. ومن هذا المنظور، تسعى المحطة إلى دعم تحقيق مقابلات حوارية مع النساء ومن طرف النساء. أما الموسيقى التي تبثها الإذاعة، فيشترط أن تكون، لحنا أو غناءً، من إنجاز النساء بنسبة 50٪ على الأقل.

وتُوفّر المحطات الإذاعية التابعة للتجمعات أيضًا فضاء هامّا لتعزيز قدرات النساء. وكثيرا ما تُوصف تلك المحطات بكونها النموذج «الثالث» للإذاعة باعتبارها تُمثّل البديل عن الإذاعة العموميّة أو التجارية، نظرا لأنها عمومًا لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي، ويعتمد تسييرها على مبدأ التطوع، وتسعى لصالح التجمعات المحلية التي غالباً ما تعاني من عدم اكتراث وسائل الإعلام التقليدية. وكما أوضحت كارولين ميتشال التي تدرس مادة الإذاعة كأستاذة مشاركة بكلية الفنون والتصميم والإعلام في جامعة ساندرلاند (المملكة المتحدة)، والتي شاركت في تأسيس فام أف. أم. وهي أول إذاعة بريطانية موجهة للنساء، فإن الإذاعة المجتمعية توفر «فضاء لتمثيل النساء ومشاركتهن ومقاومتهن».

هذه القراءة الجديدة لدور النساء كمذيعات ومستمِعات تلقي الضوء بصفة جديدة على تاريخ هذه الوسيلة الإعلامية. وإذا استثنينا الاختلافات البديهية بين راديو روشاني في أفغانستان، والمسلسلات التي تمّ بثّها في الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن العشرين، أو المحطة النرويجية المناضلة راديوراكال، فمن الواضح أن هذه الوسيلة الإعلامية كانت منذ بداياتها منبرا استحوذت عليه النساء بطرق مختلفة عبر الزمن.

 

اطلع على مقالات أخرى نشرتها رسالة اليونسكو حول الإذاعة.

كريستين سكوغ

أستاذة محاضرة في تاريخ وسائل الإعلام بجامعة بورنموث (المملكة المتحدة)، أنجزت كريستين سكوغ العديد من البحوث حول الإذاعة ووسائل الإعلام، وبصفة أخص خول دور النساء في تاريخ الإذاعة (النساء المذيعات والصحافيات، وكذلك الإذاعات الموجهة لجمهور النساء). كما شاركت في تأسيس الشبكة الأوروبية النساء و الإذاعة.