<
 
 
 
 
×
>
You are viewing an archived web page, collected at the request of United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) using Archive-It. This page was captured on 19:08:03 Nov 19, 2019, and is part of the UNESCO collection. The information on this web page may be out of date. See All versions of this archived page.
Loading media information hide

بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

فالباريزو: مدرسة وراء القضبان

cou_04_19_wide_angle_chile_internet_site.jpg

تقع مدرسة خوان لويس فيفيس داخل سجن فلباريزو بالشيلي. هذه المدرسة التي تأسست عام 1999 توفر للمساجين تعليما أساسيا وثانويا وتكوينا مهنيا.

تقع مدرسة خوان لويس فيفيس التي تأسست عام 1999 فوق مرتفعات مدينة فالباريزو المرفئية في الشيلي. تتمثّل خصوصيّة هذه المدرسة التي تأوي اليوم 550 مُتعلّما في كونها تتموقع في قلب سجن المدينة. يواجه فيها المُدرّسون يوميا الضغوطات التي يتسم بها عالم السجون، والصعوبات المرتبطة بتباين مستويات المساجين وحساسيتهم المُفرطة. فازت هذه المدرسة بجائزة اليونسكو-كونفوشيوس لمحو الأميّة 2015.

بقلم كارولينا خيريز هنريكاز، مكتب اليونسكو في سانتياغو بالشيلي

 

يقع سجن فالباريزو في حيّ تعصف فيه الرياح، مجهول من السيّاح وبعيد عن المركز التاريخي المُسجّل في قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما أنه حيّ من أقلّ أحياء المدينة  حُظوة. توجد داخل هذا السجن مدرسة خوان لويس فيفيس المخصصة للمعتقلين حيث يمكن لهم استكمال دراستهم التي كثيرا ما كانت مُتقطّعة، أو متابعة تكوين مهني. والهدف، في كل الحالات، هو تهيئتهم على أحسن ما يرام للحياة التي تنتظرهم خارج السجن بعد قضاء فترة العقوبة.

في مدرسة خوان لويس فيفيس، لا بد من وضع تصور جديد للنشاط، في كل يوم. وحسب تفسير أحد المُدرّسين «من المستحيل إعداد أي شيء بصفة مسبقة، لأن كل الأمور تتوقف على ما سيحدث داخل السجن، مثلا لما يتمّ القيام بعمليات بحث أو تفتيش. في بعض الأيام، نتمكّن من احترام التوقيت. ولكن، أحيان أخرى، يتعذّر علينا التدريس أصلا.»

تُناضل أستاذة التاريخ والتربية المدنية سنية ألفاريس منذ 40 سنة من أجل حق المعتقلين في التعليم. تقول سنية بينما تتسلق الدرج المُؤدّي إلى الطابق الثاني: «في السابق، كان يبدو لي أن شيئا ما ينقصني. أما اليوم، فأنا مقتنعة بأن ما أقوم به شيء ضروري». في الطابق الثاني، يقع الفضاء الجديد الذي صمّمته الأستاذة بنفسها وشيّدته داخل السجن بفضل أموال عمومية وخاصّة.

في الظروف التي يفرضها الواقع داخل السجن، توفر المدرسة تربية أساسية وتعليما ثانويا وتكوينا مهنيا في فن الطبخ والأكل الجماعي لتمكين المساجين من مهنة تُوفّر لهم فرص الحصول على شغل بعد خروجهم.

مسار هادف

حسب أرقام التنسيقية الوطنية الشيلية لتربية الشباب والكهول، تمّ إحصاء 75 مركزا تربويّا في المؤسسات السجنية في البلاد خلال سنة 2018، من بينها مدرسة خوان لويس فيفيس. العاملون مع سنية ألفاريس يُؤمنون بأن التعليم مسار يؤدّي إلى التحرّر، وأنه – وفقا لمبادئ باولو فراير، الأخصّائي البرازيلي في علم البيداغوجيا – يوفّر للأفراد وضعية اجتماعية جديدة، في السجن أو خارجه، تُساعدهم على التفكير وعلى إعطاء معنى لمسارهم.

يمثل التدريس في إطار السجن تحدٍّ يومي. بالنسبة لياسمين دابيك، إحدى المُدرّسات، «تلك الظروف تتطلّب من المُدرّس درجة عالية من الحماس والسهر المستمر على أن يكون تعليمه ملائما للوضع»، وتضيف: «على المُعلم أن يكون خلّاقا حتى يجعل تعليمه مُفيدا للمعتقلين. ويتمثّل دورنا، كمُدرّسين، في السماح لهم بمواصلة تعليمهم، وبأن تُصبح لهم كامل صفات المواطنة والقدرة على اتّخاذ القرارات الجيّدة».

لكن دور المدرسين لا يقتصر على نقل المعرفة. فهم يُساهمون أيضا في مساعدة المعتقلين على استرجاع احترام الذات. يقول خوزي، وهو من سجناء فالباريزو الذين يحضرون الدروس بانتظام: «الأساتذة لا يتعاملون معنا كمُعتقلين، وذلك شيء هامّ جدا». ويبين كارلوس، مُعتقل آخر: «في نظرهم، نحن أشخاص لديهم كرامتهم ويتمتعون بحقوقهم، وما يترقّبون منّا هو أن يكون وضعنا عند خروجنا من هنا أفضل ممّا كان عليه عند دخولنا. وهذا يتطلّب الشعور بالتعاطف»، ويواصل: «عندما نكون مع الأساتذة، في القسم، لا نشعر بأننا في السجن، بل نشعر بأننا أحرار».

إن الدروس، تلك اللحظات المُفضّلة خارج زمن السجن، تُوفّر أيضا فضاءات تسمح بتحرير الكلام والحديث في المواضيع صعبة التناول. ويُوضّح المعلم ليوبولدو برافو: «المعتقلون هم، في نظري، أشبه ما يكون بالناجين من الموت. كل معتقل هنا يُخفي وراءه مآسي رهيبة، وعلى المُدرّس هضم هذه المعلومات وخلق ديناميكية تسمح له بمواجهة هذا الواقع. فالأشخاص الذين يحضرون دروسنا مُستضعفون من كل النواحي. وبالفعل، يتمثّل دورنا قبل كل شيء في مصاحبة كائنات بشرية».

لذلك، يحظى المُدرّسون بمساعدة من جاسيكا ليون، الأخصّائية في علم النفس، التي يتمثل دورها مع فريقها المعني ببرنامج الاندماج الدراسي، في تشجيع المعتقلين على مزيد العطاء في عملية التعلّم ومساندة عمل المُدرّسين بشكل نشيط. وتفسر جاسيكا أنه «أمر حاسم، إذ يستوجب مجهودا كبيرا لإيجاد الوسائل لتجاوز الثغرات لدى المعتقلين في المستويين التربوي والنفسي. وبالنسبة لفريقنا، من الضروري الحفاظ على الانسجام في وضع مليء بالمشاعر المتناقضة.»

يعترف المعتقلون أنفسهم بأن مهمّة المدرسين والمدرّسات العاملين وراء القضبان ليست بالهيّنة، ويقولون بأنهم يُلاقون صعوبات شديدة في التركيز، وآسفين لعدم التمتع بالحيّز الزمني اللازم الذي يسمح لهم بالتقدّم كما لو كانوا في مدرسة تقليدية. ويُفسّر خوزي ذلك بالقول: «نحن مرتبطون تماما بمشيئة الحرّاس، وليس لنا جداول زمن مُسترسلة».

تجاوز جدار الصعوبات

وهناك حاجز آخر لا يقل أهمية: لا توجد مناهج تربويّة معدة خصيصا للمعتقلين أو تتناسب مع وضعهم. وفي الواقع، يعود على عاتق المُدرّسين أنفسهم، وبدون أن يكونوا قد تلقّوا تكوينا لذلك، إعداد الاستراتيجيات البيداغوجية، وتخطيط الأنشطة وتقييم المضامين حتى تكون دروسهم مناسبة ومُجدية.

غير أن الصفوف في المراكز السجنية تتكون عامّة من مستويات مُتعدّدة، ويكون فيها المُتعلّمون من أصول وذوي كفاءات مختلفة، ممّا يتطلب بالضرورة تخطيط الدروس الذي يمثل في حد ذاته تحدٍّ يومي كبير. وترى ياسمين دابيك: «علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كل هذه الأمور عند قيامنا بالإعداد ليوم العمل: التفكير في المضامين التي يجب أن نُدرّسها وفي القيم التي يجب أن ننقلها، لأننا نريد أن يبقى في أذهانهم شيء ما». ولتحقيق ذلك، يعتمد المُدرسون في خوان لويس فيفيس على منهج وزارة التربية الشيلية، مع تكييفه بما يُناسب مستويات المتعلمين واحتياجاتهم.

ويواجه المدرسون تحدٍّ آخر يتمثّل في تأهيل المتعلمين، لأن الكثير منهم مرّوا بمسيرات دراسية مُتعثّرة. كما يمثل التغيب عن الدروس عائقا إضافيا. ورغم كل ذلك، لم تبعث التحديات المتكررة الشعور بالإحباط في عزائم المُدرّسين. ويختم الأستاذ برافو بالقول: «نحن على يقين بأن التعليم يحدث التغيير. وها أننا نشاهد حدوث التغييرات مع مرور الزمن. وهذا من شأنه أن يزيدنا عزما».